مدينة "دُسوق" المصرية.. عروس النِّيل

أحمد اللاوندي


هي واحدة من أقدم وأعرق وأهم المدن في مصر. تلقب بعروس النيل، وتقع في أقصى شمال منطقة الدلتا، وتطل على فرع رشيد أحد فرعي نهر النيل العظيم. تبعد عن القاهرة مسافة 177 كيلو مترًا وعن الإسكندرية 85 كيلو مترًا، وتبلغ مساحتها حوالي 12 كم2، ويصل عدد سكانها إلى 200 ألف نسمة تقريبًا. مناخها حار جاف صيفًا، ودافئ وممطر شتاء؛ أي أنها تتميز بمناخ معتدل نسبيًّا.
 

إنها مدينة (دُسوق) الواقعة في محافظة كفر الشيخ، ومن المعلوم أن لفظ "دُسوق" هو لفظ عربي، أصله من مادة دسق أي امتلاء الحوض بالماء حتى يفيض، فيطلق على الأحواض الصغيرة دُسُق ودُسوق، وتقول العرب "ملأت الحوض حتى دسق"؛ أي امتلأ حتى ساح ماؤه، و"الديسق" هو الحوض الملآن، و"أدسقه" أي ملأه.

وقد سميت المدينة بهذا الاسم بعد الفتح الإسلامي لمصر، نتيجة لانخفاض الأرض فيها بالقرب من ساحل النيل، فكان الفيضان حينما يأتي يغرقها، وبعد الجفاف تتبقى ثغرات مليئة بالمياه في هيئة أحواض صغيرة.

إنني لا أبالغ على الإطلاق حينما أقول إن مدينة دُسوق المصرية لها شهرة عالمية، ولمَ لا؟! وهي عضو مؤسس في منظمة العواصم والمدن الإسلامية، نظراً لمكانتها بالنسبة للطرق الصوفية، كونها تعتبر مسقط رأس العارف بالله الشيخ إبراهيم الدسوقي، آخر الأقطاب الأربعة الصوفية ورئيسهم. ولمَ لا؟! ويوجد فيها مسجده الذي تأسس في عام 1277م؛ أي منذ (745 سنة) ويزوره أكثر من مليون زائر سنوياً. ولعل من زار هذا المسجد يجد أن بداخله مكتبة إسلامية ضخمة، تتزين رفوفها بالمئات من أمهات الكتب والوثائق والمخطوطات النادرة.

في مدينة دُسوق؛ مدينة (بوتو) القديمة، والتي كانت عاصمة لمملكة شمال مصر في عصر ما قبل توحيد القطرين (البحري والقبلي) على يد الملك نعرمر عام 3200 قبل الميلاد.

ولقد اختصت مدينة بوتو بحضانة الطفل حورس الذي وضعته أمه إيزيس بالجزيرة المجاورة "أخبيت"، وهي قرية "شابة" حاليًا، ليكون تحت رعاية وفي كنف الإلهة "وادجيت" ربة مدينة بوتو، بعيدًا عن بطش عمه "ست". ومن قرأ في هذا الشأن؛ يعلم أنه عندما اشتد ساعد الإله حورس خرج من مسقط رأسه "أخبيت" ليسترد عرش أبيه أوزوريس المفقود.

بدُسوق مزاراتٌ وأضرحةٌ صوفيةٌ أخرى منتشرة في معظم أحيائها وضواحيها. وهناك توجد كنيسة الشهيد (مار جرجس) والتي تأسست عام 1919م، بمرسوم من السلطان فؤاد الأول.

ونجد أن أشهر شوارع مدينة دُسوق هو شارع سعد زغلول، وهو موصوف بالزحام الشديد طوال أيام العام، ويعرف بين أهل المدينة وسكانها بشارع سعد، إنه مكدس بالمحلات التجارية والباعة الذين يفترشون الرصيف من الجانبين. والذي يزور هذه المدينة الجميلة؛ يشعر منذ الوهلة الأولى أنها مدينة تجارية، فجميع سكانها يعملون في حرف مختلفة، وثمة هجرة متزايدة إليها من الريف ومن القرى المجاورة لأجل العمل بها. فهناك صناعات ومعظمها صناعات صغيرة أو يدوية، تختص بها وحدها دون غيرها من المدن القريبة منها، مثل صناعة ضرب الأرز، وطحن القمح، وحلج الأقطان.

ومدينة دُسوق تعتبر أشهر مدينة مصرية في صناعة الأسماك المملحة (الفسيخ والسردين)، لارتباطها بالتاريخ الفرعوني القديم للمدينة. وتشتهر بصناعة الحلويات بجميع أنواعها، وصناعة العصائر، والمشروبات، وصناعة حدادة الكهرباء، وأعمدة الإنارة، وتشكيل المعادن، وأفران الغاز، وآلات الري، والطوب الأحمر، والبلاط الآلي، فضلاً عن صناعة صناديق الكرتون المضلع.

كما أنها متخصصة في صناعة الملابس وفساتين الزفاف، بالإضافة إلى صناعة العطارة حيث يتوارثها الأبناء عن الآباء منذ أزمنة بعيدة، وحتى الآن.

من أشهر النشاطات التجارية في مدينة دُسوق؛ تجارة قطع غيار السيارات، حيث يقوم تجار هذا المجال، باستيرادها من: ماليزيا واليابان، وتايلاند وسنغافورة، والولايات المتحدة؛ وغيرها من الدول، ثم يقومون ببيعها جملة وقطاعي على مستوى الجمهورية، وقد أصبح للمدينة شأن كبير بهذا المجال.

في المدينة حقل للغاز الطبيعي، وهو أكبر حقول منطقة دلتا النيل المنتجة للغاز الطبيعي.

 

من أعلام ومشاهير مدينة دُسوق: الدكتور أحمد زويل؛ فخر العلماء العرب والحائز عام 1999م على جائزة نوبل في الكيمياء. الدكتور كمال بشر؛ شغل منصب الأمين العام لاتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية ونائب رئيس مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وعضو مجمع اللغة العربية بدمشق. أمين يوسف غراب؛ كاتب وروائي راحل كتب للسينما ما يزيد على 25 فيلما، من بينهم: فيلم (أشياء لا تشترى). كرم مطاوع؛ ممثل ومخرج بالمسرح في فترة الستينات، سطع اسمه بين كوكبة من المشاهير مثل: سعد أردش وألفريد فرج، ومن أشهر أعماله المسرحية: "يا بهية وخبريني"، "وطني عكا"، ومن أفلامه: "سيد درويش" و"امرأة للأسف". محمد رشدي؛ مطرب راحل، وهو من أشهر من تغنوا بالأغنية الشعبية والموال. سمير عبد العظيم؛ مخرج إذاعي وكاتب سينمائي ومسرحي راحل، من أشهر أفلامه: "أفواه وأرانب"، ومن المسرحيات: "الواد سيد الشغال"، وقد شغل عدة مناصب آخرها نائب رئيس الإذاعة المصرية. محمد الدفراوي؛ ممثل معروف ومن أعماله: ذئاب الجبل ومحمد رسول الله.

أيضاً؛ علاء مرسي؛ ممثل كوميدي ومخرج مسرحي. الشحات مبروك؛ بطل العالم سبع مرات متتالية في كمال الأجسام، وقد حصل على لقب أفضل رياضي بالقرن العشرين عام 2000م. محي الدين اللباد؛ فنان تشكيلي معروف متخصص بالجرافيك. مصطفى متولي؛ ممثل وله عشرات الأفلام منها: شمس الزناتي واللعب مع الكبار وسلام يا صاحبي والمنسي وبخيت وعديلة والكرنك، وحتى لا يطير الدخان وضربة شمس. عبد الوهاب مطاوع؛ مدير تحرير جريدة الأهرام، والذي يعتبر من أبرز الكتاب والصحفيين المصريين والعرب في العصر الحديث. الشاعرة روحية القليني؛ ويطلق عليها "صاحبة الهوى العذري والتصوف"، ومن دواوينها: (أنغام حالمة) و(الحب والوفاء). الشاعر محمد إبراهيم غراب؛ شاعر العامية المعروف. المهندس حسن نور الدين؛ وكان من نوابغ المهندسين في القرن التاسع عشر، حيث صمم خط سكة حديد دُسوق والفيوم والصالحية بمحافظة الشرقية.

أيضا؛ الدكتور محمد عبد المجيد الزيات؛ أستاذ الطب في العصر الملكي بجامعة الإسكندرية، وله الكثير من المؤلفات والأبحاث الطبية. الدكتور كامل منصور نيروز؛ الذي كان أستاذاً لعلم الحيوان، وأول عميد لكلية العلوم جامعة عين شمس، وعُرف أنه رسم خريطة شاملة لدراسة علم الحيوان والمقصليات الأرضية ما عدا الحشرات، وأدخل تطورات لا تمنح عن طريق الدراسة على نظم الدراسات العليا، وأصبحت درجة الماجستير بعد ذلك. عبد المجيد علي بدر؛ شغل منصب وزير الشؤون الاجتماعية ووزير التجارة والتموين، ووزير المالية في عهد الملك فاروق. الشيخ سالم السنهوري؛ من مؤلفاته "حاشية على مختصر الشيخ خليل" في الفقه. الشيخ إبراهيم عبد الغفار؛ من أشهر المصححين الصحفيين في عهد محمد علي باشا والي مصر، ومن المعروف عنه أنه أسهم في تحرير جريدة الوقائع المصرية، وتتلمذ على يديه عدد كبير من المستشرقين. الشيخ عبد الله دراز؛ الذي كان أستاذا للدكتور طه حسين وكان شيخاً للمعهد الديني في دمياط.

السياحة في مدينة دُسوق تظهر على أربعة أشكال: دينية، وتاريخية، وترفيهية ونيلية، واشتهارها بالسياحة النيلية والترفيهية يتمثل في شاطئ النيل فرع رشيد بطول 6 كيلو متر، حيث يظهر كورنيش النيل الذي يحتوي على مراسٍ كثيرة بطول الساحل كله، ويتوسط النهر عدة جزر خضراء أكبرها جزيرة الرحمانية وجزيرة الوكيل، ويتم التنقل بينهما بواسطة البواخر النيلية والزوارق الصغيرة.

إن اتساع نهر النيل أمام المدينة؛ ساهم بشكل ملحوظ في تنشيط سياحة القوارب النيلية وصيد الأسماك. لذا؛ توجد قوارب وزوارق شراعية صغيرة وبواخر نيلية للتنزه على ضفتي النيل، ويأتي رواد تلك السياحة من المناطق المجاورة، ومن بعض محافظات الوجه البحري والدلتا.

في دُسوق؛ يوجد قصر للثقافة، والكثير من المكتبات، والمراكز الاستكشافية للعلوم، والنوادي الاجتماعية. كما بها معرض دولي للكتاب ويقام في شهر مارس من كل عام. يوجد بالمدينة المعهد الديني، وهو من أقدم المعاهد الدينية في مصر؛ إذ تم إنشاؤه في عام (1300م)، وقد تخرج منه سعد باشا زغلول، والشهيد محمد فوزي البرقوقي.

تلك إطلالة سريعة ومختصرة على مدينة دُسوق المصرية، تلك المدينة التي أنجبت شخصيات كان لها دورها المهم والبارز في كافة المجالات، إنها مدينة يمكن أن نقول عنها إنها ألهمت مخيلة الرحالة والكتاب والمتصوفة والزائرين عبر مئات السنين، وهي بذلك وغيره لها مكانتها الخاصة وأهميتها الكبيرة؛ حضارياً وتراثياً وتاريخياً بين العديد من المدن القديمة والمتميزة في مصر والعالم.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها