في جماليات العرض المسرحي

بدر الدحاني


شهد الفن المسرحي تطورات نوعية على المستويات التركيبية والفنية والجمالية، إنه الفن الذي يوظف جماليات مختلفة لتأثيث فضاء الركح، من (ديكور، وسينوغرافيا، وموسيقى، وماكياج، وأزياء...)، وغيرها من التقنيات الفنية والجمالية لإظهار شعرية العرض المسرحي. كما عرفت الساحة النقدية العربية بخاصة، تطوراً ملحوظاً على مستوى التنظير المسرحي، الذي انسلخ من سلطة النص، ليشرع في إيلاء الأهمية للعرض الفرجوي وجمالياته. وكان الأثر راجعاً بالأساس إلى الاستفادة والانفتاح من/على التجارب النقدية الغربية في هذا الشأن، دون إغفال دور نظرية التلقي في الإهتمام النقدي للعرض المسرحي، مع "إيزر" و"ياوس" و"أومبرتو إيكو"، ومن ثم، الباحثين والنقاد في قضايا التلقي والتواصل المسرحيين أمثال: "آن أوبر سفيلد"، و"كيـر إيلام" و"جورج مونان"، وآخرين.


 

:: الجمالية والمسرح ::

جاء في المعجم الفلسفي لـ"جميل صليبا" (1385هـ)، إن"الجمالية أو علم الجمال (l'esthétique) موضوع فلسفي في المقام الأول. فالجمال عند الفلاسفة صفة تلحظ الأشياء، وتبعث في النفس سروراً ورضاً. والجمال من الصفات ما يتعلق بالرضا واللطف، وهو أحد المفاهيم الثلاثة التي تنسب إليها أحكام القيم، أعني الجمال، والحق، والخير"1. فلا بد للعمل الفني من اعتماد مقاييس وقوانين الجمال حتى يتسم بالجمالية، فهي أساس العمل الفني، وتمثل حقيقي لمقاييس النظرية الجمالية. ونجد أن "جوتشوك" أقر بجمالية العمل الفني حتى وفي صورة كئيبة ومريرة، وهنا لا يقصد القبح في العمل الفني، بل يقصد بذلك –في نظري- محتوى العمل الفني، أي القصة أو الفكرة المروية، لا المقاييس الجمالية التي أظهرت هذه القصة في صورة جميلة بالرغم من قساوتها السردية.
وبهذا، فالجمالية في المسرح تنطلق من هذا المعطى المعرفي، أي بتوافر المعايير الجمالية في العرض المسرحي، وهذا ما شهده المسرح الحديث من نقلة نوعية في التوظيفات الجمالية للعرض، كما هو الشأن في الإخراج المسرحي الذي بدأ يولي الاهتمام للبعد الشاعري في المسرح، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر بعض الاتجاهات الإخراجية في المسرح التي أثرت في الإخراج المسرحي شكلاً ومضموناً، وهي كالآتي:
- الاتجاه الواقعي لـ"ساكس ميننجن" الذي ساهم في خلق الصورة المسرحية ذات البعد التشكيلي والجمالي.
- واقعية "قنسطنطين ستانسلافسكي" في الأداء التمثيلي، باعتماده في أعماله المسرحية على السيكولوجية، والوجدان، والذاكرة الانفعالية، وغيرها من الأساليب والتقنيات.
- الاتجاه التسجيلي والوثائقي في المسرح، الذي ساهم فيه كل من "برتولد بريخت" "وبيتر فايس"، و"بيسكاتور"، باعتماد هذا الأخير على تقنية السينما والاستفادة من بُعدها التصويري للتوثيق داخل المسرح.
- الاتجاه الفني مع "إدوارد كوردن كريك" الذي أولى اهتمامه للحركة واعتبرها جوهر المسرح، كما ركز على خلق الفرجة الجمالية في المسرح.

كل هذه الاتجاهات الإخراجية المسرحية وغيرها، ساهمت في إنتاج الجمالية في العرض المسرحي، باعتماد تقنيات وفنيات حديثة لإظهار الخاصية الاستتيقية للمسرح، ومن ثم، التجديد في الطابع المسرحي الذي كان سائداً من قبل، بخلق مسرح جديد ومتجدد بجمالياته وتقنياته، دون إغفال الجسد المسرحي الذي يعد أساس قيام الفرجة.
وبناءً على كل ما سبق، بمقدورنا القول إن جمالية المسرح تتحقق "عندما يخلق المخرج عرضاً جمالياً متكاملاً متناغماً، تنسجم فيه جميع العناصر والمكونات داخل هرمونية فنية متناسقة. ويكون العرض جميلاً كذلك عندما يترك وقعاً جمالياً على المتفرج بمفهوم "يوس وإيزر"، ويحقق لذة ومتعة أثناء التفاعل التواصلي على حد مفهوم رولان بارت، أو يكون العرض المسرحي نصّاً مفتوحاً زاخراً بالدلالات والحمولات التناصية والمستنسخات الذهنية والجمالية بمفهوم أمبرطو إيكو"2.

 

:: جمالية الأداء التمثيلي ::
 


مشاهد من مسرحية "النمس"، لمخرجها أمين ناسور
 

إن ما يخلق الفرجة المسرحية كأساس لا مناص من وجوده، هو الممثل؛ نعم الممثل الذي يضع جسده رهن إشارة العرض المسرحي، ويملؤه بحضوره وتنقلاته الحركية والتعبيرية، وفق ما تسمح به الرؤية الفنية والدرامية للعرض برمته. وبفضل ديناميكية الجسد المسرحي، تُنتج الحركات والتعابير، وتُخلق الفرجة، وتصير هذه الأخيرة شبكة معقدة من العلامات والرموز والدلالات؛ ناهيك عن التشكيل الجمالي الذي يخلقه الممثل بتعبيره الجسدي مع باقي المكونات الجمالية والسينوغرافية للعرض المسرحي.
 


الكاتب المسرحي الإيطالي "لويجي بيرانديللو"


يقول "لويجي بيرانديللوLuigi Pirandello": "إن المسرح عملية خلق يقوم بها الممثل"، هذا الممثل الذي يعد الوسيط الفاعل ذا الهوية المزدوجة بين نص المؤلف والجمهور، فهو كشخص من الواقع الحياتي يستحضر بتجسيده شخصيات المؤلف من عالم الغياب والوهم الدراميين إلى عالم الحضور المسرحي، لتصبح إبداعاً جديداً قد يكون منفصلاً أو مساوياً أو غير مساو، مفسراً أو مكملاً لإبداع المؤلف الذي يعد الممثل الحي فيه "صاحبه ومادته في آن واحد"3.
فطبيعة فن المسرح تكمن في كونه فنّاً مركَّباً، يقتضي تجانس وتضافر العديد من العناصر الفنية والتقنية والجمالية لتشكيل الفرجة المسرحية. ومن غير الممكن تصور قيام عرض مسرحي دون ممثل، فهو العنصر الجمالي للفرجة، باعتباره الفاعل الذي يعتمد عليه المخرج في تحريك باقي الأنساق المرتبطة بتشكيل العرض المسرحي. وبهذا، فالممثل هو الحامل للخطاب المسرحي بدلالاته وعلاماته الأيقونية والبصرية، وكل ما يؤثث خشبة العرض برمتها.
وبعبارة أخرى، يعد حضور جسد الممثل فوق خشبة المسرح بمثابة علامة سيميائية كبرى، تضم في فحواها جملة من الرموز والإشارات، تشكلت بفعل الأداء والإلقاء المسرحيين لجسد الممثل وباقي أنساق الفرجة المسرحية. أما العرض المسرحي برمته، فهو عبارة عن شبكة كثيفة من العلامات السيميائية التي تقتضي القراءة والبحث في مستوياته الدلالية والرمزية، بواسطة المقاربة السيميائية، التي تُعنى بكل أشكال العلامات والرموز والصور في المجالات السمعية- البصرية واللغوية/ اللسانية.
فكثيرةٌ هي التنظيرات النقدية للمسرح التي أقرت بفاعلية الممثل في العرض المسرحي، باعتباره جزءاً لا يتجزأ من البناء التشكيلي للفضاء المسرحي وفرجته. ونجد "غروتوفسكي" (رائد المسرح الفقير) نموذجاً لهذا الطرح، بوصفه مخرجاً مسرحياً أَوْلَى كل اهتماماته المسرحية للممثل؛ إذ اعتبره جوهر المسرح، من خلال تأكيده لذلك في مقاله الشهير "نحو مسرح فقير". فقد أسس "غروتوفسكي" ما يسمى بالمعمل المسرحي، يهتم فيه بالممثل والجمهور، تاركاً جل باقي المكونات الجمالية للعرض المسرحي، بإقراره على أن المسرح هو ما يحدث بين الممثل والمتلقي. فكيف إذن بمقدورنا الحديث عن الجماليات في مسرح "غروتوفسكي" في ظل غياب باقي مكونات العرض المسرحي؟

للإجابة عن هذا السؤال الشائك لا بد من طرح مقتضب لفلسفة "غروتوفسكي" للمسرح، وبخاصة ما يرتبط بالممثل. في البداية، يعد "غروتوفسكي" من بين أهم المخرجين الكبار الذين أولوا اهتمامهم للممثل المسرحي، إذ اعتبره جوهر المسرح، وهذا ما أكده في مقاله الشهير "نحو مسرح فقير". فقد أسس "غروتوفسكي" ما يسمى بالمعمل المسرحي، يهتم فيه بالممثل والجمهور، تاركاً جل باقي مكونات العرض المسرحي المعاصر، وهو ما جعله يقر بأن المسرح هو ما يحدث بين الممثل والمتلقي.


المخرج المسرحي البولندي "جيرزي غروتوفسكي Jerzy Marian Grotowski"


إن الممثل في تصور المسرح الفقير، هو أساس الفرجة، وهو من يضفي الجمالية على العرض برمته. إذ يقوم الممثل في مسرح "غروتوفسكي" بخلق كل العناصر المرئية والتشكيلية التي تنتجها المكونات الجمالية الأخرى، ويقوم بإنتاج كل المؤثرات الصوتية والموسيقية، في شكل لوحات بصرية أخاذة، ترسمها الحركة الجسدية والتعبيرية للممثل؛ ولن يتأتى هذا بالطبع، إلا من خلال تكثيف التدريبات التطبيقية للممثل المسرحي، بغية تحسين جودة الأداء التمثيلي لديه، حتى يتسنى له القيام بأدواره في العرض المسرحي؛ وهو ما اشتغل عليه "غروتوفسكي" في معمله المسرحي التدريبي.
وحتى لا ننسى الجهود التي قدمها المخرج الروسي الكبير "ستانيسلافسكي"، رائد "الإعداد النظري والتطبيقي لفن الممثل"، الذي قدَّم الكثير في شأن كيفيات الأداء المسرحي وفلسفته؛ في الحقيقة تعد من أهم النظريات والمناهج الرصينة في الأداء التمثيلي، التي تستند إلى العديد من القوانين النابعة من الحياة الواقعية للإنسان؛ وكانت أبرز مرتكزاته النظرية في الأداء المسرحي (التركيز والانتباه المسرحي، الخيال، الإحساس بالصدق، تحرير العضلات، الذاكرة الانفعالية، محركات الحياة السيكولوجية، الاتصال..) وغيرها من العمليات التطبيقية المرجوة في الأداء المسرحي الخلاّق.
 


المخرج المسرحي الروسي "قسطنطين ستانسلافسكي Konstantin Stanislavsky"


وعليه، "فإن الصورة الحركية في العرض المسرحي تنتمي في تحليلها فنياً إلى فنون المساحة وهي من الفنون الثلاثية الأبعاد يضاف إليها بعد رابع هو الزمن. فالممثل كتلة تشكيلية متحركة ثلاثية الأبعاد، تنتقل من مكان لآخر على الخشبة، وهذه الانتقالة تحتاج إلى فترة زمنية محدودة لكي تتم في الفضاء مشكلة صورية بصرية، تؤدي معناها الدلالي الواضح في التعبير"4.
إن ما ينبغي على الممثل فعله لخلق الجمالية المسرحية، هو التحكم في ميكانيزمات الجسد وإيماءاته، إذ لا بد من التدريب والتهيؤ والاستعداد لتحقيق هذا المعطى؛ ناهيك عن عملية الإتقان الاحترافي لمقومات الإلقاء الشاعري للصوت، وحركات الجسد، والإيماءات التعبيرية ودلالاتها، والتمكن من تركيب جل هذه العناصر ضمن نسق الجسد، بغية خلق إيقاع درامي/ فرجوي واستتيقي، يأخذ الذائقة الجمالية إلى عوالم التفكير والتأمل والانبهار.
وتبعاً لكل ما تقدم آنفاً، فالممثل من خلال ديناميكية جسده، بإمكانه خلق الفرجة المسرحية وفقاً للمفهوم الكوني للمسرح؛ أي بمقدوره تعويض كل الجماليات المسرحية الأخرى، بطاقاته التعبيرية الهائلة التي يتوفر عليها جسده، وصوته، وذكاؤه، وفكره الذي يقوم بإعمال هذا الجسد، خِدمةً للسياقات الدرامية للفرجة المسرحية. وهنا بالذات، تكمن جمالية الممثل المسرحي.
 

:: السينوغرافيا والتشكيل الفني للركح ::



مشهد من مسرحية "بيت بلا شرفات"، لمخرجها فراس المصري


تعد السينوغرافيا بمثابة هندسة فنية وجمالية للعرض المسرحي؛ وبمفهومها العام والشامل، هي كل ما يؤثث خشبة الركح من ديكور، وإضاءة، واكسسوار، وكل الأشياء التي ترسم الصورة البصرية الشاملة للعرض المسرحي. والفضاء هو جزء من السينوغرافيا، بينما هذه الأخيرة، هي الكل المرئي الذي يشاهده المتلقي في العرض، من خلال النظام البنائي الشامل والمركب الذي تتهيأ في إطاره كل الأنساق المُشَكِّلة للعرض المسرحي. فلا يمكن البتة، إخفاء الوظيفة الجمالية والدلالية للسينوغرافيا، فهي تؤثث الفضاء الركـحي بما يتيح إمكانية التكثيف الدلالي والرمزي والإيحائي، ومن ثم إضفاء البعد الجمالي للعرض المسرحي. إن أول شيء يشاهده المتلقي فوق الخشبة هو "الديكور"؛ وهذا الأخير هو جزء من السينوغرافيا التي تشمل كل الصور المسرحية للعرض.
فالسينوغرافيا علم وفن، تتداخل في إطارها وتتجانس، العديد من الفنون والعلوم والمهن، كفن التمثيل، والماكياج، والخياطة، والحدادة، والنجارة، والكهرباء، وفنون الموسيقى، وفن التشكيل، وغيرها من الفنون والمهن الحرفية والتقنية؛ فكلها تنسجم في نظام بنائي مركب، يضم ما هو أيقوني/ بصري، ورمزي، ومجرد؛ أي كل ما تشكله السينوغرافيا فهو علامة دالة، إذ يغدو العرض برمته بمثابة صور ذات أبعاد دلالية. وقد قدم "بيتر بوغاتيريف: (P.Bogatyrev)، وهو من الباحثين المنتمين إلى مدرسة "براغ البنيوية" دراسة بعنوان: "السيميا في المسرح الشعبي"، التي تتركز أهم قضاياها حول ماهية الإشارة وطبيعتها، معتبراً المسرح بمثابة منظومة تتجسَّد تمثلاتها الإشارية ضمن جل أنساق الفرجة المسرحية، إذ عبّر عن ذلك بقوله: "تستخدم على الخشبة ليس فقط الملابس والمشاهد، أو الأثاث المسرحي الذي بمثابة إشارة، أو مجموع لعدة إشارات، بل أيضاً الأشياء المادية الفعلية. ترى النظارة هذه الأشياء الحقيقية ليس كأشياء مادية فعلية فحسب، بل كإشارة لإشارة، أو كإشارة لأشياء مادية"5.
وعليه، فالسينوغرافيا تلعب دوراً مهماً في إبراز المعالم الجمالية للعرض المسرحي، بل وإثرائه بواسطة خصائصها المركبة التي تخلق تلك الصورة الشعرية بمفهومها الاستيتيقي. فهي تضم في ثناياها كل ما من شأنه أن يُشكّل الرؤية الجمالية التي يسعى إلى تحقيقها العرض فوق الركح المسرحي، فيغدو هذا الأخير بوابة مفتوحة من العلامات والرموز الدلالية التي تحمل كل منها معنى معين، تقتضي آليات منهجية وعلمية لتفكيك مستوياتها الدلالية.
عموماً، ترتكز السينوغرافيا المسرحية على "هندسة الفضاء المسرحي وغيرها من الفضاءات التي ترتبط في هيكلتها بالتصور الجمالي والإبداعي، وغالباً ما يتم تعريفها أو على الأقل فهمها وفهم معناها في حدود تشكيل المكان المسرحي، وكيفية ملء الفراغ، وتأثيث الفضاء جمالياً، باعتبارها العنصر الرابط بين جميع مكونات العرض والجمهور والممثلين، وبين النص والعرض في نقطة محددة هي المكان المسرحي"6.
وتبعاً لذلك، فالسينوغرافيا المسرحية تستخدم كل هذه الإمكانات الفنية والتقنية والجمالية لتأثيث الركح، وهي التي تبرز تصورات المخرج الفنية، وبواسطتها يصبح العرض دالاً سيميائياً، من خلال العلامات التي تفرزها الصورة السينوغرافية الشاملة، لتُظهِرَ لنا وجود علاقة بين "الدال" و"المدلول"، في إطار العلامة الواردة والمتعددة، من العلامة المؤشرة إلى العلامة الرمزية والمجردة، وباقي العلامات السيميائية الدَّالة من خلال السياقات الدرامية للفرجة المسرحية.
بالاستناد إلى كل المعطيات السابقة، بمقدورنا تأكيد على أن جمالية العرض المسرحي تلعب فيها السينوغرافيا الدور الحاسم في صناعة الصورة المسرحية ودلالاتها الرمزية والإيحائية، ذلك بتفاعلها مع أداء الممثل وباقي أنساق العرض الأخرى، علماً أن الكثير من المخرجين في المسرح الغربي الحديث لم يعيروا اهتماماً بالغاً لجماليات العرض المسرحي، لاسيما المهتمين بحضور الممثل ونسقه التعبيري والإيمائي فقط، كـ"غروتوفسكي" مثلاً؛ وفي المقابل، نجد المسرح المعاصر يولي أهمية كبيرة لجماليات العرض المسرحي، إذ يعتبرها شرطاً أساسياً لا مناص منه؛ لأن من خلالها يستطيع المسرح إبراز مقوماته الفرجوية والدرامية والجمالية التي تترك أثراً ذوقياً رفيعاً لدى المتلقي، بل وتؤكد على مسألة هامة وهي تحرر المسرح من النمطية السائدة والابتذال القاتل للإبداع والابتكار.

ختاماً

بكل تأكيد، إن العرض المسرحي وما تتوافر فيه من مقومات جمالية تُسهم في خلق شاعرية فرجوية داخل صالة العرض، قادراً على أن يتصدر قائمة الفنون الأكثر جاذبية وجمالية، فهو الذي يضم في مكوناته: (النص، والممثل، والسينوغرافيا، والديكور، والموسيقى، والملابس، والجمهور... وباقي الفنون الأخرى)، كلها تُستَخْدَم ضمن نسق فني/ جمالي من لدن المخرج المسرحي، كي تتولد الجمالية الفنية. لهذا، فالعرض المسرحي يغدو جميلاً حينما يخلق الممثل بأدائه التمثيلي وديناميته الجسدية شاعرية منفردة بمكامن الجمال، تولَّدت بفعل الانسجام الحركي للممثل مع باقي مكونات العرض المسرحي؛ فهذا الانسجام يخلق طابعاً استتيقياً على رؤى العرض. فالأداء الذي يقوم على الجسد الديناميكي المبتكر، والإيمان الصادق للمشاعر، والتعبير الدرامي الخلاَّق، لا يمكنها -في نظري- إلا أن تضفي الجمالية الأخاذة على جمالية العرض المسرحي.


الهوامش
1. جميل صليبا: المعجم الفلسفي، ج1، منشورات ذوي القربى، إيران، الطبعة الأولى 1385 هـ، ص: 407.
2. جميل الحمداوي: السينوغرافيا المسرحية، مكتبة المعارف، الرباط، الطبعة الأولى 2010. ص: 23 _ 24.
3. رضا غالب: الممثل والدور المسرحي، أكاديمية الفنون، مطابع الأهرام التجارية، مصر، 2006. ص: 105.
4. عبد الكريم عبود: الحركة في المسرح: بين الدلالات النظرية والرؤيا التطبيقية، دار الفنون والآداب، العراق؛ الطبعة الأولى 2014. ص: 44.
5. عدد من المؤلفين، سيمياء براغ للمسرح: دراسة سيميائية؛ ترجمة: أومير كورية، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، سورية، ط 1، 1997. ص: 64.
6. عمر الرويضي: سيميائيات المسرح، إمكانات المقاربة وحدود الاقتحام، كلمات للنشر والطباعة والتوزيع، تمارة، 2016. ص: 76.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها