ماذا تفعل الفلسفة للفلاسفة؟!

ترجمة: إسماعيل الموساوي

بقلم: روهان سومجي Rohan Somji

 

إن الفيلسوف هو الشخص الذي يطرح الأسئلة بعمق، في حين ينظر الآخرون إلى الأشياء بوضوح. هذا ما أسميه "إشكالية"، أو كما سماها أفلاطون "البحث عن الجوهر" ’the search for essence‘. وعلى أية حال؛ فإنه (الفيلسوف) يغرس نوعاً من الشعور بالغموض والرهبة والاندهاش. فهناك طرق عديدة لـطرح الإشكالية والتعامل معها، لكن؛ كن مطمئنًا؛ فإن العواقب التي تحدثها على المُسْتَشكِل محددة ودائمة.
 

فهل من الأفضل البحث عن أمثلة لتأثير الفلسفة على الحياة أكثر من البحث عن ثلاثة آباء للفكر اليوناني هم: سقراط Socrates، وديوجينيس Diogenes، وبيرو Pyrrho؟ كانت لديهم شخصيات مختلفة على نطاق واسع وغريبة الأطوار، وعلى الرغم من اختلافهم في مناهجهم ومقارباتهم الفلسفية، إلا أنهم جميعًا يشكلون أمثلة جيدة على تأثير الفلسفة، سواء بشكل أفضل أو بشكل أسوء.

لقد كانت الكلمات الأخيرة لسقراط (470-399 قبل الميلاد) هي: "كريتو، نحن مدينون بالديك أسكليبيوس، من فضلك لا تنسى سداد الدين"، Crito, we owe a rooster to Asclepius. Please, don’t forget to pay the debt. متهكماً كعادته، بالنظر إلى أن أسكليبيوس كان إله الطب؛ وأن سقراط كان في حالة سكر. هل كان يشير إلى أن السم كان علاجًا للحياة؟ أم أنه كان يظهر فقط السخرية واللامبالاة، حتى وهو على حافة الموت؟

يتألف التحقيق السقراطي من الفحص المنضبط للأشياء التي يعتبرها الآخرون أمراً مفروغاً منه. ولكن من المثير للاهتمام أنه على الرغم من أن مهمته تكمن في تشريح فكرة معقدة؛ فإننا لا نجد أيا من حوارات أفلاطون تنتهي في واقع الأمر مع سقراط، وقد اقتنع بأنه وصل إلى قلب المفهوم. لقد كان سقراط يظهر صبرًا كبيرًا، وهو على يقين بقدرته على التعرف على الجهل والإشارة إليه. كم هو مثير للسخرية أن أول فيلسوف كبير في الغرب، كان أول من ادعى الجهل الحقيقي. إن التواضع والشغف لمعرفة ما ينبع من مثل هذه الحالة جلي وواضح.

 يقال إن ديوجين Diogenes (412-323 قبل الميلاد): شُوهد ذات مرة وهو يتدحرج برميلًا صعودًا وهبوطًا من شروق الشمس إلى غروبها. عندما سئل عن السبب، قال: إنه عندما سمع المواطنون أن الغزاة كانوا يسيرون باتجاههم، بدأت المدينة في الصخب والضجيج. اختتم ديوجين: "أردت أن أبدو مشغولًا مثلهم"، I wanted to look as busy as they، كان هذا النوع من السخرية نموذجيًا لديوجينس الساخر.

قال نيتشه ذات مرة: "اجعل حياتك عملاً فنياً"، Make your life a work of art، وربما سافرت كلماته عبر الزمن؛ لأن هذا بالضبط ما فعله ديوجين. كان زاهدًا يعيش حياة الفضيلة على اللذة. ادعى أنه كان "مواطنًا في العالم وليس مكانًا"، ولذلك سيبقى اسمه مدوناً في التاريخ. لقد تحدى كل أسلوب أخلاقي للحياة، وبعض العادات، بغض النظر عن العواقب، جاء هذا التحدي من إحساسه الحاد برؤية المشاكل، التي كان يعاني منها المجتمع اليوناني.

على الرغم من نُدرة ما وجد عنه، ولا يوجد سوى القليل من الحكايات عنه المحفوظة، إلا أن ديوجين كان مع ذلك مشكلة كبيرة، كان بإمكانه أن يرى أن طريقة حياة الناس في المدن قد انحرفت بعيدًا عن الفضيلة، واحتفظت فقط بالتصرف المعتاد، دون أي اهتمام بغرس الفضيلة في الباطن، ففي حالة العبودية (يصبح الجزء ضمن الكل من المجتمع اليوناني)، بمجرد أن وجد الإسكندر الأكبر الفيلسوف ينظر باهتمام إلى كومة من عظام البشر. أوضح ديوجين: "أنا أبحث عن عظام والدك، لكن لا يمكنني تمييزها عن عظام العبد".

رافق بيرو (حوالي 360 - 270 قبل الميلاد) الإسكندر الأكبر في غزوه للهند، لقد التقى هناك بعلماء الجمباز "حكماء عراة"، ويبدو أن هذا اللقاء قد ألهمه ليعيش حياة البحث عن الحقيقة بشكل انفرادي.

يعتبر مؤسسة الفلسفة الشكية (مذهب الشك)، عاش بيرو حياة مشككة بشكل جذري، لقد شكك في كل شيء إلى حد كبير، وأثار إشكالية بشكل أساسي في إمكانية المعرفة ذاتها، فضلاً عن إمكانية وجود أي طبيعة ثابتة غير متغيرة يمكن دراستها أو معرفتها، استند نهجه على epoche، تعليق الحكم. ولقد كان تأثير هذا التفكير سبباً في إحداث صمت مذهل أو عدم تأكيد (الحقيقة)، يُعرف باسم فقدان القدرة عن الكلام، (أو الامتناع عن الكلام)، مما أدى لاحقًا إلى الطمأنينة أو التحرر من القلق. بالنسبة لبيرو، كان الطريق إلى الحياة السعيدة هو التخلص من المعاناة التي يسببها القلق. وهذا يعني الاعتراف بالطبيعة الوهمية للمعرفة نفسها، والتصالح مع عدم إمكانية الوصول إلى أي معرفة على الإطلاق. يحتاج شخص ما إلى المرور بتحول عميق داخلي من أجل السماح لمثل هذه الحالة النفسية بأن تتحقق داخل نمط معين من الحياة.

 تُظْهر حياة هؤلاء الفلاسفة الثلاثة أن الفلسفة يمكن أن تكون بعيدة عن مجرد تخمين نظري، عاش أبو الفلسفة الأخلاقية، وأبو فلسفة السخرية، وأبو فلسفة الشك، حياة فلسفية كما بدأ هذا الخطاب، جسدت حياتهم الحقائق التي دافعوا عنها. بالنسبة لكل منهم، كانت الفلسفة ممارسة أكثر من كونها تعليمًا، أو بالأحرى، كانت طريقة حياتهم هي التدريس، ومن المثير للاهتمام، أنه لا أحد من الفلاسفة الثلاثة كتب أعمالاً رئيسية بنفسه؛ وإنما نعرفهم -في الغالب- من خلال كتابات تلاميذهم.

في عصر المعلومات ووفرة أدوات متعة البحث، لقد حان الوقت لنتعلم مرة أخرى من أولئك الذين يعرفون مدى ضآلة معرفتهم، قد يكون وضع المشاكل هو الترياق المضاد لغرورنا، وغرس التواضع والفضول؛ إنه يمنعنا من الشعور بالرضا عن الأفكار التي نبسطها، وندرك من خلالها هذا العالم الشاسع. يجعلنا نسعى بلا كلل للحصول على إجابات أوضح وأعمق عن الواقع، وعن أنفسنا، يبدأ البحث فقط عندما يكون هناك شيء مطلوب البحث عنه.

تدور الفلسفة، قبل كل شيء، حول تعزيز الوعي، والذي ربما يكون السمة الأساسية التي تحدد الإنسانية، إذا كان للفلسفة تأثير واحد على حياة الناس، فهذا هو التأثير الوحيد الذي تحتاجه، فأن تكون مدركًا معناه: أن تكون إنسانًا.



النص الأصلي: https://philosophynow.org/issues/136/What_Philosophy_Does_To_Philosophers
Rohan Somji 2020©

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها