الروائية هان كانغ 한강!

أول كورية تنال جائزة مان بوكر..

فريال صالح الحرفوش


◀ سنحاول في هذا المقال تسليط الضوء على الكاتبة (هان كانغ Han Kang) المولودة عام 1971، بعدما فازت بجائزة (مان بوكر الدولية Man Booker International Prize)
 لاسيما أنها أول كورية جنوبية تنالها.

◀ لقد بدأت الروائية حياتها الأدبية بكتابة الشعر، ثم كتبت القصة القصيرة والرواية، إضافةً إلى عملها في مجال الصحافة.
 

◀ أما الرواية التي نالت عنها الجائزة فهي روايتها الثالثة، وقد كانت كتبت فكرتها قبل سنوات كقصة قصيرة بعنوان: (فاكهة امرأتي) قبل إعادة كتابتها كرواية بعنوان جديد (النباتية)1، وصدرت بطبعتها العربية عام 2018.

***
 

أطلقت الكاتبة لقب النباتية على بطلة روايتها (يونغ هيه) لامتناعها عن أكل اللحوم بأنواعها. ليس للعناية بجسدها ليصبح أكثر جمالاً وجاذبيةً، وليس بسبب تعاطفها مع الحيوانات الضعيفة، بل لأنّ ثمةَ وجهاً من اللحم الطري ملوثاً بالدم الأحمر القاني يظهر بأشكال عديدة في كوابيس مخيفة تبقيها تعاني الأرق طوال الليل: (كنت أعتقد أنني لو امتنعت عن أكل اللحوم فقط، لن يظهر هذا الوجه، لكن ذلك لم يفلح). ورغم ذلك لم تعد المرأة المذعورة إلى أكل اللحوم بعدما اشمأزت من الدماء النازفة منها، واشمأزت من رائحتها، وكرهت طعمها.

قبل ذلك بسنوات كانت (يونغ هيه) امرأة عادية ليس فيها ما يميزها عن باقي النساء، وربما كانت تبدو كما يصفها زوجها: (متوسطة الطول، شعرها متموج، لا هو بالطويل ولا القصير، بشرتها مصفرة كأنها سقيمة، وعظمي وجنتيها ناتئين بعض الشيء. هكذا أخبرني مظهرها الخجول الشاحب بكل ما احتجت أن أعرفه). وهذا الرجل المجرد من أي طموح رغب بالزواج من تلك المرأة لإدراكه أن امرأة مميزة بجمالها أو ثرائها لن تقبل بالاقتران به. ورغم ذلك لم يعد يستطيع احتمال زوجة تنظر إليه كرجل غريب، حتى إنها لم تعد تسمح له بلمسها والاقتراب منها لبغضها رائحة وملمس جلده المترهل، فرحل عنها بأنانيته المفرطة دون أسف على عشرة امتدت لسنوات.. غير عابئ بتأثير الطلاق على وضعها النفسي والصحي اللذين كانا في تراجع من يوم لآخر.

والد (يونغ هيه) ضاق ذرعاً بما أصابها، وحاول صرفها عما عزمت عليه بإجبارها على مضغ اللحم بالقوة. وكانت ردة فعل البنت المخذولة أن تقيأت ما في أحشائها، ثم قطعت شرايين يدها أمام أفراد الأسرة وكأنها تدينهم على قسوتهم بتجاهل مشاعرها، بل وتحملهم أسباب إقدامها على هذا الفعل اليائس.

كان زوج أختها الكبرى مولعاً بالمرأة النحيلة حتى الهوس، وما إن تماثلت للشفاء حتى طلب منها السماح له برسم النباتات والزهور على جسدها التي برزت عظامه الدقيقة، فرحبت بالأمر ببراءة، ربما لأن هذا يحولها بطريقة ما إلى كائن نباتي بالفعل، واستسلمت للريشة الناعمة، والألوان التي غطت كامل جسدها.

اكتشفت الأخت الكبرى حيل زوجها الدنيئة للنيل من أختها المضطربة عقلياً فطردته من حياتها إلى الأبد، ولكنها لم تتخل عن المريضة المغلوبة على أمرها وقد تخلى عنها الجميع، وأخذتها إلى المصحة النفسية، وكانت تزورها من حين لآخر لتروي لها ذكريات الطفولة لعلها تعيدها إلى رشدها، ولكن المريضة المنهارة لم تتفاعل مع تلك الذكريات التي نسيتها منذ سنوات، فلم يعد في رأسها المشوش غير بقايا أحداث غير سارة تركت في نفسها أثراً سيئاً غير قابل للمحو. وهنا يتضح أن جذور مرض الشيزوفريينا الذي أصابها يعود بأصوله إلى الطفولة، وهذا ما جعله مرضاً معدياً من الصعوبة الشفاء منه بسهولة، فهو يحدث انفصالاً كاملاً بين المريض وواقعه، وفي مراحل متقدمة يصيبه بهلاوس بصرية أو سمعية، وقد يؤدي به في نهاية المطاف إلى الانتحار، وهذا ما حدث بالفعل مع بطلة الرواية التي زاد اضطراباتها العقلية:
"تطلعت يونغ هيه في الجناح الذي لا يوجد فيه أحد غيرهما كأنها ستفشي سراً مهماً، وقالت:
- لستُ في حاجة إلى تناول الطعام وما شابه ذلك. يمكنني أن أعيش على أشعة الشمس فحسب.
- ما هذا الذي تقولينه؟ أتعتقدين حقاً أنك قد أصبحت شجرة؟ كيف يمكن لنبات أن يتكلم؟ كيف تفكرين على هذا النحو؟ التمعت عينا يونغ هيه، وارتسمت على وجهها المشرق ابتسامة غامضة ثم قالت:
- يا شقيقتي الكبرى! كلامك صحيح... الكلام والأفكار ستختفي جميعها حالاً. ثم اندفعت ضاحكة ملتقطة أنفاساً لاهثةً، وهي تقول:
- فوراً بالفعل. انتظري قليلاً يا شقيقتي الكبرى".

فبعدما امتنعت (يونغ هيه) عن أكل اللحوم حرمت نفسها من أكل الخضراوات والفواكه أيضاً، وهذا ما أدى إلى تدهور صحتها بشكل سريع، لا سيما أن جسدها لم يعد يستجيب للتغذية عن طريق الحقن، فبات الموت على مبعدة أيام قليلة من النباتية وقد ظنت أن الماء وأشعة الشمس كافية لتعيش ككل النباتات والأشجار!

ثم تنتهي الرواية و(يونغ هيه) في طريقها إلى مصحة أخرى لعلاج حالتها المستعصية.

ولعل المؤلفة أرادت إبقاء شيء من الأمل في أن تحدث المعجزة وتورق الحياة من جديد في نفس المرأة النباتية، التي لم تستطع العيش ككل البشر الذين لا تخلو حياتهم من المعاناة.

لقد نجحت الكاتبة (هان كانغ) في معالجة موضوعها بأسلوب بسيط يخلو من التعقيد، وهذا الخيار لا يعد نقيصةً في حق الكاتبة لأنها نجحت في إقناع القارئ بشخصياتها، كما صورتهم بسلوكهم وطيبهم ونزواتهم ضمن سياق الأفعال التي صنعوها بما يتناسب مع طبيعتهم، وهذا ما يسجل لصالح المؤلفة التي اختارت موضوعاً أصيلاً لم نشهد ما يشابهه على كثرة الروايات المطروحة للقراءة أو الجوائز.




1. النباتية: ترجمة: محمود عبد الغفار
الناشر: دار التنوير، بيروت. الطبعة الأولى: 2018
.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها