الكلمات العربية.. في اللغة البرتغالية

مواكبة ورهان

فيصل رشدي

اللغة البرتغالية إحدى اللغات الأوروبية، المتأصلة من اللغة اللاتينية، نشأت في شمال البرتغال، وشمال غرب إسبانيا، ثم أتاح لها التوسع الاستعماري البرتغالي من القرن الخامس عشر انتشاراً في كافة مناطق العالم، وبالخصوص جنوب أمريكا، وبعض المناطق في إفريقيا وآسيا، وينطق بها اليوم حوالي مائتي مليون شخص، هذه اللغة يبرز فيها التأثير العربي بشكل قوي، مثلما يبرز في اللغات الأوروبية الأخرى.

والبرتغالية، كسائر اللغات الأوروبية، كانت لهجات الحديث اليومي للسكان، لم تكن لغة رسمية في المعاملات الإدارية، ولا لغة تعليم وآداب، لكن إقدام بعض الكتاب المحليين على إنتاج آداب في هذه اللهجات الشعبية، أسهم في تطويرها وتقعيدها، والارتقاء بها إلى مصاف اللغات القائمة الذات، المستقلة عن غيرها، فأنتجت آداباً هامة، انتقلت بهذه اللغات من المحلية إلى العالمية، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، أشعار القرن الوسيط شعر الأغاني "شعر الصداقة وشعر الحب وشعر الهجاء"، والملحمة الشعرية الطويلة "اللوزيادة" للشاعر البرتغالي لويش فاش دي كامويش، وكذلك مسرحية "فاري لويش دي زوزا" للكاتب المسرحي البرتغالي ألميدا غاريت.
ولكنها؛ على الرغم من تطور اللغة البرتغالية، فقد ظلت تحمل في جوانبها الكثير من الكلمات ذات الأصل العربي. ما زالت تبرز بوضوح في حديث البرتغاليين اليومي، وفي إنتاجهم المكتوب، وكلمات كثيرة صارت دلالاتها تنحصر في تراث مادي أو لامادي ومعالم تاريخية، حتى أضحت منقطعة الصلة بأصولها العربية.


حضارات وآثار

وجدير بالذكر أن أرض البرتغال عرفت منذ العصور القديمة احتضان العديد من الشعوب، كالإيبيرين والفنيقيين والجرمان والسلفيش والسليت وغيرهم. لكن الاستعمار الروماني كان له تأثير قوي وشامل في البرتغال، التي بسط عليها نفوذه، وكتم أنفاس سكانها، وأحاطهم بقيود القهر، وبصم حضارة هذا البلد بمنشآته المعمارية التي تنطق بجبروته، وبآثار ثقافية ولغوية ودينية أيضاً، ظلت شاهدة على قساوة الفترة حتى بعد انحساره عنها، وتحرير البلاد التي كانت تسمى "لوزيتانيا". فأصبح ذلك التاريخ ذكرى يعتز بها البرتغاليون، وحديثاً يتسامرون به اليوم.
 

وبعد الفتح الإسلامي، خضعت البرتغال للنفوذ الأموي، الذي لم يطل كثيراً، إذ سرعان ما أصبحت هذه البلاد خاضعة لنفوذ دول مغربية فيما بعد، كالمرابطين والموحدين والمرينيين. ولم تنشأ البرتغال كدولة ذات كيان وهوية مستقلة، إلا في القرن الثاني عشر الميلادي على يد الملك ألفونسو هنريك عام 1143، هذا الأخير شن العديد من الحروب ضد العرب المسلمين المتواجدين في منطقة الأندلس، وانتصر عليهم. وبعدها توسعت الدولة البرتغالية إلى أن وصلت الحدود المتعارف عليها اليوم.

 أكيد أن اللغة البرتغالية لم تأت هكذا صدفة بل كانت امتداداً للغة اللاتينية كما أسلفنا، ولكنها نحتت من اللهجة الجليقية واللغة العربية التي بدأت منذ الدولة الأموية في الأندلس، ولعل الملاحظ اليوم للغة البرتغالية سيرى هذا الكم الهائلة من الكلمات العربية، والتي تفوق الألف كلمة. والتي سنعرض بعض الكلمات كأمثلة من اللغة البرتغالية، ونلاحظ مرادفها باللغة العربية.

 

الكلمات العربية في اللغة البرتغالية

تحفل اللغة البرتغالية بالعديد من الكلمات العربية، ولكنها تكتب وتنطق بلسان برتغالي، فكثير من الكلمات ظلت محافظة على بنيتها العربية الأصلية، ولم تعرف تغييراً يذكر، وكلمات أخرى كثيرة، تغيرت لتلائم اللسان العربي، والتغير كان بعدة أوجه، منها إضافة حروف، أو إبدال حروف بحروف أخرى، وأحياناً بالإضافة والإبدال.

الحفاظ على الأصل

بعض الكلمات حافظت على بنيتها العربية الأصلية ولم تتغيّر كثيرًا، لفظ "إن شاء الله" Oxalá : حافظت اللغة البرتغالية على أصل النطق، ويكتب باللغة البرتغالية Oxalá

السكر Açúcar، الزيت azeite، الزليج azulejo.

إضافة حروف

الفارس Alvars: يتم نطقها بإضافة حرف الشين في الآخر.

الإبدال

معظم الكلمات تم تحويرها لتلائم اللسان البرتغالي، واللكنة المحلية التي تنفرد بها اللغة البرتغالية، وتميزها عن سائر اللغات.

 من أشكال التحوير إبدال حروف الكلمة الأصلية بحروف أخرى، قريبة منها، كإبدال الحاء بالفاء، والعين بالهمزة، أو الدال بالقاف، وغير ذلك من عمليات الإبدال.

إبدال الحاء بالفاء: وهو أشهر الإبدالات وأكثرها شيوعاً، في كلمات كثيرة، منها: البحيرة albufeira،

إبدال الخاء بالفاء: في كلمات الخياط alfaiate، المخدة almofada.

إبدال القاف بالدال: القرية aldeia. أما كلمة المسجد mesquita، فقد تم إبدال عدة حروف فيها، فالسين أصبحت شيناً، والجيم استبدلت بالكاف، أما الدال فقد أضحت تاء.

الإبدال والإضافة

الخس Alface: تم استبدال الفاء بالخاء وزيادة الياء في نهاية الكلمة.

رغم خروج المسلمين من شبه الجزيرة الإيبيرية، فقد خلفوا وراءهم حضارة متجذرة في المنطقة، إرثها اللغوي والمعماري والعلمي والفني ما زال يستهوي الباحثين والدارسين، ولم ينطفئ إشعاعه بعد مرور قرون كثيرة، والأثر اللغوي واحد من الآثار العديدة التي تدل على قوة التواجد العربي الإسلامي، ومتانة الحضارة الإسلامية.

الأثر اللغوي العربي في اللغة البرتغالية يتراوح حجمه إلى ألف كلمة، بحسب تقديرات الباحثين. وهذا الأثر، لم يعد ملازماً لمنطقة شبه الجزيرة الإيبيرية، فالتوسع الاستعماري الإسباني والبرتغالي في الكرة الأرضية، نقل معه آلاف الكلمات العربية التي أصبحت من مكونات لغات عالمية كثيرة.
كما أنجزت العديد من الدراسات الأكاديمية البرتغالية لأساتذة أبرزوا أثر اللغة العربية في اللغة البرتغالية، وهناك أيضاً مقالات العلمية موجودة في الإنترنت. وهي جهود لباحثين برتغاليين، وبعض الباحثين العرب الذين كان لهم سبق البحث في هذا الموضوع (أنظر الصور).

تراهن اللغة البرتغالية على العديد من الدراسات الأكاديمية في التقريب بين اللغة العربية واللغة البرتغالية، من خلال إنجاز معاجم عربية برتغالية أخرى، وكذلك الدراسات اللسانية للكلمات العربية وسياقاتها. فقد لعب المعهد العربي البرتغالي برئاسة الأستاذ الجامعي المستشرق أنطونيو دياش فارينيا دوراً كبيراً في السهر على تشجيع الباحثين البرتغاليين في إبراز الدور الكبير لأثر اللغة العربية في اللغة البرتغالية. وتم إحداث كرسي للغة البرتغالية في العديد من الدول العربية، كالمغرب الذي تعد فيه اللغة البرتغالية لغة تدريس بالجامعة، وهناك اهتمام كبير من لدن وزارة التعليم العالي البرتغالي بإحداث كرسي للغة العربية بعدة جامعات برتغالية.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها