في ليلٍ شِتَائيٍّ حار!

رنا محمد

يطل شباك غرفتها إلى الأزرق الممدود إلى اللانهاية، ذلك الشباك الذي لجأت إليه هرباً من مسرح الحياة المقام في الخارج.

من تلك الشرفة كانت تتأمل الوجه الآخر للحياة، تراقب العشاق والصيادين والحالمين، تعبق في أنفها رئحة البحر مع رائحة الكتب التي عشقتها، فتجلس لساعات على تلك الشرفة، مرة ترقص مع زوربا، وأحياناً تراقب بيتهوفن وهو يدون أولى نوتاته الموسيقية، وتتناقش مع زرادشت قبل أن يتكلم كما يحلو له.

وفي تلك الغرفة عرفته... استطاع التسلل عبر الأسلاك الباردة للكمبيوتر، وبث فيها الحياة من جديد.

ورغم آلاف الكيلومترات التي تفصل بينهما، حيث يعيش هو في الجانب المضيء من هذا الكوكب، بينما تعيش هي على ركام حلم هدمته الحرب، إلا أنه استطاع التسلل لكل تفاصيل حياتها.

معه أعادت فهم الحياة من جديد، وعرفت كيف يستطيع المرء العيش في بلد مدمر، ويجلس فوق كل ذاك الحطام، ويقول في كل حين: أهلاً بالحياة.

مرةً كانت تسهر معه عبر الأسلاك الباردة، وفجأة ظهر صوت وضوء قوي، لم تنظر خلفها، ولم تغلق الكمبيوتر، ولم تجب على أسئلته حول كل تلك الأصوات... صوت آخر قوي، وتهدم بعدها أمامه كل شيء، وهو ينظر عبر الشاشة المكسورة التي ما تزال تعرض صورته، والتي أرادتها شاهداً على احتضار آخر حلم لها ببلاد تسكنها.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها