طيبة القديمة.. مدينة المائة باب

قصة 3 حضارات وبحيرة مقدسة

زينب عيسى

 

طيبة القديمة.. مدينة الحضارة.. المعبد المفتوح.. كلها أسماء تعكس التاريخ والحضارة، التي تحيط بكل جوانب مدينة الأقصر الأثرية بصعيد مصر، والتي عرفت عبر العصور المختلفة بالعديد من الأسماء، ففي بدايتها كانت تسمى مدينة «واست»، ثم أطلق عليها الرومان بعد ذلك اسم «طيبة»، وأطلق عليها كذلك مدينة المائة باب، كما وصفها الشاعر الإغريقي هوميروس في الإلياذة، وسُميت كذلك باسم «مدينة الصولجان»، وبعد الفتح العربي لمصر، أطلق عليها العرب اسم «الأقصر»، وهو جمع الجمع لكلمة قصر، حيث إن المدينة كانت تحتوي على الكثير من قصور الفراعنة.
 

تحتوي الأقصر -مدينة الجمال التي تعد جزءاً من تاريخ الإنسانية- على حوالي ثلث آثار العالم، بمساحة 2960 كيلو متراً مربعاً، ويبلغ عدد سكانها مليون و300 ألف نسمة، وتستمد تلك المدينة الرائعة أهميتها كونها تجمع بين الماضي والحاضر في آن واحد، فهي مخزن الحضارة القديمة، وبها أكثر من 800 منطقة ومزار أثري، فإذا زرت الأقصر يوماً ستنبهر بتاريخها، وستكون شاهداً على قصصها عن الحب والحياة، وطقوس المصريين القدماء في المناسبات المختلفة والأعياد، والحياة اليومية للأجداد، حتى أحزانهم وأفراحهم، وحروبهم، كانوا يوثقونها كنقوش على جدران المعابد لتلك المدينة الأثرية، التي لا يخلو مكان فيها من أثر ناطق لعظمة القدماء المصريين قبل الميلاد، وهو ما حدا بمنظمة السياحة العالمية باختيارها عاصمة الثقافة العربية عام 2017.

وحيثما يسير الزائر في مدينة الصولجان، تنثر الشمس خيوطها الذهبية على معابدها الأشهر في العالم، حيث تحظى الأقصر بمجموعة من المعابد التي تروي تاريخ وحضارة الفراعنة، أشهرها: معبد الكرنك أو "بيت آمون"، إله الشمس والخصوبة في المعتقد القديم، وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة الكرنك، وتعني" القرية المحصنة"، وبه عروض الصوت والضوء الساحرة، التي يأتي إليها السائحون من أنحاء العالم؛ ليتعرفوا على الحضارة المصرية القديمة، فضلاً عن كونه أحد أقدم المعالم الأثرية في العالم وأروع ما بناه الفراعنة، وقد حيرت أسرار هذا المعبد العالم، ففي مقربة منه نشهد أعجوبة المصري القديم، وتسمى "البحيرة المقدسة"، ويأتي إليها الزوار والسياح من العالم، ليشهدوا عن مقربة كيف لتلك البحيرة الكائنة منذ آلاف السنين ولم يجف ماؤها، بل ظل منسوب المياه بها كما هو، وتقام على يمين البحيرة المحفورة يدوياً بأيدي المصريين القدماء طقوس "الجعران المقدس"، وهو جعران مرصع بنقوش وتعويذات فرعونية، تعود لعهد الملك أمنحتب الثالث، ويقول المعتقد القديم إنه يحمي البحيرة. ومن الأشياء الطريفة المرتبطة بـ"بركة الجعران" هي أن توافد السائحين على الجعران المقدس ليس طقساً دينياً فقط، لكن للتبرك وفق مقولات شفاهية من أبناء الأقصر ذاتهم من أن لفة واحدة تجلب الحظ، ولفتان تجلب الرزق، وثلاث لفات تجلب الأبناء أو الذرية.

ومن أشهر الظواهر المرتبطة بمعبد الكرنك، وتكشف عن عظمة المصريين ظاهرة تعامد الشمس على المعبد في نهاية كل عام، وبالتحديد 21 ديسمبر، وتستمر من الساعة السادسة مساء وحتى الثامنة صباحاً من اليوم التالي، وهي معجزة صغيرة في حد ذاتها، وتكشف عن براعة الفلكي المصري القديم، ويرى بعض الأثريين أن معبد الكرنك المكان الأمثل لمثل تلك الظاهرة، لما له من أهمية خاصة؛ فهو بيت الإله آمون رع (إمِن رع بالهيروغليفية)، وهو المعبود الخفي عند المصري القديم، وتعتبر معابد الكرنك أكبر مركز ديني في ذلك الوقت في مصر.

ويسبق معبد الكرنك طريق شهير يُعرف بـ«طريق الكباش»، وذلك وفقاً لعالم الآثار الدكتور حسين عبد البصير، حيث يوجد على الجانبين تماثيل مصغرة للكباش، ويقام في المعبد مساء كل يوم عروض الصوت والضوء، التي تشرح للزوار تاريخ المعبد في عصر الفراعنة، ويربط طريق الكباش بين أهم المعالم الأثرية في الأقصر، ونحتت تماثيله من الحجر الرملي، ويمتد الطريق من معبد الكرنك إلى معبد الأقصر بطول 2700 متر.

وطريق الكباش وعمره 3500 عام، رغم ماله من أهمية وعظمة تاريخية كطريق لموكب الآلة، لكنه استمد مؤخراً أهمية مضاعفة بعد أن كانت مصر، وربما العالم على موعد مع مناسبة فرعونية مقدسة في نوفمبر الماضي، وهي إعادة افتتاح طريق الكباش الأثري بعد الانتهاء من مشروع تطويره. وقد تم ذلك في احتفالية مبهرة أبرزتها وسائل الإعلام العربية والعالمية للطريق، مسجلة أنه سيجعل من الأقصر متحفاً مفتوحاً، وينعش حركة السياحة.

أما معبد الأقصر وتحكيه قصة 3 حضارات، ويمتزج العصر الإسلامي مع الفرعوني والقبطي، حيث يوجد في وسط المدينة، يعلوه مسجد سيدي أبو الحجاج الأقصري، وأمام ميدان سيدي أبو الحجاج، حيث يمتزج العصر الإسلامي مع الفرعوني والقبطي، نظراً لبناء المسجد على بقايا كنيسة، ويقع معبد الأقصر بالقرب من معبد الكرنك، ويعتبر أحد أشهر المعالم الأثرية في مدينة الأقصر، ويتميز بتمثالي رمسيس الثاني على جانبي المعبد، ومسلتين كبيرتين في المدخل، إلى جانب العديد من الأعمدة البردية القيمة والأحجار المميزة.

أما الضفة الغربية لنهر النيل، فتضم 64 مقبرة لملوك الفراعنة، أهمها مقبرة الملك توت عنخ أمون، وتتميز جدران المقابر بنقوش رائعة. كذلك يعتبر وادي الملكات، الواقع في جنوب البر الغربي لنهر النيل، مدفناً لسيدات الأسر الحاكمة والأميرات والأمراء، ويضم مقابر شهيرة منها مقبرة الملكة نفرتاري.

واعتبر المصريون القدماء طيبة والشاطئ الشرقي من النيل دار الحياة، ففيها يسكنون ويعيشون، ويذهبون للتعبد في المعابد المجاورة لهم. واعتبروا الغرب دار الممات فكانوا يبنوا فيها قبورهم. لذلك نجد وادي الملوك في غرب طيبة مع عدد قليل من المعابد. أما المعابد الكبيرة، ومن ضمنها الكرنك، فكانت في مدينة الأحياء على الضفة الشرقية للنيل.

ويوجد المعبد الجنائزي للملكة حتشبسوت المرأة الوحيدة التي حكمت مصر في عهد الفراعنة (معبد حتشبسوت)، من الأسرة 18 في الدير البحري غرب النيل، وهو تحفة فنية معمارية. وقد شيد خلال أوائل القرن 15 ق.م في مكان متدرج فوق منحدر شاهق.

ولمحبي المتاحف والقطع الأثرية النادرة؛ يعد متحف الأقصر متحفاً فريداً لاحتوائه على قطع أثرية نادرة، ومومياوات لأهم ملوك مصر، ويتكون من طابقين: الأول يضم القطع الأثرية، والثاني يحتوي على التماثيل، والأواني الأثرية وقطع الحلي.

أما متحف التحنيط فيقع على كورنيش النيل شمال معبد الأقصر، وقد افتتح خلال عام ١٩٩٧م، وهو أحد أهم المتاحف النوعية المتخصصة في مصر، ويبرز عدداً من الموضوعات المتعلقة بالتحنيط والموت في مُعتقد المصري القديم، مثل مواد التحنيط والأدوات المستخدمة في تلك العملية، وأواني حفظ الأحشاء، وآلهة التحنيط والجبانة، بالإضافة إلى عرض مجموعات من تمائم الحماية، ومجموعة متنوعة من التوابيت، واللوحات الجنائزية. ويعرض المتحف أيضاً عدداً من المومياوات البشرية، ومجموعة من مومياوات الحيوانات مثل التماسيح، والقطط، والأسماك، وما زال فن التحنيط لدى المصري القديم يحير العالم، ولم تفك ألغازه حتى اليوم.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها