يُعتبر الأكوابونيك Aquaponic أحدث الأنظمة العَالمية فِي قِطاع الاستزرَاع المَائي، وَهُو نِظام إنتاج هَجين يَجمع بين الاستزراع السمكي وَبَين زِراعة النباتات فِي المَاء بِدون تُربة، وَقَد انتشر هذا النِظام بِشَكل كَبير في العَالم للمُميزات التي يَتميز بِها عَن غَيره، وَهو مُفيد جَداً في الأماكن التي يَندر بِها وُجود المِياه وَالأراضي الزِرَاعية.
 

تعريف نِظام الأَكوَابُونيك

مُصطلح الأَكوَابُونيك فِي اللُغة يَتكون مِن مِقطعين، الأَكوُا Aqua وَهِي اختصار لِكَلمة Aquaculture؛ وَمَعناها الاستزرَاع السمكي أو تَربية الأحياء المَائية، والمقطع الثاني؛ بُونيك Ponic وهو اختصار لِكلمة الهَيدروبُونك Hydroponic؛ وتُعني زِرَاعة النباتات بواسطة المِياه بدون تُربة؛ فَيُصبح تَعريف الأَكوَابُونيك بِأنه دَمج طَريقتين لِلزِراعة هُما زِرَاعة النباتات بِدُون تُربة فِي المَاء، وَزِرَاعة الأَسماك¹، وَهَذا يُمثل تَداخلاً بينهما، وَيَتم تَربية النباتَات وَالأَسماك فِي وَقت وَاحد مِمَا يَنتج عَنه علاقة مُتبادلة وَنِظام بِيئي مُنتظم، وَيَتكون نتيجة لذلك عَدد هَائل مِن الكَائنات الحَية الدَقيقة التَي تَتفاعل مَع بَعضها بطريقة فريدة وَتَتبادل المَنفعة فِيما بَينها للحُصول عَلى الطَاقة؛ فَنِظَام الأَكوَابُونيك هو صُنع الطَبيعة نفسها دُون تَدخل العُنصر البَشري².
وَقَد دَعَت مُنظمة الأغذية وَالزِراعة في الأُمم المُتحدة (FAO) لأهمية تبني نُظُم "الزِراعة الذَكية مُناخيّاً"، وَالتي تُركز عَلى تَطبيق المُمارسات الزِرَاعية المُستدامة، مِمَا يُؤدي لِزِيادة الإنتَاجية وَالقُدرة عَلى الصُمود، وَيُخفف مِن حِدة انبعاثات غَازات الاحتبَاس الحَراري وَيُقلل الضَغط عَلى المُوارد المَائية المُنهَكة³.

أصل الفِكرة وَتَطوُرها

كَان المُزارعون قَديماً يَقومون بتَربية الأسماك فِي حُقول الأُرز حَتى يَتغذى السَمك، وبدورها تُغذي الأسماك النّباتات في علاقة المَنفعة المُتبادلة، وتُوجد أَوَائل أمثلة نِظام الأَكوَابُونيك في بِيرو حيث اشتهرت قبائل تُسمى الإنكا بِهَذا النِظام؛ حَيث كَانوا يَحفرون أحواضاً بَيضاوية وَتَمتلئ بِمياه المَطر، ثُم يَقومون بِزِرَاعة الأسماك بها، وعندما تَجتمع طُيور الأوز البَري للشَراب مِن تِلك الأَحواض تَترك مُخلفاتها مِن الرَوث الذي تَتغذى عَليه الأسماك فِي نِظام بِيئي رَائع⁴، ثُم بَدأت الفِكرة بعد ذَلك بِعَدد مِن التَجارب بِتَربية الأسماك في مِياه عَذبة أو مِياه آبار قَليلة المُلوحة، وَلوحظ تَعكر المِياه بَعد مُدة؛ نَظراً لتَشبُّعها بِالأمونيا النّاتجة عَن فَضلات الأَسماك، ومِن هُنا جَاءت الفِكرة بِتَمرير هَذه المِياه عَلى جُذور النَباتات، لتَتغذى عَليها وشكّلت هَذه الجذور دور فِلتر مُنقٍّ طبيعي للمياه، وفي العصر الحَديث أصبحت هُناك عِدة دُول تَعمل بِنظام الأَكوَابُونيك، وَلِكُل دَولة النَموذج الخَاص بِها فَهُناك النّموذج الأسترَالي وَالكَندي وَالأمريكي، وَذلك لاختلاف البِيئات، وَنَوعية النّباتات والأسماك واختلاف نَوعيات الأعلاف.
 

آلية عَمل نِظام الأَكوَابُونيك

يُمثل نِظام الأَكوَابُونيك علاقة تَكافل طَبيعية بَين الأَسماك وَالنباتات فِي حُوض وَاحد؛ حَيث تَقوم الأَسماك بِإنتاج المُخلفات التي تَحتوي عَلى النَيتروجين وَالعَناصر الغِذائية اللاّزمة لِنمو النَباتات، ثُم تَقوم البِكتريا بِتَحويل هذه المُخلفات إلى سِماد لِلنَباتات، ثم تَقوم النَباتات بِدَور الفِلتر البَيولوجي بِتَنقية المِياه مِن مُخلفات الأسماك التي تَضر بِها⁴.
 

مُكونات نِظام الأَكوَابُونيك

يَتطلب نِظام الأَكوَابُونيك ثَلاثة عَناصر أَساسية لِنَجاحه هي؛ أَولاً الأَسماك ثُم النَباتات ثُم البِكتيريا، وتَتميز هَذه المُكونات الأَساسية بِالتَجانس وَالتَكامل فِيما بينها.

وهُناك أَكثر مِن طَريقة لِعَمل نِظام الأَكوَابُونيك؛ أشهَرها وَضع الأَسماك وَالنَباتات فِي حُوضين مُنفصلين وَوَضع مَضخة تَقوم بِسِقَاية النَباتات بِماء الحُوض الغَني بِفَضلات الأَسماك، ومن ثم تقوم النباتات بعملية فلترة طَبيعية له ثُم يَعود المَاء المُنقي وَالمُحمّل بِالأكسجين مَرة أُخرى لِحُوض الأسماك وَهَكذا تَستمر الدورة، وهذه الطريقة خَالية مِن أي مُلوثات فَهي صَديقة البِيئة.

التَغذية فِي نِظام الأَكوَابُونيك

يَتم تَغذية الأَسماك فِي هَذا النِظام بِنوعان مِن العَلف؛ عَلف طَاقي وَعَلف غَاطس، وَيَتم تَقديم هَذه الأعلاف بِنسبة مِن الوَزن وَيَتم حِسابها كُل 15 يوم، كَما يَتم مُتابعة أحواض الأَسماك لِمَعرفة المُدة التي استَهلك فِيها السَمك العَلف⁵.
 

مُميزات نِظام الأَكوَابُونيك

يُعتبرنِظام الأَكوَابُونيك وَاحد مِن أَحدث نُظم الزِراعة المُستدامة وَلَه العَديد مِن المُميزات، مِنها:

- يَمتاز بأنه سَهل التَشغيل وَالإدارة؛ فَهو يَعمل بِشَكل كَامل أُتوماتيكياً مِن خِلال كُنترول يَتحكم فِي العِمليات اليَومية مِن ضَخ المِياه وتقليبها، والأُكُسجين فِي المِياه التي تَحتاجها الأسماك وَالنَباتات.
- نظام الأَكوَابُونيك ينتج مَحصولين مِن مَصدر وَاحد؛ حيث يَتم إنتاج أسماك وَنَباتات من تَغذية الأسماك فَقط.
- الاستغناء عَن الأسمدة الكَيماوية سوى بَعض عَناصر المَعادن التي تَلزم الأسماك وَالنَبات، كَالحَديد وَالزِنك وَغَيرها مِن العَناصر بِنسب بَسيطة.
- إنتاج غِذاء صِحي وَآمن مِن النَباتات المُختلفة وَالأسماك الخَالية تَماماً مِن المُلوثات وَالكَيماويات.
- الاستفادة القصوى مِن المِياه؛ حَيث إنّ عَملية تَدوير المِياه تُوفر90% مِن المِياه مُقارنة بِالزِرَاعة العَادية فَالمِياه فِي نِظام الأَكوَابُونيك ثَابتة وَلا يُهدر مِنها أي كِميات، سِوى تِلك التي تَتَبخر بِفِعل حَرارة الشَمس.

يُمكن إقَامة المَشاريع المُطبقة بنِظام الأَكوَابُونيك فِي أي مَكان حَتى لو في الصَحراء، كَما لا يَهم أن تَكون الأراضي صَالحة لِلزِراعة، وَيَستطيع أي فَرد فِي أي مَكان تَطبيق هَذا النِظام حَتى عَلى سَطح بَيته⁷.

- إعطاء مَنظر جَمالي رَائع للأماكن المُصمم بِها الأَكوَابُونيك، وتُستغل أسطح المَنازل وَالحَدائق المَنزلية ويُصمم بها الأَكوَابُونيك، وَفِي ذَلك فَوائد كَثيرة مِنها؛ تَحقيق عَائد مَادي وَحِماية الأَسطح مِن حَرارة الشَمس بِجَانب تَحقيق المَنظر الجَمالي.
- يُساعد عَلى تَوفير فُرص عَمل إضافية بِعَائد إضَافى بِخِلاف العَمل الأساسي وَيُمكن للسَيدات العَمل بِه؛ فهَذا النِظام لا يَحتاج لمَجهود عَضلي وَبَدني مُقارنة بِالزراعات التَقليدية.
- تُشير الدِراسات إلى أن إنتاجية الزِراعة المَائية بنِظام الأَكوَابُونيك عَالية جداً تَفوق إنتاجية التُربة بِنسب كَبيرة.

نِظام الأَكوَابُونيك صِحي جِداً وَآمن عَلى البِيئة؛ فَهو يُراعي إجراءات السَلامة وَالأمن الحَيوي؛ حَيث يَعتمد عَلى مُرشحات بَيلوجية مِن جذُور النَباتات لِمُعالجة المِياه وزيادة مُحتوى الأكسجين فِي المِياه وَالتَخلص مِن ثَاني أكسيد الكَربون فِيها⁸.

- يُمكن نِظام الأَكوَابُونيك مِن زِراعة جَميع أنواع الخُضروات وَالفَواكه، وَكَذلك بَعض النَباتات الطِبية، وَلكن يُراعى دَرجات الحَرارة فِي المَناطق المُختلفة⁹، كَما يُنتج أنواعاً متنوعة من الأسماك، وَلكن يُنصح بِاختيار أصنَاف ذَات مُقاومة عَالية للأمراض وَالبِكتريا وَالفَيروسات¹⁰.

وَأخيراً، فَإن الأَكوَابُونيك ظَاهرة مُهمة جَداً، ويُمثل أحد أَحدث الأَنظمة المُستقبلية فِي مَجال الزِرَاعة المُستدامة وَالتي يُتوقع انتشارها بِكثرة؛ نَظراً لمزاياه العَديدة وَلِرَغبة النَاس في إنتاج مُنتجات عُضوية وَصِحية تَكفي؛ بالإضافة إلى ما يُحققه الأَكوَابُونيك مِن مَزايا التَرفيه وَالتَسلية والمَنظر الجَمالي.

الهوامش

 .1Bowe Packer, Aquaponics System: A Practical Guide to Building & Maintaining Your Own backyard Aquaponics, USA, p.7.
2. Timothy Tripp, Aquaponics Plants: Best Plants For Aquaponic Gardening, Speedy Publishing LLC, 2014.
 .3https://www.scientificamerican.com/arabic/articles/news/aquaponics-towards-agricultural-and-fishery-wealth/
4. https://kayfa.maqarona.net/كيف تزرع بطريقة الأكوابونيك-؟
5. Sylvia Bernstein, Aquaponic Gardening: A Step-By-Step Guide to Raising Vegetables and Fish Together, new society publishers, USA, 2011, p.2
 6. مَارينا مجدى: الأَكوَابُونيك، الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية، 7 نوفمبر 2016م.
http://www.gafrd.org/
7. Celine Walker, Aquaponics: How to Build Your Own Aquaponic System and Successfully Grow Aquaponic Plants, Create Space Independent Publishing Platform, 2017.
8. http://www.sas.org.sa/ar/news/details/93/2014-11-27
9. William Powell, Aquaponic Gardening Demystified: The Art Of Growing Crops And Raising Fish, USA, P.41.
10. http://aquaponic-egypt.blogspot.com/