تتويجاً للهُوية المُترحّلة واحتفاءً بالتّشظي

عبد الرزاق قرناح والفوز بجائزة نوبل للآداب

يحيى بوافي



يحمِلُ مساراً أدبياً حافلاً.. انتهى بالتتويج في مجاله؛ وذلك بحصوله على جائزة نوبل للآداب، يسمعُ القارئ العربي باسمه في النشرات الإخبارية، أو يقرأه في قصاصات وكالة الأنباء؛ فينتابه إحساس أُلفة مخلوط بالاستغراب؛ ألفة يوَلِّدُها في نفسه نُطق اسم عَلَم الفائز ولقبُه، وإحساس بالاستغراب ينبجس من جهله المُطْبِق به وبعمله، وبانعدام ترجمة ولو لواحدة من رواياته إلى لغة الضاد؛ إنها لحظة تختصر واقع الإنتاج النقدي في الوطن العربي، من الخليج الزاخر إلى المحيط الهادر، وتُسائِلُ واقع الترجمة وسياسة الكتاب، إلى جانب علاقة الجامعات، لاسيما منها كليات الآداب والفنون، بمحيطها؛ مع العلم أن الكثير من البلدان العربية يوحّدها الانتماء إلى نفس قارة عبد الرزاق قرنح، فضلاً عن وحدة الانتماء من جهة الأصول والدين، ناهيك عن وحدة الأفق والمنظور التي تميز حركة ما بعد الاستعمار بخطابها النقدي، ومناحي مقارباتها للتجربة الاستعمارية، مع ما خلفته من آثار على جميع المستويات بما فيها المجال والإنسان، الفكر والوجدان... فأي دلالة يمكن إسباغها على هذا الحدث؟ وما العلاقة التي تجمعه بالسياق الذي تم فيه بمعناه الأعم؟ ثم قبل هذا وذاك ما العنصر الذي يمثل لحمة عمل عبد الرزاق قرنح النقدي والأدبي؟

 

الفوز وسياقه

لمَّا أُنبئ بفوزه بجائزة نوبل، ما كان من الروائي عبد الرزاق قرنح إلاّ أن استغرب ظناً منه أن الأمر لا يعدو أن يكون "مزحة من أحدهم"، ومجرَّد "مقلب"! حدث بسيط قد يشي أول ما يشي بالتواضع الجَمِّ، لكن ألاَ يمكن النظر إليه باعتباره من بعض ما خلَّفه الوضع الاستعماري من آثار في أعماق واحد من أشرس منتقديه، ومن ذَهَب بعيداً في إعادة سبك آثار هذا الوضع، مع ما حرَّكه من رهاناتٍ، على الشخصيات وحيواتهم ضمن قوالب سردية؟! بمعنى ألا يمكن النظر إلى ردِّه كما لو كان إفصاحاً عن تواطؤ لاواعٍ مع النظرة الاستعمارية التي لا تدركُ الكتاب المهاجرين من المستعمرات السابقة، مهما بلغت إبداعهم، إلا مندرجين تحت مقولة "الهامش"، وبالتالي اعتقاده -نتيجة لذلك- بأن عمله ليس جديراً بأن يحظى بمثل هذا التتويج!

"هل هي مزحة"؟ تلك العبارة التي نطقها عبد الرزاق قرنح لها ما يبرّرُها؛ إن تمَّ ربطُ الحدث بمن يكون المتوَّج من جهة، وبالسياق الذي أطَّرَ التتويج من جهة ثانية. ولد عبد الرزاق قورناح بجزيرة زنجبار في 20 دجنبر 1948 لأسرة عربية، قبل أن يندمج الإقليم سنة 1964 مع تنجانيقا مكوّناً جمهورية تنزانيا المتحدة، وقد كان لزاماً عليه التكيف في سنوات تعليميه الأولى مع تعليم هجين تتوزَّعُهُ التربية التي تقدمها الأسر المسلمة، والتعليم الذي وضع تصوُّرَه المستعمر البريطاني. وقد اضطره ما مارسه نظام عبيد كرومي ضد المواطنين من أصول عربية إلى الهروب من تنزانيا سنة 1968، ليهاجر إلى المملكة المتحدة، وهو ما زال في سن 18 سنة، لتصير هذه الهجرة منذئذ بمثابة التجربة الأكثر حضوراً في عمله الروائي، جاعلة منه أبلغ مُفصح عن تجربة المنفى.

من هذا؛ يبدو أن حياة الرجل قد قُدِّرَ لها أن تكون حياة مغادرات وترحُّل ومنفى، فحتى قبل أن يرى النور رحلت أسرته ضمن رحلات شعوب البنتو والعرب، والفارسيين إلى جزيرة زنجبار في شرق إفريقيا... وهو القدر الذي جاءت عناوين رواياته دالة عليه، فعوالمها عوالم ترحال دائم، لا يعرف الفتور والسكون، فمن "ذاكرة المغادرة" Memory of Departure (1987)، و"طريق الحجاج" Pilgrims Way (1988)، مروراً بـ"الفردوس" Paradise (1994)، وصولاً إلى "الحياة بعد الموت" (2020) Afterlives، تبقى عوالم عبد الرزاق قرنح، عوالم حركة دائبة لا تفتر، وعوالم إمكانٍ مترعٍ وُعودًا أكثر من كونه نهاية متكلِّسة جامدة تقدِّمُ نفسها باعتبارها إجابة مطلقة؛ عوالم تموج بالتعدد وبما هو جائز وعرضي، وبكل ما تسمه التناقضات وتمزِّقُهُ التشطيبات.

إذن؛ فالرجل إفريقي من أصول عربية ومسلم الديانة، ويُعَدُّ كاتباً كلاسيكياً لحركة ما بعد الاستعمار إبداعاً ونقداً، وفوزهُ جاء أياماً بعد إحياء الذكرى العشرين لتفجيرات الحادي عشر من سبتنبر الإرهابية، في ظل مناخ تُعَمّرُهُ الإسلاموفوبيا، وفيه الهجرة صارت، كما لم تكن في السابق، مُحرّكاً مُهماً -إن لم نقل أولاً- لموازين القوى، وعلى أساس منها طفق نسيج العلاقات الدولية يأخذ هيئته، فصار العالم موزعاً توزيعاً جديداً والعلاقة بين كياناته والمواقع التي يحتلها كل كيان منها أضحت تنتظم حول قضايا الهجرة، فبعدما كنا نميز بين الدول، في زمن مضى، على أساس الثنائية القطبية... صرنا نصنفها إلى دول مصدِّرة للمهاجرين، ودول عبور، ودول مقْصِد، وكل واحد من هذه الأطراف يتفاوض من موقعه، ويعمل على أن يستفيد منه إلى أقصى ما تمكنه الاستفادة (قضية المغرب مع إسبانيا، علاقة تركيا بأوروبا وخصوصاً باليونان...).

لكن؛ إذا كانت الهجرة تُدرك هنا بوصفها حركة عبر الأمكنة ومحاولة كل طرف توظيفها من موقعه الجيواستراتجي؛ فإنها أبعد من أن تكون مدركةً بحسابات السياسة والاقتصاد فقط؛ لأنها أولاً وقبل كل شيء واقع إنساني نَسِيجه متناقضاتٍ فيها تتداخل الحاجة والكرامة، الفردي بالجماعي، الأنانية بالغيرية... إلخ، مما يجعل الغائب في سؤال الهجرة على المسرح الدولي، بحسبانه مسرحاً لصراع المصالح وتصادمها، هي شخصية المهاجر الإنسان، بأسئلته الحارقة وأحلامه الصغيرة، وآلامه المنزِّفة ومآلاته وهويِّته، ورؤيته للعالم، بما تنطوي عليه من أسئلة وإشكالات وتمزقات... وهذا الجانب لا يمكن لزُرَدِ شباك السياسة والاقتصاد التي حِيكت خُيوطها من المصلحة التقاطُهُ، بل جدارة القبض عليه في حيويته تعود إلى الإبداع، القادر على إعادة صياغة الحيوات بما يحفظ لها عمق فرادتها، ويرفع صرختها الرافضة للواقع بقبحه وفظاعاته؛ وتلك كانت هي وظيفة الكتابة بالنسبة للروائي عبد الرزاق قرنح، التي جاءها بمحض الصدفة، وشكلت بالنسبة له بلسماً شافياً من التجارِب المؤلمة، وتطهيراً وتنفيساً؛ لأن حياته في المنفى قد منحته تجربة فريدة تمتزج عندها العديد من الثقافات، وتنطبع بغير قليل من التناقض الوجداني؛ إذ كان عليه التكيف مع مستلزمات الحياة البريطانية محتفظاً بارتباط النوستالجي بموطنه الأصلي؛ جزيرة زنجبار في شرق إفريقيا، أما ما وَلَّده هذا التمزق من انجراحات فلم يجد من استشفاء إلا الكتابة: "لقد شرعت في الكتابة عند سن الحادية والعشرين من عمري، وهو الأمر الذي كان عرضياً بالنسبة لي أقوم عندما أكون تحت وطأة القلق، فأشرع في الكتابة باستعجال توَلِّدُهُ الرغبة في قول المزيد، دون أن تكون لي فكرة بخصوص التصميم"1.

 وعُمق حضور تيمة الهجرة وشيوعها في الأفق الوجودي لقرنح، قبل أن تكون مادة لعوالمه الإبداعية، هي التي جعلته ينتقد تعاطي الأوروبيين مع المهاجرين الذين يصلون إلى قارتهم، وهو ما يوضّحه قائلاً: "إن هذه الظاهرة الخاصة بوصول أشخاص من أصول إفريقية إلى أوروبا تبقى ظاهرة جديدة نسبياً، لكن الأمر الذي ليس جديداً البتة هو انتشار الأوروبيين في العالم، وهو ما عشناه على امتداد قرون. أعتقد أن السبب الذي يجعل من العسير على أوروبا التصالح مع هذا الأمر يمكن أن يكون ضرْباً... من الجشع، كما لو أنه لا وجود لموارد كافية للجميع. في حين أن الكثير من هؤلاء الأشخاص لا يأتون لتلبية حاجاتهم الأولية، بل يتوفرون على الكثير مما يمكنهم أن يهبوه ويقدموه للبدان التي تستضيفهم، فهم لا يأتون بأيادٍ فارغة وأفواهٍ فاغرة، بل الكثير من بينهم أشخاص موهُوبون يتَّقدِون طاقةً؛ لذلك لا ينبغي على الأوروبيين استقبال الأشخاص كما لو كانوا بؤساء، بل عليكم أن تفكروا فيهم أولا كما لو كنتم تقدمون مساعدة لأشخاص هم في مسيس الحاجة إليها، لكنهم أشخاص قادرون على تقديم شيء ما في مقابل ذلك".

إن الأفق الابداعي لقرنح تتوزعه الهجرة باعتبارها تيمة أساسية، وموْرِداً منه ينهلُ مادة السرد، وبه تتنامى العلاقات بين شخوصه وتتطور حبكتها.
 

هوية مترحِّلة يكوّنُها التعدد والتَّشَظي

"معظم الناس هم آخرون" على حد تعبير اوسكار وايلد، ويضيف معللاً؛ لأن "أفكارهم هي آراء أشخاص آخرين، حياتهم محاكاة وعواطفهم اقتباسات"، قد يبدو ذلك من باب البديهيات، لكن ما عرفه التاريخ الحديث والمعاصر من تطورات على مختلف الصعد والمستويات، جعل هذا مفهوم المفهوم الأكثر تدارساً ورواجاً لما يتسم به من أبعاد ودلالات إشكالية، يعكسها تنوع طيف الأوصاف والنعوت التي تلحق به في عناوين الكثير من الكتب الصادرة في السنوات العشر الأخيرة، من قبيل "الهويات البئيسة" لآلان فينكيلكراوت (Alain Finkielkraut, L’Identité malheureuse)، و"قلق في الهوية" لهيرفي لوبرا (Hervé Le Bras, Malaise dans l’identité)، و"الوهم الهوياتي لفرنسوا بايارت "Jean-François Bayart, L’Illusion identitaire، كلَّها عناوين، وغيرها كثير، تنمُّ عمَّا يمارسه الآخر والمختلف من حدَّة إشكالية على الأفق الواقعي كما الفكري في المجتمعات الغربية، منذ مطلع الألفية الثالثة، كما أشار إلى ذلك كلود ليفي ستراوس، بحيث صار أشبه بمَوْضع مشترك بالنسبة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، قبل أن ينتقل مع توالي السنوات بكامل الثقل إلى مجال اللغة المتداولة محمَّلاً في الغالب بإيحاءات يمنية تنطوي على الكراهية والخوف من الغير، جاعلة تطابق الذات وهويتها كياناً متعالياً ميتافيزيقياً جامداً، وسرمدياً لا يعرف تغيراً.

والحال أن هذا التصور شأنه أن يكون وقوداً لكل فعل فظيع في قسوته ووحشيته، دافعاً للتوسع والهيمنة، وتبريراً لهزم الإنساني في الإنسان، التاريخ الإنساني زاخر بالشواهد على ذلك بدءاً بالحركة الاستعمارية، وصولاً إلى ما حدث في الكثير من مناطق العالم وما زال يحدث، وفي مقابل هذا الصوت الذي لا يرى في المختلف إلا أحد أمرين؛ إما أن ينتفي اختلافُه الجذري ويصير مستلباً، أو هو تهديد وخطر داهم يحدق به؛ ولأن النقد لا يتَأتّي إلا باتخاذ المسافة، فما من أحد يخبر ماهية المسافة مثل المهاجر واللاجئ ؛ لأنه يعيشها بأعمق دلالاتها، ولا يكتفي، كما هو حال المستعمر والمتعصِّب، بأن يطويها فحسب، ليعود من جديد إلى ذاته في انغلاقها بعد أن يكون قد سحق الآخر، وأغلق أفق الاختلاف ووأد بشائر الغيرية. إن المهاجر لا يتجلَّى إلا بقدر عكسه للتعدد الذي يكوِّنه، وهو ما تحقق لدى عبد الرزاق قرنح، بحيث لم يهادن في نقده النزعة الاستعمارية، سواء في نصوصه النقدية، أو في نصوصه الروائية الأساسية، كما اهتم بتأثير الثقافات السابقة على الحقبة الاستعمارية، وتأثير تعدد الألسن في شرق إفريقيا على هوية الذوات المقتلعة من جذورها والمهاجرة من أوطانها.

ويجدُ فَتْح الهُوية على اللاَّيقين الهوياتي تعبيره في الصعوبة التي تواجه كل محاولة لتصنيف قرنح وأعماله؛ هل هو من إفريقيا الشرقية؟ أم تراه بريطانِياً أسودَ؟ أم هو من كُتاب الشتات؟ وهذا الوضع هو الذي سمح له بأن يعتنق منظور الداخل والخارج في آن معاً؛ فهو باحث في بريطانيا بقدر ما يعيد رسم ملامح شرق إفريقيا بفرشاة الإبداع السردي، روائي ومُحلِّل؛ وإن شِئْتَ قلتَ فيه تَجسَّدت أبيات محمود درويش، التي قالها في حق من يشترك معه في الأفق الفكري؛ أفق نقد النزعة الاستعمارية، أعني الكبير إدوارد سعيد:
والهويَّةُ؟ قُلْتُ:
إنَّ الهُوية بنتُ الولادة لكنها
في النهاية إبداعُ صاحبها، لا
وراثةُ ماضٍ. أنا المتعدِّدَ… في
داخلي خارجي المتجدِّدُ.

وهو ما تؤكِّدُ عليه أماندا سيل Amanda Seel فمع رواية قرنح تبرز، بنظرها، اهتمامات جديدة في الأدب الإفريقي، من خلال "تغيير العوالم التي تشكل عتبات للتعددية، ولكل ما عرضي وجائز وموسوم بالتناقض، تلك العوالم التي تقوّْضُ كل الافتراضات المسبقة بخصوص ثبات الهوية واستقرار الثقافة والاقتصاد، بل وحتى المعرفة"2؛ ذلك أن إعادة صياغة الهوية تحتل مكانة مهمة في نمو المهاجر، مثلها في ذلك مثل سيرورة تبَنِّي هوية هجينة، وتجدر الإشارة إلى أن القوى التي تتحكم في هذه العملية تبقى منفلتة من رقابة الذات؛ لأن الفضاء الذي يشغله المهاجر يتطلب استراتيجيات تتيح له تحقيق نوع من حرية الفعل، فيكون لزاماً عليه إجراء عملية إعادة بناء ناجحة فيتبنى شعوراً بالانتماء، أو يتظاهر به، لاسيما في مواجهة العدائية والكراهية تجاه الأجانب3.

إن فضاء الشتات فضاء إشكالي؛ لأنه يمثل فضاء مُحدِّدا للهوية، فيه تتلاقى قوى عابرة للأوطان، محلية وعالمية؛ كي تعيد تشكيل الهوية، مما يجعل هوية الشتات هوية هجينة؛ لأن هذا الفضاء يعيد بناءها داخل أفق بيْنِي عبر صَوْغِ قضايا الانتماء إلى الوطن والأمة صوغاً إشكالياً، بحيث "لا توجد علاقة مع الذات، ولا تعيين ذاتي للهوية بدون ثقافة، لكنها ثقافة الذات باعتبارها ثقافة الآخر، ثقافة التعلق المزدوج والاختلاف مع الذات"، بحيث تكون "وجهة الآخر هي الشرط الأول لهوية أو تعيين للهوية، لا يكون أنوياً هدّاماً - للذات وللآخر"4.

وبهذا المعنى؛ يكون عمل قرنح، وحركة ما بعد الاستعمار برمتها توطيناً للغيرية وللآخر، ونقداً في النظرة الاستعمارية الأحادية ونقدها جذريا ًبشكل يفتحها على التعدد، كما أنها تجسيد لما يسميه تشارلز تايلور بسياسات الاعتراف، اعتباراً لكون الاعتراف حاجة إنسانية جوهرية، وشرطاً أساسياً لبناء الهُوية، ومَنْ غَيْرُ السرد أقدر على مواجهة السلطة وخلخلة منطقها منذ "ألف ليلة وليلة"؛ إذ من غيرُ السَّرد قادر على حلِّ ما يطرحه مفهوم الهوية من مفارقات، بحيث تصير "الهوية السردية"، باصطلاح بول ريكور، هي الأقدر على الجمع بين ما يظهر متناقضاً: التطابق والتنوع؛ وهذه الأهمية التي يحظى بها السرد، هي التي جعلت عبد الرزاق لا يكتفي بالأعمال النقدية الأكاديمية في نقد الحركة الاستعمارية، بل انغمس في بحر السّرد عارفاً كيف يركب موجه فأبدع مُسْتمتعاً (كما أشار إلى ذلك في اللقاء الذي أجرته معه قناة الجزيرة مباشر)، ومن يُبدع ويستمتع لا يمكنه إلا أن يُمتع.

إن كان من شيء يَشِي به تتويج نوبل لعبد الرزاق قرنح، من بين أمور أخرى؛ فهو الاعتراف بما خلَّفته التجربة الاستعمارية من مآسٍ وتمزقات، وإنصات للجزء المظلم من الذات الغربية، لكنه جزء مكوِّن لتاريخها، ولتاريخ ضحاياها في الآن نفسه، وإعلان لأجل وَأْدِ كل الأصوات اليمينية التي تريد إعادة ترديد الأصداء المنبعثة من عتمة ذلك الجزء، في علاقتها بالمهاجر والأجنبي، وبكلمة واحدة في تعاملها مع المختلف، أما العبرة التي يجود بها هذا الحدث للأدباء من بني جلدتنا، لاسيما من يكتبون منهم باللغات الأجنبية؛ فمفادها أن التتويج ليس بالضرورة مشروطاً باستيلاب الذات، والتماهي حدَّ الانتفاء مع نظرة الغرب، وركوب صهوات السرد الذي يزن الشخصيات والأحداث بميزان الدونية، أو على الأقل ميزان الغرائبي والعجائبي، وكلاهما –لعمري- من مكاييل المطففين.


1 » Abdulrazak Gurnah: un prix Nobel de littérature pour «la mémoire de Zanzibar», https://www.agenceecofin.com
2 » Amanda Seel, ‘Displacement and Diaspora: New Locations in African Writing’, Wasafiri, 41, 1 (2004), 24
3 » Ogolla, M. The River and the Source, Focus Books: Nairobi, 1994, p.22
4 » Jaques Derrida, l’autre cap, éditions Minuit, Paris 1999, P.21

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها