أتمنى كتابة رواية عن الحرب تعكس اللحظات الإنسانية لأبطالها...

حوار مع الروائي والمترجم طلعت شاهين

حاوره: محمد رفاعي⁩



 

  ๏بدأ طلعت شاهين حياته شاعراً، كتب باللعة العربية ثلاثة دواوين: أغنيات حب الأرض، والغد الأخضر، وأبجدية العشق، وأصدر ديواناً باللغة العربية والإسبانية هو: كتاب العشق والدم. سافر إلى إسبانيا مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وأتم دراساته العليا في جامعاتها، حصل على الماجستير في القانون، وحصل على الدكتوراه عن رسالة في الثقافة الشعبية والفلكلور في مصر وإسبانيا.. تنوعت دراساته وإسهاماته النقدية والثقافية من جماليات الرفض في مسرح أمريكا اللاتينية، والرقص الشعبي، إلى الشعر في إسبانيا، والرواية في أمريكا اللاتينية وغيرها.

  ๏كما اشتغل بالترجمة، وترجم عشرات الكتب النقدية والنصوص الروائية والمسرحية والشعرية، والقصصية والمسرحية والحكايات الشعبية، لعدد من أبرز كتاب العالم الناطقين بالإسبانية منهم: جابيريل ماركيز، وجوزيه ساراماجو، وخوان غويتيسولو، وميرثي رودوريدا، وغيرهم.

  ๏من أبزر أعماله المترجمة: دفاتر العنف المقدس، أن تعيش لتحكي، حكاية أيرنديرا البريئة، والطوف الحجري، وساحة الماس، والمطر الأصفر، وعرب البحر على طريق السندباد، وغيرها.

  ๏اتجه مؤخراً إلى الكتابة الروائية، وأصدر "البرتقالة والعقارب"، إلى جانب اشتغاله بعمل سردي آخر.

  ๏وُلد طلعت شاهين عام 1949 في قرية بمحافظة قنا جنوب مصر، ودرس القانون في جامعة القاهرة، وخاض مع رفاق جيله حرب أكتوبر عام 1973، وعبر إلى سيناء وحُوصر مع أفراد الجيش الثالث الميداني قرابة ثلاثة شهور.

  ๏حاز على عدد من الجوائز منها: جائزة ولاّدة للشعر عام 1986.


 

مجلة الرافد التقته وحاورته حول الشعر والترجمة، والهجرة والتّجارِب الإبداعية

 

تنوعت المجالات التي عملت فيها، من الصحافة والنقد والترجمة وإعداد البرامج الإذاعية، إلى العمل في المؤسسات الثقافية، وآخرها مؤسسة مصرية ترعى الثقافة والفنون في أقاليم مصر، كيف ترى دور المؤسسات الثقافية في واقعنا العربي؟

للأسف بعض المؤسسات الثقافية لا تقوم بدورها.. فمعظم هذه المؤسسات ترفع أهدافاً غير قابلة للتحقيق في مجتمعاتنا، ذلك أن هذه المؤسسات لا يمكن أن تنفذ هذه الأهداف، وعليها أن تضع أهدافاً تُلائم وتناسب مجتمعاتنا، من هنا نرى الفشل الذريع في عمل هذه المؤسسات.. فبعد سنوات طويلة من عمل هذه المؤسسات الثقافية بطول العالم العربي وعرضه، نكتشف أن النتائج صفر تقريباً.

عملت في الصحافة الثقافية في مصر والصحافة العربية التي تصدر في أوروبا، هل أضافت الصحافة لكم شيئاً أم هي خسارة بالنسبة لكم؟

الصحافة في مجملها عدّوة للإبداع، في كثير من الأحيان تكون قاتلة لملكة الإبداع؛ لأن الاستغراق فيها يجعل المبدع يلائم موهبته تبعاً لأدواتها وآلياتها، أو يؤجل مشاريعه الإبداعية؛ لأن الصحافة تركز على ما هو حاضر. وهناك بعض الاستثناءات، فقد استطاع بعض المبدعين ممارسة وإنتاج الأدب بشكل مواز لعملهم في الصحافة، منهم فتحي غانم، وجمال الغيطاني، وغيرهما.

كيف ترى تجربيك الشعرية الآن؟ وكيف ترى شعراء جيلك من السبعينيات؟

أعترف أن تجربتي الشعرية تأثرت سلباً بعملي في الصحافة والترجمة، كنت مقلاً من الكتابة الشعرية، في وقت انصراف الجمهور أصلاً عن الشعر، وكنت مركزاً على الترجمة في وقت اهتم القراء بالأدب المترجم، وبشكل خاص بروايات أمريكا اللاتينية، بالأضافة إلى أن تجربة شعراء السبعينيات الذين أتنمي إليهم تأثرت سلباً بالحركة السياسية في تلك الفترة، ومن خلال إغلاق منافذ النشر -كما فعل السادات- وتسطيح عمل ما تبقى من تلك المنافذ لنشر إبداع من هم أقل قيمة، باعتبارهم من مؤيدي تلك السياسات، ويضاف إلى هذا أن حياتي خارج مصر لفترة طويلة تزيد على ثلاثين عاماً، جعلت اسمي يخفت طبقاً للمثل الشعبي "البعيد عن العين بعيد عن القلب"، في الوقت نفسه استطعت أن أحقق مكانة متميزة في مجال الترجمة. وأقوم حالياً بتجميع ما كتبته من أشعار لنشره، بالإضافة إلى أنني نشرت رواية "البرتقال والعقارب"، وفي الطريق لنشر رواية أخرى.

هل أفادتك الترجمة في عملك الإبداعي؟

بالطبع؛ لإنّ المترجم يجب أن يكون ملمّاً بكل ثقافة اللغة التي ينقل منها، من هنا يصبح المترجم متفوقاً بامتلاكه ثقافتين في وقت واحد. وهذا بالضرورة يجعله يتأثر بثقافته الأساسية، بالإضافة إلى تأثره بالثقافة الجديدة التي اكتسبها، من هنا يصبح نتاج إبداعه متميزاً؛ ولأنه يجمع بين خبرات متعددة، سواء في ثقافته أو في الثقافة المكتسبة.

ما المعايير التي تضعها حين تترجم عملاً إبداعياً وتتحمس لنقله إلى العربية؟

لكل مترجم معايير خاصة به، بالنسبة لي، المعيار المهّم هو أن يكون العمل المراد ترجمه يُشكل إضافةً حقيقيةً إلى اللغة العربية، سواء بنقل أفكار جديدة، أو أساليب جديدة في الكتابة، يمكن لمبدع اللغة العربية الاستفادة منها. يمكنني أن أضع نموذجاً على ذلك برواية "المطر الأصفر"، التي تختلف في أسلوب كتابتها وتجربتها عمّا نعرفه في القرى العربية مثلاً، ويجب أن يكون العمل المترجم يشكل إضافة نوعية إلى ثقافتنا، وليس لمجرد التسلية أو البحث عن الشهرة بترجمة كُتّاب لهم شهرتهم، وهذا يُفّسر أنني لم أُترجم لكتّاب عرفتهم بشكل شخصي من كتاب أمريكا اللاتينية؛ لأنني أعتبر أن بعض أعمالهم لا يرقى أن يشكل إضافة نوعية للثقافة العربية، وتركت ترجمتها لآخرين لهم رؤية مختلفة عني.
 

روايتك التي نشرتها مؤخراً "البرتقالة والعقارب" فيها الكثير عن تجارِبك الحياتية، وخاصة في تجربة المرض لماذا تحديداً تلك الفترة؟

هذه تجربة حياتية عشتها بشكل شخصي، ألحّت عليّ كثيراً لكي أسجلها على الورق، خاصة أن هذا النوع من الكتابة قليل جداً في اللغة العربية، إضافة إلى أن هذه التجربة في رأي الشخصي ساعدتني كثيراً على اجتياز محنة شخصية، وكتابة الرواية ربما تفيد وتساعد آخرين على عبور محن مماثلة، وهذا إلى جانب أن الكتابة كانت تشكل أسلوباً جديداً ليس من حقي أن أخفيه، ولكن على النقاد أن يقولوا رأيهم فيه.

لماذا لم تكتب عن تجاربك الحياتية الأخرى؟ خاصة تجربتك كجندي شارك في حرب أكتوبر، وعبر مع مقاتلي الجيش الثالث، الذي تعرض للحصار بعد معارك الثغرة غرب قناة السويس؟

أعتقد أن هذا الموضوع مشروع تأجل كثيراً، أفكر حالياً بعد الانتهاء من الرواية فيه، وهو مشروع مُلح بسبب قلة الأعمال الإبداعية الحقيقية التي كتبت عن حرب أكتوبر، وأعتقد أن الكتابة الآن عن الحرب في عمل روائي سيكون مفيداً بعد تكشف الكثير من الحقائق عن تلك الحرب.

والمطلوب الآن ليس عملاً تسجيلياً، كما حدث في بعض الأعمال التي نشرت بعد الحرب مباشرة، ولكن المطلوب عمل إبداعي يسجل حياة من شاركوا في هذه الحرب، أكثر من الشعارات التي يمكن أن تلتصق بمثل هذه الأعمال عن أدب الحرب، سبق أن ترجمت رواية عن الحرب الأهلية الإسبانية بعنوان "ساحة الماس"، يمكن أن تكون نمودجاً حقيقياً لأدب الحرب؛ لأن ذلك الأدب ليس مهمته تسجيل المعارك وإحصاء عدد الشهداء، بقدر ما يكتب ليعكس اللحظات الإنسانية التي يعيشها من شاركوا في تلك الحروب.

الزملاء الذين شاركوا معي في حرب أكتوبر، بشكل خاص أفراد الجيش الثالث الميداني، حياتهم مليئة بتلك اللحظات التي كانت مأساوية وقت الحرب، وتحولت إلى ذكريات جميلة بعد الحرب، تفرض على المبدع تسجيلها على الورق في عمل إبداعي، أرجو أن أوفق فيه.

تشربت الثقافة الشعبية والقومية من خلال مولدك ونشأتك في قرية في عمق الجنوب المصري ودراستك الجامعية في القاهرة، ودراستك في إسبانيا، كيف واءمت بين تلك الثقافات المختلفة؟

هناك أشياء مشتركة بين الثقافات بشكل خاص، بين الثقافة الشعبية المصرية، والثقافة الريفية في إسبانيا، بل هناك تطابق تقريباً بين ثقافات أمريكا اللاتينية؛ لأنها عاشت وما تزال ظروفاً متشابهة، لا يفاجئنا أن نكتشف أن هناك تمازجاً بين ثقافتنا الشعبية والثقافة الشعبية في إسبانيا، كما أن هناك تأثيراً متبادلاً في طقوسنا وطقوسهم الشعبية يحتاج إلى دراسة.

عندما قدمت دراستي للدكتوراه عن التأثير المتبادل بين الثقافة الشعبية المصرية، وبين الثقافة الشعبية الإسبانية اكتشفت أن طقوس احتفالات الربيع في مدن القناة لها أصول شعبية إسبانية، وخاصة طقس حرق الدمية "الألمبي" الشهير في بور سعيد شمال مصر، له جذور في طقس "لاس فاياس"، الذي يقام في مقاطعة "فالينسيا" الإسبانية، وانتقل هذا التأثير عن بعض العاملين في قناة السويس من الإسبان الذين كانوا يعملون مع الفرنسين.

عبر رفاعة رافع الطهطاوي البحر إلى فرنسا ليتزود من علوم المدينة الحديثة، وعبر البحر ذاته "إدوارد لين" لدراسة الشرق.. وعبور البحر لم يتوقف منذ أمد طويل.. الآن سار البحر المتوسط رمزاً للهجرة واللجوء والموت لماذا؟

الهجرة الحالية من الجنوب إلى الشرق إذا كانت أوروبا السياسية تعتبرها خطراً؛ فإن علماء الاجتماع يرون العكس تماماً، بسبب نقص المواليد وشيخوخة الشعوب الأوروبية، إضافة إلى ذلك نذكر أن هذه الهجرة الحديثة خلال الحرب العالمية الثانية والسنوات التالية لها، من الشمال إلى الجنوب بهروب جماعات كاملة عبرت المتوسط للبحث عن الأمان في شمال إفريقيا، من المدهش لتلك الهجرات أنها أضافت إلى الحياة المعاصرة والعلمية في بلاد الجنوب، وأذكر على سبيل المثال أحد أبرز أطباء العيون في إسبانيا "بار كيّر"، جاء إلى مصر وعمل في أحد العيادات بمنطقة الزمالك في القاهرة، وسافر عبر مصر في رحلات إلى عمق الجنوب، ونقل ما استطاع من إشارات علمية مرسومة على المعابد الفرعونية، وعندما عاد إلى إسبانيا أنشأ مستشفى العيون الشهير في برشلونا، ووضع شعاراً له "عين حورس"، وهو رمز فرعوني.

يجب التعامل مع تلك الهجرات على أنها عمل إنساني متبادل، جرى في الماضي من الشمال إلى الجنوب، ويجري الآن من الجنوب إلى الشمال، ونتيجة لذلك تحدث عملية مزج ودمج لثقافات مختلفة، تنتج لنا ثقافة جديدة، ومن المؤكد أنها ستكون متميزة؛ لأنها نتاج خبرات متعددة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها