"الخطة 75" عن موضوع القتل الرحيم

حوار مع: تشي هاياكاوا مخرجة الفيلم الصادم

ترجمة: سهام الوادودي

حاورها: سيغفريد فوريستيي
 

"يعد التقدم في السن مصدر قلق للعديد من اليابانيين بالفعل" منذ أول فيلم روائي طويل للمخرجة اليابانية تشي هاياكاوا، تمكنت هذه الأخيرة من فرض اسمها وخوض غمار المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي لعام 2022. فمن خلال هذا الفيلم الذي يحمل عنوان: "الخطة 75"، تتناول المخرجة، البالغة من العمر 45 عاماً، بحساسية كبيرة وقدرة مدهشة على الإقناع موضوعاً شديد الانفجارية: إمكانية سن الدولة لسياسة القتل الرحيم، والترويج لها بين الأشخاص المسنين.




● يُستهل فيلمك بمشهد صادم: شاب يحمل في يده بندقية، يقدم على الانتحار، بعد أن أعدم جميع نزلاء إحدى دور المسنين، وآخرهم شخص قَعيد على كرسيه المتحرك. وما يجعل هذا المشهد مربكاً للغاية هو أنه في الوقت ذاته سريالي وواقعي بشكل يصعب تصديقه. هل استلهمت هذا المشهد من واقعة حقيقية حدثت في اليابان؟

تشي هاياكاوا: بالفعل، هذا المشهد مستوحى من واقعة حدثت في اليابان في عام 2016، تعرف بمذبحة ساغاميهارا. حدث ذلك في مؤسسة تأوي أشخاصاً من ذوي الإعاقة. في أحد الأيام، دخل شاب، كان في السابق يعمل في المؤسسة نفسها، وقتل 19 شخصاً معاقاً وأصاب حوالي أربعين بجروح. وقد برر فعلته بالقول: إن الأشخاص المعاقين لا يفيدون المجتمع في شيء. بالنسبة له، ليس عدلاً أن تستخدم الدولة المال العام لرعاية هؤلاء الناس. ولذلك فهو ارتكب ما ارتكبه بدافع الولاء لبلده. كان ذلك بالنسبة إليه عملاً صالحاً. وأنا قد تأثرت كثيراً بهذا الحادث المأساوي؛ لأن له معنى يعكس أفكاراً وسلوكات موجودة على أرض الواقع، وميلاً نحو التعصب الذي ما فتئ يتزايد في الآونة الأخيرة تجاه الأشخاص في وضعية هشة، وتجاه المسنين على وجه الخصوص. هناك شكل من أشكال العنصرية التي بدأت تستقر في النفوس تدريجياً ضد هؤلاء الناس. لهذا، أردت أن أجعل منه نقطة البداية وموضوع الفيلم. هذه الواقعة هي التي ألهمتني المشهد الافتتاحي.

● تتمحور قصة الفيلم حول مسألة القتل الرحيم. على ماذا تنبني الخطة 75 التي يتخيلها الفيلم؟ وبعيداً عن الفيلم، هل يبدو لك أن مثل هذه الخطة من الممكن أن تصبح واقعية إذا ما تخيلنا أنفسنا في اليابان سنة 2040 أو 2050؟

في الفيلم، هذه الخطة 75 هي نظام من تدابير وضعتها الحكومة اليابانية. تتيح للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاماً -إذا رغبوا في ذلك– أن ينهوا حياتهم. لذا فهي طريقة للاعتراف بالحق في الموت الرحيم. نحن نتحدث عن إجراء وهمي؛ أي أنه غير موجود في الوقت الحالي. إن شيخوخة السكان مشكلة اجتماعية يعي بها جميع اليابانيين. إنها مشكلة تتفاقم عاماً بعد عام. إنها قضية تحمل في طياتها قلقاً بالغاً يشعر به الجميع في بلدنا. فالتقدم في السن يعد مصدر قلق للعديد من اليابانيين بالفعل. ونحن نتساءل عما سنفعله، على سبيل المثال، إذا أصبنا عتبة الشيخوخة، أو عما سيحل بنا إذا فقدنا القدرة بدنياً على العيش باستقلالية. نتساءل كيف سنتدبر احتياجاتنا المالية. كل هذه المخاوف تجعل من الشيخوخة مسألة مخيفة حقاً. وقد أصبح هذا الشعور يتفاقم في السنوات الأخيرة. لهذا، فلو وجدت الخطة 75 بالفعل، فإنها ستحظى بموافقة العديد من الأشخاص.

● أنت تبدئين فيلمك بلقطات تشبه إلى حد بعيد لوحة انطباعية، بأنساق لونية تغلب عليها الخضرة الشديدة، وظهور صورة ظلية لجذع شجرة خلف زجاج تغطيه بقع صغيرة... ما هي المعالجة الجمالية للصورة التي اعتمدتها للتعامل مع هذا الموضوع البالغ الحساسية الذي هو القتل الرحيم؟

هذه الخطة 75 ما هي إلا عنف مقنع، ملفوف بشيء مذاقه شديد الحلاوة، بحيث يبدو للوهلة الأولى، ودوداً للغاية، وعملياً للغاية، وخيراً للغاية. أما في الواقع، فهو يخفي تجريداً من الإنسانية وقسوة تمس حقاً بكرامة الناس. لذا، رغبت في أن أجعل هذا التباين مرئياً من خلال الإخراج وتضخيم الشكل قليلاً – مثل ملفوف الخطة 75 هذا – وبالتالي إبراز هذا التناقض الموجود بين الحقائق والشكل الذي نقدمها من خلاله.

● لقد تم التعامل مع موضوع القتل الرحيم مرات متعددة في السينما سابقاً، ولكن في كل المرات تقريباً كان يتم تناوله على مستوى فردي. وأنت اخترت معالجة هذه القضية على مستوى دولة تقوم بمبادرات تروج بها للقتل الرحيم. منذ معسكرات الإبادة التي أنشأتها ألمانيا النازية، والتي قتلت أيضاً مئات الآلاف من الأشخاص المعاقين والمرضى العقليين (الذين اعتبروا كـ"حيوات لا تستحق أن تعيش") خلال الحرب العالمية الثانية، دخل هذا الموضوع في نطاق الطابوهات المطلقة منذ عام 1945. هل تشعرين بأن هذا الطابو قد بدأ يتلاشى؟

أولاً، أريد أن أؤكد بأن هذا الفيلم ليس فيلماً مؤيداً للقتل الرحيم. كان أهم شيء بالنسبة لي هو إبراز الخطر المتمثل في أن دولة ما أو بلداً ما يمكن أن تتدخل أو يكون لها الحق في تقرير حياة الناس أو موتهم. يجب أن نكون مدركين لمدى خطورة هذا، ويجب أن نتعامل مع الموضوع بالكثير من الحذر. صحيح أن الأفلام التي كانت تتطرق لمسألة القتل الرحيم ظلت لحد الآن تميل إلى تقديمه كحالات خاصة. بينما في هذا الفيلم، ما كان مهماً بالنسبة لي هو هذه السيطرة التي يمكن أن يحكمها بلد ما على كرامة الناس. هذه هي النقطة المحورية في فيلمي.
 

● مسألة القتل الرحيم في أفلام مهرجان كان السينمائي

كثيراً ما أثار موضوع القتل الرحيم، نظراً لحساسيته الكبيرة، موجات جدل في مهرجان كان السينمائي. ففي عام 2012، فاز مايكل هانيكه بالسعفة الذهبية عن فيلمه "Amour"، الذي أدت فيه إيمانويل ريفا دور زوجة محبة بقدر ما كانت يائسة وشجاعة بما يكفي لإنهاء معاناة زوجها. في عام 2016، بدأ الفيلم الصادم Rester vertical للمخرج آلان غيرودي بتسليط الضوء على الطريقة الخاصة التي أنهى بها شاب حياة رجل عجوز للحد من معاناته الرهيبة. وفي العام الماضي، كان فرانسوا أوزون هو من تطرق بشكل مباشر وجدي لموضوع القتل الرحيم. حيث ذهب في فيلمه "Tout s’est bien passé"، إلى حدود لم يسبقه إليها مخرج آخر، الفيلم يحكي قصة رجل يبلغ من العمر 85 عاماً، أصيب بسكتة دماغية، ثم استعاد جميع قدراته تقريباً. وعلى الرغم من ذلك، قرر أن ينهي حياته في عيادة متخصصة وعالية التكلفة في سويسرا، مع أن عائلته لا توافقه الرأي. ومن خلال هذا الفيلم "الخطة 75"، والذي قدم ضمن فئة "نظرة ما" المرموقة، تمنح تشي هاياكاوا Chie Hayakawa لقضية القتل الرحيم بعداً أكثر إثارة.

وتتمثل الإضافة التي أتت بها هاياكاوا أيضاً في أنها رسمت، بين السطور، صورة جيل ينتهي بعد أن أعاد بناء اليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية. فضائل هذا الجيل، لا تستعرضها المخرجة بشكل مباشر في هذا الفيلم المكرس لموضوع القتل الرحيم، ولكن من خلال تفاصيل صغيرة جداً تسلط الضوء على القيم التي يجسدها هذا الجيل في الحياة اليومية. يصور لنا الفيلم شخصية ميتشي، المرأة السبعينية التي تعيش وحدها وفي ظروف متواضعة جدّاً، بعد أن تم فصلها مؤخراً من عملها كمنظفة في أحد الفنادق. ويتم إخبارها أيضاً بأنه سيتم هدم العمارة التي تقطنها ليحل محلها مبنى عصري. وتكتشف وجود الخطة 75.

وعلى الرغم من المصائب التي انهالت عليها، تحافظ ميتشي على تواضعها وصمتها مهما اختلفت الظروف، فضلاً عن التزامها بالصلاة والتعبير عن الامتنان لكل طبق أرز يتوفر لها. ظلت حياتها كلها مبنية على مبدأ التفكير في الآخرين -لا تهدر الماء عندما تغسل الأطباق. وبعد أن تقص أظافرها، لا تتخلص مما قامت بقصه، بل تحوله إلى سماد للنباتات المنزلية- والاستعداد الدائم للتضحية في سبيل مصلحة البلاد. في فيلمها التخييلي، تبرز تشي هاياكاوا ببراعة الفخ المتمثل في توظيف الحكومة قيم الأجيال الأكبر سناً لدفعهم إلى قبول خطة القتل الرحيم. وقد تقرر تخصيص مكافأة قدرها 100 ألف ين لتسهيل الحصول على توقيع الأشخاص الموجودين في ظروف اجتماعية صعبة، وضمان استمتاعهم ببضعة أسابيع دون التفكير في المشاكل المادية. هي إذن ضربة قاضية "خبيثة" ابتدعتها حكومة مهووسة بالصحة المالية لميزانيتها على حساب أرواح تقرر أنها ليست جديرة بأن تعيش.

 

 رابط الحوار(الأصل) باللغة الفرنسية

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها