الأزياء الاستعراضية في السينما العربية

د. ناصر أحمد سنه


يبدو أن السينما العربية "نطقت لتغني وترقص". فلولا الغناء والموسيقى، والاستعراض لظلت صامتة.. ولهذا؛ فإن التعبير الحركي الراقص من أقدم وسائل التواصل التي عرفها ومارسها الإنسان.


لقد كان أول فيلم مصري/ عربي ناطق "أنشودة الفؤاد" (1932) غنائياً، وقام ببطولته كل من المطربة المصرية الشهيرة "نادرة"، والممثل المسرحي المصري "جورج أبيض"، والملحن والمطرب "زكريا أحمد"، وأخرجه السينمائي الإيطالي "ماريو فولبي". وتم تصويره في باريس عام 1932. ثم توالت وتراكمت الأفلام الغنائية/ الاستعراضية لتصل لنحو نصف العدد الإجمالي للأفلام السينمائية المصرية.

كما لا يخلو نصفها الآخر من أغانٍ، ورقصات، واستعرضات.. فمن أبرز الأفلام التي مزجت بين الحوار الدرامي، والموسيقى، والغناء، والرقص: "الوردة البيضاء" (1933)، "ملكة المسارح" (1936)، "وداد" (1936)، "مصنع الزوجات" (1941)، "بلبل أفندي" (1948)، "فتاة السيرك" (1951)، "إجازة نصف السنة" (1962)، "ألف ليلة ولية" (1964)، "بياع الخواتم" (1965)، "غرام في الكرنك" (1967)، "إضراب الشحاتين" (1967)، "أبي فوق الشجرة" (1969)، "حرامي الورقة" (1970)، "عشاق الحياة" (1971)، "خلي بالك من زوزو" (1972)، "أميرة حبي أنا"(1974)، "مولد يا دنيا" (1976)، "عودة الابن الضال" (1976)، "سمع هس" (1991)، "يا مهلبية يا" (1991)، "كريستال" 1993، "ميت فل" (1996)، "سيلينا" (2009) إلخ.
 

   

ولقد ازدهرت الأفلام الغنائية والاستعراضية.. في مصر وغيرها، وهي التي تعتمد على الحورات الغنائية الموسيقية الراقصة، والمؤثرات الصوتية والضوئية، والديكور، والزينة، والملابس. وقد ظهرت على يد كل من "محمد عبد الوهاب" و"أم كلثوم" منذ الثلاثينيات، ثم على يد العديد من المطربين والمطربات منهم: "عبد الحليم حافظ"، و"محمد فوزي"، و"فريد الأطرش"، و"أسمهان"، و"هدى سلطان"، و"شادية"، و"وردة"، و"نجاة الصغيرة"، و"صباح"، و"فيروز"، و"نجاح سلام"، و"فايزة أحمد"، و"كارم محمود"، و"محرم فؤاد"، وغيرهم. فضلاً عن العديد من الراقصات، وفرق الفنون الشعبية كفرقة رضا. واشترك في تلحين أغنيات واستعراضات هذه الأفلام عشرات من الملحنين منهم: "محمد القصبجي"، و"زكريا أحمد"، و"محمد عبد الوهاب"، و"رياض السنباطي"، و"فريد الأطرش"، و"محمد الموجي"، و"كمال الطويل"، و"محمد فوزي"، و"منير مراد"، و"بليغ حمدي" إلخ.
 

أنواع الأزياء الاستعراضية

تعتمد صناعة السينما على حرف ومهن عديدة منها صناعة الأزياء والملابس وتصميمها.. وهناك فروق ملحوظة بين تصميم الملابس للحياة العادية وتصميمها من أجل السينما. بل إن للسينما فضلاً في خلق ملابس سينمائية خاصة بأبطالها. ويتعاظم دورها في الأفلام الاستعراضية. وفيها تنقسم الملابس الاستعراضية لعدة أنواع. الأول: نابع من الخيال ويعبر عن تصورات خيالية. ومن أمثلته تصميم ملابس تعبر عن الريح، والموج، والنار، والكائنات الخيالية... وفي هذه الحالة لمصمم الأزياء حرية كبيرة من حيث التصرف في الأشكال والألوان والاكسسوارات للأزياء، ولا يقيده إلا مدى صلاحية هذه الملابس مع الحركات وتصميم الرقصات. كما في أفلام "ليلة الحنة"، "ليلى بنت الأغنياء"، "بابا عريس"، "إضراب الشحاتين"، "الحياة نغم" إلخ.

والنوع الثاني "الأزياء التاريخية" التي ترتبط بفترة زمنية معينة من التاريخ الفرعوني أو العربي، كما في فيلم "الفلاح الفصيح"، و"عروس النيل"، و"عايدة"، و"شجرة الدر"، و"الناصر صلاح الدين"، و"خالد بن الوليد"، و"أمير الانتقام"، و"عنترة بن شداد". فينبغي تحري سمات أزيائها والالتزام بتصاميم مشابهة لها.

أما النوع الثالث: فهي الأزياء كما هي في الواقع.. وفق المذهب الواقعي في الفن (ظهر أوائل القرن العشرين) ويتبنى المبدأ القائل أن: "الفن ما هو إلا انعكاس للواقع الفعلي". فأزياء الصيادين والفلاحين والغجر والغوزاي والأطفال ينبغي أن تكون كما هي وفق "روح الواقع"، من حيث الخامات والألوان والتصميمات الملائمة لنوعية تحرك الممثل أو الممثلة، ولحركة الكاميرا. كما في أفلام: "قلبي دليلي"، و"شيطان الصحراء"، و"بحر الغرام"، و"تمر حنة"، و"حسن ونعيمة"، و"المصير" إلخ.

ويتم توظيف هذه الأنواع من الملابس الاستعراضية كي تبلور شخصيات الممثلين (والمجموعات المساعدة/ الكومبارس) وتعمق تقمصهم لأدوارهم التي يؤدونها، وتكشف عن أمزجتهم الخاصة، و"الإيحاء" بمعان بعينها. وما تمر به "الشخصيات" من تصارعات، وملابسات فكرية وسيكولوجية. كما أنها وسيلة من وسائل التعبير عن أوضاعهم المهنية، والاجتماعية، والاقتصادية، والنفسية، والوجدانية (وفق ما تشير الباحثة "مها فاروق عبد الرحمن" في دراسة لها).

ويحرص مصممو الملابس الاستعراضية أن تتناسب مع الفترة التاريخية التي تدور حولها أحداث ووقائع الشريط السينمائي. وتوافق الزي وألوانه تبعاً للمناسبات، وللمكان، والزمان، وتغير الفصول، وتعاقب ساعات الليل والنهار. فللبساطة والأناقة والمواءمة والألوان.. دلالالتها الهامة. وهي موضع اهتمام ملحوظ من قبل صناع السينما لما لها من أثر نفسي في الشخصية، وعلى المشاهد في آن. كما يهتمون باختيار نوعية خامات الملابس (الطبيعية، والصناعية) وألوانها، ومكملاتها (كوشاح القاضي، وروب المحامي، ونياشين ضباط الجيش والشرطة، وأغطية الرأس، وزينة الفلاحة كالكردان والخلخال). ويتم ابتكار عدة طرق وحيل لمعالجة المنسوجات المتعددة لمحاكاتها بالأقمشة غالية الثمن. حيث لا يشترط في الملابس الاستعراضية أن تكون غالية الثمن، فمصمم هذه الأزياء لدية القدرة والمهارة على إكساب الخامات زهيدة الثمن قيمة ورونقاً وإحساساً بالثراء والغنى. وذلك عبر الصباغة، والتحبيب، والرش بالطلاء، وإضافة النقوش، رسماً أو لصقاً. وعبر استعمال (الجالونات/ الجيبات) "المُذهبة أو المفضضة" بأحجامها المختلفة.

وأبرز الخامات المستعملة في الزي السينمائي الاستعراضي: الكتان، والصوف، والحرير، والساتان وغيرها. أما من ناحية الملمس فهي تنقسم إلى عدة أقسام: ملابس ذات أسطح مشعة لامعة، وذات أسطح غير لامعة، وذات أسطح شفافة أو نصف شفافة، وذات أسطح براقة، أو نصف براقة، وذات أسطح معتمة. لكن عموماً ينبغي ألا تكون الأقمشة ثقيلة أو ضيقة تعيق حركة المؤدي في خفة ومرونة ورشاقة. ويمكن لمصممي الأزياء صياغة "حلي فخمة" من قصاصات القماش المعدني، وترصيعها بالخرز العادي، والترتر، والفصوص الملونة من البلاستيك الشفاف... فتعطي تأثيرات كبيرة بتكاليف زهيدة، وبدون مبالغة في وضع الاكسسوارات التي قد تعيق الراقص عن حرية الحركة المطلوبة في العرض.

ولا يتوقف دور مصمم الملابس على إعدادها قبل تصوير العلم السينمائي، بل يمتد دوره لمتابعه "مواليده الفنية حتى يكتمل نموها، وتشب عن الطوق". وتحقق واقعاً ملموساً على شاشة السينما. ومتابعة الشخصيات من خلال الكادر، ومدى الملاءمة مع الجو الدرامي.. شكلاً ومضموناً، واقتراح وتنفيذ ما قد يعنّ من تصويب للنقص أو تلاف للقصور في جانب أو آخر، وبخاصة أثناء تصوير مشاهد كبيرة؛ كي تنجسم وتتسق لوحة الأزياء، وأشكالها، وألوانها، وإكسسواراتها، ومكملاتها دون تشتيت للرؤية الجمالية البصرية. ومن متابعة التصوير يمكن لفنان الملابس -دعماً لمزيد من جمالية التشكيل- اقتراح أفكار جديدة لم تكن في الحسبان أو ضمن (اسكتشات) التصميمات الأولى.
 

ومن أبرز الاستعراضات الضخمة في السينما العربية التي تميزت أزياؤها "بالفانتازيا" استعراض "البلياتشو" في فيلم "دهب" (1953) من إخراج الممثل "أنور وجدي". وكان الرموز إسماعيل يس، وأنور وجدي وفيروز، ومن حولهم مجموعات كبيرة من الراقصين والراقصات. كما تكرر ذلك في أفلام عديدة قامت ببطولتها "نعيمة عاكف" مثل: "لهاليبو" (1949)، و"يا حلاوة الحب" (1952)، و"مليون جنية" (1953) إخراج "حسين فوزي".

ويشار إلى أن تاريخ السينما حافل بالعديد من الأسماء التي شاركت في تصميم الملابس/ والاكسسوارات الاستعراضية والتاريخية. فمن أبرزهم: "ولي الدين سامح" (1907-1989)، و"عبد الفتاح البيلي" (1920-)، و"شادي عبد السلام" (1930-1986)، و"ناجي شاكر" (1932)، و"رشدي حامد" (1947-1996)، و"أنسي أبو سيف"(1943-)، و"رؤوف عبد المجيد" وغيرهم.

وخلاصة القول: يعتبر الفيلم الاستعارضي من أكثر أنواع الأفلام سهولة وتعقيداً في آن.. فبمتابعة الحركة السينمائية نجد أفلاماً استعراضية برزت في قالب حركي راقص، يعتمد بساطة القصة والسيناريو، كما يعتمد أسلوباً بصرياً روائياً معقداً يراعي الظروف الثقافية المحيطة، والتقاليد التاريخية السابقة. ونظراً لموقع الاستعراض "الإبهاري، والمؤثر" من الفيلم يحرص صانعوه على انتقاء الأزياء، والاكسسوارات، والديكورات، والزينة المناسبة... فلكلّ ذلك، وغيره، أهمية كبرى تنعكس على حسن آداء الممثل لدوره، ومن ثم على براعة إخراج الحبكة السينمائية.. لتبقى ما بقيت ذائقة الناس تحب مختلف فنون الأداء الصوتي والحركي.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها