اللغة المصرية القديمة!

أصالة الماضي وحديث الحاضر

أحمد صالح علي

اللغة كائن حي، تحيا وتموت مثلها مثل بقية الأحياء التي توجد في عالم الإنسان، وهي بعد ذلك آية من آيات الله في خلقه. واللغات العامة كثيرة ومختلفة، تسير وفق أنظمة عديدة وطرق مختلفة ولكل لغة شكل معين في هندستها وحروفها وجملها.. في البنية والدلالة وعلى التركيب. ولقد اتفق علماء اللغات على تقسيم اللغات العالمية إلى فصائل ومجموعات مختلفة، واعتمدوا في هذا التقسيم تارة على الموقع الجغرافي، وتارة أخرى على التقارب بين أنظمة اللغات ومدى تأثر بعضها ببعض. ومع ذلك فالحدود الجغرافية اللغوية تعتبر حدوداً غير دقيقة إلى حد ما، فهي لتقريب الفهم وتيسير الدراسة على الباحثين.

واللغة المصرية القديمة من أقدم اللغات العالمية في نظامها اللغوي، منذ تم اكتشافها على يد العالم الفرنسي الشاب جان فرانسوا شامبليون Jean-François Champollion، الذي يعد المكتشف الحقيقي لها، وكل الجهود التي بذلت في دراسة اللغة المصرية بعد ذلك؛ إنما كانت قائمة على دراساته وأبحاثه.



إلى أي الفصائل اللغوية العالمية تنتمي اللغة المصرية؟

في المقدمة ورد أن علماء اللغات العالمية، ومصنفي اللغات إلى أسر وفصائل ومجموعات قسموا هذه التقسيمات على اعتبارات عدة، ولقد كانت هذه التقسيمات مرضية وصحيحة إلى حد بعيد. وبالنسبة للغة المصرية القديمة، فقد صنفها بعض العلماء ضمن المجموعة الحامية السامية، وصنفها البعض الآخر ضمن الآفروآسيوية، ومن الملاحظ أن الاعتبارات الجغرافية كانت هي الركيزة الأساسية في هذا التقسيم الأخير.

ومصطلح الآفروآسيوية يطلق على مجموعة من اللغات التي يتكلم بها سكان آسيا وإفريقيا وبالتحديد، غرب آسيا وشمال إفريقيا، ومنها اللغات السامية1.

ويعني تصنيف مجموعة من اللغات في أسرة لغوية واحدة اشتراك هذه اللغات في عدد من الخصائص اللغوية البنيوية باعتبار هذه اللغات ترجع إلى أصل واحد تفرعت عنه، ثم تباعدت خصائصها بعد ذلك على مدى التاريخ، ومعنى هذا أن اللغات العربية والأكادية والكنعانية والآرامية والحبشية تشكل فرعاً من أفرع أسرة لغوية كبيرة، تضم أيضاً اللغات المصرية القديمة والبربرية والتشادية والكوشية، ويقوم تصنيف هذه اللغات في أسرة لغوية واحدة على أساس الخصائص المشتركة، وكلما تقاربت هذه الخصائص بين لغتين أو أكثر كونت فرعاً لغوياً داخل الأسرة اللغوية.

وقد زعم عالم المصريات الألماني إرمان Erman أن اللغة المصرية القديمة كانت لغة سامية، غير أنها انفصلت في وقت مبكر جدّاً عن قريباتها وسارت منذ آلاف السنين في طريقها الخاص، وقد يكون من الجائز أن اللغة المصرية القديمة تطورت تطورات أسرع وأشد من اللغات السامية الأخرى عن طريق اختلاط الساميين المهاجرين بالسكان القدامى بوادي النيل، كما هو الحال مع الإنجليزية التي بعدت عن اللغات الجرمانية الأخرى تحت ظروف مماثلة (الاحتلال النورماندي والروماني لبلاد الإنجليز).

ولقد اعترض بعض اللغويين على مصطلح الحامية السامية؛ لأنه قد يؤدي إلى نوع من اللبس في فهم اللغات السامية ببقية اللغات التي تضمها هذه الفصيلة نظراً لتميزها تاريخياً وحضارياً نتيجة لانفصالها القديم، كما يدعو هذا المصطلح إلى تصور السامية كوحدة لغوية مختلفة في مقابل اللغات الحامية. وقد اقترح اللغوي الأمريكي جريبنبرج Greemberg استعمال مصطلح آفروآسيوية Afroaieatic ليدل على فصيلة اللغات التي تتوزع في المنطقة الواقعة بين غرب آسيا وشمال وشرق إفريقيا، وتضم خمس أسر لغوية هي: السامية Semitic والبربرية، والمصرية القديمة Ancient Egyptian والكوشية Cuahitic والتشادية Chad، ولقد صنف جريبنرج وبعض اللغويين الآخرين فصيلة اللغات الآفروآسيوية هذا التصنيف الخماسي بناءً على وجود التشابهات الصرفية والمعجمية بصورة تجعلنا نشك في قدراتها، وإن كانت المشكلة الرئيسية في هذا التصنيف هي تحديد عناصر المفردات والوحدات الصرفية التي تشترك فيها هذه اللغات.

اللغات السامية واللغة المصرية القديمة

كانت القرابة اللغوية بين اللغات السامية واللغات الأخرى القديمة والحديثة أحد موضوعات البحث المقارن، ولم يهتم بهذا الموضوع لصعوبته إلا عدد قليل من العلماء، ورغم هذا فقد وضعت فيه منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر عدة فروض تتفق في جعل اللغات السامية فرعاً من أسرة لغوية أكبر. وكان بعض الباحثين قد لاحظوا أن اللغات السامية - بالمعنى الضيق للكلمة- ليست مختلفة كل الاختلاف عن لغة مصر القديمة، وقد افترض بروجس (1867) أن اللغة المصرية القديمة لغة سامية، وفسر إرمان أوجه الشبه بين اللغات السامية واللغة المصرية القديمة بأن هذه اللغة، بالمعنى الضيق للكلمة ليست مختلفة كل الاختلاف عن لغة مصر القديمة، وقد افترض بروجس (1867) أن اللغة المصرية القديمة لغة سامية.. شقت طريقها وحدها عدة آلاف من السنين. وقد شبه بهذا أمر العلاقة بين اللغات السامية وتلك اللغات المسماة بالحامية مثل: البربر والنوبة، ولغة الهوسا والفولبا، واللغات الكوشية مثل: لغات البشارية، والبجة، والماهو، والجالا، والصومالية وغيرها.. وقد أدت دراسة أوجه الشبه بين هذه اللغات واللغات السامية إلى افتراض أنها جميعاً تكون أسرة لغوية كبرى، وأن اللغات الحامية قد انفصلت عن اللغات السامية في وقت مبكر، فشق كل فرع لغوي طريقه المستقل في التغير اللغوي.

وبناءً على هذا الرأي -أيضاً- فإنّ اللغة المصرية القديمة قد انفصلت عن الأسرة الكبرى في مرحلة تالية، واحتفظت لذلك بقدر كبير من الملامح المشتركة مع اللغات السامية [أسس علم اللغة العربية، ص: 137 محمود فهمي حجازي، سنة: 1978].

اكتشاف اللغة المصرية وفك رموزها

يرجع اكتشاف اللغة المصرية القديمة وفك رموز كتاباتها إلى زمن الحملة الفرنسية على مصر 1798م، وبالتحديد عصر الضابط الفرنسي بيير بوشار P.Bauchard على الحجر الذي عرف فيما بعد باسم حجر رشيد في أغسطس سنة 1799م، أثناء إعداد التحصينات لمواجهة قوات الحملة الفرنسية للهجوم البريطاني، وذلك في قلعة حوليا بالقرب من مدينة رشيد غير بعيد من مصب فرع النيل الغربي، وكان الحجر قد نقل من مكانه الأصلي ليعاد استعماله في بناء جدران تلك القلعة.

ولم يدر بخلد المكتشف أنه قد وضع يده على المفتاح الذي أمكن بواسطته التعرف على أسرار اللغة المصرية، وقد دون على الحجر المصنوع من البازلت الأسود ثلاث كتابات اثنتان مصريتان الهيروغليفية وهي الكتابة المصورة ثم الديموطبقية، وهي الكتابة الشعبية المبسطة، والثالثة هي الإغريقية (اليونانية)، وتبين أنها تتضمن وثيقة تعود إلى سنة 196 ق.م زمن الملك بطليموس الخامس الملقب بالظاهر، وقد كان واضحاً منذ البداية أهمية هذا النقش، كما أشير حين زال إلى إمكانية الاستفادة من النص الإغريقي في ترجمة الكتابتين المصريتين، ولكن ذلك لم يتحقق إلا بعد مرور ثلاث وعشرين سنة أخرى، عندما تمكن عالم الآثار الفرنسي شامبليون من فك رموز الكتابة والتعرف على اللغة المصرية.

المحاولات المبكرة

في سنة 1802م تمت ترجمة إنجليزية للنص الإغريقي تلتها ترجمة فرنسية، أوضح صاحبها أن النص على حجر رشيد يتضمن وثيقة يعلن فيها بعض كهنة (الإسكندرية أو مكان آخر قريب منها) الشكر والاعتراف بالجميل للملك بطلميوس الخامس الملقب بالظاهر.

أما النص الديموطبقي على الحجر فقد قام بدراسته السويدي المقيم في باريس المدعو أكربلاد Akerbld سنة 1802م، واستطاع قراءة أسماء الأعلام الديموطبقية ومقارنتها بمثيلاتها في النص الإغريقي، كما تعرف على كلمات أخرى مثل كلمة معابد والإغريقي، وكذلك تعرف على الضمير المذكر للغائب المفرد، ولكن أكربلاد لم يستطع التقدم في محاولاته؛ لأنه اعتقد أن الكتابة المصرية مكونة فقط من حروف الألفبائية، ويعتبر توماس يونج Tomas Yaung أول من تبنى أن الكتابة المصرية بالخطين الهيروغليفي والديموطبقي عبارة عن علامات تعبر عن أصوات Phantics، واكتشف أيضاً أن الأسماء التي تكتب داخل الخرطوش (أو الرسم البيضاوي) هي أسماء ملكية، واستعان كذلك بنقش آخر ذي نص مزدوج يشتمل على الإغريقية والهيروغليفية عثر عليه في فيلاي جنوب أسوان سنة 1815م، ومن المفارقات النادرة أن يتوصل كلا من الباحث البريطاني يونج، والعالم الفرنسي الشاب شامبليون إلى نتائج متقاربة في فك رموز الكتابة المصرية على الرغم من بعد الصلة بينهما.

لقد بدأ يونج في محاولاته الناجحة برفض النتيجة الخاطئة التي توصل إليها أكربلاد، والتي أدت إلى تجميد محاولاته لفك الرموز وتأكد أن الكتابة المصرية ليست كتابة ألفبائية؛ وإنما هي كتابة صوتية، واتضح أن النظام المتبع في كل من الكتابتين الهيروغليفية والديموطبقية واحد تقريباً، وعندما لاحظ أن النص الإغريقي يحتوي على تكرار في عدة مواضع من النص، اتخذ ذلك أساساً لتقسم الكتابات الثلاثة إلى مجموعات واعتبرها كلمات يصل عددها إلى ست وثمانين كلمة أو مجموعة، وكان هذا التقسيم صحيحاً في مجمله، ولكن الصواب جانبه في محاولة تحديد أصوات كل مجموعة، ومحاولة إيجاد الكلمات المقابلة لها في اللغة القبطية.

نجاح المحاولات

في سنة 1822م استطاع شامبليون أن يصحح قائمة الحروف المصرية التي توصل إليها يونغ من قبل وأن يضيف إليها، وعن طريق فك الرموز الملكية توصل شامبليون إلي معرفة طريقة الكتابة المصرية، ولكن التعرف على اللغة المصرية نفسها أصبح ممكناً بمساعدة اللغة القبطية، وهي آخر مرحلة من مراحل اللغة المصرية مكتوبة بحروف يونانية، مضافاً إليها سبعة حروف من الكتابة الديموطبقية، وما زالت القبطية مستعملة حتى الآن في الكنائس المصرية. ولم تكن هناك مشكلة بالنسبة لقراءة الأسماء الملكية المكتوبة باللغة المصرية من العصرين اليوناني والروماني؛ لأنها في مجملها مكتوبة بطريقة الحروف الهجائية مثل: بطليموس وكليوباترة وبرنيكي، أو الإسكندر وبعض أسماء الأباطرة الرومان المكتوبة على الآثار المصرية مثل: تبرموس ودوميتيتان وتراجان.

فكلمة بطليموس وجدت مكتوبة على كل من حجر رشيد وعلى مسلة فيلاي، ومن خلال هذا أمكن التعرف على حروف (ب - ت - و- ل - م - ي - س)، وعلى مسلة فيلاي أمكن التعرف على اسم كليوباترة، وفيها الحروف (ل. ك ى ب أ ث ر أ ت)، وبنفس الطريقة أمكن قراءة اسم الإسكندر الأكبر، ومن خلال قراءة اسم الملك رمسيس على الآثار المنسوبة إليه في أقوال المؤرخين أمكن التعرف على العلاقة (مس)، والتي عثر عليها في اسم الملك تحتمس أيضاً وهكذا.

وبعد أن قدم شامبليون رسالته الشهيرة إلى الأكاديمية الفرنسية يشرح فيها طريقته في فك رموز اللغة المصرية، نشر عام 1824م بحثه القيم تحت عنوان: Précis du système hiéroglyphique des anciens Égyptiens.

وبعد وفاة شامبليون المبكرة تابع العلماء أبحاثهم بجمع الجديد من المادة العلمية والتوصل إلى المزيد من المعلومات، حتى أمكن وضع قواعد اللغة المصرية وقراءة آدابها المختلفة، وأصبحت الآثار المصرية شاهدة على حضارة المصريين بكل جوانبها المادية والفكرية، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بمجهودات رجال نذروا أنفسهم لمصر وحضارتها أمثال رتشارد ليسو الألماني 1837م، وماسبيرو (1811-1872) الفرنسي، وماربييت (1821-1881م)، وبتري وارمان صاحب قاموس برلين الشهير للغة المصرية، الذي يبلغ أكثر من مليون ونصف بطاقة، وتوجد منه نسخة وحيدة في أكاديمية مدنية برلين، ومن مادته العلمية أمكن إصدار طبعة مختصرة (1926-1931) للتداول، تعتبر من أدق ما وصل إليه علم اللغة المصرية حتى الآن، وغيرهم من الباحثين من مختلف الجنسيات، إضافة لعدد من المصريين أمثال: أحمد كمال وسليم حسن وأحمد بدوي وغيرهم.


محتوى حجر رشيد The Rosetta Stone
 

كما ذكرنا فإن الكتابة على حجر رشيد عبارة عن قرار أصدره المجتمع العام للكهنة في ممفيس، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الأولى لجلوس ملك مصر بطليموس الخامس على العرش في ربيع سنة 196 ق.م. ويوافق اليوم الثامن عشر من شهر أمشير والأصل هو الإغريقي، أما الهيروغليفية والديموطبقية فهما ترجمتان. ويبدأ بألقاب الملك بطليموس الخامس (الظاهر) وبعض الصفات التي تشير إلى اهتمامه بالآلهة وحب المصرين له، ثم يقوم الكهنة بتعداد الفوائد أو المزايا التي أسبغها على مصر وهي باختصار:
1. هدايا للمعابد في صورة أموال وكميات من القمح.
2. التغاضي عن ديون الشعب والكهنة للملك.
3. الإفراج عن المسجونين.
4. تخفيض المبالغ التي تقوم المعابد بدفعها للتاج.
5. ترميم المعابد وإصلاحها.
6. العفو عن الثائرين والسماح بعودتهم للعيش في مصر.

ومن أجل أن يعبر كهنة مصر عن الشكر والامتنان للملك بطليموس قرروا أن يقيموا تماثيل الملك في كل معبد في مصر ليعبده الكهنة والشعب، وأن يصنعوا تماثيل ذهبية للملك، ويضعوها في متاجر من الذهب إلى جانب الآلهة، ولكي تحمل كذلك في المهرجانات معهم، وأن تكون مناسبات ميلاد وتتويج الملك أعياد رسمية إلى الأبد، وأن تعمل صور من هذا القرار على حجر البازلت باللغة الهيروغليفية وباللغة الديموطبقية واللغة الإغريقية، وتوزع على معابد البلاد كلها لتقام إلى جوار تماثيل الملك.

اللغة المصرية

ظهرت أقدم الكتابات المصرية التي وصلت إلينا في حوالي عام 3000 ق.م، واستمرت في التداول والاستعمال منذ ذلك الحين خاضعة لكل ما يطرأ على اللغات عموماً من تطورات حتى القرن السادس عشر الميلادي، حينما أخذت اللغة العربية تحل محل اللغة القبطية، وهي تعتبر آخر مرحلة من مراحل اللغة المصرية ليمكن القول بأن اللغة المصرية ما زالت مستعملة حتى الآن في الكنائس القبطية، وإذا أردنا أن نصف اللغة المصرية ضمن مجموعات اللغات في العالم فيمكن اعتبارها لغة حامية سامية؛ أي أن فيها بعض صفات كل من اللغات السامية واللغات الحامية، ولا شك أن موقع مصر الجغرافي كدولة إفريقية آسيوية له أثر كبير في ذلك التقسيم، وبخلاف ما هو موجود بالنسبة لمجموعة اللغات الهندو أوروبية، حيث تنتمي إليها لغات قديمة ميتة: اللغة الحيثية واللغة السنسكرينية، ولغات حديثة حية: اللغة الإنجليزية واللغة الروسية، ونجد أن مجموعة اللغات السامية ينتمي إليها لغات قديمة مكتوبة كالأكادية، بينما مجموعة اللغات الحامية كالبربرية لغة شمال إفريقيا والكوشية في أثيوبيا لم تصل إلينا مكتوبة؛ وإنما عرفناها حديثاً عن طريق الرواية الشفهية، وقد أمكن التعرف على ثلاثمائة كلمة سامية وأكثر من مائة كلمة حامية في اللغة المصرية، واللغة المصرية غنية بالمفردات التي تبلغ حوالي 20000 ألف كملة، ودخلت علها كلمات أجنبية كثيرة نتيجة لتوسع مصر في زمن الدولة الحديثة، ونتيجة لوقوع مصر تحت نفوذ بعض الشعوب الأجنبية قبل وبعد ذلك.

وفي لغتنا العربية كلمات مثل: فرعون وواحة وتمساح، ويد ورجل مأخوذة من المصرية، وخلال مراحل التطور مرت اللغة المصرية بعدة تطورات ففي البداية كانت اللغة المتداولة تختلف كثيراً عن اللغة المكتوبة، ولكن اللغة المتداولة أخذت تسرع في التطور وأصبحت تختلف المكتوبة مما أدى إلى اعتبار اللغة المتداولة هي اللغة الرسمية. ولقد حدث ذلك عدة مرات خلال التاريخ الطويل للغة المصرية بناء على ما يلي:
1. المصرية القديمة هي التي كانت مستعملة طوال أيام الدولة القديمة وبداية الدولة الوسطية، أي حوالي عام 3000 ق.م. إلي حوالي 2000 ق.م، وكتبت بها نصوص الأهرام، وكذلك استعمل في نقش مقابر الدولة القديمة.
2. المصرية الوسيطة استعملت في بداية الدولة الوسطية، وهي نفسها اللغة المتداولة في أيام الدولة القديمة بعد تطورها، وكتبت بها القطع الأدبية الكلاسيكية، وفي نهاية الدولة الوسطية أصبحت قاصرة على تدوين الآداب الدينية والموضوعات الرسمية حتى أو آخر العصور الفرعونية.
3. المصرية الحديثة كتبت بها الوثائق الإدارية والمراسلات، وهي عبارة عن اللغة المتداولة في العصر السابق.
4. الديموطبقية الشعبة في أواخر زمن الدولة الحديثة، وحوالي عام 700 ق.م حلت الديموطبقية محل اللغة المصرية الحديثة، واستمرت في الاستعمال طوال العصرين اليوناني والروماني كلغة الإدارة.
5. اللغة القبطية: ومنذ القرن الثاني الميلادي استعملت الحروف الإغريقية مع سبعة حروف من الكتابة الديموطبقية لكتابة اللغة المصرية، ولها ثلاث لهجات رئيسة هي: البحيرية، الفيومية، الصعيدية ونظراً لوقوع مصر تحت نفوذ الأجانب في تلك المرحلة الزمنية من العصر المتأخر، فإن اللغة القبطية لم تأخذ فرصتها في التطور ولذا فهي فقيرة نسبياً في المفردات والصيغ المستعملة، ولطالما استعارت مفردات واصطلاحات كثيرة من اللغة الإغريقية وخاصة فيما يتعلق بالموضوعات الدينية.
[صفحات مشرقة من تاريخ مصر القديم: دكتور محمد إبراهيم بكر، دار المعارف، 1984م، ص: 15 – 22].


هامش
1J.H. Greemferg, languages of Africa, Indianan university, 1966 p.p . 42-65.1

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها