ها هي الشّمسُ تُشرِق!

ريتا وائل حسين


في غابةٍ هادئة وجميلة، في منتصف الشتاء، كانت الطيور تخلق موسيقى هادئة، والأوراق الخضراء على الأشجار ترقص مع الريح.. قلة من الناس يأتون إلى هذه الغابة لينسوا كل همومهم. لكن المكان الهادئ لا يفتقر دائماً للضوضاء والظلام، أليس كذلك؟

كان صباحاً عادياً كالعادة، استيقظت ليلى البالغة من العمر ثمانية عشر عاماً، سرحت شعرها الطويل الذهبي الناعم. كانت تغني بصوت رائع.. لطالما كانت ليلى منظمة ومسؤولة، كانت ترتب غرفتها ومنزلها، تقرأ الكتب، وتحضر الإفطار. "أمي أبي! الفطور جاهز".

قال والدا ليلى: "صباح الخير عزيزتي". لطالما أرادت ليلى مساعدة والديها، وجعلهما يفخران بها. كانوا يأكلون الفطور، وكانت ليلى تحدق في والدتها الجميلة وأبيها، وكانت أكبر ابتسامة على وجهها، قالت الأم: "أوه! يبدو أن تفاحنا قد نفد". شعرت ليلى بالتوتر والانزعاج، فشعرت أن والدتها كانت حزينة. قالت ليلى: "أنا آسفة يا أمي، لم أجد تفاحاً في الغابة، أعدك بأن أحضر لك تفاحاً جيداً عندما نجد بعضاً منه". بمجرد أن انتهوا جميعاً، نظفت ليلى الأطباق، واستعدت للخروج. كل يوم تذهب ليلى ووالداها إلى الخارج، ويجمعون الحطب والأخشاب، ويجمعون الفاكهة والخضروات. خرجوا إلى الخارج واستنشقوا الهواء النقي، وتركت ليلى نسيم الريح ينزلق عبر شعرها، وكانوا يمشون ببطء. بعد الكثير من العمل والمشي، لم تشعر ليلى بشيء، وغابت الشمس، وحل الليل. تحب ليلى الليل، تذكرت كيف كانت تحدق في النجوم مع والديها، وكان والدها يسمي النجوم، وكانوا جميعاً يحدقون في القمر السحري. بينما كانت ليلى تحدق في هذه السماء الرائعة، شعرت بقطرة دمعة تسيل على خدّها. لقد فاتها كيف اعتادا أن يكونا قريبين جدّاً.

قال الأب: "أين أنتِ عزيزتي، هيا، أعتقد أن الوقت قد حان للعودة إلى المنزل". استطاعت ليلى أن تلاحظ أن والديها يبدوان قد تعبا، لكن بينما كانا في طريقهما عائدين إلى المنزل، رأت شجرة كبيرة لامعة. كانت الشجرة مليئة بالتفاح الطازج اللامع. صاحت الأم: "يا ليلى يا عزيزتي، فات الأوان الآن". لكن ليلى لم تدع الأمر يذهب، وفكرت "لقد مشينا كثيراً بالفعل، ووجدتُ أخيراً تفاحاً لإسعاد أمي". بدأت ليلى تتسلق الشجرة العملاقة، لقد أحبت تسلق الأشجار، لكن شيئاً ما كان مخيفاً في هذه الشجرة. شعرت ليلى أن الشجرة لا تريد أن يتسلقها أحد، كانت الشجرة بها الكثير من التفاح الطازج، لكن شعرت ليلى بأن الشجرة ميتة. استمرت أوراق الشجرة في السقوط، ولم يكن الجذع ثابتاً، وشعرت كما لو أن الجذور ستأكلها. لكن ليلى كان لديها هدف واحد، أرادت الوصول إلى التفاح. صرخت ليلى بحماسة: "أخيراً! لقد فعلتها". قطفت أول تفاحة رأتها، وفجأة سقط كل التفاح عليها. لم تكن قادرة على رؤية أي شيء، ووقعت على الأرض.

"ليلى، ليلى"؟

"آه! من أنت"!

لم يكن والدا ليلى يناديانها، بل جنية صغيرة بدت مخيفة. لديها أجنحة، ولكن بمجرد أن نظرت ليلى إلى وجهها، ركضت مرعوبة. ركضت ليلى، خائفة إلى أقرب نهر رأته. رشت الماء على وجهها. "ما هذا يا إلهي، أين أبي وأمي"؟ أدركت ليلى أنها ضاعت في وسط الغابة، رأت انعكاس صورتها في الماء، وكادت تملأ النهر بدموعها. عندما كانت جالسة بمفردها أغلقت عينيْها.. جاءت جنية أخرى للتحدث معها. لكن هذه المرة، لم تكن الجنية مخيفة. كانت ليلى ما تزال خائفة، لكنها اختارت أن تسمع. "من أنت؟ ماذا تفعلين هنا؟ هل تعرفين مكان والديّ". كانت ليلى ستطرح المزيد من الأسئلة، لكن الجنية الجميلة أوقفتها.

قالت الجنية: "أعتقد أنك تعرفين سبب وجودي هنا يا ليلى".

"لا، الرجاء مساعدتي، ما الذي يحدث"!

"جئت إلى هنا لتذكيرك بفتح عينيك! أنت تعاقبي نفسك كل يوم لتجعلي والديك فخورين، والداك ليسا هنا الآن. ألا تتذكرين؟ لقد تركوك منذ وقت طويل".

صرخت ليلى: "توقفي! لماذا تكذبين، توقفي"!

شدت الجنية شعر ليلى، وفجأة رأت ليلى أفلاماً صغيرة وامضة أظهرتها الجنية، ليلى البالغة من العمر 5 سنوات تبكي في وسط الغابة وتصرخ "أمي، أبي، لا تتركاني"!

ما هذا! "قالت ليلى".

"هذه أنت، عندما اختاروا أهلك تركك، لم يرغبوا فيك، أنا هنا لتذكيرك بأنهم ليسوا معك، لا يريدونك، لذا يجب أن تتوقفي عن تخيلهم".

اختفت الجنية، ولم تعرف ليلى ماذا تفعل، فنامت وهي غارقة في الدموع.

في صباح اليوم التالي، عندما عادت الشمس، وجلبت الضوء للغابة، ضاعت ليلى، كان عقلها مثل المتاهة. وبينما كانت تمشي، رأت مئات التفاح على الأرض. تذكرت والديْها. "كيف يمكن أن تفعلا ذلك بي؟ كيف يمكن أن تتركاني؟ أنا أكرهكما"! التقطت تفاحة وألقتها في الأدغال.

"آه"!

من ذاك؟! "قالت ليلى وهي تمسح دموعها".

خرجت الجنية البشعة.

صاحت ليلى: "ماذا تفعلين هنا"؟!

قالت الجنية القبيحة بصوت ناعم، "أرجوك لا تهربي، أردت فقط أن أتحدث معك عن شيء ما، أعدك بأنني لا أريد أن أؤذيك، أريد مساعدتك".

كانت ليلى متعبة جداً لدرجة أنها لم تتمكن من الهروب، فاختارت أن تسمع.

"أدركتِ كيف كنت بمفردك لمدة 13 عاماً، فأنت تتخيليهما معك بعد رحيلهما".

غضبت ليلى، وكانت على وشك المغادرة.

"أرجوك لا تذهبي، فقط اسمعي، بالأمس جاءت أختي إليك، ولا أعرف ما قالته لك، لكن كل هذا خطأ! إنها دائماً تخدع الناس وتعبث برؤوسهم، أنا هنا لأظهر لك الحقيقة".

ولكن لماذا يجب أن أثق بك؟ "سألت ليلى".

قالت الجنية "بالأمس أتيت إليك أولاً وهربت بسبب قبحي، لكنك اخترت الاستماع إلى أختي الجميلة لأنك توقعت أن تكون جيدة، وأنا عُدت إليك لأخبرك الحقيقة".

كانت ليلى عاجزة عن الكلام، ولم تنظر إلى الموقف أبداً بهذه الطريقة. قالت ليلى: "آسفة، أعدك أن أصغي الآن".

لمست الجنية شعر ليلى الطويل بلطف، وعادت الأفلام، لكن هذه المرة، كان الأمر مختلفاً. أظهرت هذه الأفلام كيف ضاعت ليلى عندما كان عمرها خمس سنوات، ولم يتمكن والداها من العثور عليها، وأظهرت الأفلام كيف كان أهلها يبحثون عنها كل يوم، وكيف احتفلوا بجميع أعياد ميلادها. أظهرت كيف يجلسون الآن في منزل صغير يتذكرون ابنتهم المفقودة.

وجه ليلى امتلأ بالدموع وابتسامة عريضة.

قالت الجنية: "هذا ليس كل شيء، سوف آخذك إليهم".

"شكراً! شكراً جزيلاً لك! أنا حقاً لا أستحق هذا".

"أنت يا ليلى إنسانة طيبة، وحتى أفضل الناس يخطئون، لكن التعلم من الأخطاء جعلهم أفضل".

انتهى الفراغ الذي كانت ليلى فيه.. بدا وكأنه غبار خرافي. فجأة، رأت منزلًا صغيراً ومريحاً، وفي الداخل والدان وحيدان عجوزان يفتقدان طفلتهما.. طرقت الباب ببطء، وكان من الصعب عليهما التعرف عليها!

"هل يمكننا مساعدتك عزيزتي"؟

لم تكن ليلى تعرف ماذا تقول، كانت سعيدة برؤيتهما معاً، لكنها كانت خائفة، ولم ترغب في إخافتهما. كيف ستعمل؟ "مرحباً أنا ليلى ابنتكما الضائعة"؟

"لا، سيدتي، سيدي، شكراً لكما".

عندما كانت تغادر، دفعتها قوة قوية للعودة.

عندما نظر إليها والداها مرة أخرى، صُدما، واتسعت أعينهما.

"ليلى! حبيبتي! لا يمكننا تصديق هذا! أنت هنا، أنت هنا فعلاً!" عانقها والداها وهم يبكون، ودخلوا جميعاً. من الخارج، كانت الجنية سعيدة برؤية عائلة سعيدة صغيرة تضحك وتبكي معاً.

قد يرتكب الناس أخطاءً في الليل، لكن النّهار يعود ليعطيهم فرصة لتصحيحها.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها