النوموفوبيا.. أو التعلق بالهاتف المحمول

ترجمة: محمود إبراهيم الحسن

الكاتب: أَنّا زايتسيفا Анна Зайцева

 

لقد أصبح الهاتف المحمول من الأساسيات التي لا يمكن الاستغناء عنها في حياتنا المعاصرة.. فهذا الجهاز الذي دخل بقوة في حياة بعض منا؛ لدرجة أن نسيانه، أو فقدانه قد يتسبب في حالة من الهلع والخوف. بالإضافة إلى وظائفه الأساسية، وهي: الاتصال بالآخرين؛ فإن الهاتف الذكي يمكن أن يحل محل الكاميرا، وجهاز الألعاب، والكتاب أيضاً. ومن الصعب تخيل كيف كان الناس يعيشون بدونه قبل عدة عقود، لكن عموماً لهذه العلاقة مع هذا الجهاز جوانب سلبية.

كلنا عايشنا هذا الموقف عندما نتحدث مع أحد المقربين أو الأصدقاء، وبدل أن يصغي لنا باهتمام؛ فإنه يستغرق في استخدام هاتفه، ويفقد خيط المحادثة، ويمكن أن يشعر أحدنا بالذعر إذا نسي هاتفه في البيت، ومهما كلف الأمر فإننا سنعود لنأخذه معنا.

مصطلح "النوموفوبيا NOMOPHOBIA" مصطلح جديد، وهو مقتبس من الإنجليزية "NO MObile PHone PhoBIA"، والذي ترجم إلى "نوموفوبيا" من قبل المختصين للتعبير عن حالة من القلق، وربما الذعر عند الشخص، الذي فقد الاتصال بالآخرين عبر هاتفه الذكي. قد تبدو هذه الحالة عادية ومتكررة عندما تنتهي البطارية، أو عندما لا يكفي الرصيد المالي في الباقة للاتصال، أو عندما يُسرق الهاتف من صاحبه.

أظهرت نتائج دراسة اجتماعية في بريطانيا أن نسبة 53% من مواطني بريطانيا يعانون من النوموفوبيا؛ بسبب الذعر والخوف من أن يبقوا وحيدين بلا أي اتصال مع الآخرين، ومصدر الخوف هو الهاتف الصامت.

كما أظهرت نتائج الدراسة أيضاً أن 48% من النساء، و58% من الرجال يشعرون بالقلق عندما ينفد شحن بطارية الهاتف، أو ينفد الرصيد، أو عندما يصبح الهاتف خارج نطاق التغطية.

وتبين بنتيجة الدراسة أن نصف المشاركين لا يغلقون هواتفهم أبداً، وأشار واحد من بين كل عشرة أشخاص إلى أنه يجب أن يبقى دائماً في حالة تواصل مع الآخرين كنوع من النشاط، وعبر 9% عن شعورهم بالقلق عندما تكون هواتفهم مغلقة.

إن الخوف من فقدان الهاتف المحمول، أصبح في انتشاره الواسع يوازي الخوف من زيادة الوزن، وأصبحا من الأمراض الخطيرة في هذا العصر. كما أظهرت دراسة أخرى شملت ألف شخص، أن ثلثي المشمولين بالدراسة اعترفوا أنهم يخافون من فقدان هواتفهم المحمولة، وأكد 41% أنهم يحملون هاتفين معهم. تفوقت النساء على الرجال في خوفهن من فقدان هواتفهن (70% بالمئة من النساء مقابل 61% من الرجال). لكن نسبة الرجال الذين يحملون معهم هاتفين كانت أكبر (48% من الرجال، مقابل 31% من النساء).

وبحسب الدراسة فإن أكثر المتعلقين بالهاتف المحمول هم الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 حتى 24 سنة، والذين يعانون من النوموفوبيا؛ لدرجة أنهم لا يفارقون هواتفهم المحمولة حتى في الأماكن غير المناسبة، مثل الحمامات وغيرها.

غالباً ما يقارن الأطباء النفسيون بين التعلق بالهاتف وإدمان الكحول، الحرمان من الهاتف وإدمان الكحول كلاهما يسبب القلق، ومتلازمة الانسحاب1، غير أن النوموفوبيا لا تشكل خطراً على صحة وحياة الشخص، لكنها تؤثر على حياة الشخص اليومية بشكل جدي.

تتلخص أعراض النوموفوبيا في نوبات من الهلع، والغثيان، والدوخة، وضيق التنفس، والتعرق الشديد، وسرعة نبضات القلب، وألم في الصدر.

تشتد أعراض النوموفوبيا بشكل متسارع فجأة عندما يكتشف الشخص أنه لا يستطيع إيجاد هاتفه المحمول، ويدخل الشخص حينها في حالة من الهيجان، ويصبح غاضباً ومتوتراً، ويفقد السيطرة على سلوكه وأفعاله، لفترة معينة كأن يبعثر الأشياء بعصبية، ويقلب المنزل رأساً على عقب بحثاً عن هاتفه، ولا يعود لحالته الطبيعية حتى يجد هاتفه.

كما أن هناك مظاهر أخرى للنوموفوبيا مثل:
1 - الشغف بالمعلومات الجديدة
عندما يمد الشخص يده إلى جيبه أو حقيبته، ويتصفح الهاتف لكي لا يفوّت أي تحديث جديد، ويجيب على المراسلات مباشرة.
2 - التعلق بالشكل الخارجي للهاتف
يسعى الناس لاقتناء كل ما هو جديد، والهواتف المحمولة ليست استثناء. دائماً نريد شراء النسخة الأحدث، وتزيينه بأجمل الاكسسوارات بهدف التميز عن الآخرين، وتعزيز المكانة الاجتماعية.
3 - الهلوسة السمعية
هناك مظهر آخر من مظاهر التعلق بالهاتف هو الهلوسة السمعية، عندما يعتقد الشخص أن الهاتف يرن، على الرغم من أن الهاتف لم يصدر منه أي صوت، وربما يكون مغلقاً. وعلى هذا الأساس يمكن أن يتطور هوس الاتصال عند بعض الأشخاص.

لماذا يحدث هذا؟

1. الخوف من الوحدة

أجرت الطبيبة النفسية من بطرسبورغ إيكاترينا موراشوفا تجربة، شملت ثمانة وستين شاباً متطوعاً، تراوحت أعمارهم بين 12 و18 سنة.

كانت شروط التجربة أن يوافق المشارك على البقاء وحيداً في عزلة لمدة ثمان ساعات متواصلة، دون أن يستخدم أي وسيلة للتواصل، مثل الهاتف والانترنت، وألا يستخدم الحاسب، أو أي جهاز آخر مثل الراديو أو التلفاز، أما بقية الأنشطة مثل اللعب، والقراءة، والكتابة، والنحت، والرسم، والغناء، والعزف.. فكانت مسموحة. وإذا شعر المشارك بضغط قوي، أو أي أعراض أخرى فعليه إيقاف التجربة فوراً. بالنتيجة اجتاز التجربة ثلاثة شبان فقط من أصل ثمانية وستين.

كانت أسباب التوقف عن متابعة التجربة موحدة تقريباً، عند جميع المشاركين "لم أستطع التحمل أكثر من ذلك". وبعد إيقاف التجربة ولج المشاركون إلى شبكات التواصل الاجتماعي، وتواصلوا مع أهاليهم، وأصدقائهم، وذهب بعضهم إلى زيارة أصدقائه، وشاركوهم الألعاب الإليكترونية من خلال الحواسيب.

اختفت كل المخاوف والأعراض مباشرة بعد التوقف عن التجربة، وهذا لا ينطبق على الشباب فقط.

2. السعي الحثيث للشهرة والأهمية

 يتجلى ذلك بوضوح عند الأشخاص الذين يتمتعون بالشهرة الواسعة. عندما يتلقى الشخص آلاف المكالمات، والرسائل، والكثير من الدعوات لأحداث وفعاليات مختلفة.. وعندما ينتهى كل هذا، ويخيم الهدوء، ويصبح هذا الشخص يتلقى مكالمة أو اثنتين ليس يومياً وإنما خلال الأسبوع؛ فإن هذا الشخص أصبح يشعر أنه خرج من الحياة، ولم يعد مهماً لأي أحد.

أما الأشخاص غير المثقلين بالشهرة؛ فإن السعي للأهمية يكمن في متابعتهم للأحداث بشكل دائم، والتحديث المستمر لشريط الأخبار في الشبكات الاجتماعية، وإجراء مكالمات، والتحدث عن "أي شيء" مع الأصدقاء والمعارف.

لقد أصبح من المألوف اليوم إدارة الحياة بشكل فعال، وإنجاز عدة مهام في وقت واحد، وغالباً ما يحدث هذا عن بعد. وعندما تبادر لفعل أي شيء، وتتحرك فإن الجميع سيطلبون منك المساعدة. كل شخص يسعى لأن يكون جاهزاً عند اللجوء إليه لكي يشعر بقيمته الخاصة، ويُعتبر الهاتف أداة مهمة في هذه الحالة.

3. فرصة للابتعاد عن طرق التواصل الاعتيادية

قائمة الأصدقاء في وسائل التواصل الاجتماعي تضم المئات عند البعض، وتضم الآلاف عند آخرين، وهذا يشكل وهماً عند الشخص أنه يملك تواصلاً كبيراً مع الناس، ولم تتأتى هذه الفرصة للأجيال السابقة، لكن هذا التواصل يتسم بالرسمية، وليس تواصلاً شخصياً، أو عاطفياً بغض النظر عن الرموز التعبيرية.

في وسائل التواصل الاجتماعي لا توجد الحواجز التي تخفي الصفات السلبية للشخص، تستطيع أن تنهي علاقتك بأي شخص برسالة واحدة، ودون أن تشعر بالذنب، وهذا لا يتطلب الشجاعة التي يتطلبها مثل هذا الموقف عند اللقاء وجهاً لوجه.

الخجل العادي الذي يمنعك في الحالة الطبيعية من سرعة الإجابة والرد على مزحة يقولها أحدهم لك، أو الهجوم الحاد من أحد الزبائن، هذا الخجل لن يكون عائقاً في وسائل التواصل؛ فالإجابة المكتوبة تسمح لك بالتفكير، وأخذ بعض الوقت للرد عليها.

كيف تتخلص من النوموفوبيا؟

اسأل نفسك دائماً لماذا أولي كل هذه الأهمية للهاتف الذكي، الذي بدونه كانت الحياة تجري بشكل عادي قبل عشرين أو ثلاثين عاماً. طبعاً ستجد ألف سبب لاستخدامك للهاتف، لكن تذكر تجربة إيكاترينا موراشوفا، وأغلق الهاتف على الأقل في عطلة نهاية الأسبوع، ستتفاجأ أن عدد المكالمات الفائتة أقل بكثير مما كنت تتوقع، أو ربما لن تجد أي مكالمة فائتة.

إذا كنت تجد صعوبة في ترك إدمان الهاتف مرة واحدة، فحاول تدريجياً أن تتخيل نفسك بدونه، ويفضل أن تسأل نفسك: من أنا، وماذا أفعل، ومع من أجلس، وبماذا أشعر. عندما تتوقف التخيلات المخيفة عن بقائك بدون هاتف، أغلق الهاتف لمدة ساعة يومياً كبداية، ويمكن أن تزيد مدة إيقافه خمس دقائق يومياً.

هناك أماكن لا تصل إليها الشبكات الخلوية أبداً؛ لماذا لا تذهب مثلاً في نزهة إلى بحيرة، أو جبل، أو إلى الغابة؟ سيكون الهاتف معك لكن بدون شبكة، عليكَ أن تعتاد على ذلك.

التواصل عبر الشبكة رائع، لكن هل حاولت أن تتذكر ملامح الأصدقاء المقربين، ربما ستنتهي محاولتك بالفشل. نظم مع أحد أصدقائك لقاءً، خذ معك هاتفك، ضعه في حقيبتك أو جيبك، ولا تخرجه لكي لا يقطع محادثتكما، وجرب أخيراً أن تستمع إلى صديقك، وكيف يعيش. ستتفاجأ أنك ستعرف عنه أشياء جديدة كثيرة لم تكن تعرفها سابقاً؛ لأننا في المحادثة الحية نكون صريحين أكثر.

إذا استمرت الأعراض فعليك الاتصال بأخصائي؛ لأن الخوف من ترك الهاتف هو مقدمة وعَرَض لما هو أخطر من ذلك.

وعلينا دائماً أن نتذكر أن التقنية هي لخدمة الإنسان، وليس العكس.



رابط المقال الأصلي:
https://domashniy.ru/psihologiya/nomofobiya_ili_zavisimost_ot_telefona

◅ 1. تُعرّف الأعراض الانسحابية أو حالات الانسحاب المختلفة؛ بأنها مجموعة من الأعراض التي تظهر على الإنسان عند التوقف أو التقليل من استخدام أو تعاطي بعض المواد النفسية أو المخدرة، أو بعض الأدوية التي كانت تؤخذ بشكل متكرر لفترات طويلة، ويصعب الاستغناء عنها لأنها أصبحت جزءاً من مكونات الجسم، وقد تتسم بالثبات أو التغير، وقد تكون شديدة أو غير مؤلمة. "المترجم" المصدر: شبكة الانترنت.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها