حرية المخيلة.. شرط الشعر والكتابة

حـوار مع الشاعر البحريني قـاسم حـداد

حاوره: الأمير كمال فرج

◆  من "البشارة" عام 1970 إلى "جوهرة المراصد" عام 2021، كانت رحلة الشاعر البحريني قاسم حداد رحلة ثرية حافلة بالشعر والأدب والنقد. أولى السمات التي يلاحظها الباحث في أعماله: الثراء والتنوع والإخلاص لقيمة الشعر ورسالته.

◇  ولد قاسم في مدينة "المحرق" على شاطئ الخليج، التي كانت مكوناً عميقاً لكثير من تجاربه الأدبية، وفي بدايات تشبه بدايات عباس محمود العقاد، لم يكمل حداد دراسته الثانوية لظروف اجتماعية وسياسية، وعوض ذلك بالقراءة التي أثرت مكنونه الثقافي.
 

◆  قدم للذاكرة العربية أكثر من خمسين كتاباً، في الشعر والسرد والنقد والتحليل والرؤى الأدبية والإبداعية، لم يكتف بالبقاء في بقعته الجغرافية، ولكن جاب أرض الله الواسعة للكتابة وخوض تجارِب، أضافت لتجربته الإبداعية الكثير من البوح والحرية.

◇  ترجمت بعض أعماله إلى عدة لغات، وقامت الجامعة الأمريكية في القاهرة بمشروع لترجمة أعماله، حيث أوكلت هذه المهمة لاثنين من أساتذتها هما: جون فيرلندن أستاذ قسم البلاغة والتأليف، وفريال غزول أستاذ قسم اللغة الإنجليزية والأدب المقارن، من خلال منحة قدرها مائة ألف دولار من المؤسسة الوطنية للعلوم الإنسانية.

◆  يرى قاسم حداد في حوار مع "الرافـد الالكتروني" أن التاريخ الأدبي العربي احتاج لأكثر من ألفي سنة ليتضح ويصير تقليداً جذرياً، لذلك فإن التجربة الحديثة ستحتاج وقتاً لكي تقدم ما عندها، مؤكداً أن الشعر في حياة الإنسان مثل الحب، نحن بحاجة إليه، وبشغف لاكتشافه.
أما عن قضية الشكل سواء على صعيد الشعر نفسه، أو صعيد الشعر والفنون الأدبية الأخرى، يرى حداد أننا لسنا في سباق، وكل أشكال التعبير الآن ممكنة، والعالم في حياتنا يستوعب الجميع.

◇  بتواضع الشعراء يصف حداد (73 عاماً) مسيرته الأدبية بالرحلة. وأنه يتعلم فيها بشكل لا بأس به، مؤكداً أنه يقرأ أكثر من أي شيء آخر، حتى إنه يكاد يشعر بأن النوم وقت ضائع.



 قضية الشكل 
 

ما زال البعض حتى الآن يهاجمون قصيدة النثر، ما رأيك، وكيف حسمت قضية الشكل؟

✑ منذ سنوات لم أعد أقبل استخدام تعبير قصيدة النثر، وأقترح الكلام عن الشعر، حيث يمكننا اكتشاف الشعر بأشكال مختلفة. نفس الأمر نقوله عند الحديث عن وضع الشعر بين الفنون الأدبية كالرواية، فبنظرة عامة لسنا في مضمار سباق. كل أشكال التعبير الآن ممكنة، والعالم في حياتنا يستوعب الجميع.

 إقامات أدبية 
 

حصلت على عدة منح للإقامة الأدبية في عدد من بيوت الشعراء، كيف كانت هذه التجارب؟

✑ كانت الإقامات التي حصلت عليها ممتازة، الإقامة الأولى عام 2008 في برلين من (أكاديمية التبادل الثقافي) في برلين، والثانية عام 2011 من نفس الجهة، والثالثة من (أكاديمية العزلة) في شتوتغارت 2012، والرابعة منحة الإقامة في بيت الشاعر الألماني هاينريش بول عام 2013، والخامسة إقامة أدبية من "نادي القلم الألماني في ميونخ عام 2014. وأظن أن هذه الإقامات أنتجت من الكتابة ما أحببته، وكان حصاد هذه الإقامات الكتب التالية : "لستِ جرحاً ولا خنجراً"، و"نزهة الملاك"، و"فتنة السؤال"، و"النهايات تنأى"، و"سماء عليلة"، و"تعديل في موسيقى الحجرة"، و"مكابدات الأمل"، و"يوميات بيت هاينريش بول"، و"ثلاثون بحراً للغرق"، و"مثل وردةٍ تقلّد عطراً"، و"طرفة بن الوردة"، و"أيها الفحم يا سيدي، دفاتر فنسنت فان غوخ".
 


أصدرت عام 1996 موقع "جهة الشعر"، وبعد اثنين وعشرين عاماً توقف، كيف اتخذتم قرار إيقاف هذا المشروع الثقافي المهم؟

✑ بالنسبة لي فإن "جهة الشعر" موقع استنفد عمره الافتراضي، ويمكنك العثور الآن على عشرات المواقع في شبكة الإنترنت تقوم بأحسن مما قام به "جهة الشعر". كما أنني تعبت فعلاً، ولَم أعد أمتلك الحماس لذلك العمل. إضافة إلى أنني لست من النوع الذي يقدس التراث.

للمكان تأثير على المبدع، كيف كان تأثير مدينة المحرق على أشعارك؟

✑ لأن الطفولة تظل مصدراً لمعظم إنتاج الكاتب، تشكل مدينة المحرق مكوناً عميقاً لكثير من تجاربي الأدبية، ورغم مرور كل هذه السنوات أشعر أن المحرق ما تزال، عندي، تزخر بالمدخرات.
 

 حركة الحداثة 
 

بدأت حركة الحداثة الشعرية في منتصف القرن العشرين، بعد كل هذه السنوات ما تقييمكم لتجربة الحداثة؟

✑ التاريخ الأدبي العربي احتاج لأكثر من ألفي سنة ليتضح ويصير تقليداً جذرياً، لذلك التجربة الحديثة ستحتاج وقتاً أكثر مما تشير إليه، دعنا لا نستعجل الأمر. وإذا كان الشعر الحديث وليداً طبيعياً للتجريب؛ فإن الكتابة ستكون دائماً تجريبيةً، حتى بدون مزاعم.

بعد التحولات الكبيرة التي يمر بها العالم العربي .. هل تغيرت وظيفة الشعر؟

✑ الشعر في حياة الإنسان مثل الحب، نحن بحاجة إليه، وبشغف لاكتشافه، وإعادة اكتشافه أيضاً.. ورداً على القول بتأثير طوفان التقنية وظهور ثقافات جديدة عبر الإنترنت على الشعر أقول، وتوقع انقراض الشعر، أقول .. الشعر لا ينقرض، ما دام الإنسان.

في "شظايا" 1983 قدمت ديوان القصيدة الواحدة الطويلة، هل يمكننا تشبيه هذه التجربة بالمعلقات الحديثة؟

✑ مسيرتي الأدبية ما تزال رحلة. إنني أتعلم بشكل لا بأس به. أما عن تجربة "شظايا" فلا أعرف، الحق أن ما تشير إليه يحدث دون مقاصد، فأنا لا أخطط مسبقاً لكتابتي، وكثيراً ما أكتشف ملامح ومكونات ما أكتبه مع القارئ أو الناقد.

 نشاط المخيلة 
 

منذ زمن والشعراء يتعاملون مع الشعر كوحي وإلهام، ولكن الشعر لديك بحث ومعرفة، كيف كانت هذه العلاقة؟

✑ ليس ثمة وحي وإلهام، واذا كنت لا أفهم الوحي في الحياة، فكيف لي قبوله في الشعر. الشعر عمل بشري يتحقق بقدرة المرء على نشاط مخيلته، سواء على مستوى الشاعر أو القارئ.

عوضت عدم استكمالك الدراسة الثانوية بالقراءة، فما موقع القراءة بالنسبة للمبدع؟

✑ للقراءة مكانة كبيرة لدي، وما أزال أقرأ أكثر من أي شيء آخر، حتى إنني أكاد أشعر بأن النوم وقت ضائع. القراءة زيت حياتي.

كيف ترى العلاقة بين الشعر والحرية، وهل ينجح أدوات الرمز في تخطي هذه العقبة؟

✑ عندما توجد الحرية، لا عقبات. حرية المخيلة شرط الشعر والكتابة عموماً.

رغم أن الشعر عربي، إلا أن مدارس النقد غربية، كيف السبيل إلى مدارس نقدية عربية؟

✑ هناك طرائق نظر نقدية عربية كثيرة، لكن عربية النقد ليست شرطاً، فالدائرة لا تقتصر على العرب، كما أن الاجتهادات النقدية في العالم، هي جزء من هواء الثقافة الإنسانية. دعنا لا نواصل تكريس التقوقع في التعصب.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها