باوهاوس Bauhaus.. مائة عام من التجديد

ترجمة: د. عبد الرحمان إكيدر

غابي روشر Gaby Reucher

 

قد تكون مباني باوهاوس في فايمار Weimar وديساو Dessau آثاراً، لكنها ليست بأية حال من الأحوال آثار حقبة ماضية، واعتماداً على روح باوهاوس الرائدة؛ فإنها اليوم تُستخدم للتدريس والبحث بناءً على أفكار جديدة.
 

✧ باوهاوس.. بداية المدرسة الفعلية 

أصبح والتر غروبيوس Walter Gropius في عام 1919 مديرًا لمؤسسة جديدة تدعى Staatliches Bauhaus، والمعروفة أيضاً باسم باوهاوس، والتي دمجت سابقًا مدرسة Grand Ducal للفنون والحِرف وأكاديمية فايمار Weimar للفنون الجميلة. وعلى الرغم من أن غروبيوس كان مهندسًا معمارياً، وأن مصطلح باوهاوس يُترجم حرفيًا على أنه "منزل بناء"، إلا أن مدرسة التصميم لم يكن لديها قسم هندسة معمارية حتى سنة 1927.

"إذا لم تكن جيدًا، فسوف يتم وضعك في باوهاوس" جملة كانت غالباً ما تتردد على ألسنة الآباء والأولياء، الذين كانوا يعيشون في فايمار في عشرينيات القرن الماضي لتطويع الأطفال وضبطهم، فلقد كان "الأشخاص المجانين"، الذين عاشوا في مدرسة الفنون يرقصون بصخب في الشوارع بملابس المسرح الملونة، ويرسمون صوراً باستخدام مثلثات ودوائر ومربعات. واليوم، يأتي الطلاب من جميع أنحاء العالم للدراسة في جامعة باوهاوس في فايمار، مع ما يقرب من 4100 طالب من 70 دولة، لتكون بذلك واحدة من أكثر الجامعات الدولية في ألمانيا. هذا مع العلم أن مواقع باوهاوس في فايمار وديساو أدرجت ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ سنة 1996، وهذا عامل لجلب السياح والطلاب على حد سواء.

فكرة العمل المتعدد التخصصات

لا توجد ورش عمل متخصصة فقط للرسم، أو بناء الأثاث أو النسيج، أو المعادن في مباني جامعة باوهاوس سواء التاريخية منها أو الجديدة، ففي الأصل، وتحت قيادة المدير المؤسس والتر غروبيوس، كان الفنانون والحرفيون يهدفون إلى العمل معاً والتعلم من بعضهم البعض. أما اليوم، فتقدم الجامعة أقساماً للهندسة المعمارية والعمران والفن والتصميم، والهندسة المدنية والإعلام. تقول ناتالي سينجر Nathalie Singer أستاذة الراديو التجريبي ونائبة رئيس جامعة باوهاوس، "إن فكرة أن الطلاب يمكنهم العمل في وحدات، ومشاريع فردية عبر الأقسام ما زالت مستمرة، خاصة في الذكرى السنوية... ففي مجموعتي، على سبيل المثال، يتم إنشاء مسيرة صوتية يعمل فيها مصممو الوسائط، والأشخاص من قطاع الصوت جنباً إلى جنبٍ مع محافظي الآثار من الهندسة المعمارية. وتشير كذلك إلى أن القائمين على ترميم الآثار ينشئون محتويات (100 عام من باوهاوس)، والتي يتم تنفيذها، وإذاعتها بعد ذلك من قبل وسائل الإعلام في الجولة الصوتية".

التفاعل بين الفن والتكنولوجيا

في بداية عشرينيات القرن الماضي، عمل مصممو باوهاوس بشكل وثيق مع الإنتاج الصناعي؛ صمم فنانو باوهاوس منتجات ذات أشكال بسيطة يسهل التعامل معها. لقد أراد والتر غروبيوس أن يشكل الفن والتكنولوجيا وحدة جديدة. والآن، لم يعد أعضاء جامعة باوهاوس يصممون منتجات للصناعة، لكنهم يواصلون البحث حول ما تعنيه التقنيات الجديدة للمجتمع.

وابتداءً من أكتوبر 2018، قدمت جامعة باوهاوس في فايمار (فصلاً دراسياً في باوهاوس) للاحتفاء بالذكرى المائوية. يقول سينجر: "في سلسلة المحاضرات والندوات، على سبيل المثال، سننظر في الأفكار من تلك الفترة التأسيسية التي يمكن نقلها إلى عصرنا الرقمي، أو كيف يمكن تطبيقها على أسئلتنا حول العلاقة بين الإنسان والطبيعة والتكنولوجيا... وعلى سبيل المثال، نواجه الآن السؤال المركزي حول كيفية تشكيل الرقمنة للتصميم، ولكن أيضاً كيف تؤثر على المجتمع والسلوك الاجتماعي".

تلعب الاستدامة أيضاً دورًا مهمًا بين المهندسين المدنيين والمهندسين المعماريين. فبعد الحرب العالمية الأولى، كان الهدف الرئيس لفناني باوهاوس هو بناء مبانٍ غير مكلفة، وعملية لتسهيل التنقل والعمل على الناس. في ذلك الوقت، لم يكن هناك حديث عن الاستدامة والكفاءة في استخدام الطاقة. ويضيف سينجر: "هذه قضايا تعد اليوم أكثر أهمية". و"سيقدم الباحثون نتائجهم للمجتمع. لقد تقدمنا أيضاً بطلب للحصول على براءات الاختراع التي سيتم تطبيقها بعد ذلك".

الحج إلى ديساو

في عام 1925 اضطرت باوهاوس إلى الانتقال من فايمار إلى ديساو بسبب الوضع السياسي المتوتر. هناك، صمم المهندس المعماري والتر غروبيوس مبنى مدرسة لا يزال يأسر الزوار بواجهته الزجاجية المرنة، وهو يعتبر اليوم من التراث الثقافي العالمي ورمزًا للحداثة.

لقد شدت طالبة الدكتوراه في الهندسة المعمارية التركية إيسي إسبلين EciIsbilen الرحال من معهد فيرجينيا للفنون التطبيقية، وجامعة الولاية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ديساو للمشاركة في مختبر في أكاديمية باوهاوس. وتؤكد الباحثة أن: "باوهاوس اليوم وجهة شهيرة لعشاق الهندسة المعمارية.. في رحلة حجتي لم يعد البناء يتوافق مع قوائم البناء الحالية". وأضافت: "عليك تجربة هذا المكان لفترة أطول من الوقت حتى تتمكن من فهم مزاياه". فـ"النوافذ الكبيرة، مثلاً، تناسب هذا المكان... يمكنك فتحها على كلا الجانبين، إنه من الجيد العمل عندما يكون الجو حارًا بالخارج، وبالتالي فإن المبنى فعال بمعنى آخر أيضاً".

البحث في الفضاء الخاص

لا تقدم الأكاديمية التي تنتمي إلى مؤسسة باوهاوس ديساو المختبرات والورشات فحسب، بل تقدم أيضاً برامج ماجستير لمدة عام واحد بالتعاون مع جامعة أنهالت Anhaltللعلوم التطبيقية، وجامعة هومبولت Humboldt في برلين. لقد أعيد افتتاح مدرسة باوهاوس في ديساو في حقبة ألمانيا الشرقية كمزيج من المؤسسات الثقافية والبحثية، وتواصل المؤسسة التي تم إنشاؤها في سنة 1994 تعزيز هذا النهج.

لفترة طويلة، كانت هناك ورش عمل باوهاوس في ديساو. كما كرس المشاركون وقتاً للقضايا الاجتماعية، ومشاريع التنمية الحضرية المتكاملة في عملهم حتى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وتشير ريجينا بيتنر Regina Bittner، مديرة الأكاديمية، أن هذا التركيز قد تحول مؤخراً نحو أعمال التنظيم المحلية. "مع مباني باوهاوس والمتحف الجديد، الذي سيفتتح في الذكرى السنوية، نحاول تقديم إشارات من تراث باوهاوس للوقت الحاضر، ودمج أشياء من مجموعتنا الخاصة في علم التصميم".

تاريخ باوهاوس وتحديات العولمة

خذ شيئًا ملموساً له تاريخ من التغيير، مثل مكتب أو كرسي مصمم وفق باوهاوس، ثم افحص هذه الأشياء في سياق التطورات الموازية، حتماً، ستجد مدى التطور المتراكم. تقول بيتنرBittner: "في إطار الاحتفال بالذكرى السنوية؛ فإننا نريد أن نلقي نظرة مختلفة على باوهاوس في سياق عولمة اليوم. لم يعد الأمر يتعلق برؤية تاريخ باوهاوس وتأثيراته على العالم. وبدلاً من ذلك، يتم استكشاف باوهاوس اليوم في سياق الحداثة الثقافية، التي يوجد فيها تبادل مثمر بين مناطق العالم".

وتشير بيتنر إلى طالبة حلت ضيفةً من كولومبيا لدراسة منسوجات فنانة باوهاوس آني ألبرز Anni Albers. "لقد ربطت هذا بسؤالين محوريين: إلى أي مدى يرتبط اليوم الاهتمام الجديد بتقليد الحرف اليدوية في جبال الأنديز، بين المصممين الكولومبيين الشباب بالحوار الذي أجرته آني ألبرز في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي؟ وما الذي يمكن للمرء أن يتعلمه من تقاليد الحرف اليدوية في جبال الأنديز في الحياة الحديثة"؟

✧ سحر مع باوهاوس 

تحضر إيسي إسبلين المتخصصة في أنظمة البناء الموحدة والإنتاج الضخم أطروحة الدكتوراه الخاصة بها، عن المهندس المعماري كونراد لودفيج واكسمان Konrad Ludwig Wachsmann، الذي قام في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي مع والتر غروبيوس بتطوير تصنيع البناء في الولايات المتحدة. لقد عمل واكسمان على تطوير نظام بناء عالمي بمكونات صناعية مسبقة الصنع. لقد كان بناؤه موضوع نقاش LAB 2018 في ديساو. تقول إيسبلين: "من المفيد التواجد هنا؛ لأنه لا يمكن اعتبار واكسمان مجرد ظاهرة أمريكية... إنها واحدة من تلك القصص التي بدأت هنا، وعبرت المحيط الأطلسي ثم عادت مرة أخرى. إن تغيير الأماكن يساعد على تغيير وجهات النظر".

يقول بيتنر، مدير الأكاديمية: "إن حقيقة أن أفكار ومنتجات مدرسة باوهاوس قد عادت حالياً للطلب الكبير، لا يرجع فقط إلى إحياء الذكرى المائوية. إنه إدراك أنه في عالم معولم علينا أن نتعامل بشكل مختلف مع الموارد الطبيعية، ولم يعد بإمكاننا الاستمرار في الاستهلاك والإنتاج كما كان من قبل". ويضيف: "لقد حدثت مثل هذه الأزمة بالفعل في عشرينيات القرن الماضي... في ذلك الوقت، كان مصممو باوهاوس يبحثون عن حلول لكيفية العيش في الحاضر، الذي تم تغييره عن طريق التصنيع، وكيفية تشكيله بطريقة إنسانية".

إن التفاؤل الذي حاول به رواد باوهاوس تشكيل حاضرهم بطريقة مقبولة أصبح نموذجاً لنا اليوم. إن هذا هو السبب في أن الناس ينظرون إلى الوراء في باوهاوس مع وجهة نظر جديدة.



مصدر المقال : الموقع الألماني "Deutsche Welle"
The legacy of Bauhaus 100 years on | Arts | DW | 01.10.2018

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها