علم الآثار.. وثيقة تعطي الوجود شرعيته

حــوار مع د.محمـود أحمـد درويـش

حاورته: ماجدة حسن سلام


محمود أحمد درويش هو أستاذ الآثار الإسلامية بقسم الآثار بكلية الآداب جامعة المنيا، مصر، وحاصل على الجائزة التقديرية في الآداب والعلوم الإنسانية لعام 2019 من جامعة المنيا. شغل العديد من المناصب الإدارية والعلمية والأكاديمية بالمجلس الأعلى للآثار بمصر، والمؤسسة العامة للآثار بالعراق، وجامعة المنيا في الفترة من (1977- وحتى الآن). حصل على جائزة منظمة المدن العربية كأفضل مشروعات الترميم. وله عدد كبير من البحوث (87 بحثاً منشوراً)، والمؤلفات العلمية (42 مرجعاً) في العمارة والفنون الإسلامية والقبطية، والدراسات الوثائقية والمخطوطات.


وقد كان لنا معه الحوار الآتي:
 


د. محـمـود أحـمـد درويـش
 

✦ تناول كِتَابُكَ "مناهج البحث في العلوم الإنسانية" علم الآثار كنموذج للعلوم الإنسانية، ومنهج البحث الوصفي، والمنهج التحليلي؛ فكيف يمكن للباحث في العلوم التطبيقية الاستفادة من علوم الدراسات الإنسانية؟

الملاحظ أنه لا زال هناك غلبة للبحث في العلوم الطبيعية والتقنية على نظيره في البحوث الإنسانية والاجتماعية، رغم أن الجدل الدائر حول أهمية العلوم الاجتماعية وعلمية نتائجها حُسم في عدد من الكتابات والندوات والمؤتمرات منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وخلصت لمدى الحاجة لمثل هذه العلوم، وبخاصة مع التحولات والتغيرات الاجتماعية التي يعايشها العالم عامة والوطن العربي خاصة، وأهميتها في تحقيق نقلة نوعية للمجتمعات العربية.

يتناول هذا الكتاب مناهج البحث في العلوم الإنسانية، من خلال سبعة فصول في جميع الاتجاهات البحثية.

هذا الكتاب يمهد الطريق للباحثين نحو المنهج العلمي السليم، وبصفة خاصة في العلوم الإنسانية، بعد أن اختلطت الأمور في تحديد المنهجية وطرق التوثيق والاستشهادات المرجعية، وتحديد الخطوات العلمية لإعداد البحوث طبقاً للمعايير الدولية. وما من شك أن العلوم الإنسانية هي القاعدة التي تقوم عليها العلوم التطبيقية، ولا يمكن لباحث في العلوم التطبيقية أن يستغني عن الدراسات الإنسانية، التي تنير له الطريق وتضع أمامه القواعد التي يسير عليها من خلال التجارب السابقة والتطور الإنساني للعلوم التطبيقية.

والواقع أن تصنيف المناهج يعتمد عادة على معيار ما حتى يتفادى الخلط والتشويش، وتختلف التقسيمات بين المصنفين لأي موضوع، وتتنوع التصنيفات للموضوع الواحد، وينطبق ذلك على مناهج البحث. وإذا نظرنا إلى مناهج البحث من حيث نوع العمليات العقلية التي توجهها أو تسير على أساسها، نجد أن هناك ثلاثة طرق تصنف مناهج البحث في العلوم الإنسانية حسب أنواع البحوث إلى مناهج نظرية، وتلك المناهج عقلية في الأساس، وتعتمد على الوصف والاستنباط، ويمكن أن يتم العمل بها في كافة العلوم بما في ذلك الشق النظري من العلوم التطبيقية، وهدفها إشباع حاجة الباحث إلى المعرفة، أو إيضاح الغموض المحيط بالظاهرة محل البحث، ولا يتطرق المنهج النظري إلى المجالات التطبيقية القائمة على نتائجه بشكل عام.

وباستقراء الكتابات المهتمة برصد مصادر البيانات والمعلومات في العلوم التطبيقية، نجد المصادر المادية والمصادر غير المادية، وتتضمن المواد اللازمة لمشكلة البحث وتكون في العلوم التطبيقية أكثر منها في العلوم الإنسانية. وتتضمن المصادر غير المادية المصادر المسموعة والمرئية، فالبيانات والمعلومات المتوافرة في ذاكرة الباحث وثقافته يمكن أن تصنف تحت هذا النوع من المصادر، وهي شائعة في العلوم الإنسانية.
 

✧ يقترن علم الآثار بدراسة التغيُرات البيولوجية التي مرت بها السُلالات الإنسانية على مدى عدة ملايين من السنين، فما أهم التغيُرات التي طرأت على الإنسان المعاصر؟

يرتكز البحث الأثري على الأشياء والأدلة، ويمنحنا منظوراً للتطورات والتفاعلات البشرية على الكوكب. يتفق الآثاريون باختلاف تخصصاتهم بأن هناك أربعة أهداف رئيسة لعلم الآثار:

أ. دراسة المواقع ومحتوياتها في سياقها الزمني والمكاني، ثم اشتقاق تسلسل الثقافة الإنسانية، ونعني بهذا إعادة بناء التاريخ الثقافي، وبفحص مجموعة من مواقع ما قبل التاريخ والأدوات الموجودة فيها، يصبح بالإمكان وضع تسلسل محلي وإقليمي للثقافات الإنسانية لآلاف السنين.

ب. إعادة بناء طرز حياة الماضي: وفي هذا المجال، فقد تطورت دراسة الطرق التي صنع بها الإنسان معيشته في الماضي، وأصبحت هدفاً رئيسياً منذ ثلاثينيات القرن العشرين، حيث أدرك العلماء في هذه الفترة أن الإنسان قد عاش في فترة معقدة من المناخات المتعددة، فكل ثقافة إنسانية هي تكيُف معقد ومتغير بظروف مناخيه معينة.

ج. دراسة عملية الثقافة وشرح أسباب التغيير: وهنا الهدف أن نشرح لماذا وصلت ثقافات الإنسانية في كل أنحاء العالم لهذه المراحل المتنوعة.

د. فهم السجل الأثري بما فيه من مواقع وأدوات، والتي هي جزء من عالمنا المعاصر وندرسها كجزء منه. إن ملاحظاتنا على الماضي نفعلها اليوم لأننا نصف مواقع وأدوات نقبناها اليوم بعد أن هجرت لقرون أو لآلاف السنين، وهنا يأتي الاختلاف بين المؤرخين الذين يقرؤون مثلاً وثيقة تفصل معلومات كتبت بواسطة كاتب معاصر ولم تتغير منذ تلك السنين، أما السجل الأثري فيتكون من أشياء مادية، والطريقة الوحيدة لفهم هذا السجل، هو أن نأخذ ملاحظاتنا المعاصرة عن هذا السجل الساكن، وأن نترجمه إلى إفادات عن الماضي المتحرك.

علم الآثار إثبات هوية، وإثبات انتماء، وسند امتلاك، ووثيقة تعطي الوجود شرعيته، والآثار إثبات عراقة، وإثبات أصالة، والآثار سجل فكر وسجل تطور. ولا أهمية لكل هذه الآثار ما لم يكن لها وجود في وعي الناس، فالتاريخ لا أهمية له إذا لم يكن له وجود في عقول ووعي البشر، ولهذا، تقيم الدول المتاحف حتى تنتقل الرسالة إلى وعي الرواد المشاهدين للأثر، ويتحقق الوعي الحضاري والتاريخي الذي يزيد الانتماء والوعي بالذات، ويزيد المعرفة لدى الناشئة بأصولهم الوطنية.
 

✦ ماذا عن التقنيات المستحدثة لدراسة علم الآثار، وما الذي أضافته للباحث في طرق الكشف عن الدلالات والإشارات التي تنبئ عن وجود المواقع الأثرية؟

أبرز طرق اكتشاف الآثار تحت الأرض هي الملاحظة بالعين المجردة عن الآثار، فإذا تم اكتشاف بعض اللقى الأثرية ظاهرة على الأرض، وعلى سطح التربة يكون هذا دليلاً على أن هذا المكان قد يكون موقعاً أثرياً، واللقى الأثرية تتنوع فيما بينها، وقد تكون عظام الحيوانات أو قطع الفخار القديمة. ومن طرق اكتشاف الآثار تحت الأرض الصدفة، حيث يمكن أن نجد عن طريق الصدفة بعض المخلفات القديمة. ومن الطرق المتخصصة أيضًا لاكتشاف الآثار استخدام صور الأقمار الصناعية، حيث يتم الاعتماد على الأشعة تحت الحمراء التي تظهر ما تحت الأرض، وتظهر المباني والأشياء التي تختفي منذ زمن تحت الأرض.

كما يمكن أن نستخدم مسح السونار في اكتشاف الآثار تحت الأرض، ويتم الاعتماد على هذه الطريقة عند البحث عن الآثار التي غرقت. منذ زمن بعيد تحت الماء، ويعتمد مسح السونار أساساً على الموجات الصوتيّة التي تكشف لنا ما هو مستور.

أما عن كيفية البحث عن آثار تحت الأرض فتوجد خطوات محددة، أولاً الفهم الجيد للموقع الأثري، ويستخدم العلماء والباحثون تقنيات ووسائل حديثة ليقوموا أولًا بجمع الدلائل الأثريّة التي تدل على أن هذا الموقع أثري. ويتبعون في ذلك منهجاً دقيقاً، ويتمّ تسجيل جميع الدلائل التي توصلوا إليها في سجلاتٍ خاصة بشكل تفصيلي.

ويستخدم المختصون طرق تحديد الموقع الأثري للبحث عن الآثار عن طريق اتباع خطوات معينة لتحديد الموقع الأثري والتنقيب عن الآثار. وأحياناً كثيرة تكون المواقع الأثرية فوق سطح الأرض، ليس بالضرورة أن تكون مدفونة تحت سطح الأرض. أو قد نجد موقعاً أثرياً بالكامل في أعماق البحار مغطى بالماء. ومن طرق تحديد الموقع الأثري للبحث عن الآثار المخبأة تحت الأرض أو في أعماق البحر أننا نلجأ إلى السجلّات التاريخيّة والأحاديث القديمة، أو نبحث بجانب المناطق الأثرية القديمة الموجودة بالفعل. ويقوم العلماء والباحثون في علم الآثار بمسح المنطقة الأثرية سواء كان بالمناهج العلميّة. أو باستخدام الطرقٍ تقليدية عن طريق السير في المنطقة الأثرية على الأقدام ليتم البحث عن الموقع الأثري.

ومن أشهر طرق التنقيب عن الآثار التصوير الجوي الذي يصور لنا بوضوح نمو بعض النباتات في منطقةٍ معينة ونوع السطح والتربة. يستخدم العلماء بعض الوسائل للكشف عن الآثار المدفونة على عمق كبير يصل إلى مئةٍ وثمانين سنتيمتراً. ويتم مسح الموقع الأثري في البداية بعد استخدام طرق كيفية معرفة وجود آثار تحت الأرض. يقوم الدراسون في كيفية معرفة وجود آثار تحت الأرض بالتواجد في هذا الموقع، وفحصه جيدًا وتسجيل الملاحظات ورسم الخرائط بشكلٍ مبسط، ثم رسم توضيحي بعد القياسات؛ لأنه أمر مهم في التنقيب عن الآثار.
 

✧ قمت بالتسجيل العلمي لمنطقة "أبو مندور" السياحية التي تقع جنوب مدينة "رشيد"، فما أهم المقتنيات والآثار المكتشفة بالمدينة القديمة؟

تقع منطقة تل أبو مندور الأثرية جنوب مدينة رشيد وهي عبارة عن مجموعة من التلال الرملية. ولقد أشار الكثير من الرحالة والمؤرخين إلى أن هذه المنطقة كانت مسكونة وعامرة في العصر الفرعوني، والعصرين البطلمي والروماني، وكانت تسمى "بولبتين"، وقد ذكر "سونيني" أنه أجريت حفائر بهذه المنطقة وعثر بها على أعمدة من الجرانيت، وأشار "بريشيا" أنه عثر في هذه المنطقة على آثار ترجع للعصرين البطلمي والروماني، كما ذكر إيدرس أن حجر رشيد الذي كان في أكبر معابد بولبتين بولتنيوم يرجع لعصر الملك بطليموس الخامس.

ومن أهم المعالم الأثرية القائمة بالتل حتى الآن مسجد أبو مندور، ويرجع تاريخ بنائه إلى عام 1312 ه(1894م)، ورصيف الميناء جنوب المسجد، وبأعلى التل توجد مقابر للمسلمين، وتستخدم هذه المقابر منذ زمن بعيد ويتم الدفن فيها حتى الآن.
 

✦ هناك إجراءات منهجية لمعالجة المعالم الأثرية التي طمست معالمها وتآكلت بفعل التأثيرات البيئية والكوارث الطبيعية، فما الأُسس التي رسختها تلك الإجراءات؟

لنضرب مثلاً بما تم اتباعه في إجراء الحفائر والترميم لقلعة رشيد، ففي النصف الثاني من عام (1984) كلفني الدكتور "أحمد قدري" بالتحضير لمشروع ترميم آثار مدينة رشيد، ولما كانت قلعة قايتباي إحدى أهم الاستحكامات الحربية المصرية، وواحدة من القلاع التي تنسب إلى السلطان المملوكي الأشرف قايتباي، فقد بدأت الدراسات حولها لإعداد مشروع متكامل لترميمها، حيث كان حال القلعة أسوأ ما يكون بعد أن هدمت جدرانها وأبراجها.

وبدأت الدراسات بجمع المعلومات المتناثرة بالمصادر، وكتب الرحالة والمراجع والمادة المحفوظة بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية، والخرائط والمخططات التي اتضح أنها جميعاً لا تتفق على شكل واحد للقلعة، حيث تم رسم المخطط استناداً على الأجزاء الظاهرة دون مطابقة واقعية.

قبل عام (1985) لم تكن معالم القلعة واضحة بما يكفي لدراسة عناصرها المعمارية، وكنت مديرًا لمنطقة آثار رشيد ورئيساً لبعثة قطاع الآثار الإسلامية والقبطية، ومشرفًا على أعمال الحفر والترميم للقلعة، وإعادة تأهيلها لتكون مزاراً سياحياً. وقد استندت على كتابات الرحالة الأجانب، والمصادر والمراجع، والمخططات المحفوظة بالمجلس الأعلى للآثار.
 

✧ تعاني بعض الأماكن الأثرية حاليًا من انتهاكات عنيفة بسبب أعمال الحفر والتنقيب غير المشروعة، مما يؤدي إلى خسارة أبدية لمكونات التراث الحضاري، فكيف يمكن التصدي لتلك الانتهاكات؟

عملية سرقة الآثار والتنقيبات غير الشرعية تنتشر في أغلب المواقع الأثرية في العالم، ومن أهم هذه الانتهاكات ما سرقه اللصوص أثناء الاضطرابات السياسية إلى جانب عصابات التهريب المنظم للآثار، وفي رأيي أن الأمر يستلزم تغيير القوانين في حالات السرقة والتهريب، والحفر غير الشرعي عن الآثار، فلا بد من تجريم هذه العمليات واستصدار قوانين أكثر صرامة لوقف هذه العمليات التي تمثل انتهاكاً لتراث الأمم وحضارتها، وقد طالبت كثيرًا باعتبار الجرائم التي ترتكب في حق الآثار والمخلة بالشرف، وهي جرائم تصل إلى الخيانة العظمى، وخيانة الأمانة، ووضع عقوبات تصل إلى الإعدام باعتبار مرتكب هذه الجرائم -ومن ساعده في ذلك- خائناً للوطن.
 

✦ "الريختو يكتبون التاريخ " كتاب تناولت فيه صراعاً استمر لثلاثة قرون، لعب فيه شعب مدينة "رشيد" دور البطولة بين القوى العظمى، فمن المقصود "بالريختو" الذين كتبوا التاريخ؟

هذا الكتاب الذي يتخذ اسم: الرخيتو يكتبون التاريخ (حملة بريطانيا العظمى على رشيد عام 1807 في ضوء وثائق الأرشيفات البريطانية)، اشتق اسمه من الاسم الفرعوني رخيت (Rekhyt)، وهو أصل اسم رشيد وأطلق على أهلها الرخيتو، وتعني: "أفضل الناس"، حيث اتخذه شعب مدينة رشيد اسماً له عندما استأثر به عن بقية الشعب المصري، ويبرز الكتاب فضل أهالي رشيد في صد الغزو، وهزيمة جيش بريطانيا العظمى.

رغم كثرة الكتابات في المصادر والمراجع العربية عن الحملة التي شنها جيش الأمبراطورية البريطانية على الإسكندرية ورشيد، في مقدمة لغزو واحتلال مصر عام 1807، إلا أنها اعتمدت في التأريخ للأحداث على رواية عبد الرحمن بن حسن برهان الدين الجبرتي، في سفره الضخم "عجائب الآثار في التراجم والأخبار"، والذي يجب أن نشير إليه في هذا الصدد، حيث يعد مرجعاً أساسياً لتلك الفترة. إلا أن الباحث عن الحقيقة يجدر به أن يكون مطلعاً على جميع المصادر التي تناولت هذه الحملة، خاصة الوثائق التي حُفظت في الأرشيفات البريطانية، ومن أهمها بالطبع الرسائل والتقارير التي تم تبادلها بين قادة الحملة من العسكريين، إلى جانب الدبلوماسيين من الوزراء والسفراء، وأعضاء الحكومة البريطانية والتي كانت تتخذ في معظمها صفة السرية.

ولذلك، فقد حاولنا في هذه الدراسة أن نجمع بين الوثائق البريطانية، وبين ما ورد في المصادر العربية، وخاصة الجبرتي، وهي إضافة أعتقد أنها قد جاءت بجديد في مجال البحث التاريخي فيما ورد بهذه الوثائق البريطانية، فقد اتضح وجود اختلافات جوهرية في كثير من الأحداث عما ورد في روايات الجبرتي، والذي كان المصدر الأصلي في كتابة الحدث التاريخي عن هذه الفترة للكثير من المراجع العربية. كما أن الوثائق المنشورة تُعطي صورة مخلصة للأحداث، وهناك أمور وأحداث كثيرة لم يتطرق إليها "الجبرتي"، تم إلقاء الضوء عليها في هذا الكتاب، خاصة فيما أشارت إليه الوثائق البريطانية من بسالة وقوة المقاومة الشعبية في رشيد، ودور الشعب المصري في القاهرة والدلتا في المقاومة التي أذهلت القيادة البريطانية. يتناول هذا الكتاب الحملة العسكرية التي وجهتها بريطانيا العظمى إلى مصر والمعركة التي وقعت على أرض رشيد والتي كانت بين قوى غير متكافئة، بين شعب رشيد بقيادة علي بك السلانكلي محافظ المدينة، وحسن كريت قائد المقاومة الشعبية، وجيش الأمبراطورية البريطانية العظمى بقيادة الجنرال ماكينزي فريزر، والتي انتصر فيها شعب رشيد انتصاراً ساحقاً، وحسموا الصراع العالمي بين القوى العظمى في ذلك الوقت.
 

✧ هناك الكثير من الروائيين الذين يكتبون الرواية المعرفية بمقدرة تخيلية، تحليلية دون المساس أو التحريف في الحقائق، والثوابت التاريخية فهل تساهم الرواية في توثيق التاريخ لبث الوعي المعرفي والثقافي؟

من أبرز السمات التي يتميز بها التاريخ هي سمة الدقة الموضوعية الملامسة للحقيقة والمنغمسة فيها، فكل خطاب تاريخي يحيل إلى حدث وقع بالفعل، وهناك مراجع ومصادر تدعم هذا الحدث، لكن الرواية تمتاز بعنصر التخييل فهو أحد القيم المهيمنة، غير أنها تعتمد على مجموعة من المرجعيات في بنائها، ولعل النص التاريخي يعد أهم هذه المرجعيات.

إنّ لجوء بعض المبدعين إلى التاريخ، يعود في منطلقه الأول إلى محاولة إعطاء بعد واقعي للأدب أو الرواية على وجه الخصوص، فالرواية تنشد "التواصل الحضاري والفني وربط الماضي بالحاضر، ويعود هذا إلى المكانة التي أصبح يتميز بها الأدب في استجماع الأدوات الممكنة لتأكيد هويته، وحضوره فوجد في التراث بُعداً جماليًا استغله الكاتب لمراجعة التاريخ"، والتاريخ باعتباره من النصوص التي لها مكانة خاصة، فاستمدت منه الرواية بعض الجزئيات أو المواقف لتعيد طرحها في قالب فني وجمالي جديد.

فقد تسرّب التاريخ إلى الكتابة الروائية العربية بشكل واضح؛ منذ أن ألف طه حسين وتوفيق الحكيم (القصر المسحور) متأثرين بحكايات (ألف ليلة وليلة)، وتلاهما نجيب محفوظ الذي كتب (ليالي ألف ليلة وليلة) وغيرهم، وهذه الأعمال وظفت التاريخ توظيفاً هادفاً، وقد خلقت الروايات نوعاً من التواصل الحضاري بين الخلف والسلف، وخطت بالتاريخ خطوات مهمة، واستطاعت قول مالم يقله المؤرخون، وخلقت تاريخاً سوياً، واستطاعت إعطاء إجابات لمجموعة من الأسئلة المتراكمة في الذاكرة، بل أضحى التاريخ المهمش أو المغيب مكشوفاً بفعل الجهود الروائية لجملة من المبدعين، ولكن هناك بعض الكتاب يوجهون عنصر التاريخ نحو غاية تعليمية بحتة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها