الإيكيغاي.. فنُّ إدارة الذَّات

د. نجلاء محمد سويف

لا شك أن الحياة في تغيُّرٍ مُستمر، وهذا التغيير قد يُؤثّر على خطط المستقبل للعديد من الأفراد، ويضعهم تحت ضغوط العيش دون رُؤيةٍ واضحة الأهداف، فيُصاب الإنسان بالملل من الروتين المفروض عليه، وخاصة إذا كان يُؤدّي عملاً شاقًا ومُرهقًا، أو يعمل دون تحقيق العائد الذي يُشعره بالرضا، مما يُصيب الفرد بالقلق والتوتر وأحيانًا الاكتئاب، ومن هنا انطلق العلماء والمُفكّرون اليابانيون للوصول لفكرة يُمكن من خلال تطبيقها جمع طاقات الفرد، وتوجيهها في مسار يُحقّق سعادته ويُعزّز قُدراته، ويعود بالنفع على مُجتمعه، ومن هنا تَبلورت فلسفة الإيكيغاي.

 

الإيكيغاي.. التسمية والنشأة

 الايكيگاي Ikigai هي كلمة يابانية الأصل 生き甲斐 تتكوّن من مقطعين؛ إيكي معناه (حياة)، (غاي) بمعنى (قِيمة)، فيكون معناها اللغوي (قِيمةُ الحياة)، أو (هدفك في الحياة)؛ فهي تُستخدم للإشارة إلى مصدر القيمة في حياة الإنسان، أو الشيء الذي يجعل الحياة جديرة بالعيش، والإيكيغاي اصطلاحاً: مفهوم فلسفي يعني حالة الرضا والسعادة التي يَشعر بها الفرد من خلال تحقيق هدفه الأسمى في الحياة، فالإيكيغاي هو المُحفّز للعيش الذي يجلب للفرد الرضا والاستمتاع بما يعمل، ولكي يتم تحقيق هذه الحالة من الرضا لا بد أن يسلك كل شخص طريقًا مُختلفًا يتناسب مع قِيمه ومُعتقداته وظروف حياته، ولكي يُحقّق الإنسان هدف حياته يَجب أن يُعبّر عن ذاته الدّاخلية بِصدقٍ وأمانة، كما عليه أن يُعبّر عن رغبته الحقيقية في الحياة دون خوف أو تردد؛ لكي يَشعر بالراحة التامة، وعادةً ما تكون الأنشطة التي تصل بالفرد إلى الإيكيغاي الخاص به عفوية الطابع؛ حيث إنها لا تُفرض عليه إنما يقوم بها بِشغفٍ فهي امتداد طبيعي لذاته.

وقد حدّد علماء الصحة النفسية عشرة مبادئ أساسية للاستمتاع بالحياة هي: ابق نشيطاً، تروّى ولا تستعجل، لا تملأ بطنك، أحط نفسك بالرفقة الجيدة، حافظ على لياقتك، حافظ على ابتسامتك، استمتع بالطبيعة من حولك، قدّم الشكر للغير، عش كل لحظة، وآخرها أن يكون لك منهج وتصوُّر للإيكيغاي، وأن تتّبعه ويّنعكس أثر تطبيقه عليك.

أركان الإيكيغاي وأهدافه

يرى أستاذ الأنثربولوجيا جوردون ماثيوز في الجامعة الصينية في هونغ كونغ؛ أن الهدف من الإيكيغاي هو فهم طبيعة الإنسان الداخلية، وتوجيهه من أجل التطوّر الخاص به، ولا يربط اليابانيون هذه النظرية بالعمل بالضرورة، بل هي من أجل تطبيقها في مجال الحياة اليومية أيضًا، فهي فلسفة يُمكن استخدامها لتحديد الطريق المُناسب لكل فرد في الحياة، ولمعرفة الإيكيغاي لكل فرد لا بد من الإجابة على أربعة أسئلة رئيسة؛ أولها ما الشيء الذي تُحب أن تعمله؟ ويمكن اختصاره بكلمة الشغف أو الهواية الخاص بكل فرد، ثَانيًا ما الشيء الذي تُجيد فِعله؟ ويمكن تسميتها الاحتراف، ثالثًا ما الشيء الذي يَعود عليك بالمكسب أو الدخل؟ وهي الوظيفة، رابعًا ما الشيء الذي يَعود بالنفع على المجتمع؟ وهي المُهمة. وأركان الإيكيغاي خمسة هي؛ البدء بالأشياء الصغيرة، إطلاق العنان لنفسك، التناغم والاستدامة، مُتعة الأشياء الصغيرة، عيش اللحظة.
 

أهمية الإيكيغاي في حياة الفرد

للإيكيغاي أهمية كبيرة في حياة كل منا فهو يُساعده في تحديد الهدف في الحياة، وهو من يعطيك الدافع والعزيمة لتعيش حياتك وتستمر، ويَجعل رُؤيتك واضحة، فتقل نسبة التشتُّت وضياع الطاقة، كما أنه يُساعدك في تحقيق الدقة المُتناهية، ويُحفّز الإبداع في تبادل الأفكار في مُختلف نواحي الحياة مِما يَعود بالنفع على الفرد والمُجتمع، ومن أهم فوائد الإيكيغاي المهمة؛ شعور الفرد بحالةٍ من الرضا والسعادة الداخلية والتصالح مع النفس، وهذا ينعكس بدوره على إنجاز ما هو مطلوب منه بكل دقة وحب، وعدم إحساسه بالفتور أو الملل على الإطلاق من عمله أو حياته بشكل عام، فهو يدفعه للتقدّم دومًا في حياته، ويجعل منه سيد اللحظة. فمن أعظم أسرار الإيكيغاي تقبُّل الفرد لنفسه بغض النظر عن المِيزات التي وُلدت معه، كما يُعتبر الإيكيغاي من المفاهيم المُنظمة والتي تدعم مبدأ ضبط النفس؛ بحيث يُعتبر التناغم مع الآخرين واحترام المِيزات الفردية لكل واحد من أولى الأولويات.

الإيكيغاي وأثره على الصحة

لقد أثبتت البحوث والدراسات الحديثة مدى تأثير الإيكيغاي الإيجابي على الصحة العامة للإنسان؛ هناك تأثير مُحتمل للشعور بالإيكيغاي على عمل الفص الجبهي من الدماغ؛ فلقد ثبت طبيًا أن شعور الإنسان بالإيكيغاي يرتبط مع انخفاض مستوى التوتُّر، ويُرافقه شعور عام بصحة جيدة، وأظهرت بعض الدراسات أن الأشخاص الذين لا يشعرون بالإيكيغاي هم أكثر عرضةً للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ حيث إن مَنْ يُطبّقون الإيكيغاي في حياتهم يُمارسون الرياضة، ومن المعروف أن مُمارسة الرياضة تُقلّل من خطر الإصابة بأمراض القلب، كما أثبتت البحوث بأنّ الشعور بِالإيكيغاي يُوازن إفراز الناقلات العصبية مثل الدُوبامين والسيروتونين والإندورفين؛ وهذه الناقلات هي المسؤول الرئيس عن الإحساس بشعور السعادة.
 

الإيكيغاي وكيفية تطبيقه

في الحقيقة؛ لا توجد طريقة معينة لتطبيق الإيكيغاي، فكل فرد يبحث عن الأسلوب المناسب في تطبيقه، كما أن تحدّي الإيكيغاي الخاص بكل فرد لا يعني بالضرورة أن يقوم بتغييرات ضخمة في روتينه المُعتاد. وعموماً الأمر سهل جدًا، ويتطلّب فقط اتباع بعض التعليمات البسيطة التي ستزيد من طاقته، وتُشعره بالسعادة والرضا، ومن أهم خطوات تطبيق الإيكيغاي ما يلي: ابدأ يومك بالرياضة والتمرن، وذلك بممارسة رياضات بسيطة غير مُجهدة بَدنيًا مثل: السير أو اليوجا، أو الرقص على أنغام المُوسيقى أثناء تناول الإفطار، ثانيًا تناول وجبة الإفطار؛ والتي تُعتبر أهم وجبة في اليوم ولا بد من تناول إفطار لذيذ يحمل نكهة مُفضلة لدى كل فرد، وينصح الكاتب الياباني كين موغي Ken Mogi بتناول الشوكولاتة والقهوة في وجبة الإفطار، ويُوضح في كتابه الشهير (الإيكيغاي الصغير)؛ أن مادة الدوبامين ستنطلق في الدماغ وهو ما يُعزّز من الاستيقاظ، كما أن فكرة تناول إفطار شهي في الصباح سيُعزّز من فكرة الاستيقاظ في الصباح الباكر، ثالثًا التواصل الاجتماعي، وهو يعتبر من أهم أعمدة فكرة الإيكيغاي كما يرى الكاتب موغي؛ إذ إن التواصل مع زميل في الصباح لعدة دقائق قد يَلعب دورًا إيجابيًا في حياتك ويجعلك مُقبلاً على الحياة، ويكسر الروتين بِداخلك، كما يُعد العيش بتناغم مع الآخرين والبيئة المحيطة عُنصراً أساسياً من عناصر الإيكيغاي.

وأخيرًا؛ فإن الإيكيغاي فكرة فلسفية تُساعد الفرد على إدارة ذاته بشكل جيد، وتجعله أكثر إبداعًا ونجاحًا، وتمنحه السعادة والشعور بالرضا، وتُخفّف من ضغط الحياة وتوتّرها، إلى غير ذلك من المزايا التي يمكن أن يتمتّع بها إذا عرف هذه الفلسفة الحياتية، وتعلّم كيفية تطبيقها على حياته.

 

 


المصادر والمراجع
1. كين موغي، الإيكيغاي الصغير: الأسلوب الياباني المثالي لمعرفة هدفك في الحياة، الدار العربية للعلوم ناشرون.
- 2- Nakanishi، N (1999-05-01). Ikigai' in older Japanese people". Age and Ageing. 28 (3): 323–324. doi:10.1093/ageing/28.3.323
- 3 - The Japanese Concept 'Ikigai' is a Formula for Happiness and Meaning". Better Humans. 2017-11-30

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها