فيلم الجوكر: تحفة فنية أم دعوة للعنف؟

د. خالد صلاح حنفي محمود


أعلنت شركة وارنر براذرز المنتجة لفيلم الجوكر موعد عرض [الجزء الثاني] المرتقب بدور العرض في الرابع من [أكتوبر 2024]، وذلك بعد النجاح الكبير للجزء الأول للفيلم. ومنذ ظهور فيلم الجوكر على شاشات السينما لم يتوقف الجدال حوله، فانطلقت التحذيرات من خطورة الفيلم!! فهل هو محاولة فنية لنقد الواقع أم أنه عمل خيالي ينتمي إلى ما يطلق عليه الفانتازيا المظلمة، وهي نوع فني فرعي من أدب الفانتازيا، يُشير إلى الأعمال الأدبية والفنية والسينمائية التي تتضمن مواضيع أظلم وأكثر رعبًا من الفانتازيا العادية، فهل حقًا يندرج الفيلم تحت بند الأعمال التحريضية التي تدعو إلى العنف وإثارة الجماهير؟ وهذا ما نناقشه عبر السطور الآتية.
 

التعريف بفيلم الجوكر

ينتمي فيلم الجوكر من الناحية الفنية إلى مجموعة الأفلام المشتقة من القصص المصورة "الكوميكس Comics"، والتي تضم بينها مجموعة أفلام الرجل الوطواط وسوبر مان، وغيرها والتي أساسها قصص الأطفال المصورة التي تحولت شخصياتها إلى أبطال أفلام يشاهدها ويتابعها الكبار والصغار.

وفيلم الجوكر هو فيلم إثارة أمريكي لعام 2019 من إخراج تود فيليبس، والذي شارك في كتابة السيناريو مع سكوت سيلفر، ويستند الفيلم إلى قصة "الجوكر" العدو اللدود للبطل الخارق "الرجل الوطواط". ويجسد فينكس في الفيلم دور رجل مريض نفسياً يتحول تدريجياً إلى مجرم مهووس بسبب الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، حيث يقوم ببطولته خواكين فينيكس في دور الجوكر، أو آرثر فليك الممثل المغمور والذي يتحول إلى مجرم ثم إلى بطل وزعيم في مدينة جوثام، بعد تعرضه لحادثة حولت مجرى حياته.
وتولى توزيع الفيلم شركة وارنر براذرز، وقد تم تصويره في عام 2018، في مدينة نيويورك وجيرسي سيتي ونيوآرك، وضم فريق الممثلين روبرت دي نيرو، وزازي بيتز، وفرانسيس كونروي، وبريت كولين، ومارك مارون، وبيل كامب، وشيا ويجهام، وغلين فليشلر، وآخرين.

وقد عرض الجوكر في مهرجان "فينيسيا السينمائي الدولي" في أغسطس 2019، وفاز بأرفع جائزة وهي جائزة الأسد الذهبي، رغم كونه فيلماً أمريكياً يستند إلى عالم الكوميكس، وتم عرضه في الولايات المتحدة في 4 أكتوبر 2019. وتلقى الفيلم إشادة بعض النقاد لأداء بطله فينيكس، كما حقق الفيلم نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر الأمريكية، مما جعله أول فيلم في التصنيف المقيد (R- rated)، لما يتضمنه من مواد للبالغين كمشاهد غير لائقة، وعنف وغيره. وتتجاوز أرباحه حاجز مليار دولار في جميع أنحاء العالم، وهو سابع أعلى فيلم تحقيقاً للإيرادات في عام 2019، وحقق المرتبة الثانية والأربعين في قائمة أعلى الأفلام دخلًا، ووفقاً لمجلة فوربس فإن الفيلم يعد الأعلى ربحًا على الإطلاق بين أفلام الكتب المصورة في ضوء ميزانيته التي لم تتجاوز 60 مليون دولار.
 


الفيلم ومضامينه السلبية

يرى بعض النقاد أن الفيلم يعد تحفة فنية، وإنه يمثل مهرجاً مأزوماً يقف الجمهور إلى جانبه، ويعكس الأوضاع الموجودة بالفعل في المجتمع الأمريكي، وأن الجوكر يمثل شخصاً بحاجة إلى المساعدة، يحاول النجاة من بين حواجز مجتمع جشع لكنه لا يجد المساعدة فيثور ويهاجم الأغنياء، وأن المتفرج العادي سيحس بالتعاطف معه. وعلى الجانب الآخر، انتشرت عالمياً تحذيرات من مضامين الفيلم الأخلاقية، وتحريضه على العنف والفوضى، وتجميل صورة القاتل المريض، وتبرير حوادث القتل العشوائي التي تحدث في بعض المجتمعات كالمجتمع الأمريكي بصورةٍ كبيرةٍ. وقد أشارت قناة «بي بي سي»، إلى حالة التأهب الأمني مع بداية عرض الفيلم في الولايات المتحدة خوفًا من وقوع أعمال عنف، ووجود تهديدات جادة بحدوث إطلاق نار جماعي مع عرض الفيلم في صالات السينما، خوفاً من تكرار ما حدث منذ سبعة أعوام، حين قتل 12 شخصاً وجُرح 70 في ولاية كولورادو الأمريكية، عندما فتح رجل النار على الحضور أثناء عرض فيلم باتمان «صحوة فارس الظلام». كما انتشرت التحذيرات من الفيلم والذي حوّل آرثر من شخص شرير إلى متحدث رسمي باسم المظلومين، وهذا نوع من الخداع يبرر التعاطف مع نزعات العنف والأناركية، ويتخذ من أوضاع الكبت مبررًا لكل تلك الجرائم.
 



فيلم الجوكر والشباب العربي

تم عرض الفيلم في (39) دار عرض في مصر، وكان أغلب جمهور الفيلم من الشباب، كما تخطت صفحة الشركة الموزعة على «فيس بوك» الـ2 مليون متابع. وكان من بين آثار فيلم الجوكر على الشباب العرب رواج شخصية «الجوكر» في أنحاء الوطن العربي، ففي لبنان نشر موقع «فرانس برس» صورة تكشف عن ظهور تلك الشخصية ضمن المظاهرات التي شهدتها البلاد لأيام، وجاءت الصورة لإحدى المتظاهرات اللبنانيات بوجه «الجوكر»، كما انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في العراق صور «الجوكر» في التظاهرات التي شهدتها بغداد، خلال الحركة الاحتجاجية المطالبة بإسقاط الحكومة وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد.

وقد أثار شاب القلق في شوارع الكويت، بعد ظهوره وهو يتجول بين السيارات متنكراً بشخصية الجوكر بنفس مكياج وشعر شخصية الفيلم، مثيرًا حالة من الذعر، وتداول رواد منصات التواصل الاجتماعي تلك الصور، وذكرت الصحف أن الشرطة أجرت تحريات لأيام لتحديد هوية صاحب قناع «الجوكر»، وتبين أنه مواطن من مشاهير «السوشيال ميديا»، «وخلال التحقيق معه صرح بأنه يحب تلك الشخصية، واعتاد ارتداء القناع والخروج لالتقاط الصور»، وأنه «يحتفظ بصور كثيرة له في هيئة تلك الشخصية».

إن فيلم الجوكر وأفلام هوليوود وغيرها من الأعمال الدرامية، تحمل وتروج مضامين فكرية، وتعكس ثقافات بغض النظر عن كونها تناسب ثقافة مجتمعاتنا العربية، وتشهد هذه الأفلام إقبالاً واسعًا بين قطاعات من المراهقين والشباب العربي وخصوصًا الشباب المثقف والمتعلم؛ بل قد يبلغ الإعجاب والولع بشخصية ما كالجوكر مداه، فيعدها الشاب قدوةً يحاول أن يقلدها في سلوكه ومظهره، على الرغم من كون شخصية الجوكر تحمل كثيرًا من المتناقضات فهي في الأصل تمثل شخصية مريض نفسي يُعاني من الظلم الاجتماعي ولا يجد أي عون أو مساندة من المجتمع، كما أنها تمثل شخصية القاتل والمتمرد على ثقافة المجتمع، والذي يستخدم كل صور العنف والتمرد في مواجهة المجتمع، مما يغرس في الشباب تقبل استخدام العنف والتمرد على المجتمع للمطالبة بما يرونه حقًا لهم، وتلك إشكالية تحمل في طياتها كثيرًا من المغالطات وتدق لنا ناقوس الخطر.

وليس مستغربًا رؤية كثير من الشباب منبهرًا بشخصية الجوكر كرمز وأيقونة للاحتجاجات والمظاهرات، ومحاولة تقليد الشخصية في تصرفاتها وأفعالها كرد فعل على ما أحاط بالفيلم من ضجّةٍ وهالة، ضخمت من تأثيراته في نفوس الشباب العربي، فصار بطلاً للكثيرين على صفحات الفيس بوك ومنصات التواصل الاجتماعي، رغم أن شخصية الفيلم وقيمه ومضامينه تخالف ثقافة مجتمعاتنا، وعاداتنا وتقاليدنا، بل قد تؤدي إلى شيوع العنف والجريمة في المجتمع، تحت ستار التصدي للظلم والمطالبة بالحق؛ لذا فالحاجة ماسة إلى تفعيل دور الأسرة والمدارس والجامعات، والمؤسسات الثقافية والإعلامية للنقاش مع الشباب، وتبني الحوار والإقناع كأسلوب للتعامل معهم من قبيل الأهل والمسؤولين، وتوعيتهم بالسبل الشرعية والمقبولة اجتماعياً للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم وأفكارهم.ويجب على مؤسسات الإعلام النقاش حول محتوى ومضمون ما يعرض على الشاشات من أعمال فنية ومخاطرها، والإلمام بالقيم السلبية والأفكار التي قد تسهم في تزييف وعي الشباب وتسوقهم إلى تخريب وتدمير مجتمعهم، وتبني الفوضى منهاجًا لهم. إن توعية الأطفال والشباب وغرس الانتماء وقيم المواطنة هو الضمانة لاستمرار مجتمعاتنا وقدرتها على مواجهة تلك الظاهرة، أما تجاهلها فله آثاره السلبية على المدى البعيد بما يهدد أمن وسلامة مجتمعاتنا، وعلينا جميعًا التنبه لخطورة تلك الظواهر التي تظهر بين الحين والآخر، فأفلام من قبيل فيلم "الجوكر" وانبهار بعض الشباب العربي ببطله، وأفعاله قد يحمل في طياته الخطر لمجتمعاتنا العربية وثقافتها، ومن ثم علينا التنبه والاستعداد.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها