حضارة وادي الرافدين تعد حضارة غنية على جميع المستويات وبشكل مبهر للغاية، حيث الأدب والعلوم والفنون، ونظام القضاء والاقتصاد ونظام الزواج، إذ إنهم عرفوا حياة جد منظمة، وعاشوا حضارة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

أول مدرسة في العالم

إن أول مدرسة في العالم كانت قد أسست في هذه البلاد الطيبة، بلاد ما بين النهرين، وكان ذلك قبل خمسة آلاف سنة. حيث عرف السومريون الكتابة لأول مرة في التاريخ، وكانت المدرسة السومرية ثمرة اكتشاف الكتابة وتطورها، وتلك هي أعظم الإنجازات الحضارية التي أنجزها البشر عبر القرون.

تحدثنا عن كل ذلك الوثائق السومرية المكتوبة، التي استخرجت من تحت الأرض في جنوب العراق، وتتكون تلك الوثائق مما يزيد عن ألف لوح طيني، يحمل بعضها مفردات كتبت كتمارين مدرسية، مما يشير إلى أن أجدادنا كانوا يفكرون بطرق التدريس منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد. ويذكر أن عدد المدارس ازداد في بلاد سومر ابتداء من منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، وغدا التعليم آنذاك نظاماً.

وقد اكتشف في أوائل القرن الحالي عدد من الكتب المدرسية تعود إلى ذلك التاريخ، وتشمل مادتها معظم نواحي الحياة الإدارية والاقتصادية. ويعرف منها أن عدد الذين مارسوا فن الكتابة حنيذاك يزيد عن الآلاف، منهم من كان كاتباً من الدرجة الأولى، ومنهم من كان مساعداً، منهم حكوميون ومنهم دينيون، بينهم اقتصاديون وإداريون وموظفون بارزون في الدولة.

وقد اكتشف عدد من الألواح يحمل تمارين مكتوبة من قبل الطلاب كجزء من واجبهم اليومي، وهي تتراوح بين كتابة المبتدئين، وكتابة الذين أوشكوا على التخرج. وكان المعلمون السومريون يُحبون الكتابة عن حياة المدرسة، وقد اكتشف جزء كبير مما كتبوه.

وقد كانت المدراس السومرية بمثابة مراكز ولدت فيها جميع الأعمال والآثار الأدبية المبتكرة. وكان معظم الخريجين ينخرطون في خدمة القصر والمعبد، ولكن منهم من ينصرفون إلى التعليم ويعتمدون في شؤونهم المعاشية على مرتباتهم، وبذلك خرجت المدرسة السومرية من سلطة المعابد، وأصبحت مدنية تدفع فيها رواتب المدرسين من أجور الطلاب، لهذا السبب كان التعليم مقتصراً على أبناء الأغنياء القادرين على دفع الأجور، كما أن الوثائق السومرية لم تخبر عن وجود فتيات في تلك المدارس.

وتحتوي الوثائق السومرية على معلومات تدور حول مناهج التعليم، وهي معلومات فريدة من نوعها في تأريخ البشر القديم، حيث إن الوثائق عبارة عن كراريس الطلاب، ابتداءً من أول محاولة للنسخ حتى تصل إلى كتابة تماثل كتابة الأستاذ. ويعرف من تلك الوثائق أن منهج المدرسة يشتمل على نوعين من الدراسة هما: الدراسات العلمية، والدراسات الأدبية.
 

أول قانون

تكشف الوثائق التي وجدت حتى الآن، بأن الحرية ضمن حدود القانون، كانت هي الطريقة المثلى المتبعة في المجتمع السومري، في الألفية الثالثة قبل الميلاد. وكانت سيادة القانون وتطبيق العدالة هي الفكرة الأساس التي كانت سائدة في سومر نظرياً وعملياً. وقد نظمت حياة المواطنين السومريين الاقتصادية والاجتماعية وفقاً لهذا المبدأ.
 

✧✧✧

أول أمثال وأقوال

تتميز الأمثال والأقوال السومرية بكون مدلولاتها كونيةً تصلح لكل زمان ومكان، وفي ذلك دليل على أخوة البشر ووحدة الإنسانية. وذلك لأن الأمثال والأقوال تظهر الحقيقة البشرية عارية من قشور التناقض الناتج عن الحضارة، والاختلاف الناتج عن البيئة.

مثلاً؛ يقول المثل السومري في مدح التعاون بما ينفع وذم التعاون بما لا ينفع: يداً بيدٍ تُبنى البيوت، ومعدةً بمعدةٍ تنهدم. ويقولون في ذم الضعف والتخاذل والاستسلام: عندما تضعف المدينة يلازم العدو أبوابها. ويقولون في ذم الاعتداء على أراضي الآخرين: إن تغنم أرض العدو يغنم أرضك.
 

أول كتاب صيدلة في العالم

لقد توصلت التقنيات إلى اكتشاف وثيقة تحمل أول دستور للصيدلة في العالم. هذه الوثيقة تتحدث عن طب وعلاج لا أثر فيهما للسحر والتعاويذ؛ وإنما هما طب وعلاج على مستوى علمي. وقد كان مثل هذا الطب متداولاً في سومر خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد.

لقد وُجدت الوثيقة مكتوبة بالخط المسماري على لوح من الصلصال، وتحمل ما يزيد عن اثني عشر نوعاً من العلاج. ويعتبر هذا اللوح أول كتاب صيدلة عرفه الإنسان. وتشير المعلومات الواردة في هذا اللوح إلى أن الطبيب السومري الذي كتب الوثيقة، كان يلجأ إلى النّباتِ والحيوان، وكذلك إلى المعادن كمصادر أولية لاستخراج الأدوية. أهم ما تعكسه هذه الوثيقة هو الروح العلمية التي كتبت بها، وذلك أن الطبيب السومري الذي كتبها لم يعمد مطلقاً إلى أي نوع من السحر والشعوذة.
 

أول تقويم زراعي

تعود وثيقة ذلك إلى 1700 قبل الميلاد، وتبدأ بالعبارة التالية: "لقد قدم أحد الفلاحين لابنه هذه التعليمات في الأزمنة الخالية". وتبدأ التعليمات بما يخص أعمال الري، إذ توصي بالحذر كيلا يرتفع الماء كثيراً فوق الأرض الزراعية، كما نجد في الوثيقة أن الفلاح ينصح أفراد أسرته وجميع المساعدين أن يعدوا المعدات الزراعية اللازمة من أدوات وسلال وجوالق، كما يجب إعداد ثور إضافي من أجل الحراثة.

وتقول الوثيقة إن على المزارع أن يصلي إلى الآلهة في يوم خروج النبتة من الأرض، وذلك لكي تحمي غلاله شرور العوام وجرذان الحقول.

ولم تكن زراعة الغلال وحدها معروفة في سومر آنذاك، بل هناك ما يشير إلى وجود أعمال البستنة وإنتاج الخضر والفواكه. وهناك وثائق تبين كيفية العناية بمثل هذه المتوجات.
 

أول أغنية حب

هناك لوح سومري صغير يحمل قصيدة تتألف من مقاطع عديدة تغني الجمال والحب. إنها عروس تغني ابتهاجاً، وتناجي عروسها الملك شو-سن، الذي حكم أرض سومر قبل حوالي أربعة آلاف سنة. وتلك هي أقدم أغنية كتبها إنسان في تاريخ البشر:
أيها العروس، حبيب أنت إلى قلبي
وسيم أنت، جميل، حلو كالعسل
أيها الأسد، حبيب أنت إلى قلبي
وسيم أنت، جميل، حلو كالعسل
لقد ملكتني، فدعني أقف أمامك واجفة...
هذه الأغنية كانت ترتل عند إجراء المراسم الدينية اللازمة في الزواج المقدس.

✧✧✧

أول عصر ذهبي

إن العصر الذهبي كما هو معروف في الميثولوجيا الكلاسيكية، هو العصر الذي يعيش به الإنسان في سعادة كاملة. وقد عثر بين الألواح السومرية على لوح يشير أول فكرة خطرت ببال الإنسان حول مثل هذا العصر الذهبي. ونقرأ في ذلك:
كان ما كان،
فترة من فترات الزمان
لا وجود بها للأفاعي ولا السباع
لا وجود بها للخوف والرعب
لا منافس للإنسان
أمن وسلام في أرض سومر.
هذه الأسطر أعلاها تتحدث عن الأيام السعيدة التي كان بها الإنسان لا يخشى منافساً أو حسوداً، يعيش في دنيا سلام ورخاء وانسجام، وكان البشر جميعهم متحدين.