الترجمة بين الثقافات!

البحث عن المعاني قبل الكلمات

ترجمة: مروى بن مسعود

By: GRIFFIN SUBER​

كيف يسافر الكتاب عبر الثقافات؟
يقدّم مترجمو الكتب لمحة عن التفاصيل الدقيقة في فنّهم، ويكشفون عما يمكن أن يتوقعه المؤلفون خلال هذه العملية.
 

عندما بدأ عالم الفلك الإيطالي جيوفاني فيرجينيو شياباريللي في رسم خرائط للمريخ في عام 1877، وصف مناطق معتمة ومضيئة على سطح الكوكب بأنها "بحار" و"قارات". بسبب الوهم التلسكوبي الذي لم يكن معروفًا في ذلك الوقت، قام أيضاً بتمييز ما كان يعتقد أنها أخاديد، وأطلق عليها العبارة الإيطالية كانالي canali. أخطأ أقرانه في ترجمتها إلى قنوات، مما أطلق العنان للنظرية القائلة بأنها هياكل صناعية من تدبير الحياة الذكية على المريخ. كان عالم الفلك الأمريكي بيرسيفال لويل من أشدّ المؤمنين بوجود القنوات، ورسم خرائط لمئات منها، وألّف ثلاثة كتب حول هذا الموضوع. أثّرت أعمال لويل على الكاتب الشاب إتش. جي. ويلز، الذي كان ألّف كتابه، "حرب العوالم".

الترجمة فن دقيق. عندما يتم التعامل معها بطريقة سيئة، يمكن أن تقوّض السياسة الخارجية، وتغرق حملات التسويق، وفي حالة كل من شياباريللي ولويل وويلز، تفرز نوعًا أدبيًا بين المجرات. بإتقان هذا الفنّ، يبدو العمل المترجم، في نظر القارئ، أصيلاً.

في أطروحتها حول الترجمة، "لماذا تعتبر الترجمة مهمة"، حدّدت إديث غروسمان الوظيفة المتناقضة للمترجم: "ألسنا مجرد خادمات ورجال أدب متواضعين ومجهولين، الخدم الممتنين والمذعنين في صناعة النشر؟ الإجابة المناسبة هي لا؛ لأن الوصف الأساسي لما يفعله المترجمون هو كتابة -أو ربما إعادة كتابة- في اللغة (ب) عملًا أدبيًا مؤلفًا في الأصل باللغة (أ)، على أمل أن يتمكّن القراء من اللغة الثانية [...] من إدراك النص، عاطفياً وفنياً، بطريقة توازي وتتوافق مع التجربة الجمالية لقرائه الأصليين".

قال جونتر جراس، الروائي الألماني والحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1999، "الترجمة هي التي تغيّر كل شيء بحيث لا يتغيّر شيء". وصف ميغيل دي سيرفانتس الترجمة على أنها الوجه الآخر من النسيج. لنأخذ الأدب مثالاً. بالإضافة إلى دقّة اللغة، الأسلوب الذي يمكن أن تكشف من خلاله كلمة واحدة، أو سطراً منفرداً من الحوار عن طريقة تفكير الشخصية أو ذكائها أو مكانتها الاجتماعية، نجد الإيقاع المقصود للنثر. أوصاف باروكية منمّقة، جمل سريعة الحركة، توجيه خاطئ، فكاهة، إيجاز همنغواي سكي، جمل فولكنر-إسك، استعارات بارعة، كلها أدوات يستخدمها المؤلف لتوجيه القارئ عبر عالمه. من واجب المترجم، من خلال القياس والمفردات وفهمه النقدي، أن ينقل القطعة التي يترجمها، مع الحيل الأسلوبية وغيرها، إلى العالم الغريب للغة الهدف.

أعيش في سنغافورة التي، بصفتها مستعمرة بريطانية سابقة تتدلى من طرف ماليزيا، تحتل مفترق طرق لغوي فريد. على الرغم من أن الأعراق المهيمنة في سنغافورة هي الصينية والماليزية والهندية، فإن اللغة الإنجليزية هي لغة الحكومة والأعمال. عندما حصلت الدولة - المدينة على الاستقلال، اعتقد القادة في ذلك الوقت أن اختيار لغة الماندرين بدلاً من لغة الملايو، على سبيل المثال، سيؤدي إلى تأجيج التوترات العرقية. لذلك، نجد لافتات الشوارع باللغة الإنجليزية، ولكن معظم السكان يتحدثون لغتين، والجزيرة مليئة بلهجات الكريول المختلفة. تعد سنغافورة مثالًا نادرًا عن اللغات المختلفة التي تشترك في ثقافة واحدة، مما يجعلها ساحة مثالية للمترجمين.

أردت أن أعرف بالضبط كيف يغيّر المرء كل شيء بينما لا يغير شيئًا. كيف تتفاعل الحبكة والشخصية مع بيئتها الأجنبية الجديدة؟ شيلي براينت مؤلفة وباحثة ومترجمة تجيد اللغتين الصينية والإنجليزية، قامت بترجمة أعمال خيالية وواقعية وشعرية، وحتّى أعمالها الخاصة إلى لغات متعدّدة. تقول براينت: "أسلوبي في الترجمة هو أولاً أن أرى نفسي قارئًا". "سأقوم بعمل المسودة الأولى للترجمة قبل أن أستشير أي شخص آخر، ثم لدي فريق من المترجمين الذين أعمل معهم ونتحقّق دائمًا من عمل بعضنا البعض. تعد قراءة المراجعات الأدبية باللغة الأصلية أمرًا مهماً لمعرفة مدى تأثيرها على تلك الثقافة. من الواضح أن الكلمات مهمّة، ولكن في كثير من الأحيان لا تُحدث الترجمة الحرفية نفس التأثير كما في اللغة الأصلية. في بعض الأحيان تحدث تأثيراً عكسيّاً. لذلك، من الأمثل، التأكد من نقل التأثير المناسب بدل التركيز على الكلمات".

بصفتها شخصية أدبية، تؤيد براينت فكرة رولان بارت "موت المؤلف". تشير هذه الفلسفة الأدبية إلى أن التفسير الفردي للقارئ أكثر أهمية من نيّة المؤلف، وبالتالي، سيتم دائمًا إعادة صياغة معنى النص مع كل قراءة جديدة.

بالنسبة للمترجم، يمكن أن أرى كيف تبدو هذه النظرة منطقية. غالبًا ما تتم الترجمة بعد سنوات من نشر العمل الأصلي، بمجرد أن يكتسب الأثر زخمًا في لغته الأصلية. إذا كان المؤلف ما يزال على قيد الحياة، عادةً لا يوافق على الترجمة؛ لأنه لا يتحدّث اللغة الجديدة، وبالتالي لا يمكنه تقييمها. إضافة إلى ذلك، إذا حصلت الترجمة بعد 5 أو 10 أو 15 عامًا لاحقاً، فلن يكون المؤلف هو نفس الشخص الذي اختار الكلمات. عندما تُرجم عمل براينت إلى اللغة الصينية، التي تتحدث بها، تركت الأمر للناشر ليحكم فيما إذا كانت الترجمة مناسبة أم لا.

ما يقوله غروسمان وجراس وبراينت أساسيّ في فن الترجمة: إنه يتعلق بالتقاط ما قصده المؤلف، لا الاكتفاء بما قاله. الأهم من ذلك هو أن العمل الجديد مرتبط بالجمهور الجديد. تختار براينت، التي تُشرف على تدريب المترجمين كجزء من برنامج الماجستير في جامعة نانيانغ التكنولوجية، ترجمة صعبة عبر الثقافات وتستخدمها غالبًا كمثال. "ترجمت عملاً لمؤلف تقمّص في العديد من قصصه القصيرة دور الشخصية - الوالد في العائلة، وهو يستحم مع طفله". وتضيف: "في المجتمع الآسيوي، لا يوجد شيء غريب في ذلك على الإطلاق، إنها علاقة رعاية وهو مقدّم رعاية. ولكن عندما نترجم ذلك إلى اللغة الإنجليزية، وخاصة مع الثقافات الناطقة بالإنجليزية في الغرب، فقد تثير دهشة القرّاء. قد يقولون "ماذا؟ لماذا يستحم هذا الأب مع طفله"؟ وقد يثير ذلك أسئلة لا يلزم طرحها لهذه الشخصية".

عندما يرسم القرّاء شخصية ما في أذهانهم، يكون من الصعب التخلّي عن هذه السمات الأساسية، لذلك يجب التخلّص من أي ارتباك محتمل. من المفترض أن يكون الأب في النص الأصلي هو مقدّم الرعاية، ولا شيء آخر. هنا، الاستحمام هو المعادل الثقافي لـ"مرافقة الطفل إلى الداخل"، وقد تم تمييزه بهذه الطريقة لمقارنة الأب النموذجي الذي ينغمس في العمل كثيراً، ولا يهتم بطفله.

تقول براينت: "بهذا المثال، ما زلت أترجم المشهد إلى أن أقول إنه استحم بالفعل مع الطفل، وبدلاً من ذلك أكتب: إنه ساعد الطفل في تنظيف أسنانه، وهيّأه للنوم.

"مثال آخر في الثقافة الصينية عندما يخرج شخص ما لسانه. يفعلون ذلك لأنهم محرجون أو ربما يضحكون. وهذا ليس من اللؤم أو السخرية. مع هذا النوع من الأشياء، يمكنني فقط أن أضيف جملة قصيرة: لقد أخرجت لسانها "بسبب الحرج". في هذه الحالات، عليك تضمين الإشارات".

كلمتان هو كل ما يتطلبه الأمر في بعض الأحيان. في أوقات أخرى، تقترح براينت حذف فصل كامل. حقًا، الترجمة هي فرصة أخرى للتعديل. صناعة النشر الصينية، على سبيل المثال، نادرًا ما تُخضع الرواية لاختبار تعديل المحتوى، وتركّز بشكل أساسي على التدقيق اللغوي وتحرير الأسطر. في بعض الأحيان، يكون التغيير الهيكلي أو السردي الرئيسي بطلب من الناشر، والأمر متروك للمترجم لتسهيل هذه الحواف. عادة، يتشرف المؤلفون بترجمة أعمالهم ويرحبون بأي تغييرات عليها.

في حين أن الأدب الواقعي عادة ما يكون أكثر موضوعية وبالتالي يتطلب تحولًا أسرع، فإن الخيال، وخاصة المترجم، يتميّز بديمومة أكبر. بين البحث والمراجعة والمسودات المتعددة والورقات مع الناشر، لا تكون الترجمة عملية سريعة. تقول براينت إن ترجماتها تستغرق حوالي عام في المتوسط، ​​وأن أطولها استغرقت أربع سنوات. إذن، مع كل هذا العمل، كيف يختار الناشرون ما سيترجمونه؟

تحدثتُ مع جيسون لوندبيرج، محرّر الروايات في دار Epigram Books، ومقرها سنغافورة. أخبرني، بخيبة أمل صريحة، أن الأمر يتعلق بما سيبيع. "للأسف، لا يتم بيع الترجمات مثل العناوين الأصلية باللغة الإنجليزية، لذا إذا كان العنوان أكثر تخصّصًا، فنحن بحاجة إلى التأكّد من أنه يمكننا على الأقل تحقيق توازن، إما بمنحة حكومية أو دعم خارجي. هذا بالإضافة إلى جميع المعايير العادية التي نقوم فيها بتقييم الطلبات". إنها عملية حسابية دقيقة: ما سيشتريه القرّاء مقسومًا على ما سيحفّزهم على المجازفة.

عند البحث عن الأعمال المراد ترجمتها إلى الإنجليزية، يبحث الناشرون مثل Epigram عن الروايات التي فازت بجوائز الأدب المحلي، أو التي كتبها مؤلفون بارزون. يتشاورون مع المحررين والنّقاد المطلعين على الأعمال الأدبية بتلك اللغات الأصلية. ولأنهم بحاجة إلى أعمال موجّهة للسوق الخارجية، يبحث الناشرون أيضًا عن قصص تكون مواضيعها ورسائلها عالمية، وتتجاوز القضايا المحلية البحتة.

عند اختيار المترجم، لدى Epigram مجموعة كاملة من المساهمين الثقات. ويتم إعطاء عينة من النصوص للأسماء المنتمية حديثاً لتقييم عملهم من حيث الدقة والوضوح والإبداع. يقول لوندبيرج: إن أسوأ ما في الترجمة هو عدم وجود حياة فيها. "نحن ناشر أدبي، لا نبحث عن ترجمات أكاديمية فردية، بل عن تفسير لغوي للنص. إذا كان هناك عدة مرشحين، فإننا نناقشهم داخليًا، وكذلك مع مؤلف العمل الأصلي؛ لأننا نريد التفاهم والاتفاق مع كل طرف في العملية".

على الرغم من أن معظم المؤلفين لا يلتقون أبدًا بمترجميهم، فمن الضروري أن يشعروا بالحيويّة في أعمالهم. يمكن للمترجم طرح الأسئلة على الناشر كوسيط، ولكن مرة أخرى، لا يمكن للمؤلفين تدقيق الترجمة إلا إذا كان لديهم قريب أو صديق مقرب يتقن اللغة الجديدة. كان هذا هو الحال بالنسبة للروائي السنغافوري والفائز بالميدالية الثقافية ينغ بوي نغون. كان يواجه صعوبة في العثور على مترجم ينقل جوهر عمله، شخص يمكنه ترجمة كتاباته دون أن يشعر القارئ بأنها مترجمة. وقد عثر عليه أخيراً على مائدة العشاء.

لم تتلقّ زوجته، جوه بينج تشو، تدريباً رسمياً على الأدب الإنجليزي؛ لقد كسبت عيشها كعاملة اجتماعية وصحفية تكتب للقسم ثنائي اللغة في مجلة The Straits Times. ولدت في أسرة منخفضة إلى متوسطة الدخل، وكان تلقّيها للغة الإنجليزية أساساً من محطة إذاعية تبث أغاني بوب من إنجلترا وأمريكا. "عند الاستماع إلى كل هذه الأغاني والتحقّق من المعنى، وقعت في حب اللغة الإنجليزية". "أعتقد أن اللغة الإنجليزية تشبه الموسيقى. لحسن الحظ، كتابة زوجي عالمية للغاية. إنها تلامس قلب الإنسان، ولا تستخدم كلمات معقّدة. لقد تأثّر بالفلسفة الغربية، سارتر بالخصوص، لذا يمكنك ترجمة عمله إلى أي لغة وسيستمتع القرّاء بجمال فلسفتها وأسلوبها وتقنياتها".

بالنسبة لجوه بينج تشو، فإن الخطوة الأولى للترجمة تمر عبر فهم النص. من هنا، فإن أهم أداة لبناء جوهر القصة بلغة أخرى هي المفردات القوية. اختيار الكلمة الصحيحة، دون إساءة فهم السياق الثقافي المناسب على أيّ من الجانبين، يمكن أن يكون اختصاراً للترجمة، شرط استخدامه بشكل صحيح: "يتعلّق الأمر بجعل اللغتين متساويتين". "لا يجب أن يبدو الأمر وكأنك تشرح كل جملة على انفراد".

تحت نفس السقف، غالباً ما كانت جوه بينج تشو تستشير زوجها بشأن ما يقصده. كانت قادرة على استخراج جوهر رواياته حيث فشل بقيّة المترجمين. في قصة "Misdelivered Mail" (البريد المضلل)، وهي قصة قصيرة عن شاب يحاول إرسال بريد إلكتروني بنفسه إلى الولايات المتحدة، وينتهي به الأمر في مستشفى للأمراض العقلية، أمكن للمترجمة التقاط روح الدعابة في العمل الأصلي. ربما تكون الكوميديا الأداة الأدبية الأكثر تحدياً للتواصل عبر الثقافات، ولكن من خلال الحوار الساخر والإيقاع والوصف العبثي، نجحت في ذلك.

"لفترة طويلة، لم تحظ الكتابة الجيدة باللغة الصينية باهتمام كبير -وبينما لن يصدقني الناس إذا قلت إن كتابة زوجي هي الأفضل، يمكنني القول إنه من أفضل الكتابات- لذلك شعرت بضرورة نقل عمله إلى الإنجليزية. قلت في نفسي: كيف بحق الجحيم، افعلي كما تعلمين، فقط افعلي ما بوسعك. إذا لم أفعل أي شيء، فلن يعرف أحد عنه شيئاً". بمجرد نشر هذه القصص القصيرة، حاز عمله اهتماماً أكبر. اكتشف ناشر في ميلانو العمل، وسرعان ما ظهرت ترجمة إيطالية للنسخة الإنجليزية التي كتبتها زوجة الروائي.

بعيداً عن قرارات الإملاء والتعديلات الهيكلية، تكمن أهمية الترجمات الجيّدة. هناك حجّة على الجانب المتكبّر من الطيف تدّعي أن الترجمة الحقيقية غير ممكنة. يقولون إنك ستعمل فقط على ذبح النثر الأصلي، لذا لا تحاول. أخبرتني بينج تشو جوه أن هذه الفكرة قاسية على المترجمين. بالنظر إلى الأعمال المترجمة التي نشأنا عليها جميعًا –"يوميات آن فرانك"، و"بينوكيو"، و"الكيميائي"- أوافقك الرأي. ولكن حتى أبعد من ذلك، مثل هذه المعتقدات قصيرة النظر تحجب كتابات المؤلفين من أسواق مغمورة، وتحرم القرّاء في جميع أنحاء العالم.

أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع المؤلفين للكتابة هو مشاركة أفكارهم وقصصهم مع أكبر عدد ممكن من الأشخاص. لولا جوه بينج تشو، لما خرج عمل زوجها أبدًا من القسم الصيني في مكتبات سنغافورة، الدولة التي لا تعتبر الماندرين اللغة السائدة فيها. تقدّم الترجمة زخماً هائلاً للقرّاء، مما يسمح للموهبة والتقنية المختصرة في ثقافة معينة بإلهام وتحفيز الآخرين في جميع أنحاء العالم وعبر الأجيال. منذ أقدم القصص، على غرار "جلجامش والإلياذة"، تعرّفنا على رحلة البطل التي نجدها في كل روايات الجريمة تقريباً، وأفلام هوليوود المثيرة اليوم. من منّا يتصوّر شكل الخيال الحديث من دون "دون كيشوت"؟ وكيف يمكن أن تكون التنبؤات من دون بندقية تشيخوف؟

في كتابه "لماذا تعتبر الترجمة مهمّة"، يشير غروسمان إلى التبادل المثمر الذي تتيحه الترجمات. عندما التهم الشاب غابرييل غارسيا ماركيز روايات ويليام فولكنر، استوعب الصور "الأسطورية، والتاريخية الكبيرة، والمتعدّدة الأجيال" للأرض وشعبها واستخدم مؤلفين مثل: فولكنر كنوع من المرشدين لمسافات طويلة.

مع هذه التأثيرات، طوّر ماركيز أسلوبه الخاص، وألهمت ترجمات أعماله جيلًا أصغر سناً في بلدان أخرى مثل: سلمان رشدي، ومايكل شابون، وتوني موريسون، وغيرهم. يقول غروسمان: "كلما زاد عدد الكتب من الأماكن المتاحة للمؤلفين الجدد، زاد التدفق المحتمل للتأثير الإبداعي، وتوهّجت الشرارة التي تشعل الخيال الأدبي". تلعب الترجمة دوراً أساسياً لا يقارن في توسيع الآفاق الأدبية من خلال تخصيب اللغات المتعدّدة. لن يكون من الممكن تصوّر مجتمع عالمي للكتاب دون ترجمات".

منذ سنوات عشت في بوينس آيرس. في إحدى الليالي، بالقرب من بداية إقامتي، كنت أنا وصديقي نقسم زجاجة نبيذ مع رفيقته الفرنسية الجديدة. كانت، بالطبع، تتحدث الفرنسية بطلاقة، ولا تتحدث الإنجليزية، مع قليل من الإسبانية. كنت أنا وصديقي نتحدث الإنجليزية، وبعض الإسبانية، ولم نكن نتحدث الفرنسية.

جلسنا على الشرفة لساعات في محاولة للترابط على رغم المسافات بين لغاتنا الأم. الإسبانية كانت الجسر المعلق الرديء بين الجانبين. لقد قامت بعملها، رغم الألواح الخشبية المفقودة والحبال المهترئة. كنّا نتواصل، عبر لغة العيون والسلوكيات الودية، وشاركنا مودتنا ورسائلنا مع بعضنا البعض، لكنها كانت ليلة مليئة بالجمل اللاحقة والإيماءات. في النهاية، تواصلنا في المقام الأول عبر لغة الإيماءات التمثيلية charades، وهي، كما خمّنت، كلمة فرنسية.

بالطبع، كلنا نعرف كلمة charades. مثلما نعرف هايكو اليابانية وschmooze (وتعني تحدث) في العبرية. على غرار هذه الكلمات، يساهم المترجمون في الحرج عن الأجنبي. إن التبادل الثقافي للأفكار –عبر الترجمات– لا يوسّع آفاق الأدب فحسب، بل اللغة بحد ذاتها. حتى لو كانت اليابانية أو العبرية غريبة عنك، كما كانت لغة المريخ غريبة عن إتش جي ويلز، فإن كل قصة نترجمها تقرّبنا من فهم بعضنا البعض.


المصدر
https://www.writersdigest.com/be-inspired/finding-the-words
مجلة Writer's Digest عدد يناير/فبراير 2021
جريفين سوبر: كاتب أمريكي، له العديد من الكتب في الثقافة والفن، واستكشاف وجهات النظر المتنوعة.

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها