الطب في المعتقد الشعبي

ماضٍ زاهر ومستقبل غامض

أسامة الفرماوي

 

يُعَدُ الطب الشعبي أحد المعارف الشعبية الهامة جداً في حياة الناس، والتي ما زالت تمارس حتى يومنا هذا في كافة المستويات دون راقٍ محدد سلفاً. وتعتمد على خبرات بعض أفراد الجماعة الشعبية التي توارثوها جيلاً بعد جيلٍ. والطب في معجم المعاني الجامع1: طَبَّ طبَبْتُ، يَطُبّ، اطْبُبْ/ طُبّ، طَبّاً، فهو طابّ وطبيب، والمفعول، مَطْبوب طَبّ اسم مصدر طَبَّ عَمِلَ لَهَا الطَّبَّ السِّحْرَ.
 

الطَبُّ :علاجُ الجسم والنفس. ← الطَبُّ: الرِّفْقُ وحسنُ الاحتيال.. ← الطَبُّ: الدَّأَبُ والعادة.. ← الطَّبُّ: الحِذْقُ والمهارة.. ← الطَّبُّ: الحاذقُ الماهِرُ. ← الطَّبُّ: الرَّفيقُ الحكيمُ

ويُعَرِفً د. أحمد رشدي صالح الطب الشعبي بأنه: "مجموعة من الممارسات التي يتوارثها الآبناء عن الآباء والأجداد لمعالجة أمراض الجسم، وكذلك مجموعة الممارسات الموروثة، والمستخدمة للوقاية من أمراض البدن والنفس؛ فهو إذن يتألف من فرعين أساسيين الفرع الأول: هو ما نسميه بالطب العلاجي، والثاني: يجوز أن نسميه بالطب الوقائي"2.

ونستطيع أن نقول إن الطب الشعبي هو: الممارسات العلاجية التي يباشرها أفراد المجتمع لعلاج بعض الأمراض البدنية والنفسية، والتي توارثوها، واختبروا فاعليتها من الآباء والأجداد. ويمارس هؤلاء المعالجون عملهم باستخدام مواد البيئة الطبيعية الموجودة في مجتمعاتهم  سواء أكانت هذه المواد نباتية، أو بعض قطع الحجارة التي لها خواص معينة اختبرت الجماعة فعاليتها؛ فثَبُتَتْ فعاليتها في العقل الجمعي جيلاً بعد جيلٍ. وقد يكون العلاج روحياً باستخدام الرُقَى الشعبية، التي تستند إلى مرجعية دينية؛ حتى تلقى قبولاً لدى الجماعة الشعبية. وقد تعددت التصنيفات التي تشير إلى ميادين دراسة علم الفولكلور، وقد وضع د. محمد الجوهري تصنيفاً رباعياً يبين ميادين دراسة هذا العلم. وهذا التقسيم  يعد تقسيماً وهمياً، هلامياً، الغرض منه دراسة عناصر الثقافة الشعبية دراسة وافية. وهذه الميادين هي:
• عادات وتقاليد.
• معتقدات ومعارف شعبية.
• أدب شعبي.
• ثقافة مادية وفنون شعبية.

وقد وضع د. محمد الجوهري الطب الشعبي تحت ميدان المعتقدات والمعارف الشعبية.

نشأة الطب الشعبي

لا شك أن استقرار الإنسان الأول واعتماده على الزراعة بجانب الصيد والقنص، قد أتاح له فرصة اكتشاف ما حوله من خواص النبات والحيوان، والصخور والمعادن. ونستطيع أن نقول إن قدماء المصريين لهم دَوْرٌ بارز في هذا المجال، وهو مُدَوَّن على جدران المعابد، وأوراق البردي المحفوظة في المتاحف حالياً. وقد بدأ الطب في البداية كهنوتياً؛ أي بين جدران المعابد، وأشرف عليه الكهنة، ثم تطورت صورة المعالج في العقل الجمعي  Collective mind، فأصبح يعتمد على ما استقاه المعالجون من عِلْم وحكمة ممن سبقوهم، وهذا هو ما يميز هذه الفئة من المعالجين؛ إذ يتوسلون بمعارفهم العامة التي تشربوها من حكماء مجتمعهم المحلي. وتُدَلِلُ الأمثال الشعبية على براعة هؤلاء المعالجون، وقدرتهم على التشخيص في البداية؛ فيسهل عليهم بالتالي علاج الحالات التي تَرِد إليهم؛ فنجدهم يقولون:
◅ المعدة بين الداء والدواء.
◅ اتغدوا واتمدوا، واتعشوا واتمشوا.

وهناك بعض الأمثال الشعبية التي عالجت موضوع الطب الشعبي، ومنها:
◅ إن فار دمك افْصُده.
◅ إن كان عَضْمَك فُتَات عليك بشُرب المُغَات.
◅ آخرة الطب كَي.

وقد استفاد المعالجون  الشعبيون من بعض النباتات والأعشاب التي خَبَرُوا فائدتها عبر ممارساتهم اليومية، ومن هذه الأمثلة:
1. الحُمُص: ويتم استخدامه كَمُدِر للبول، ومُلَيِّن كما توضع الحمُصَة على الجزء المتَقَيِح؛ فيسيل الصديد، ويبرأ المريض من الألم. كما يستخدم منقوع الحُمُص الأسود كعلاج للكبد، والكُلَى.
2. نبات العَرْعَر، أو الرعريع: وهو النبات الذي ارتبط بإبراء سيدنا أيوب مما لَحِقَ بجسده من أدران، ويستخدمه البعض الآن في شَمْ النسيم بالاستحمام بمنقوعه، بغرض الوقاية من أدران الجسد الجلدية.
3. نبات الحناء: لتخضيب الشعر والأظافر، وإزالة الحرقان من فروة الرأس، ومن القدمين.
4. البصل: يستخدم كمُنَبِه للإفاقه، وكمُدِر للبول، وله فاعليه - في المعتقد الشعبي - كمُنَشِطْ جنسي.
5. الثوم: كمُطَهِرْ معوي، وقاتل للميكروبات المعوية، وكعامل مساعد لزيادة المناعة بالجسم.
6. الخَسْ: يستخدم كمُدِر للبول، وقاتل للديدان، وكعلاج لآلام الجنب.
7. القرنفل: لعلاج آلام الأسنان.
8. بذور شجر السنط: يتم طحن هذه البذور، ويتم تناولها -بعد خلطها بالعسل الأبيض، أو الأسود حتى يستساغ طعمها- لعلاج الإسهال والدوسنتاريا.
9. الفجل: كمُدِر للبول، ولبن المُرضِع.
10. الكَرَفس: يستخدم منقوع ثماره في طرد الغازات من المعدة، وكذلك في علاج النزلات المعوية، وتخفيف آلام الطمث للنساء.
11. علاج آلام العين بوضع لبن الأم، أو لبن الماعز في عين الطفل، أو يتم وضع هذا اللبن في محارة مخصوصة يحتفظ بها المعالج الشعبي، وتحريك هذا اللبن بحجر صغير يستخدم لهذا الغرض فقط، لبعض الوقت، ثم يتم تقطير هذا اللبن في عين المريض عدة مرات فيبرأ من آلام العين.
12. جوزة الطيب: يستخدم منقوعها لتنشيط الدورة الدموية، وزيادة الرغبة الجنسية.
13. الزعتر: يستخدم منقوعه ضد الربو وحساسية الصدر، وكغسيل مطهر للفم والأنف.
14. الكمون: يستخدم منقوعه كمسكن للمغص الكُلَوي، وكطارد للديدان.
15. عمل لَبْخَة لفتح الدمامل بالجسم: ويتم هذا بوضع قطعة من الخبز المبلول بالماء، أو  لف الأصبع، أو مكان الدمل بقطعة من العجين، ثم يربط المكان جيداً، وما هي إلا ساعات قلائل، أو حتى صباح اليوم الثاني؛ يفتح هذا الدمل تلقائياً، ويتم تطهيره من الصديد؛ فيشعر المريض بالراحة.
 

وهناك الكثير من النباتات والأحجار التي يتم استخدامها في العلاجات الطبية الشعبية، ولكن المكان لا يتسع لذكرها. وتتعدد الممارسات الشعبية لعلاج الأمراض؛ فهناك الكي بالنار، الذي يمارسه بعض البدو ممن شهدت التجارب لعائلاتهم، ولهم قدرتهم على تشخيص هذه الأمراض، وبقدرتهم على تحديد أماكن الكي بدقة، واستخدام مسامير تتفاوت أحجامها، وتطهيرها بالنار، ثم استخدامها لعلاج الروماتيزم مثلاً، وآلام الظهر والمفاصل، وغيرهما من الأمراض.

وهناك الفصد، أو الحِجامة؛ لعلاج أمراض الضغط، والصداع بتشريط أماكن محددة، معروفة سلفاً للمعالج الشعبي؛ أو باستخدام ما يُعرَفْ "بكاسات الهوا" بعد تفريغها من الهواء بإدخال شُعلة صفيرة من النار داخل هذه الكاسات؛ لإخراج الهواء منها، ثم وضعها على الأماكن المحددة سلفاً، والتي يعرفها بالطبع المعالج الشعبي؛ وذلك لإخراج الدم الفاسد؛ فيبرأ المريض بعد جلسة، أو أكثر.

وهناك العلاج بالرُقَى الشعبية؛ إذ يعتمد المعالج الشعبي على بعض التعاويذ بكلمات اعتاد على ترديدها، ولا تخلو من بعض آيات القرآن الكريم، وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعتمد المعالج في هذه الحالات على النزعة الدينية الفطرية للمريض، والتي لا يستطيع أن يتجاوزها هو حتى يكتسب مصداقية أفراد الجماعة الشعبية.

وبين مؤيد ومعارض يمارس المعالجون الشعبيون علاجاتهم، التي يتقبلها المريض، ومَنْ حَولَهُ. ويعني استمرار وتداول العلاجات الشعبية حتى الآن أن هذا النوع من العلاج يُلَبِّي لهذا المجتمع حاجة قد ترتبط بالجانب الاقتصادي، ويُحَقِقُ رغبتهم في العلاج، وهو ما يؤشِرُ إلى تغلغل هذا المعتقد في العقل الجمعي  Collective mind لهذا المجتمع، رغم التقدم الطبي الهائل.
 


الهوامش: 1. معجم المعاني الجامع.2. أحمد رشدي صالح، الطب الشعبي، مجلة الفنون الشعبية، عدد 21، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ص: 33.

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها