عَبقٌ.. مشروع فني جميل لتطويع النحاس

حـوار مع الفنانة والحرفية السورية.. ياسمين حسـامو

حاورتها: فرات غانم

النقش على النحاس من أشهر الفنون الشرقية، وهو حرفة تعتبر جزءاً من الفن الإسلامي.. وقد نجحت نساء متعددات في مختلف الدول كسوريا وتركيا وإيران ودول شرق آسيا، أن يضعن بصمة في حرفة النقش على النحاس التي عرفت منذ آلاف السنين، وظلت مقرونة بأصابع الرجال دون غيرهم، فأصبحن النساء يمتهن هذه الحرفة القديمة وأظهرن قابلية لتعلمها في فترة زمنية قصيرة، وبعضهن تفوقن على الرجال بعد إضافة لمساتهن وأحاسيسهن الساحرة في هذه الحرفة، وأضفن جمال الروح والفن واستطعن امتلاك أساسياتها. إن مهنة الضغط على النحاس واحدة من الحرف ضمن مسعى الحرفيين والفنانين للحفاظ عليها كتراث، إذ تعبر عن حضارتنا ووجودنا، وقد شاركت المرأة السورية في إحياء هذا التراث الذي هو مصدر فخر، والذي يهدف إلى إحياء إحدى أهم المهن الدمشقية الأصيلة، والحفاظ عليها من الاندثار والضياع.


وفي هذا المجال تبدع الفنانة السورية ياسمين حسامو بحرفية عالية، ومهارة فنية بالضغط على النحاس عبر لوحات فنية متنوعة، وأعمال رائعة الجمال صنعتها وجسدت فيها أشكالاً ورسومات، وكان لنا هذا الحوار للتعرف أكثر على إقبال النساء لتعلم هذه الحرفة، وعلى تجربتها الفنية:
 

الفنانة ياسمين حسامو.. تخصصت بالعلوم الجيولوجية جامعة دمشق كيف اتجهت إلى الفن؟ وكيف كانت البدايات؟

البداية كانت مع الرسم فأنا هاوية للرسم وما زلت. لطالما جذبتني الألوان وحركت شعوراً جميلاً دافئاً في داخلي ينتظر الظهور. رسمت بالرصاص والمائي والزيتي وشاركت في عدة معارض، إلى أن التقيت النحاس بين يدي الأستاذ الفنان العالمي جورج شمعون، فكان نعم المعلم المعطاء، لتبدأ رحلتي مع النحاس.

سابقاً أغلب تجربتك الفنية مع الأطفال ضمن أندية ودورات مجانية.. ما خصوصية التعامل مع الأطفال؟

الأطفال فضاء لا محدود من الأفكار الخلاقة، فهم يعلمونا قبل أن يتعلموا, والتعامل معهم حساس يحتاج لهدوءٍ واحترام لمساعدتهم على إظهار ملكاتهم الخاصة، دون تدخل مني أو استجابة لرغبات الأهل في التركيز على موضوع معين، لذلك كان نادي الرسم المجاني الذي أقمته في حديقة بيتي ذات صيف، من أجمل ما عملت، وكانوا فخورين جداً بإنجازاتهم.
 

الفن إبداع.. لنتحدث عن مرحلة الانتقال من الرسم والريشة إلى المطرقة والنحاس، وأين تجدين نفسك؟

لطالما آمنت باليد، وبالإعجاز في خلق الإنسان، يدنا حين تقدر على تجسيد أفكارنا ومشاعرنا بمصداقية وثقة في عمل معين، فهي بحد ذاتها معجزة. لذلك كان التعامل مع النحاس في لوحةٍ نحاسيةٍ ثلاثية الأبعاد، تحتاج أيضاً في صنعها لخطوط الرسم وتفاصيل الريشة، أكثر إشباعاً لرغبتي في العمل والإنجاز.
النحاس معدن جذاب في مراحل العمل وفي النتائج، التعامل معه يحتاج للكثير من المهارات والاهتمام؛ ليعطي درجات من اللمعان والتعتيق تعطي في تباينها إحساساً عميقاً بالقيمة والجمال. لكن يبقى للرسم والألوان عالمهم الخاص، ومبدعوهم الذين يذهلوننا دوماً.

كيف تتم عملية النقش؟ وكيف تتعاملين مع النحاس؟ مع أن الأنثى كانت بعيدة عن هذا الفن، هل هي تجربة أنثوية جديدة؟

عملية النقش "بطريقة الضغط على النحاس" على الصفائح النحاسية، تحتاج بالعموم لجهد عضلي متواضع إلى حد ما، مقارنةً مع باقي الحرف النحاسية، وينجح مع السماكات الأكبر، التي قد أحتاجها لعمل معين بمزيد من المثابرة والإصرار.. حيث يتم الرسم والضغط على الصفيحة النحاسية بأدوات معدنية على الوجهين العلوي والسفلي للوصول إلى الشكل والحجم المطلوب، تليها عملية كيميائية لتعتيق النحاس بدرجات متفاوتة وفق الطلب، لتأتي بعدها عملية التلميع لإظهار جمالية كل ما سبق، ثم نهايةً عملية العزل ليبقى محافظاً على درجات تعتيقه ولمعانه لسنين طويلة كتحفةٍ معتقة.
 

ياسمين.. ماذا أضفت من خصوصيةٍ، وما ذا تفردت به في فن الضغط عل النحاس؟

لكل منا بصمته الخاصة، عملت بصبر على الكثير من التفاصيل والزخارف لإظهار جمالية النحاس والاهتمام بتعتيقه ليظهر عدة درجاتٍ للظل والنور في العمل. كما أضفت لهذا المعدن الجميل قطعاً كريستالية تنسجم مع تفاصيله, وصنعت العديد من لوحات النحاس المشغول مع الكريستال.
والإضافة الأحدث كانت هي إدخال النحاس ضمن قطع الأثاث المكتبية والمنزلية، وهو مشروع قيد العمل حالياً، وهناك المزيد الذي ينتظر الظروف المناسبة للإنجاز بإذن الله.

ما هي اللوحة التي أثرت فيك، وهل للبيئة أثر في روح الفنان وعنوان اللوحة؟

أحببت اللوحات التي تضم الأم أولاً ثم المرأة، فكل امرأةٍ بعطائها هي أم.. وفي كل خطٍ منحني في لوحتي أرى أماً حانيةً معطاء. وفي بيئتي "قريتي بعمرة" الجميلة الراقية، رغم كل ظروف الحرب القاسية.. رأيت فيها الكثير من لوحات الحب والألفة والعطاء.. في أهلها.. في جمالها.. أكسبتني شعوراً دائماً بوجود يد الأم الحنونة الحانية الممسكة بيدي وقلبي معاً.
أحببت أيضاً لوحات الوجوه "بورتريه النحاس"، لما لها من خصوصية ودقة في العمل والإحساس بتفاصيل الوجه المرسوم، وطبيعته الحقيقية ومحاولة إظهارها.

ما مشاركاتك ومشاريعك المستقبلية؟

شاركت بعدة معارض للرسم ومعارض للأعمال الحرفية، وآخرها معرض الحرف اليدوية ضمن فعاليات مهرجان التراث الشعبي، ومشروعي الحالي هو صالة عرض خاصة للأعمال النحاسية بأنواعها، وهو قيد التنفيذ بالتعاون مع أصدقاء داعمين للعمل الفني الجميل.


عبق.. ماذا يعني لك كمشروع ؟

عبق هو الاسم الذي اخترته لمجموعة أعمالي النحاسية.. أرى فيه كل خطوة مشيتها بمتعتها وصعوبتها، أرى فيه ورشة لصنع الجمال ونشر عبقه في أعمال يدوية مختلفة، ضمن ما أعطيت يدنا من قدرة من خالق الجمال.

من يمسك بيدك حين تحتاجين؟ ويوجه إلى إبداع حقيقي في الفن والحياة ؟

ولدي رضوان، بطلي، الذي يبدي رأيه بالعمل قبل ظهوره إلى العلن.. وزوجي.. لهما التأثير الكبير في نجاحي ومسيرتي الفنية والاجتماعية، والظروف القاسية والملهمة التي تصنع الإبداع والاستمرارية.


الصور Images©
https://www.facebook.com/abaq.with.yasmeen

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها