حوار مع الباحثة والأديبة المغربية حسناء داود

بمناسبة تكريمها من قبل "ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي" بتطوان المغربية

حاورها: د. عزيز بعزي

 





ولدت الباحثة والأديبة حسناء داود، بتطوان المغربية سنة 1946م، واقترن اسمها باسم أبيها المؤرخ الراحل محمد داود (1901-1984م)، واستطاعت مواصلة مشواره العلمي الذي يسلط الضوء على التاريخ الحديث والمعاصر لمدينة تطوان خاصة، وتاريخ المغرب عامة.
 

 شغلت حسناء داود العديد من المسؤوليات، والمناصب التربوية، قبل أن تتفرغ لتسيير الخزانة سنة 1986م، ولعضوية المجلس العلمي المحلي منذ سنة 2004م، ومن أبرز مؤلفاتها المتنوعة والمتعددة: "تاريخ تطوان"، واستكمال مذكرات "على رأس الأربعين"، ومراجعة كتاب "التكملة" في وصف الحياة العامة في تطوان -القرن الخامس عشر ميلادي-، إضافة إلى دراساتها للرسائل المتبادلة بين والدها، سواء مع العلامة علال الفاسي، أو الأديب شكيب أرسلان... ولها إسهامات عدة، في اللقاءات الثقافية والندوات والأمسيات الشعرية... كما لها مساهمات في برامج إذاعية وتلفزيونية مختلفة بقنوات وطنية وأجنبية، وهي أيضاً محافظة للمكتبة الداودية، وفاعلة جمعوية.... وقد حظيت بتكريمات من طرف جمعيات، ومؤسسات وهيئات وطنية، وكللت هذه التكريمات بالأوسمة الملكية الشريفة، التقينا بالباحثة والأديبة حسناء داود، في مقر المكتبة الداودية، بعد تكريمها من قبل "ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي"، فأجرينا معها الحوار التالي:



● استهل "ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي" فعالياته بالمغرب، برئاسة سعادة عبد الله بن محمد العويس، رئيس دائرة الثقافة بتكريمك، من أجل ترسيخ ثقافة الاعتراف، وهذا راجع أساساً إلى جهودك الساعية إلى خدمة الثقافة وشؤونها، فما شعورك، وأنت تنالين هذا التكريم؟

سعدت جدّاً بهذه الالتفاتة الطيبة، وهذه المبادرة الكريمة من طرف رائد من رواد الثقافة العربية ومشجعيها، عضو المجلس الأعلى لاتحاد الإمارات العربية، أمير الشارقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والحقيقة أنني فوجئت عندما علمت أنني محط تقدير وتكريم من طرف سموه؛ وإنني لأعتبر هذا التكريم محفزاً جديداً لأبذل المزيد من الجهد لإثراء الساحة الثقافية العربية بعون الله.

● قرر "ملتقى الشارقة للتكريم الثقافي" منحك شهادة تقديرية، وإعادة طباعة مؤلفاتك، فهل سيساهم هذا الأمر في توسيع دائرة القراء، والتعريف أكثر فأكثر بمؤلفات والدك "محمد داود"، ومؤلفاتك الخاصة؟

لاحظت من خلال التواصل مع كثير من الباحثين والدارسين في مختلف أنحاء الوطن العربي مدى اهتمامهم بمؤلفات الوالد محمد داود رحمه الله، لكن مما لا شك فيه أن إعادة طبع هذه المؤلفات، وخاصة من طرف إمارة تعتبر "عاصمة للثقافة العربية" سيعطي هذه المؤلفات نفساً أقوى، وسيساهم في انتشارها على نطاق أوسع وأرحب، حيث سيفتح المجال لتوزيعها أكثر خارج المغرب.
 

● قلتِ في إحدى مؤلفاتك بشكل صريح "لقد أنعم الإله علي بتوفير الظروف؛ لكي أصبح في يوم من الأيام مسؤولة عن ثروة والدي الفكرية والأدبية والتاريخية الرائعة". فعلاً، لقد حصل هذا على أرض الواقع، فهل يمكنك أن تذكرينا بأهم أعمال "محمد داود"، والتي عملت على إخراجها إلى حيز الوجود؟

فعلاً لقد صرحت أنني قد قطعت عهداً على نفسي بأن أعمل جاهدة لاستكمال كل مؤلفات والدي وإخراجها إلى الوجود، وبفضل الله استطعت أن أفي بوعدي فاستكملت وأصدرت معظم مؤلفاته، بل أنجزت دراسات أخرى حول مختلف الملفات المتعلقة بمنتجاته، أو المستنتجة من مذكراته أو مراسلاته. إضافة إلى أعمال ودراسات قمت بها شخصياً، استكمالاً لهذه المسيرة الثقافية الموفقة. ومن أعمال الوالد وأعمالي الخاصة، أذكر الآتي:
1. موسوعة "تاريخ تطوان"، في 12 جزءاً.
2. "مختصر تاريخ تطوان" (مع إضافة فصل جديد فيه، يتعلق بعهد الحماية الإسبانية بشمال المغرب).
3. "على رأس الأربعين" = المذكرات الخاصة للأستاذ محمد داود رحمه الله.
4. "على رأس الثمانين" = تتمة لمذكرات محمد داود.
5. "الأمثال العامية في تطوان والبلاد العربية" في 4 أجزاء.
6. "التكملة"، وهو ذيل لكتاب تاريخ تطوان.
7. "عائلات تطوان" في 3 أجزاء.
8. "النقود المغربية في مائة عام (القرن 14 هـ)".
9. "الرسائل المتبادلة بين الأستاذ علال الفاسي والأستاذ محمد داود".
10. "مراسلات وطنية أخوية"، ويتضمن مراسلات مهمة موجهة إلى الأستاذ محمد داود من شخصيات مغربية، ذات حضور في مجال الوطنية والتأريخ والأدب (12 شخصية).
11. "النقود المغربية في مائة عام (القرن 14 هـ)".
12. "الرحلة الشرقية لمحمد داود سنة 1935م".
13. "الرسالة الوزانية"، الموجهة من طرف العلامة التهامي الوزاني إلى الأستاذ محمد داود. في الشأن التاريخي والسياسي والاجتماعي.
14. ترجمة من اللغة الإسبانية إلى اللغة العربية لكتاب «مطامير تطوان، اكتشافها وتنظيفها» لمؤلفه: César Luis De Montalbán y De Mazas.
15. تخريج وتقديم كتاب "تحفة الإخوان في الصنائع القديمة بتطوان"، وهو بحث لجدي المرحوم الأستاذ الحاج عبد السلام بنونة، وقد ساهم به في الأسواق الأدبية لسبتة سنة 1918.
16. "تطوان، سمات وملامح من الحياة الاجتماعية".

● تترأسين "مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة" التي يعود تأسيسها إلى تاريخ 15 أكتوبر 2011م، فما الأهداف المتوخاة من نشأتها، وما أهم التحديات التي تواجهها؟

تم إنشاء مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة بهدف إثراء الساحة الثقافية المحلية والوطنية والعربية عموماً، وذلك باحتضان أنشطة ثقافية متنوعة، مع الحفاظ على التراث الفكري والعلمي لمؤرخ تطوان الأستاذ المرحوم محمد داود، مؤلفاته وأبحاثه ومقالاته في الصحافة الوطنية والعربية، وكذا الملفات المتعلقة بمساهماته في مختلف المجالات التي اهتم بها في حياته (التاريخ والبحث الاجتماعي، والأدب والصحافة، والعمل الوطني والتربية والتعليم،...إلخ)، كما أنه من أهداف هذه المؤسسة أن تفتح "الخزانة الداودية" في وجه الباحثين والدارسين لكي يستفيدوا من محتوياتها الثمينة، حيث تتضمن هذه الخزانة قسم الكتب المطبوعة، وقسم المخطوطات والوثائق التاريخية، والوثائق العدلية القديمة والصور، ثم قسم مجموعات الصحافة العربية الصادرة خلال القرن العشرين في مختلف أرجاء العالم، وكذا بعض المجموعات من الصحافة الإسبانية، إضافة إلى مجموعات الطرائف (الطوابع البريدية، بطاقات الدعوات، الخرائط...).

أما التحديات التي نواجهها، فمن أبرزها انعدام الدعم لمواجهة مستلزمات مواصلة الأنشطة التي نملأ بها الساحة الثقافية المحلية، وكذا مواكبة التواصل مع الهيئات والمؤسسات التي تعمل من أجل نفس الهدف على الصعيد الوطني والخارجي، علماً بأن المؤسسة ليس لها موظفون يقومون بمهامها، كما أن الخزانة تفتقر إلى مشرفين ومسيرين لمختلف أقسامها وأجنحتها.

● ما آثار حركة "مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة" على عطاء المؤرخين والمثقفين؟

لقد سدت مؤسسة محمد داود للتاريخ والثقافة والخزانة الداودية التابعة لها فراغاً كبيراً لدى الباحثين، وطلبة الجامعات الذين يقصدونها من أجل الاستفادة من محتوياتها، وخاصة من نوادرها الثمينة كالمخطوطات والوثائق. وكذا الاستفادة من أنشطتها المتنوعة: الندوات العلمية، والمحاضرات، والأمسيات الشعرية، وجلسات تقديم الكتب...إلخ. ومن الجدير بالذكر أن الواردين للاستفادة من الخزانة يردون عليها من مختلف دول العالم، حتى من اليابان وأمريكا.

● من أهم مؤلفات محمد داود "مختصر تاريخ تطوان"، وقد جاء في جزأين، حدثينا عن أهم محتويات هذا الكتاب باقتضاب، وهل يمكن القول بأن المؤلفَ وفِّق في وضع هذا الاختصار لمدينة لها تاريخ عريق؟

لقد صدر "مختصر تاريخ تطوان" في أواسط الخمسينيات من القرن العشرين؛ أي قبل صدور الموسوعة الكبرى لكتاب "تاريخ تطوان"، حيث نال به المؤرخ جائزة معهد مولاي الحسن للدراسات والأبحاث بتطوان، أما النسخة التي قمت بإعادة إخراجها في جزء واحد، فهي نسخة منقحة ومزيدة بفصل خاص بفترة الحماية الإسبانية بشمال المغرب، حيث إن والدي رحمه الله كان قد توقف في كتابه المذكور عند بداية فترة الحماية، ثم بدا له بعد ذلك أن يواصل ذكر الأحداث المتعلقة بالفترة المذكورة، وذلك في الجزء 11 من تاريخه الكبير، مما أوجب علي أن ألخصه عند إعادة طبع المختصر.

أما محتويات الكتاب، فقد حاول مؤلفه أن يوجز فيه ما أورده في موسوعته الضخمة، من إشارة إلى أهم الأحداث السياسية بتطوان، مع علاقة هذه المدينة بالحكم المركزي للدولة المغربية في عاصمتها فاس، ثم في الرباط، معتمداً دائماً على الوثائق التي تثبت الحقائق التاريخية المذكورة.

● يضم كتاب "الأمثال العربية في تطوان والبلاد العربية"، الذي جاء في أربعة أجزاء، ما يزيد على 4500 من الأمثال، وما يجري مجراها من الحكم والتعابير والدعوات في مدينة تطوان، مقارنة مع ما يناسبها مما يجري على الألسنة من ذلك في العالم العربي. لقد عملتِ على مراجعتها، ووضعت إضافات مناسبة، فهل الأمثال التي يضمها هذا الكتاب ما زالت متداولة الآن، كما كانت في الماضي، وهل يمكن لها أن تؤثر على القارئ العربي سيما وأنها منبثقة من المجتمع وواقعه؟

فعلاً؛ فإن معظم هذه الأمثال ما زالت سائدة مستعملة جارية على الألسن، وما من أحد يشك في أن استعمال الأمثال داخل المجتمع يعتبر نوعاً من البلاغة الفكرية والتعبيرية، فضلاً عن كون الأمثال تعد معياراً لقيمة المجتمع عقيدة وفكراً وأخلاقاً، بل وانعكاساً لحقيقة الحياة الخاصة بالمجتمع الذي تقال فيه، ومن هنا كان هذا البحث عبارة عن دراسة ميدانية لغوية أدبية اجتماعية مقارنة، تساعد متتبعيها على استنتاج الكثير من الفوائد عن حقيقة ذلك المجتمع.

● بخصوص مؤلفاتك الخاصة، اللافت للانتباه فيها أن معظمها، ما زال يسلط الضوء على قضايا وأحداث تتعلق بشخصية والدك "محمد داود"، فهل هذا يعني أن ما خلفه يستحق الدراسة؟ وفي هذا السياق، ومن خلال كتابك "الرسائل المتبادلة بين الأمير شكيب أرسلان وذ. محمد داود (1930 – 1939 م)"، ما أهم الخلاصات التي توصلت إليها؟

لقد كان هدفي ومطمحي الأول عندما بدأت بالاشتغال في مجال البحث والدراسة، هو استكمال مؤلفات والدي رحمه الله، تقديراً مني لشخصيته العالمة الفذة، ولعطاءاته الجمة في ميادين شتى. أما بخصوص الدراسة التي قمت بها حول المراسلات التي تمت بينه وبين أمير البيان شكيب أرسلان، فقد حاولت من خلالها أن أبرز حقائق عدة، من أهمها: البعد القومي لدى الشباب العاملين في حقل النضال الوطني المغربي، خلال فترة الكفاح من أجل الاستقلال، ثم مدى ما كان من انسجام وتقارب بين هؤلاء الشباب، وبين الزعماء العرب الذين كانوا يعملون ويوجهون الحركات النضالية، وعلى رأسهم الأمير شكيب أرسلان، سعياً منه في تحقيق الأهداف القومية العامة بمختلف أنحاء الوطن العربي والإسلامي.

● لديك مساهمات في برامج إذاعية، وتلفزيونية مختلفة، بقنوات وطنية وأجنبية، فهل يمكنك أن تحدثينا عن أبرزها، والقضايا التي تناولتها؟

فعلاً لقد ساهمت في برامج إعلامية عديدة، سواء في مجال الإعلام السمعي (الإذاعة)، أو السمعي البصري (التلفزيون)، حيث أعددت برامج متنوعة، أدبية واجتماعية ودينية، بثت على أثير إذاعة تطوان، إضافة إلى مساهماتي الوفيرة للحديث عن قضايا تهم المجتمع والعادات والتاريخ، والدين والمرأة بالخصوص في إذاعات وطنية (طنجة والرباط وفاس ووجدة...إلخ). مع مساهماتي في برامج تلفزيونية أيضاً بقنوات مغربية وعربية وأجنبية، دائماً في إطار اهتماماتي كباحثة أو كأديبة، أو كمسؤولة عن مؤسسة ثقافية، أو كعضو نسوي داخل مؤسسة المجلس العلمي المحلي لتطوان.
 

● حصلت على أوسمة ملكية مغربية، وهذا في حد ذاته يؤكد درجة الاهتمام بإنتاجاتك العلمية، وتحركاتك الساعية إلى التنمية الثقافية، فما شعورك بهذه الالتفاتة الملكية الكريمة، وما رؤيتك تجاه مثل هذه المبادرات الخاصة بالفئة المثقفة؟

لقد حظيت بتكريمات من طرف هيئات وجمعيات وطنية، كما كللت هذه التكريمات بالأوسمة الملكية الشريفة، التي أعتبرها تشريفاً، واعتباراً وتقديراً لي من جلالة الملك محمد السادس أعزه الله، وذلك هو دأبه حفظه الله مع كل من ثابر واجتهد من أجل ترقية الوطن في مختلف المجالات، تشجيعاً من جلالته لكل من يساهم في إعطاء المثل للشباب، حتى تتكاثف الجهود لبناء صرح البلاد. واغتناماً لهذه المناسبة، ألا وهي مناسبة تكريمي من طرف عضو المجلس الأعلى لدولة الإمارات العربية المتحدة، أمير الشارقة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي؛ فإنني أعتبر هذا التكريم وساماً ثانياً يوشح صدري، ويشرفني أن أعبر لسموه عن خالص شكري على عنايته، وأثمن هذه المبادرة التي يقوم بها لتشجيع المثقفين والعاملين في مختلف مجالات العلم والمعرفة والأدب والفنون، رعاه الله وحفظه، وليس ذلك بمستغرب من مثله، وهو الحاكم المثقف الكبير وراعي "عاصمة الثقافة في العالم العربي".

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها