حروب الأطفال...

باسم سليمان

قام الأطفال بغزوةٍ على بساتين القرية، فجمعوا من كلّ صنفٍ من الفواكه والخضار ما يكفي، ليلعبوا لعبة الحرب. ومن ثمّ انقسم الأطفالُ إلى فريقين، وبدؤوا بالتراشق بالفواكه والخضار. كانوا يعتبرون أنّ الرّمان من الأسلحة النوعيّة لكونها تترك الكثير من البقع على الثياب مثلها مَثل البَندورة، فالذي تصيبه ثمرة الرّمان أو البندورة، سيكون حسابه عسيراً لدى أمه، عندما يعود إلى البيت.
تراشق الأطفال بحبات العنب، والخوخ، والخيار. لكنّهم استبعدوا البطيخ الأحمر والأصفر؛ لعدم قدرتهم على حمله. وحين فرغت جعبتهم من الفواكه والخضار، ولكي لا يكون هناك منتصرٌ ومهزومٌ؛ سقط جميعُ الأطفال على الأرض، ومثّلوا بأنّهم قتلى، لكنّهم بعد لحظات انتفضوا من موتهم ضاحكين، إلّا طفلة ظلّت مستلقية، لقد ماتت، ماتت حقّاً، فقد رشقها طفلٌ يعشقُها بزهرة.
 

صائد العصافير

قالوا للولدِ: الوطنُ كسرة خبز. وفي الطريق، لمح الولد كسرةَ خبزٍ ملقاة على اﻷرض، مدّ يده، أمسكها، وقبّلها، ومن ثمّ وضعها على الحائط.
هبط عصفورٌ من شجرته، والتقطها بمنقاره وطار؛ ومن وقتها صار الولد صياد عصافير، يبحث عن وطنه في منقار عصفور.
 

سينما مراهقة

كنتُ أحدجُ بعيني كلّ من حولي في الطريق إلى المدرسة، وإن نظرَ إليّ أحدهم انهلت عليه لكمًا وركلًا، طالباً منه التوسّل؛ كي أتركه يفرّ. هكذا ضجّت المدرسة بذلك، واستدعِي والدي، ولم يجدِ حضوره نفعًا، فنقلتُ إلى مدرسة أخرى، إلى أنْ تمّ طردي من جميع مدارس البلد.
وأمام عدم مبالاتها، وغضبي ممّا آل إليه حالي! استوقفتها عند عودتها من المدرسة قائلًا لها: ألا ترين ماذا أفعل؟ لقد أطحتُ بكل رؤوس عشاقكِ، ومن يحاولون مسّك بسوء، حتى إنّني أصبحتُ خارجًا على القانون، وأنتِ لم تتكرّمي عليّ بقبلة أو حتى نظرة، كما تفعل الممثلات في السينما.
فردّت بخجل: إنّ أبي يمنعنا من السّهر بعد التاسعة، ولم أذهب إلى السينما يوماً.
 

نمل الحبّ

ما إنْ أراها حتى أقسمَ ليمونة إلى جزءين، ومن ثمّ أتوّج كلّ جزء بكمية كبيرة من الملح. هذا في أيام الليمون، أمّا في أيام العنب الحامض، فكنتُ ألتهم عنقودًا كاملًا وأنا أراقبها من أعلى سطح بيتنا. وعندما لا تسعفني الطبيعة بفواكه حامضة، كنت ألجأ لما عصرته أمّي من دبس الرّمان، أو أكياس ملح الليمون التي اعتدت أن أخبئها في جيب بنطالي لحالات الضرورة القاهرة. ألحسُ قليلًا، فيلتهب لساني وينسيني الطعم اللاذع اشتعال قلبي. استمرت الحال على ذلك، حتى ظنّ أهلي أنّ مسًّا حمضيًا أصابني، تسبّبه أنواع من الجان ذات طبع قلوي! وهكذا لم تنفع معي كلّ الرُقى، إلى أن قبّلْتُ باطن يدها، فتوقّف ولعي بالحامض، وبدأ السّكّر يختفي بشكل مريب من بيتنا.
 

شوك الصبّار

لقد اعتبرتها أعشابًا ضارة، فعمدت إلى إزالتها من أُصُصِ الورد على حافة الشرفة، ومع ذلك لا تفتأ أن تنبت من جديد! ولا ألبث أن أقلعها من جذورها! أصبحت القصة بيننا، أقرب إلى التحدّي. أطلقتُ عليها اسم، الأعشاب القاتلة للجمال، وسمعت همسها، يصرخ في وجهي: أيّها الطاعون.
لم تكترث زهور القرنفل، والزنبق، والجوري، والياسمين بمعركتي مع الأعشاب الضّارة، ولم تنبس بورقة شفة! منذ عدّة أيام، أضفتُ صبّارة إلى مجموعة النباتات على الشرفة، فلم تأخذ وقتًا طويلًا كي تفهم ما يحدث، فلكزتني بشوكها، وقالت: ما تسميّه أعشاباً ضارة؛ هو الحياة.
 

موسيقى

زعموا أنّ الثعلب سَمِع صوت الطبل، فنظر إليه، فألفاه ضخمًا كالثور، فخيَّل جوعُه له، أنّ الطبل مليء باللحم، فما كان منه إلّا أن خرق جلده، فوجده فارغًا؛ لو كان الثعلب يجيد الرّقص؛ لكان الطبل مملوءًا باللحم.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها