الطريقُ إلى نوبل

مقابلةٌ مع عبد الرزاق قرنح

ترجمة: مروى بن مسعود

حوار: فابيان روث ومارا هولزينثال وليزا زينجيل

 

ولد عبد الرزاق قرنح في زنجبار عام 1948 ونشأ هناك، قبل أن يهاجر إلى المملكة المتحدة للدراسة في 1968. بعد عامين من الإقامة في جامعة بايرو كانو في نيجيريا، عاد إلى بريطانيا وحصل على الدكتوراه في عام 1982 من جامعة كنت، وعمل أستاذاً للغة الإنجليزية وآداب ما بعد الاستعمار، ومديراً للدراسات العليا في قسم اللغة الإنجليزية.
 

كتب حتى الآن سبع روايات ومجموعة من المنشورات الأكاديمية، خاصة في مجال دراسات ما بعد الاستعمار والأدب في منطقة المحيط الهندي والبحر الكاريبي. وأشرف على تحرير مجلدين من المقالات حول الكتابة الإفريقية، كما نشر مقالات عن عدد من كتّاب ما بعد الاستعمار المعاصرين. وقد تم ترشيحه في مناسبتين لجائزة البوكر المرموقة.


في أغلب الأحيان، تكشف روايات قرنح عن تجارب الهجرة والمهاجرين (إلى المملكة المتحدة بشكل أساسي)، ومواضيع النزوح والذاكرة والهويات متعدّدة الثقافات. تُعتبر موضوعاته وأدواته اللغوية (الإنجليزية والسواحيلية) مثالاً على التلاقي بين الثقافات والهويات الهجينة (التي تشبه حياته وعمله كأكاديمي وروائي بشكل عام، وحتّى كتبه وقصصه). تبدو رواية البحر مهمّة – ليس فقط لكونه مهاجراً من زنجبار إلى المملكة المتحدة، ولكن بالنظر إلى المشهد العام لتدفقات المهاجرين من شرق إفريقيا والمحيط الهندي وأوروبا والكاريبي.
 

✧ كيف ترى التصنيفات أو التسميات من قبيل: الأدب العالمي، وأدب ما بعد الاستعمار، وأدب الجنوب؟ هل تعتقد أنها ضرورية ومهمة، أو مفيدة لوصف كتاباتك، أو الأدب بشكل عام؟ هل تعتبر نفسك مؤلفاً مشمولاً بهذه التسميات؟

بالطبع؛ إنها تصنيفات مفيدة. ولأسباب مؤسّسية في المقام الأول، يمكن اعتمادها في المقارنات في سياق البرامج الأكاديمية، ولأغراض التسويق والنشر، حيث يمكنك بواسطتها لفت انتباه الناس لشيء مهمّ. ومع ذلك، لست متأكداً ما إذا كانت مفيدة في حد ذاتها إلى جانب هدفها التنظيمي. لكني لن أستخدم هذه التصنيفات بغرض وصف عملي؛ لأنها لا تعكس أي جانب من جوانب الجودة أو الإبداع الثقافي. إنها مفيدة فقط لوصف الأدب وبالتالي تسهّل تنظيمه، وإنتاج أعمال نقدية لما بعد الاستعمار، وتمكننا من فهمه، وتحديد أنماطه. من ناحية أخرى، التصنيفات تقيّد تفسير هذا النوع من الأدب بطريقة ما، فالأدب أكبر من هذا الوصف أو التصنيف.

✧ هل ترى في شخصك كاتباً لأدب ما بعد الاستعمار أو الأدب العالمي؟

لن أستخدم أياً من هذه العبارات. لن أصف نفسي بكاتب من أي نوع. في الواقع، لست متأكداً من أنني سأطلق على نفسي أي صفة كانت عدى اسمي الحقيقي. أعتقد أنه، إذا تحداني أحدهم، وقال لي: "هل أنت ... هل يمكن تصنيفك ضمن واحدة من هذه التسميات..."؟ ربما سأقول: "لا". على وجه التحديد، لا أريد أن أختزل هذا الجزء منّي في تسمية واحدة. من ناحية أخرى، الأمر يعتمد على كيفية طرح السؤال، على سبيل المثال إذا سألني أحد الصحفيين في مقابلة: "هل أنت أديب عالمي"، ما الذي سيدوّنه عنّي عندما يغادر؟ لكن أنا لست كذلك. أعتبر نفسي شيئاً معقّداً من ذلك القبيل.

✧ هل هذا الوصف أساسي؟

أنا لا أرى نفسي بطريقة أساسية، ولكن بالنسبة للصحفي قد يكون الأمر كذلك، فقد يعرض صورتي على مكتبه ويقول: هذا أديب عالمي. أنا أسميه كذلك. بداخلي ميول طبيعية لرفض تلك الأنواع من التصنيفات، وتقديم إجابة معقّدة كالتي تسمعها منّي الآن.

✧ سؤالنا التالي على صلة بالذي سبقه: غالباً ما يتم تقسيم الثقافة العالمية إلى ثقافة نصف الكرة الجنوبي وثقافة النصف الشمالي. كيف ترى هذا التمييز، خاصة فيما يتعلق بالأدب؟

لم يتم تقسيم العالم إلى شمال وجنوب حقاً، ولكن يبدو أننا دأبنا على وصفه على هذا النحو. كانت هناك محاولات سابقة لاستخدام تسميات مختلفة مثل "العالم الثالث"، أو "العالم المتخلّف"، ولكن تسمية "شمال"، و"جنوب" تبدو أقل حدّة من بعض الكلمات الأخرى. لكنها تتضمن محاولة لوصف الواقع والاختلافات التاريخية، والتخلّص أخيراً من عالم قبيح آخر، "الاستعمار"، لذلك من الأفضل استخدام عبارتي الشمال والجنوب للحديث عن هذه الموضوعات. لقد عزّزت الإمبريالية التاريخية بالفعل هذه الاختلافات بين ما يسمى بالشمال والجنوب، وبسبب إرث الاختلافات الاستعمارية، على ما أعتقد، نشأت جميع الاختلافات وتعزّزت. لذلك أود أن أقول: إن هناك اختلافاتٍ، ورغم أن التصنيف شمال وجنوب ليس دقيقاً تماماً، يبدو أنه يمثل أحدث أسلوب وأكثره حيادية لوصف هذه الاختلافات.

لا يجب أن تفهم تلك المصطلحات كمجالات جغرافية: الأمر هنا يتعلّق بالمواقف، والفهم، والتوقّعات وما إلى ذلك. لذلك قد نجد مناطق من الصين غنية كدول الغرب وأخرى ليست كذلك. إنها ليست مسألة مكان حقاً. عندما نحاول البقاء في منطقة ما بين الاثنين؛ فإن التفكير يظل متعلقاً إلى حد ما بالمكان. حتى عندما تحاول البقاء في الوسط فذلك لا يعني حقاً "الحد الفاصل بين" الشمال والجنوب، بل إنه يشبه الوضع الوسط أو الحالة غير المحدّدة بين التسميتين. هنا، على ما أظن، نحن نضع أنفسنا كأشخاص ليبراليين، ونحاول رؤية أنفسنا كأفراد من هذا العالم وبالتالي كبشر. ومع ذلك، هناك اختلافات حقيقة، لنقل من حيث طبيعة الحياة، سواء في الشمال أو الجنوب، تجعل حياتنا مختلفة شئنا أم أبينا.

في هذه الثقافة، توفّر الدولة بمجتمعها وثقافتها كل الأشياء التي تستحقها دون الحاجة إلى القيام بأي شيء، المستشفيات، والمدارس، وسبل الرفاه على سبيل المثال لا الحصر. في البلدان الأخرى ليس هناك أي شيء من هذا القبيل، لذلك هناك فرق حقيقي وملموس بين هذين العالمين، نتيجة عوامل كثيرة، ونتيجة جميع الأحداث التاريخية التي أفرزت مجتمعات مختلفة.

✧ فيما يتعلق بالوضع الراهن - هل يمكن القول إن "أزمة اللاجئين" قد تغيّرت كثيراً؟ إذا وفد أشخاص من ما يسمى بدول الجنوب على ألمانيا، على سبيل المثال؛ فإنهم يساهمون في تغيير ألمانيا أيضاً، على غرار العديد من البلدان الأخرى التي تشهد تغييرات.

حسناً، أنا لا أقترح أن تكون الأشياء ثابتة بهذا الشكل إلى الأبد، لذلك بالطبع، الأمور تتغيّر. من ناحية أخرى، ما الذي أو مَنِ الذي سيتغيّر أكثر، لو افترضنا أن ألمانيا قد استقطبت مليون لاجئ، من الذي سيتغيّر على الأرجح: ألمانيا أم اللاجئون؟ إن جوابي على سؤالك هو كالتالي: حسب الأثر الذي سيتركه هذا أو ذاك بالطبع. على سبيل المثال، صرّح رئيس الوزراء البريطاني بأن أحد شروط دخول أي لاجئ لبلاده في المستقبل يتوقّف على مدى التزامهم بتعلّم اللغة الإنجليزية حال وصولهم. بينما لا توجد مشكلة في ذلك؛ فإن هذا الشرط يبيّن بالفعل أنهم بحاجة إلى أن يصبحوا مثلنا عندما يأتون إلى هنا.

✧ برأيك ما الذي يجعل الأدب العالمي مهماً للمجتمع المعاصر؟ هل هناك أي واجب يقع على عاتق الأدباء العالميين؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما طبيعته؟

لا أعتقد أن هذا التصنيف مقنع. أولاً، أود أن أناقش ما المقصود بذلك؟ هل نعني بذلك الأدب الإنجليزي والفرنسي والألماني، وربما حتى الأدب الفارسي القديم والصيني القديم، أو أي أدب قديم آخر؟ أم أنه يشمل كل آداب العالم؟ ما أهمية الأدب في العالم؟ بالطبع، في هذه الحالة، الأدب العالمي مهم للجميع؛ لأننا ننتجه ونستهلكه ونتعلّم منه.

لا أعرف سوى أجزاء صغيرة جداً من الأدب في العالم، لذلك لا أرغب في التعميم بخصوص هذا الموضوع. لا أعرف أي شيء عن الأدب الصيني على سبيل المثال، وربما توجد لغات لا أعلم حتى بوجودها، أو ما إذا كان لها أدب خاص. لذلك لا أعتقد، في هذا الصدد، أن "الأدب العالمي" عبارة مفيدة مثل "المال" على سبيل المثال؛ لأننا نستخدم المال كل يوم، فهو جزء من الحياة، على عكس الأدب العالمي. بالطبع يمكنك أن تخرج لي كتاباً من الرف وتسألني "ما رأيك في هذا؟" لكن الأدب العالمي لا يمكن أن يكون موضوع مقارنة كما يبدو.

أي وظيفة "للأدب العالمي"؟ مرة أخرى، هذا يعتمد على ما نعنيه بالعبارة، كما أن السؤال يحمل بُعداً أخلاقياً. إن دور الأدب في العالم يتمثّل في النهوض بالمجتمع، ولكن ذلك يمكن أن يتغيّر بتغير المجتمع. وقد يجادل البعض بأن الكتّاب بحاجة إلى تحدي الأفكار السائدة في المجتمع، على غرار الأفكار التي تحكم العلاقات، وأفكار الأسرة أو الملائمة، والأخلاق الجنسية وما إلى ذلك. من ناحية أخرى، البعض قد يعتبر ذلك دليلاً على قلة الانضباط، وعدم الجدوى والتدمير الممنهج. فقط القرّاء يمكنهم الحكم على دور الكُتّاب. إنها مهمّة صعبة. قد يبدو من المناسب أن نسلّم المهمّة للكاتب قبل أن نقوم بالتقييم.

✧ ما الغاية من كتابة الروايات ونشرها؟ هل لديك هدف خاص أم أنك فقط تحتفظ بقصصك في ذاكرتك وترغب حقاً في أن تخبرنا بها؟

إذا تحدّث أحدهم عن الهدف، فستبدو الفكرة رنّانة. أريد فقط أن أكتب بأكبر قدر ممكن من الثقة، دون أن أسعى لقول أي "شيء نبيل". ومع ذلك، هناك أشياء معينة تشعرني بالقلق، وبعد ذلك أرغب في استكشافها والكتابة عنها. لكن لا يمكنني القول بأني أرغب في الكتابة، على سبيل المثال، عن مكانة المرأة في العالم، رغم أن هذا قد يكون أحد المواضيع التي تهمني. سأعطيك مثالاً نظرياً؛ إذا كتبت عن زواج أختي، فهذا لا يعني أني أخبرك حقاً بشيء عن أختي. روايتي "عن طريق البحر" مثال آخر أفضل ربما عن كيفية الكتابة عن شيء ما.

لقد بدأت الكتابة بدوافع مختلفة. عندما بلغت حرب أفغانستان ذروتها في أواخر التسعينيات، وصلت طائرة إلى لندن بعد أن حوّل وجهتها أحد الركاب. كانت رحلة داخلية، ربما من كابول إلى هرات، لكن الخاطف حوّل وجهتها إلى لندن، وربما توقف للتزوّد بالوقود. في الأخبار على التلفزيون، كنّا نشاهد الركاب، لم يكونوا في أفضل حال، ولم يرتدوا ملابس السفر إلى أوروبا مثلاً، ربما كانوا ينوون زيارة أسرهم هناك، أو أطفالهم وعائلاتهم وأشخاص مختلفين. تكلّم الخاطف نيابة على المسافرين وأخبر السلطات بأنهم يريدون اللجوء، وقد يكون معظم من في الطائرة لا يرغبون في ذلك. بعد يوم واحد، طلبوا اللجوء جميعاً، ثم تساءلت ما الذي يريده ذلك الرجل العجوز هناك حقاً. هل كان مدركاً لطلبه حقاً؟ كنت أعتقد بأن اللجوء لا يطلبه إلا من كان في مقتبل العمر، وحتى العائلات، ولكن ليس لكبار السن.

بدأت أفكّر في الأسباب التي دفعت بذلك العجوز لطلب اللجوء، وفي الأسباب عامة التي تدفع لمغادرة البلد الأصلي وطلب اللجوء، رغم أني فكّرت في ذلك من قبل. لكن في هذا السياق، رجل عجوز يطلب اللجوء، أردت أن أعرف أي نوع من اليأس هذا، ما الذي يدفعه لذلك. بعد يومين، شاهدت برنامجاً على التلفزيون، برنامج وثائقي عن عمل ضابط الهجرة، حيث كانت تبعته الكاميرات في عمله. شاهدت كيف كان ضابط الهجرة يستجوب طالب اللجوء، وكنت مهتماً بما قام به. يمكن أن يجعلك تفكّر مليّاً في الموضوع، وصولاً إلى تأليف كتاب إذا لم تتطرق للموضوع من قبل طبعاً، وعندما يكون عقلك مركّزاً وبين يديك مادة تجمعها تدريجياً، حينها تبدأ في الكتابة أخيراً. حسنًا، أنا أقول هذا ما حصل معي بالأساس مع روايتي "عن طريق البحر". ثم من جديد يتراكم المزيد من التفاصيل في ذهنك. وربما يستغرق الأمر سنة أخرى بالنسبة لي أيضاً. في هذه الأثناء أنت تقوم بأشياء أخرى، قبل أن تتطوّر وتبدأ في تدوين ملاحظة صغيرة هنا وهناك، ثم تشرع في الكتابة ثم تأتي المزيد من التفاصيل، ثم تأتي الأشياء تلقائياً أيضاً. وبالتالي أنت تقسّم وقتك بين الكتابة والعمل. تقول في نفسك: "آه، أرى بأن هناك علاقة بين هذا وذاك، فقط أحضر هذا إلى هنا..."، وهكذا تتطوّر الأمور. هذا جوابي المطوّل على سؤالك.

✧ كم استغرقت رواية "عن طريق البحر" إجمالاً؟ نحن نعرف واجباتك الأخرى بالطبع، ولكن من الفكرة الأولى للرواية إلى تاريخ نشرها فعلياً، كم دامت تلك الفترة؟

تم نشر الرواية في عام 2001 ... أعتقد أنني انتهيت من كتابتها في نهاية عام 1999. ما أود قوله هو أن عملية الكتابة استغرقت حوالي عام أو نحو ذلك، ما يزيد عن العام قليلاً، ثم حوالي عام آخر من إعلان موافقة الناشر: حسنًا، الموافقة على هذا الكتاب والتوقيع على العقد وغير ذلك، حتى يظهر بالفعل في المتاجر، إذا لم يطلب الناشر تغيير أي شيء طبعاً، وإذا لم تستوجب المخطوطة مزيداً من المراجعة. لذلك في حالة "عن طريق البحر"، استغرق الأمر حوالي عام، لكن في بعض الأحيان يستغرق وقتاً أطول، خاصة بالنسبة لشخص مثلي كان يعيش في برايتون ويُدرّس في كانتربري، كنت أتنقل ذهاباً وإياباً كل يوم. باستثناء يوم واحد تقريباً لم أذهب فيه إلى العمل، ولم أقسّم وقتي بين العمل والكتابة، خلال فترة الفصل الدراسي؛ لأني لم أكن قادراً على ذلك.

كنت أتحيّن الفرصة المناسبة للكتابة، ولكن الكتابة بحد ذاتها لا تستغرق بالضرورة وقتاً طويلاً عندما تنتهي من جمع كل الأفكار الأولية. التحضير وتنظيم الأفكار في ذهنك يستغرق وقتاً أطول. بمجرد التأكد من أنه يمكنك البدء في الكتابة، أو من تجربتي الشخصية على الأقل، كتابة الرواية تستغرق عادةً حوالي عام أو ما يزيد قليلاً، على أمل ألا يطلب منك الناشر والمحرّر بعض التغييرات؛ لأن ذلك قد يستغرق عاماً آخر اعتماداً على الوقت المتاح للقيام بذلك، في ظل الالتزامات الأخرى... قد تكون هناك الكثير من الأشياء الأخرى لتقوم بها، لذلك لا يمكنك التفرّغ أكثر من ساعتين، الوقت الذي تحتاجه لتعود إلى عملك وتبدأ من جديد. المراجعة يمكن أن تتطلب وقتاً طويلاً، وكذلك عملية الكتابة بحد ذاتها.

✧ بالحديث عن ترتيب الأفكار في ذهنك، ما دور الذاكرة في العملية الإبداعية، ذاكرتك الشخصية، ربما أيضاً ذاكرة عائلتك، أو أي شكل من الذاكرة الجماعية؟

حسنًا، الأمر يتعلق بالذاكرة، ولكن ليس بالضرورة الذاكرة بمعنى تذكّر الأشياء التي حدثت لي أو لأفراد عائلتي. لا أعتقد أنني كتبت في الواقع أي نوع من القصص التي تصوّر الحقيقة وفقاً لذاكرة معينة، ولكن التفاصيل الصغيرة يمكن أن تلمّح إلى شيء حدث بالفعل لقريب أو شخص أعرفه. في النهاية القصة لا تصوّر الحقيقة تفصيلاً صغيراً كتجربة عشتها بالفعل أو سمعت عنها، وقد يلاحظ القارئ أوجه تشابه، وترابط، رغم أن ذلك قد يعتمد على طبيعة القصة التي نكتبها.

إن كاتب القصص ذات التراكيب المحدّدة والمعروفة مثل الروايات البوليسية، والروايات الدرامية التي لا تستقيم في غياب أحداث ضرورية، قد يقوم بعمله بشكل مختلف عن الكاتب الذي لا يتّبع تراكيب رسمية معينة. هنا الكتابة لا يمكن أن تحدث بمجرد التفكير والقول "هذه قصة جميلة، سأوظفها في كتابة روايتي"، ولكن من الممكن أنك تجد في ذلك ترابطاً مع أفكارك، فكرة تفسّر أخرى في ذهنك أو تعمّق فهمك لها وهكذا تتطوّر الأحداث. المشكلة هنا أنك قد لا تميّز بين الأحداث الحقيقية أو المتخيلة وأحياناً تفكّر في أحداث كحقائق، ولكنها في الواقع من وحي الخيال - ربّما فكّرت فيها للتّو أو أن أحدهم أخبرك بوقوع أحداث، ولكنك تقول إنها لم تحدث في الواقع لأنك أدخلت تغييرات على تركيبة ذاكرتك. قد يكون ذلك مشابهاً للأحلام: إذا تخيلت شيئاً وأصبح حقيقياً في نظرك ولم تجد من يخالفك في ذلك، بعد ست سنوات، ستتحوّل تخيلاتك إلى حقيقة ثابتة.

أنت تنسى القصة الحقيقية، وهذه هي طريقة عمل الخيال والذاكرة، الذاكرة مهمة جداً؛ إنها تضفي حقيقية على الأشياء، لكنها لا تمنحك قصة كاملة لتضمّنها في النص.

✧ كيف تصف العلاقات جنوب - جنوب في مجال الأدب؟

إن وصف العلاقات بين دول الجنوب في مجال الأدب ليس بالأمر الجديد. عندما يقول أحدهم إن عملي يهتم بالمحيط الهندي، على سبيل المثال، فهذا بالفعل موضوع جنوب – جنوب: فكرة التاريخ والثقافة المترابطتين في منطقة المحيط الهندي، وقد كتبت عن هذا الموضوع في رواياتي منذ البداية، ومؤخراً في بعض أعمالي الأكاديمية. هذا واقع، خاصة بالنسبة لأفكارنا نحن ككوزموبوليتانيين غير مركزيين في الغرب، لذلك في حين أنها تبدو للوهلة الأولى كعبارة مفيدة لبعض الناس، إلا أنها ليست جديدة.

✧ أخيراً.. هل تأثّر أسلوبك في الكتابة أو اهتماماتك بكتابة الرواية على وجه الخصوص بأي شيء أو أي شخص؟

لن أقولها هكذا.. ربما لم أعبّر عن رغبتي في خوض التجربة في سن معينة، ببساطة عندما بلغت سناً معينة قلت لنفسي أود الكتابة عن هذا، على سبيل المثال ذهابك إلى إنجلترا، وكل الصعوبات التي قد تواجهها في هذا العمر وأنت تنتقل من مكان إلى آخر. أن تكون في بلد أجنبيّ، وتعيش صعوبات الحياة هناك، وقد هجرت بلدك، مثل هذه الأشياء أثّرت في نفسي. أنا لا أشبه فيرجينيا وولف، التي عبّرت منذ سن العاشرة عن رغبتها في أن تصبح كاتبة.

لقد وجدت نفسي أكتب عن أشياء ذات يوم، كما يفعل الناس عادةً، ووجدت أني أُملِئ صفحات جديدة بناء على هذه الأفكار، ثم وصلت إلى المرحلة التي قلت فيها: ما هذا؟ ماذا أفعل بهذا؟ وفي هذه المرحلة تدرك الفرق بين تدوين الأشياء والكتابة. أبدأ بكتابة أي شيء، ثم يتعيّن علي تنظيمه، لذلك فإن التجربة أكبر من مجرد الكتابة لأنك تحتاج إلى التعبير عما يخالج صدرك. ثم في مرحلة ما بدأت كتاباتي تتّخذ شكل الرواية، بعد تجربة من هذا القبيل، وبعد ذلك أنت تصبح أمام حتمية تحسينها، وبمجرد أن تصبح ملتزما بما كتبت، حينها ما من مهرب أمامك، فقط أنت تسعى لتحسينها وبعدها تبدأ رحلة البحث عن ناشر وهلم جراً... حينها تصبح كاتباً.

شكراً جزيلاً على وقتك.. لقد كانت مقابلة ممتعة للغاية! شكراً جزيلاً.



 انقر هنا لقراءة النص الأصلي
Interview conducted by Fabienne Roth, Mara Holzenthal and Lisa Zingel (Frankfurt, 21 January, 2016)

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها