الرمزية.. في أعمال الفنانة التشكيلية خلود الجابري

حجاج سلامة

خلود الجابري.. فنانة تشكيلية إماراتية تغلب على لوحاتها الرمزية بشكل دائم.. وفي نتاجها الإبداعي دعوة دائمة للتأمل، وكل عمل تشكيلي تبدعه أناملها يثير التساؤلات لدى المتلقي.


تتكئ الفنانة خلود الجابري على الموروث الثقافي، والموروث الشعبي، وكل ما هو متعلق بالماضي في خلق رموزها، وإضفاء الرمزية على غالبية أعمالها التشكيلية. وبحجم تأثرها الدائم بالماضي في نتاجها الفني؛ فإنها لا تغفل الحاضر، الذي نجده متجسداً في الكثير من أعمالها، في ظل قدرة فنية لافتة على مزج الماضي بالحاضر، في أعمال جمعت بين ملامح الماضي، وصور الحاضر. وقد نجحت "الجابري" من خلال ذلك المزج، وتلك الرمزية التي استوحتها من الماضي، ووظفتها في إطار فني يهدف لاستشراف المستقبل.

الـ"الجابري" التي تشغل اليوم منصب نائب رئيس جمعية الإمارات للفنون التشكيلية، بدأت مسيرتها الفنية في الثمانينيات من القرن الماضي، وربما تجاوزت الثلاثة عقود في ممارسة الفنون التشكيلية، حيث ما إن أنهت دراستها الجامعية حتى التحقت بالعمل في المجمع الثقافي بأبوظبي، وتولت العمل كمسؤولة عن تنظيم المعارض الفنية بالمجمع في الفترة من 1989 وحتى العام 1993، وخلال تلك الفترة كانت مشرفة على معارض لفنانين من داخل وطنها الإمارات، ومن بلدان الخليج والعالم العربي، ولمستشرقين أيضاً؛ إذ كانت تشرف أيضاً على معارض المخطوطات التي كانت تصاحب زيارات المستشرقين الأجانب.
 

علاقة وطيدة

وقالت الفنانة الإماراتية خلود الجابري لـ"الرافد": إنها تأثرت بكل من التقتهم من فنانين ومستشرقين، وكان تأثرها الأكبر بمن التقتهم من الفنانين التشكيليين في بلاد الخليج العربي، مثل الكويت والبحرين. وأضافت بأن تلك الفترة التي عملت فيها كمشرفة على إقامة المعارض بالمجمع الثقافي في أبو ظبي، كان حديث المرأة محاطاً بالكثير من الخجل.. كما كانت مشاركات المرأة الإماراتية محدودة في تلك الفترة.

وكانت أعمالها التشكيلية آنذاك تغلب عليها الرمزية، وكانت تتناول موضوعات عامة مثل: الحب والسلام وأحلام تكوين أسرة، بجانب تجسيد معالم وآثار الإمارات.

وهي تؤكد على أنها تتعمد تقديم أعمال فنية تدعو المتلقي للتفكير في حكايتها –أي حكاية العمل الفني– وأنها تتعمد –أيضاً– على إثارة التساؤلات من خلال ما تقدمه من نتاج فني.. وأن لوحاتها هي بمثابة حدوتة، وهي جزء من ذاتها، ومن تجاربها ومن قراءتها.

والمتتبع لمسيرة الفنانة خلود الجابري، يجد علاقة وطيدة بين الرسم وتصميم الأزياء التراثية، وهي علاقة صنعتها الفنانة التي تأثرت كثيراً بالأزياء الشعبية والوطنية وبالتراث الإماراتي والعربي.

وتلفت "الجابري" إلى أنها استخدمت في أعمالها التشكيلية، الكثير من الرموز التي استوحتها من المطرزات والثوب الإماراتي والعربي القديم، ومن السجاد الخليجي.
وتابعت بأنها حين زارت مصر في العام 2008، جذبها الثوب السيناوي، وصارت عاشقة له ولقطعه المطرزة، التي وصفتها بأنها في غاية الجمال.
ونقلت ذلك الثوب السيناوي المصري إلى وطنها الإمارات، وأعادت تكوينه ومزجت بينه وبين الثوب الإماراتي، في تصميمات وضعتها بعناية وشغف كبيرين.

وأكدت على أنها جمعت أيضاً بين الثوب السيناوي المصري، والبرقع الإماراتي، وعبرت عن تمسك المرأة في كل من مصر والإمارات بالعادات والتقاليد، وجسدت ذلك في أعمال فنية متعددة.

طابع عالمي

وتتسم أعمال الفنانة التشكيلية الإماراتية خلود الجابري، بالتفرد الشديد، وبطابعها العالمي، وأعمالها الحيّة الشبيهة بالحلم، والمستوحاة من تجاربها الشخصية، والاحتفاء بالتراث، وتقديم منظور جديد للمفاهيم الاجتماعية. هي –إذن- فنانة، وهي ومن المؤسسين في التجربة التشكيلية في دولة الإمارات، وداعمة للحركة الفنية بالبلاد، وقد قدّمت "الجابري" مُساهمات كبيرة طوال مسيرتها الفنية، وقد كان لها مشاركات فنية في العديد من المعارض والملتقيات التشكيلية في الكثير من بلدان العالم مثل الهند، والصين، وبلجيكا، وبريطانيا، وألمانيا، وسنغافورة، وهولندا، بجانب بلدان عربية عدة مثل الكويت، والبحرين، وسلطنة عمان، والمملكة الأردنية، والمملكة المغربية، ومصر. وقد حازت في العام 2010 على لقب أفضل فنانة عربية، كما نالت العديد من الجوائز طوال العقود الثلاثة الماضية.
 

انحياز للمرأة

تؤمن الفنانة خلود الجابري، بدور المرأة في شتى مناحي الحياة، وهي منحازة للمرأة في أعمالها التشكيلية، وهي ترى –بحسب ماروت لنا– بأن المرأة لها دور بارز ومهم في المشهد التشكيلي الإماراتي والعربي، وأن الكثير من الفنانات في وطنها الإمارات، تفوقن على التشكيليين الرجال. وأن ذلك الحضور القوي للمرأة في المشهد التشكيلي، يمتد من وطنها الإمارات إلى مصر، وإلى كل بلدان العالم العربي.. وأن ما يكتب عن التجارب الفنية للتشكيليات العربيات، ربما يفوق ما كتب عن الفنانين التشكيليين من الرجال، مشيرة إلى أن ما قرأته من كتابات عن الفنانات التشكيليات في مصر –على سبيل المثال– يفوق ما قرأته عن الفنانين من الرجال.

وثمّنت "الجابري" دور سمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، الذي وضع الأسس لنهضة المرأة الإماراتية، وسمو الشيخة فاطمة بنت مبارك، أم الإمارات، ورئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة، في دعم المرأة الإماراتية، والوقوف خلف نهضتها، وتفجير ينابيع الإبداع لدى كل صاحبة موهبة وصاحبة طموح، وإن ذلك ساهم بشكل فعّال في تعظيم دور المرأة بالمشهد التشكيلي الإماراتي.

ولوحات الفنانة خلود الجابري، تفيض بالفرح والأمل، فيها الكثير من الحب.. والكثير من الشجن.. عبر ألوان وخطوط انسيابية تطير بالمتلقي إلى سماوات بعيدة من الألق والإبداع.

وهي تستلهم لوحاتها من طفولتها، وتمزج في أعمالها بين الماضي والحاضر، والواقع والخيال، مع ألوان وخطوط خاصة تحمل بصمتها، لتعكس للمتلقي ما أحاط حياتها من فرح وألم، وانتصارات وانكسارات، واجهتها بقوة ونجحت في الانتصار عليها. وقد ظل كل ذلك عالقاً بمخيلتها، وهو الأمر الذي جعل إبداعاتها التشكيلية تحمل روحها، وكل ألوان حياتها.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها