في حب التنين الأصفر

والحوار بين الثقافات

سهير الرجب


الخطاب الروائي لدى الروائية الإماراتية فتحية النمر خطاب مفتوح على التجريب، سواء على مستوى الشكل أو على مستوى الموضوع أو على مستوى التشكيل، فهي في كل رواية تتجاوز تجاربها السابقة؛ لأنها تراهن في تجربتها الروائية على إيقاع مختلف، وجديد، وفي روايتها الجديدة (في حب التنين الأصفر) الصادرة حديثاً في بيروت، والحائزة على جائزة الشارقة لإبداعات المرأة الخليجية، في دورتها الثانية 2019، قدمت رؤية جديدة للحوار بين الثقافات، منطلقة من أهمية الحوار مع الذات قبل الحوار مع الآخر، فهي منذ العنوان الذي يعد عتبة مكثفة لموضوع الرواية تحدد الإطار العام لروايتها بإشارتها إلى الصين التي يرمز لها بالتنين الأصفر، فالعنوان حدد الإطار المكاني والزماني، وموضوع القصة العام بجملة محملة بمرجعباتها الثقافية دون أن تقع في مطب الخطابية والمباشرة.

 


الرواية سيرة الشاب (علي) الذي يصغر أخاه خلف بسنوات قليلة، وقد قرر فيها الذهاب إلى مشفى الأمراض النفسية.

نشأ علي تحت سلطة الأم التي أرادت أن تصنعه على عينها وأن تورثه حب القراءة، فاستغرق في عالم الكتب والقراءة والروايات ليعيش عزلة عن المجتمع، بشخصية مختلة نفسياً وسلوكياً، ما جعله دائماً في حالة تردد في اتخاذ قراراته، رغم رغبة الأب في تحريره من سلطة الأم وتربيتها القاسية، كي ينشأ الشاب تنشئة سوية.

وفي غمرة بحثه عن ذاته يقع الشاب في غرام قاطعة التذاكر الصينية التي يقيم معها علاقة تحمل على إثرها فيضربها خوفاً من الفضيحة وخوفاً من أمه، ما يوقع بها الأذى حتى تلد مولوداً ميتاً وتموت هي الأخرى مخلفة في نفسه عقدة ذنب لم يستطع أن يتخلص منها.

تتوالى الأحداث بين سفره إلى الصين للتعرف على أهل حبيبته الراحلة، وعودته وتعرفه على الفتاة (أسماء) التي تعيش في كنف جديها المثقفين جدتها الأديبة التي تكتب الروايات وآخرها رواية قاطعة التذاكر. وجدها صاحب الجامعة الخاصة لأن والدها في غيبوبة إثر حادث، وأمها تزوجت من عمها المتوفاة زوجته بموافقة الجدين.

لتبقى النهاية مفتوحة على التأويل، في العودة إلى البداية حيث علي في المشفى، والنهاية المرهونة بين زيارتين زيارة صديقه أمجد وخياراته، وزيارة الجدة وأسماء وخياراتهما

الخطاب الروائي بناء مدهش متماسك على مستوى البناء الزمني أو بنية الفضاء المكاني أو بناء الشخصيات والأحداث، حاولت الكاتبة أن تنوع في خيارات السرد والحوار والتقنيات الزمنية من استرجاعات واستباقات وحذف وتلخيص، فتراوح السرد بين التسريع حيناً، وبين الإبطاء بارتهانه إلى الوقفات الوصفية أو المشاهد الحوارية.

اللغة في الرواية شافة ما جعلها أقرب إلى الشعرية في صياغاتها وتراكيبها ومجازاتها وصورها.

وحين نختبر الرواية في الرؤية والفكرة التي استغلت عليها الكاتبة، فقد حاولت أن توسع الإطار أو الفضاء الموضوعي في الرواية النسائية الإماراتية، لتخرج عن طار موضوعات المرأة وقضاياها التي طرحت مراراً وتكراراً في الرواية النسائية العربية، لتقدم لنا فكرة تتصل بالفضاء الإنسان وحوار الثقافات والحضارات، على خلفية مقارنتها بين الثقافة الصينية، والثقافة العربية الإسلامية في الإمارات، وذلك من خلال العادات والتقاليد والطقوس الاجتماعية والدينية، أما على المستوى الأقرب فقد طرحت العلاقة بين الأجيال بين الأبناء والآباء والأجداد والأحفاد، وطبيعة التنشئة الاجتماعية في الأسرة، ودور الثقافة في تنشئة الجيل الجديد، دون أن تشكل عبئاً على ذاته وشخصيته.

الرواية في الرؤية العامة تطرح سؤال الذات أمام سؤال الآخر، كما تطرح الحوار مع الذات أمام ذاتها قبل الارتهان إلى الحوار مع الآخر؛ أي أنها تقدم وجهة نظرها من طبيعة الحوار بين الثقافات والحضارات، وحتى بين الأديان لأنها تطرح فكرتها على خلفية الرؤية الإنسانية المفتوحة على الفضاء الإنساني الواسع.

لا شك تمثل هذه الرواية خطوة متقدمة في مسيرة الكاتبة فتحية النمر، وفي مسيرة الرواية النسائية الإماراتية، التي تحاول أن تقدم تجارب مختلفة في المشهد الروائي الخليجي والعربي، برؤى فنية جديدة في المبنى والمعنى.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها