لعنة ألعاب الفيديو

د. نفيسة الزكي

لقد صار التقدم التكنولوجي يشمل كل مجالات الحياة؛ إذ لا يخلو شيء من حولنا إلا ودخلت التكنولوجيا في صناعته، ومن هذه اﻟﻤﺠالات مجال الترفيه والتسلية التي تستهدف الأطفال، فقد أصبح هذا المجال صناعة، بل أكثر من ذلك تطورت صناعته إلى حد التنافس بين الشركات العالمية للهيمنة على هذا السوق، فألعاب الفيديو تكاد تنتشر في كل منزل، وتستهوي الكثير من المستخدمين من مختلف الأعمار وخصوصاً الأطفال، لما فيها من إثارة وتشويق وتفاعل مع الأحداث، ولما فيها من جذب وإبهار؛ فإيقاع الحركة السريعة واللون والصوت عوامل تجذب الأطفال لمتابعة هذه الألعاب، بل إن التفاعل الحاصل بين اللعبة والطفل أثناء اللعب وسرعة التقدم من مرحلة إلى أخرى في اللعبة يزيد من تعلقه بها إلى درجة الإدمان، وهذا مؤشر خطر على صحة الطفل، إذ إنّ إدمانها كإدمان المخدرات بشتى أنواعها، بل أكثر من ذلك، فإدمان ألعاب الفيديو قد يفقد الطفل الإحساس بالوقت وأهميته، وقد يجعله في حالة ضياع مستمر من خلال الابتعاد عن الأهل والتضحية بساعات النوم والأكل، مما يجعله شرساً غاضباً كلما حاول أحد أن يمنعه من الاستمرارية في اللعب.


وألعاب الفيديو كنوع من الألعاب الإلكترونية تُعرّف بأنها: "نشاط ينخرط فيه اللاعبون في نزاع مفتعل، محكوم بقواعد معينة، بشكل يؤدي إلى نتائج قابلة للقياس الكمي. ويطلق على لعبة ما بأنها إلكترونية في حال توفرها على هيئة رقمية، ويتم تشغيلها عادة على منصة الحاسوب والهواتف النقالة، والإنترنت والتلفاز والفيديو، ومختلف الأجهزة المحمولة"1.

فألعاب الفيديو إذن تحتوي على محاكاة لألعاب حقيقية ككرة القدم وسباق السيارات والمصارعة والملاكمة، أو على الألعاب الخيالية كغزو الفضاء وحرب النجوم، وفي أي منها يقوم الطفل اللاعب بالتحكم ببعض عناصر اللعبة، كالأسلحة المستخدمة وتوجيهها وإطلاقها أو اختيار اللاعبين أو المحاربين وتشكيلهم ووضع خطة لهم، ودور لكل منهم ثم توجيههم والمحافظة على سلامتهم وإلحاق الهزيمة بخصومهم2.

وألعاب الفيديو ليست كغيرها من الألعاب التقليدية الأخرى بالنظر إلى الآثار السلبية المترتبة عنها؛ فقد أشار العديد من الدراسات والأبحاث إلى أن ثمة مخاطر لهذه الألعاب، من حيث دورها في حوادث العنف المدرسي بأنواعه المختلفة، كما أنه يترتب عليها آثار صحية ونفسية عديدة نتيجة إدمان الأطفال عليها، كمشكلات البصر والسمع، أما على صعيد إنماء قدرات ومهارات الأطفال العقلية والحركية، أو مهارة تعلم اللغات، أو مهارة إدارة الوقت، فلا يرى  الباحثون فوائد لها في هذا الجانب3.

كما بينت هذه الدراسات أيضاً أن أهالي الأطفال المدمنين على ألعاب الفيديو يواجهون معاناة حقيقية نتيجة سهر الأطفال "في ممارسة هذه الألعاب، مما يؤثر على تحصيلهم الدراسي، فضلاً عن استحواذ هذه الألعاب على وقت وعقول أطفالهم، مما تسبب في عدة مشكلات داخل الأسر، كضعف التواصل الأسري بين أفراد الأسرة، وبروز نزعة الأنانية لدى الأطفال، كذلك أبدى الأهالي قلقهم مما تحتويه هذه الألعاب من مشاهد عنف ولقطات جنسية"4.

وألعاب الفيديو وفقاً للعديد من المهتمين والمتتبعين - كما ذكرت الباحثة نورة السعد في دراستها "الخطر في ألعاب الفيديو للأطفال"- كانت السبب في بعض المآسي؛ فقد ارتبطت نتائج هذه الألعاب خلال الخمسة والثلاثين عاماً الأخيرة بازدياد السلوك العنيف، وارتفاع معدل جرائم القتل والاغتصاب والاعتداءات الخطيرة في العديد من المجتمعات، والقاسم المشترك في جميع هذه الدول هو العنف الذي تعرضه وسائل الإعلام أو الألعاب الإلكترونية والذي يتم تقديمه للأطفال والمراهقين بصفته نوعاً من أنواع التسلية والمتعة5.

وفي هذا الباب أيضاً –أي علاقة ألعاب الفيديو بالعنف الممارس من طرف الأطفال- أثبتت مجموعة من الدراسات "وجود علاقة بين السلوك العنيف للطفل ومشاهد العنف التي يراها على شاشة التلفاز أو يمارسها في الألعاب الإلكترونية، كما أثبتت هذه الدراسات أن العنف يتضاعف بلعب الأطفال ذات التقنية العالية، فنسبة كبيرة من الألعاب الإلكترونية تعتمد على التسلية والاستمتاع بقتل الآخرين وتدمير أملاكهم والاعتداء عليهم بدون وجه حق، وتعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجريمة وفنونها وحيلها وتنمي في عقولهم قدرات ومهارات العنف والعدوان التي تقودهم في النهاية إلى ارتكاب الجرائم"6.

وبناءً على ما سبق يمكن القول إن ممارسة الأطفال لألعاب الفيديو التي تعتمد على العنف يمكن أن تزيد من الأفكار والسلوكيات العدوانية عندهم، بل أكثر من ذلك فقد تكون هذه الألعاب أكثر ضرراً من أفلام العنف التلفزيونية أو السينمائية؛ لأنها تتسم بصفة التفاعلية بينها وبين الطفل، وتتطلب منه أن يتقمص الشخصية العدوانية ليلعبها ويمارسها، فيصير بذلك عنيفاً، كلما ازداد عدد قتلاه زاد رصيده من النقط، ومن هنا يتعلم بأن القتل شيء مقبول وممتع7.

وبالإضافة إلى الأضرار السابقة الذكر هنالك أضرار أخرى لا يمكن إلا أن ندق نحوها جرس الخطر ويأتي على رأسها الأضرار الدينية؛ ذلك أن الكثير من ألعاب الفيديو "تروج لأفكار وألفاظ وعادات تتعارض مع تعاليم ديننا الإسلامي وعاداته وتقاليده، كما تسهم في تكوين ثقافة مشوهة ومرجعية تربوية مستوردة، إذ تدعو إلى الرذيلة والترويج للأفكار الإباحية الرخيصة التي تفسد عقول الأطفال والمراهقين على حد سواء، فمثل هذه الألعاب تؤثر سلباً على اللاعب أو المُشاهد، كما أن تعلق الأطفال والمراهقين بألعاب الفيديو قد يلهيهم عن أداء بعض العبادات الشرعية، وبالذات أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المسجد، كما أنها قد تلهيهم عن طاعة الوالدين والاستجابة لهما وتلبية طلباتهما، بالإضافة إلى إلهائهم عن صلة الأرحام وزيارة الأقارب"8.

أما فيما يخص الأضرار الصحية المترتبة عن ألعاب الفيديو فقد أكدت مجمل الدراسات أن المدمنين على هذه الألعاب يعانون من إصابات تتعلق بالجهاز العظمي والعضلي نتيجة الحركة السريعة المتكررة، كما أن الجلوس لساعات عديدة أمام الحاسب أو التلفاز يسبب آلاماً مبرحة في أسفل الظهر، ضف إلى ذلك أن كثرة حركة الأصابع على لوحة المفاتيح تسبب أضراراً بالغة لإصبع الإبهام ومفصل الرسغ نتيجة لثنيهما بصورة مستمرة9. كما تؤثر ألعاب الفيديو سلباً على نظر الأطفال، إذ قد يصاب الطفل بضعف النظر نتيجة تعرضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسية قصيرة التردد المنبعثة من شاشات التلفاز أو الحاسوب، التي يجلس أمامها ساعات طويلة أثناء ممارسته اللعب، كما أن حركة العينين تكون سريعة جدّاً أثناء ممارسة ألعاب الفيديو مما يزيد من فرص إجهادها، هذه بدورها تؤدي إلى حدوث احمرار بالعين وجفاف وحكة، وكلها أعراض تعطي الإحساس بالصداع والشعور بالإجهاد البدني وأحياناً بالقلق والاكتئاب10.

أما على مستوى الجانب الاجتماعي فيمكن القول إن ألعاب الفيديو "تصنع" طفلاً يصعب عليه الاندماج؛ ذلك أن الطفل الذي يقضي ساعات طوال في ممارسة ألعاب الفيديو "بدون تواصل مع الآخرين، يجعل منه طفلاً غير اجتماعي منطوياً على ذاته على عكس الألعاب الشعبية التي تتميز بالتواصل، كما أن إسراف الطفل في التعامل مع عوالم الرمز يمكن أن يعزله عن التعامل مع عالم الواقع فيفتقد المهارة الاجتماعية في إقامة الصداقات والتعامل مع الآخرين ويصبح خجولاً لا يجيد الكلام والتعبير عن نفسه، كما قد تؤدي هذه الألعاب بما تحمله من أخلاقيات وأفكار سلبية إلى المزيد من الانفصال الأسري والترابط الإنساني مع الآخرين وارتباط الطفل بالقيم والأخلاقيات الغربية التي تفصله عن مجتمعه وأصالته"11.

وفي الختام، نخلص إلى أنه بات من الضروري معالجة مشكلة الآثار السلبية المترتبة عن ألعاب الفيديو، إذ إن أضرارها في تزايد مستمر مع تزايد المقبلين عليها وخاصة من الأطفال، وفي كل الأحوال تعد الدائرة الأقرب لهذه المعالجة هي تفعيل دور هيئات الرقابة الحكومية والمختصة في مراقبة ما يطرح بالأسواق من هذه الألعاب، وضرورة إشراف الأهل على شراء برامج الألعاب المناسبة لأعمار أطفالهم، فضلاً عن تفعيل دور المدرسة في توعية الأطفال بمخاطر الإدمان على تلك الألعاب، وكيفية ممارستها بصورة صحيحة، وٕإلزام المحلات التجارية بوضع معلومات تعريفية عن طبيعة الألعاب المعروضة والفئات العمرية المناسبة لها.


الهوامش
1. Salen, K. and Zimmerma. E ; Rules of play: game desing fundamentals; Cambridge, MA: MIT Press; 2004; P: 86.
2.  Krogh, S. and Slentz, K.; The Early Childhood Curriculum; New Jersey: Lawrence Erlbaum associates Inc, publishers; 2001; P: 12.
3. انظر: ماجد محمد الزيودي، الانعكاسات التربوية لاستخدام الأطفال للألعاب الإلكترونية كما يراها معلمو وأولياء أمور طلبة المدارس الابتدائية بالمدينة المنورة، مجلة جامعة طيبة للعلوم التربوية، المجلد 10، العدد 1، 2015، ص: 15
4. نفسه، ص: 15.
5. انظر: نورة السعد، الخطر في ألعاب ألفيديو للأطفال، جريدة الرياض، عدد 13406، بتاريخ: الثلاثاء 27 محرم 1426هـ/ 8 مارس 2005، ص: 12.
6. برتيمة سميحة: الألعاب الإلكترونية والعنف المدرسي: دراسة ميدانية على عينة من تلاميذ متوسطة الشهيد عروك قويدر (رسالة ماجستير في علم النفس)، كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية، جامعة محمد خيضر، بسكرة، الجزائر، 2017، ص: 56. 
7. الشحروري مها حسني، الألعاب الإلكترونية في عصر العولمة، دار المسيرة، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، 2008، ص: 34.
8. انظر: لميعة العبيدي، اتجاهات تلاميذ الصف الخامس الابتدائي نحو الألعاب الإلكترونية، مجلة جرش للبحوث والدراسات، الأردن، المجلد 14، العدد 2، 2012، ص: 67.
9.إلهام حسني: ألعاب الكومبيوتر الاهتزازية مصدر رئيس لمرض ارتعاش الأذرع، جريدة الشرق الأوسط. العدد: 8559، بتاريخ: 23 صفـر 1423هـ / 5 مايو 2002، ص: 14.
10. انظر: برتيمة سميحة، الألعاب الإلكترونية والعنف المدرسي: دراسة ميدانية على عينة من تلاميذ متوسطة الشهيد عروك قويدر، ص: 56.
11. محمد أبو جراح، طفلك والألعاب الإلكترونية: مزايا وأخطار، مجلة المتميزة، المؤسسة العالمية للإعمار والتنمية، الرياض، العدد 23، ذو القعدة 1425 هـ، ص: 70.
 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها