المشاكل الأخلاقية الحديثة

آداب التّطرّق لموضوع السّمنة

ترجمة: حسام حسني بدار

بقلم: شارلوت كوران Charlotte Curran

 


تخبرنا شارلوت كوران على وجه التحديد لماذا يعتبر التّشهير بالسّمنة أمرًا غير أخلاقيّ.
 

ربما يكون الأشخاص البدينون هم أكثر الأفراد في مجتمعنا عرضةً للسخرية العلانية، هناك بيانات تشير إلى أن وصمة العار الناتجة عن الوزن الزائد أكثر انتشارًا وشدة من العنصرية والتمييز على أساس الجنس. ومن المؤكد أن هناك تحيزًا اجتماعيًا وثقافيًا جيد التوثيق ضدّ الأشخاص البدينين، وعلى وجه الخصوص في مكان العمل، والمجال الطبي، ووسائل الإعلام.
 

كذلك فإنّ التمييز موجود فيما يتعلق بالتوظيف والأجور والترقية، وإنهاء الخدمة في مكان العمل. وفي دراسة تفصيلية للتمييز في مكان العمل أجراها جون كاولي John Cawley في بحثٍ له عام 2004، بعنوان "تأثير السمنة على الأجور" The Impact of Obesity on Wages" (مجلة الموارد البشرية المجلد 39، العدد: 2). وجد أنّ الإناث من ذوات السمنة تكسبن 11.2٪ أقلّ من نظيراتهنّ من غير السمينات. في المجال الطبي، يوجد أيضًا اضطهاد للسمنة بشكلٍ كبير: ففي إحدى الدراسات، وُجد أنّ أكثر من 40٪ من الأطباء لديهم ردّ فعل سلبي تجاه مرضى السمنة، وقد يتم منعهم من التقدّم باقتراحاتٍ أو تنفيذ إجراءاتٍ معينة عليهم. وهناك أمثلة لا حصْر لها من التحيز ضدّ الوزن في وسائل الإعلام، مثل: The Biggest Loser وThe Nutty Professor، حيث يتمّ تصوير الأشخاص البدينين بطرق مهينة متنوعة.
 


من يقول إنّ الحجم الكبير ليس جميلاً؟!  ∷ لوحة لـ رينوار ∷


كانت هناك محاولات لتبرير التشهير بالسمنة أخلاقيًّا على أنه مدفوع بالرغبة بتحقيق منفعةٍ أكبر؛ أي الصحة البدنية الأفضل أو الرفاهية. تفترض هذه الحجج "العظيمة" أن النيّات الكامنة وراء هذا التشهير غالبًا ما تكون إيجابية، وتهدف إلى إلهام الأفراد لاتخاذ خيارات صحية، يمكن أن تسهم في تحسين نوعية الحياة. فكرة أنّ زيادة الوزن سيئة بالنسبة لنا تتجلى -على سبيل المثال- في شعبية تطبيق إحصاء السعرات الحرارية MyFitnessPal، مع 19.1 مليون مستخدم شهريّ نشط في عام 2018، أو مع منتجات إنقاص الوزن مثل شاي التخلص من السموم، ومخفوقات استبدال الوجبات، وحتى المصاصات المثبطة للشهية، والتي تحقّق ما يقدّر بنحو 37.5 مليون دولار من الإيرادات السنوية للعلامة التجارية Flat Tummy Co.. التشهير بالبدانة هو ما ترتكز عليه مجموعات دعْم إنقاص الوزن، والتي تستخدم الموازين العامة، والتعزيز الإيجابي والمكافآت، كحافز للأفراد لتحقيق أهدافهم في إنقاص الوزن. إنّ فكرة المساءلة في مثل هذه المجموعات هي مثال ضمني على التشهير بالسمنة. إذا تمّ تحميل شخص ما المسؤولية عن رحلة إنقاص الوزن؛ فإن الخوف من ردّ فعل الناس على وسائل التواصل الاجتماعي، أو على أعضاء آخرين في مجموعة الدّعم الخاصة بهم (مع العلم بفشلهم) سيوفر الدافع للاستمرار. يُنظر إلى وصمة العار الاجتماعية على أنها قوة محفزة إيجابية، ستساعدنا في تحقيق أهدافنا في إنقاص الوزن. إذا ربطنا فقدان الوزن بالنتائج الإيجابية، مثل تحسين الصحة العامة للفرد ونوعية الحياة، ففي هذه الحالات يمكن اعتبار الخجل من السمنة مبرّرًا لتحسين حياة شخص ما.

على الرغم من أن هذا المنطق قد يبدو صحيحًا بشكل بديهي، دعوني أقدّم الأسباب التي تجعل وجهة النظر هذه مضللة، ولماذا يجب أن تكون الأولوية للمطلب الأخلاقي المنافس.
 

الحجج الفاسدة للتّشهير بالسّمنة

الحجج التي تحاول تبرير التشهير بالسّمنة من أجل تحقيق منفعةٍ أكبر، كانت غير ناجحة لأسبابٍ عديدة: أوّلًا، تعتمد هذه الحجج على الافتراضات القائلة بأنّ التشهير بالسّمنة هو وسيلة فعالة لجعل الناس يفقدون الوزن، وأنّ فقدان الوزن يجعل المرء أكثر صحة بدنيًّا، وكلاهما يمكن الطعن به. في الواقع، قيل إنّ التشهير بالسّمنة ليس فقط وسيلة غير فعالة لحمْل الناس على إنقاص الوزن، بل إنه من المحتمل أنْ يحقق العكس. فقد خلص مسْح سكاني أجرته كلية لندن الجامعية في عام 2014 إلى أن التشهير بالبدانة لا يعمل فقط على عدم تشجيع إنقاص الوزن، بل تبيّن أنّ أولئك الذين أبلغوا عن التمييز في الوزن اكتسبوا زيادة في الوزن أكبر من أولئك الذين لم يفعلوا ذلك (Obesity Journal، المجلد 22). وخلص التقرير إلى أن التمييز في الوزن هو جزءٌ من مشكلة البدانة، وليس جزءًا من الحلّ. بالإضافة إلى ذلك، أشارت دراسة أجريت عام 2011 بعنوان "تأثير وصمة الوزن على استهلاك السعرات الحرارية"، إلى أنه بين النساء ذوات الوزن الزائد، قد يؤدي التعرّض لوصمة الوزن إلى مزيدٍ من استهلاك السعرات الحرارية.

الاعتقاد بأنّ فقدان الوزن يمكن أنْ يؤدي إلى زيادة الرفاهية، قد يكون له آثار سلبية على الأطفال أيضًا. في عام 2019، أطلقت Weight Watchers تطبيقًا يسمى Kurbo يهدف إلى تعزيز عادات الأكل الصحية في سنّ مبكرة. إنه مخصص للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ثمانية إلى سبعة عشر عامًا، ويشجعهم على تتبع ما يتناولوه من طعام. يصف التطبيق نظام "إشارة المرور" للطعام: يمكن تناول العناصر الخضراء بحريّة، والصفراء بكميات معتدلة، أمّا الحمراء فيجب على الطفل عندها "التوقف والتفكير" قبل الأكل. لقد تعرّض مراقبو الوزن لانتقادات شديدة لإنفاذ تطبيق وصمة العار الناجمة عن السمنة، والتي قد تؤدي -نتيجة لذلك- إلى تطوير الأطفال لاضطراب الأكل وعلاقات غير صحية مع الطعام. في ضوء ذلك، واعتبارًا من أبريل 2021، جمعت عريضة حملتْ 114،525 توقيعًا لإزالة التطبيق.

مع أخْذ هذه الأمور بالاعتبار؛ فإن دراسة عام 2013 التي قالت إنه "لو أنّ الخجل يقلل السمنة، لن يكون هناك أشخاص بدينون" معناها أنّ الزّعم بأنّ وصْم البدينين بالبدانة قد نجح، يعني أنه لن يكون هناك أشخاص بدينون في وقتنا هذا.

السبب الثاني وراء ضحالة هذه الحجج "الجيدة"، هو أننا نادرًا ما نكون في وضع جيد لمعرفة الظروف الصحية الأساسية لشخص ما. كما ولا يمكننا أن نلمّ بأسلوب حياة الفرد من مظهره وحده. تفترض الوصمة الشائعة وراء السمنة أن زيادة الوزن ناتجة ببساطة عن الكسل أو الافتقار إلى ضبط النفس، ولكن هذا قد لا يكون هو الحال بالضرورة. إلى جانب خيارات النظام الغذائي وعادات نمط الحياة، يمكن أن يتأثر حجم الجسم أيضًا في كثيرٍ من الأحيان بعملية التمثيل الغذائي، أو الجينات، أو النوم، أو الأدوية، أو الاستقرار المالي، أو الصحة العقلية، أو الحالات الصحية الموجودة مسبقًا مثل قصور الغدة الدرقية. وهذا يبيّن أنّ "الحلول" لزيادة الوزن ليست دائمًا مباشرة، مثل تناول كميات أقلّ أو ممارسة تمارين أكثر. بدلًا من ذلك؛ فإنّ السّمنة ظاهرة اجتماعية واقتصادية ونفسية وفسيولوجية معقدة، ممّا يدلّ مرة أخرى على أن التشهير بالبدانة ليس طريقة فعالة أو مناسبة لتقليلها. وهذا يثير شكوكًا جدية فيما يتعلق بالحجة "الجيدة" الأكبر، التي تدّعي بأنّ نيّات التشهير بالسمنة إيجابية بشكل عام، ويُضعف مبرّرها الرئيس أنّ هناك نتائج جيدة للتشهير بالسّمنة.

لا أخلاقيّة التّشهير بالبدانة

أودّ أن آخذ هذه الأفكار خطوة أخرى إلى الأمام، من خلال القول بأن التشهير بالبدانة ليس غير مثمرٍ فحسب، بل إنه غير مسموحٍ به أخلاقيًّا. على سبيل المثال: من غير الأخلاقي أن تُخجل فردًا من ظروف خارجة عن إرادته، خاصةً عندما تكون زيادة الوزن نتيجة لصدمة معقدة، أو صعوبات شخصية. ولكن حتى في الحالات التي يتحكّم فيها الفرد بوزنه، يكون من غير المقبول أخلاقيًّا التشهير بالسّمنة، أوّلًا بسبب التمييز الذي ترسّخه هذه الممارسات، وكذلك أيضًا لأنه يمثل عبئًا خطيرًا على الفرد. إنّ فقدان الوزن يُعدّ عبئًا لأنه ليس حلًّا سريعًا، كما أنه يمثل تحدّيًا عقليًا، وغالبًا ما يتطلب الوقت والمال وقوة الإرادة. لذا؛ فإنّ التشهير بالسمنة يتلاعب بالناس من حيث شعورهم بأنهم بحاجة إلى التغيير؛ إما فيما يتعلق بشيء ليس لديهم سيطرة عليه، أو فيما يتعلق بشيء يمكنهم التحكم فيه لكنه يضع عليهم عبئًا ثقيلًا. ومن جهة أخرى، تُعتبر مواقفنا تجاه الأكل الصحي والخيارات الغذائية مكونات مهمة بشكل متزايد في كيفية نظرتنا لأنفسنا وللآخرين، وحكْمنا عليهم.

البدانة والحرية

يعتبر التشهير بالبدانة مسؤولًا عن تشويه الرغبات من خلال تعزيز النفور من السّمنة، وبالتالي يشكل ضغطًا اجتماعيًا خبيثًا، وبالتالي يمثل تهديدًا للاستقلالية الشخصية، وتقييداً خبيثاً لحرية الشخص الممثلة بقضايا مثل الاستقلالية والقوة والمسؤولية. إنّ الأشخاص البدينين، كما أشرت، هم أكثر الأفراد الموصومين علانية في مجتمعنا.

تشكل الرغبات المشوهة قيودًا على الاستقلالية؛ لأنه لا يتم اختيارها وبالتالي فهي ليستْ مؤشرًا على تقرير المصير للفرد، ولكنها بالأحرى تشير إلى خضوع الفرد للثقافة السائدة وغاياتها. وتُعزّز للقمع الثقافي للبدناء. من هذا يمكننا أن نستنتج أن التشهير بالبدانة يلبي الشروط لشيء يشوه الرغبات، مثل تكييف تفضيلات الفرد دون سيطرته، أو خداعه للاعتقاد بأن فقدان الوزن سيعزز رفاهيته. إنّ التشهير بالسّمنة يعتبر مسؤولاً عن تشويه الرغبات من خلال تعزيز النفور منها، وبالتالي يشكل ضغطًا اجتماعيًا خبيثًا، كما يمثل تهديدًا للاستقلالية الشخصية.

السبب الثاني الذي يجعل التشهير بالبدانة يهدد الاستقلال الشخصي؛ هو أنه ينطوي على فرض القيم. وهنا يبرز الأفراد معتقدات الآخرين حول ما يجب أن تكون عليه أولوياتهم في الحياة. المعتقدات الثقافية الموجودة فيما يتعلق بالجسم والصحة -أي النفور المألوف للأجسام السّمينة– تؤكد على أهمية مظهرنا، وتملي نوع الأجسام "الجيدة" و"السيئة"، وتربط فقدان الوزن بتحسن الرفاهية (وهذا خطأ، كما رأينا)، وتعتبر السّمنة حالة جسدية تُخجل صاحبها. يؤثر التطبيق الثقافي لهذه القيم على قدرة الشخص على التصرف وفقًا لأسبابه الخاصة لأنه يتمّ إخباره بإصرار بما يجب أو لا يجب، وكم يجب أنْ يتناوله من طعام، وأنّ حجم الجسم يجب أن يكون أحد أهم اهتماماته. إنّ من غير الممكن إنكاره أنّ من الصعب على أي فرد أن يتخذ قراراته بحريّة عندما تُفرض عليه مشاعر الآخرين بشكل متكرّر بهذه الطريقة، وعندما يتم الحكم عليه سلبًا على اختياراته وعادات أسلوب حياته، وخاصة عندما يتمّ نبذه بسبب مظهره.

الخلاصة

إنّ التشهير بالبدانة يدعم إدامة المُثل المشوهة، ويرمي إلى أنْ يتكيّف الناس مع تبنّي المشاعر التي تدعم اضطهاد السّمنة. إذا استوعبنا هذه المشاعر؛ فإن النتيجة الطبيعية هي أننا نتبنّى نظام القيم المنحرف، الذي يتمّ تسليط الضوء عليه بشكل صارخ عند إعطاء الأولوية للصحة والمظهر الجسدي، ووزن الجسم فوق القيم الأخلاقية الحقيقية. يمكن أن يؤدي نظام القيم المعيب هذا إلى اضطرابات، حيث يصبح المرء مهووسًا بالسلوكيات المتعلقة بالطعام أو التمارين أو الصحة، ويمكن أن يكون لهذا عواقب وخيمة وأحيانًا مميتة. وبالتالي يجب مقاومة الأيديولوجية التي يقوم عليها التشهير بالبدانة.


المصدر

مجلة Philosophy Now، عدد: 144، 2021.

 شارلوت كوران: طالبة ماجستير في جامعة مانشستر، وتخرّجت من جامعة إدنبرة، متخصصة في فلسفة الصحة العقلية

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها