حوار مع المترجم الحسين خضيري

"الترجمة خسرت برحيل صالح علماني، أبًا من آبائها العظام"

حاوره: محمود حسانين


الحسين خضيري (صورة من الأرشيف)
 

الحسين خضيري، شاعر ومترجم من مواليد 1967 بمدينة الأقصر، وعضو اتحاد كتاب مصر، حاصل على ليسانس آداب قسم التاريخ والدراسات الإفريقية، أغوته الترجمة فجرفته بعيداً -بعض الشيء- عن محبوبه الأول الشعر، تمَّ تكريمه من قِبَل مؤسسة جسور الرقمية، وتم اختياره الشخصية الملهمة لعام 2019، وكرمه مؤتمر إقليم جنوب الأدبي الأول بأسوان- 2013، كما كرمه اتحاد كتَّاب مصر 2015، وأيضاً كرّمه مهرجان طيبة الثقافي الدولي 2009م.


 

ماذا مثلت لك الترجمة؟ وماذا أضافت لك؟

بدايةً، الترجمة تُطلعك على فكر الآخر وآداب الأُمم الأخرى، وتُبحرِ بك في كنوزها الإبداعية والمعرفية، وهذا هو ما تتقدم به الأُمم، فلولا الترجمة ما تقدمت أوروبا، ولا سبقت غيرها في الكثير من المجالات، فقد ترجموا عن العرب القدامى واليونانيين، وأخذوا علومهم وأسسوا عليها. لا بد أن ندرك قيمة الترجمة، خاصة في أيامنا هذه، فالحاجة ماسة لأن نطور من أنفسنا، الإنسان على مستوى الفرد يحتاج دومًا إلى أن يطوِّر من نفسه ومن أدواته، فعلى المستوى الشخصي بدأت علاقتي بالترجمة بالقصص القصيرة، وتعرفت إلى كبار الكتاب الكلاسيكيين، أمثال "إدجار آلان بو، ومارك توين، وجوزيف كونراد، وواشنكن إيرفنج" وغيرهم، بالطبع المدارك اتسعت، واتسعت قراءاتي، خاصة في التاريخ الإنساني وعلم النفس والميثولوجيا.
وشغلتني إلى الحد الذي صرفتني فيه عن الشعر، وهو الحبيب إلى نفسي، فشغلت كل وقتي، وأضحت شاغلي، أبيت أقرأ وأُطالع وأبحث عن روافد جديدة، أنهل منها وأحاول ترجمتها وإطلاع القارئ العربي على كنوزها الدفينة.

رواية "تعلم الصلاة في عصر التقنية" "باسم الأب والابن"، كتاب "الزعيم الذي أحب الأحاجي.. حكايات شعبية غرب إفريقية"، "جوته هايم"، "مريم العذراء في الفن"، كتاب "قصة أورشليم الأيام الأخيرة، دافنشي"، هل من أعمال تتمنى أن تضعها بين تلك العناوين؟

نعم، لدي الكثير مما أتمنى وضعه بين يدي القارئ العربي، منها ما قد قمت بترجمته بالفعل، وهو قيد الطبع، ومنها ما هو قيد الترجمة، وأعمال أُخرى كثيرة تتنظر دورها لأتفرغ لها، ولو أنني أشعر أن الرحلة قاربت على مينائها الأخير.
 


صالح علماني
 

الترجمة من بعد صالح علماني ما مستقبلها؟ وهل ستتأثر بفكر وأيدولوجية المترجمين؟

صالح علماني كان مخلصاً لمشروعه الذي اختطه لنفسه، وقد عمل نحو ثلاثة عقود لا يكل ولا يمل، ترجم من الأدب اللاتيني درراً نفيسة، وإن عشرات من الروايات التي كُتبت بالإسبانية لم يكن القارئ العربي ليتعرف إليها ولا ليقرأها، لولا جهود علماني المخلصة والدؤوبة، فقد ظل يعمل بدأب إلى أن لقي ربه، وقد بدأت علاقته بالترجمة برواية مائة عام من العزلة لماركيز، وقام بترجمتها ترجمةً عذبة شيقة، فتحت للقارئ العربي بابًا واسعًا للتعرف إلى الآداب اللاتينية، وعالم الواقعية السحرية، وأعتقد أن الترجمة خسرت برحيل علماني أبًا من آبائها العظام، أما أيدولوجية المترجمين فإذا كنت تقصد تكنيك الترجمة، فإن أمانة المترجم هي المحك الأول والأخير، فهي التي تضبط هذه الأمور، أما إذا كنت تعني خيارات المترجم فيما يترجمه، فقطعًا لكل مترجم أدواته وذائقته التي توجهه.
 

ترجمت "أطرق باب السماء" لبوب ديلان الحائز على جائزة نوبل في الآداب 2016، و"لن أكون ناسكًا" مختارات شعرية للشاعر الهندي طاغور، ماذا رأيت في كتابات ديلان وطاغور؟

طاغور شاعر الإنسانية جمعاء، استفدت كثيرًا من قراءتي لأعماله على الوجه الإنساني، هو منبع من منابع الفلسفة، وقد عانى كسائر العظماء من محاولات طمس ومحو آثاره، حتى إن أيوب خان أول حاكم عسكري لباكستان، قد حرَّم أغانيه، سيرته ملأى بالدروس والعبر لكل باحث وطالب حكمة، وشاعريته طاغية، فقد كان شاعرًا وفيلسوفًا ورائدًا.
أمّا "بوب ديلان" فقد رأى الكثيرون عدم أحقيته في نوبل، على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من موقفه من قضيتنا الفلسطينية ومناصرته للعدو الصهيوني، فإنه يجيد الصياغة الشعرية، وكتب الأغنية المتمردة، وأغنية مفعمة بالعاطفة والحماسة والشجن، ويمكننا أن نقول الكثير عن التحامه بالمهمشين، لكنّا نأخذ عليه ونطالبه بأن ينظر مرَّةً أُخرى في موقفه من القضية الفلسطينية.

هل تفكر في ترجمة نص عربي إلى لغة أُخرى؟

لا أكذبك، فلي وجهة نظري التي أؤمن بها في هذا الصدد، من يتصدى لترجمة نصٍ عربيٍ يجب أن يتحدث الإنجليزية ويقرأها ويعايشها، مثل العربية وأكثر، حتى يتسنى له ترجمته ترجمةً وافية، فالعربية تتيح لي أن أُشكل الجملة وأصوغها كيفما أشاء، لأصل لأفضل صياغةٍ أُقدمها للقارئ، مما لا يتوافر في لغةٍ أُخرى، وأؤمن أيضًا أن كل مفردة من مفردات اللغة العربية، لها تفردها ومعناها، وليست تساويها مفردة أُخرى في المعنى، فمثلا "مفردة العطش ليست تساوي مفردة الظمأ، فالظمأ درجة أعلى من العطش"، لذا فلا أرى في نفسي هذا الذي تسألني عنه.

انتقاؤك واهتمامك بالتنوع في الترجمة، كونها تمثل لك غواية أم هواية اللغة؟

لاحظتُ مثلك هذا التنوع ذات تأمل، فوجدتني ترجمت في التاريخ والميثولوجيا وعلم النفس والسيرة الذاتية والفن التشكيلي والشعر والرواية، فأدركت أنني قارئ في المقام الأول، أقرأ وأنتقي ما يعجبني ثم أقوم بترجمته، حسب ذائقتي الخاصة، وما يمليه علي ذوقي في القراءة، وهذه قناعتي المتواضعة، لذا فالكثيرون من الناشرين يتعجبون، حين أقوم بعرض بعض الأعمال عليهم، أحدهم قال لي بالنصّ "هذه أول مرّة يعرض عليَّ مترجم، اختار عملا بنفسه وترجمه، ما يحدث هو العكس"، ولكنني لا أرفض أحيانًا عملًا جيدًا يُعرض عليَّ لترجمته.

في القرن الواحد والعشرين، حيث الحداثة، ماذا ترى في الترجمات للكتاب الجدد؟

قمت بترجمة أعمال حديثة لكتَّاب معاصرين، أمثال "إيمانويل ميفسود" الكاتب المالطي، وترجمت له روايتين فازتا بجائزة الاتحاد الأوربي 2011 و2015 هما "جوته هايم وباسم الأب والابن"، وصدرت لي حديثًا والحمد لله رواية "تعلم الصلاة في عصر التقنية" للكاتب البرتغالي الفائز بجائزة "ساراماجو"، والرواية فازت بأحسن رواية مترجمة في فرنسا 2010، وقد رأيت في أعمالهم تطورًا كبيرًا في طريقة الكتابة وفلسفتها، وأستسمحك عذرًا أن أستدرك وأحدثك عن الكاتب الكندي المعاصر "كوري دوكتورو" حاصد الجوائز، والذي يمتاز بمزج كتابته بالخيال العلمي، على نحو يخدم النص ويُحيل القارئ إلى آفاق جديدة من المتعة، شهدت هذا في روايته التي ترجمتها وهي قيد الطبع رواية "بعد الحصار"، فهؤلاء الكتّاب الجدد أكثر انفتاحًا على العالم وعلى أساليب الكتابة.

النص المترجم والنص باللغة الأُم، أيهما أكثر حضورًا على الساحة؟

عندما يُترجم النص، فإنه يُتاح لأضعاف أضعاف أعداد القراء الذين يقرأونه باللغة الأُم، ولولا النص الأصلي، لما وُجد النص المترجم، فكلاهما يُكمل الآخر، أمّا عن متعة القراءة فلكل متعته ولكل لغة سحرها وحضورها.
 

ديوانك الجديد "ليس في انتظاره أحد"، الترجمة والشعر، أيهما أقرب إلى قلبك؟

بداية علاقتي بالآداب بدأت بالشعر، حتى أصدرت ديواني الثاني "تراتيل المريد" ثم استهوتني الترجمة واستغرقتني، على أن الشعر سيظل حبيبًا إلى النفس، وإن كان يأتيني على استحياء!

التكنولوجيا والتطور، هل تؤثر على تقنيات الأدب؟

بالطبع يا صديقي، فلولا التطور التكنولوجي لما وصلت إلينا معظم هذه الأعمال التي بأيادينا، فكثير من الكتب والروايات التي قمتُ بترجمتها، لم يكُ ليتسنى لي الحصول عليها ورقيًا، فمعظمها قد تجاوز عمره المائة عام، ويتعذر حصولي عليها ورقيًا، لكنها أتيحت على الإنترنت، والكتاب الإليكتروني لا أعتقد أنه سيحل محل الكتاب الورقي، وإن زاحمه، فسيبقى للكتاب الورقي رونقه ومذاقه الخاص.

الهوية والنوستالوجيا، العلاقة بالآخر، هذا التكنيك يتباين في كتابات الكثير، هل تجده في الكتابات الأجنبية؟

المشاعر الإنسانية واحدة والإنسان هو الإنسان وإن تغيرت بيئته وظروف معيشته، وتبدلت أوطانه، لكن الذي قد يتباين أسلوبك في التفكير، وأسلوب الحياة أيضًا مع مراعاة أن لكل بلدة تقاليدها وإرثها الثقافي والمعرفي، الذي يؤثر في سلوك أفرادها، مما ينعكس أيضًا على نتاج فنونها الأدبية والفكرية والفلسفية، ومعطياتها التاريخية أيضًا.

الجوائز التي حصلت عليها والتكريم من اتحاد الكتاب، ماذا مثلت لك؟

إنّ أيّ تكريم أو جائزة للمبدع والأديب، إنما هي بمثابة ضوء أخضر يقول له هيا تقدَّم، وهي مسؤولية تُضاف إلى عاتقك، بحيث تبذل أكثر من أجل من منحوك ثقتهم من القرّاء وغيرهم، وتضعك على المحك أمام نفسك، لإعادة تقييم ما قمت وتقوم به.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها