أنابيل ماتر وألكسيس جيرار

ما أشبه حياة نابليون برواية تصويرية رائعة!

ترجمة: د. فيصل أبو الطُّفَيْل

أجرى الحوار: فلورون باراكو

 


قام مصوّران فوتوغرافيان بالانخرط في مغامرة مجنونة: الذهاب إلى كل الأماكن التي ارتادها نابليون. وهو ما يستعرضانه من خلال الكتاب المعنون بـ"نابليون: روح الأمكنة" (Napoléon - L'esprit des lieux) الصادر أواخر سنة 2020 عن دار نشر ميشيل لافون. في ما يلي هذا الحوار مع المؤلفيْن.



إنه حلم كلّ مُعجب بنابليون: التنقل إلى الأماكن التي صنعت أسطورة هذا القائد. وبالفعل، تحقق هذا الحلم على يد مصوريْن فوتوغرافييْن هما: أنابيل ماتر وألكسيس جيرار، اللذيْن قطعا مسافة 140000 كيلومتر لاستعادة الملحمة النابليونية. فمن مدينة أجاكسيو بفرنسا مسقط رأس نابليون إلى سانت هيلينا ببريطانيا، وصولاً إلى روسيا أو واترلو، يحكي المصوران -مستدلَّيْن بالصور الفوتوغرافية المرفقة بعدد من النصوص التي كتبها جون-كريستوف بويسون-، الإحدى والخمسين (51) عاماً من حياة الإمبراطور، ويُبيِّنَان، كيف تغيرتِ الأماكن مع مرور الوقت، وهذه ميزة كبرى يتميز بها هذا الكتاب.
 

 من أين جاءت فكرة هذا المشروع؟

أنابيل ماتر: لدينا شغف خاص بـنابليون. وقد قمنا بمجموعة من الرحلات التصويرية، وكنا قد خططنا للذهاب إلى كورسيكا لرؤية الأماكن التي أقيمت للاحتفاظ بذكرى هذا الإمبراطور. قال لي ألكسيس: "لم لا نقوم بتأليف كتاب فوتوغرافي مشترك حول نابليون"؟ سيما وأن الفرصة كانت مواتية: وهي الذكرى المائوية الثانية لوفاته. وبما أنه لم يسبق لأحد أن قام بهذا الأمر سابقاً، فقد بادرنا نحن الاثنين إلى القيام بهذه التجربة.

ألكسيس جيرارد: تعد هذه الرحلة، بالنظر إلى طبيعة ممارستنا كمصورين فوتوغرافيين، مشروعاً مثالياً. فالذهاب إلى الأماكن التي فيها روح، والمليئة بالذكريات، والقدرة على تصوير مشاعرنا، كل ذلك يمثل فرصة رائعة. وقد كان لعمق إثارة المشاعر وتنوع الأمكنة دور أساس في إتمام ما تبقى من المهمة. وكان هدفنا الرئيس هو تقديم وثيقة ممتعة ومسلّية من خلال الصور: فنحن نعيش في حضارة الصورة.

أ.م:  طوال رحلتنا، كنا نشعر بأننا قد ولجنا إلى الجانب الحميمي من شخصية نابوليون.

 عندما يقرر المرء السفر في عالم نابليون، فبماذا عساه يبدأ يا ترى؟

أ. ج:  كانت بدايتنا من كورسيكا، وبعد ذلك ذهبنا لرؤية مؤسسة نابليون، التي قامت بتوجيه عملنا في هذه الرحلة. ثم توجهنا بعد ذلك صوب سانت هيلينا ببريطانيا، وكانت هذه هي الانطلاقة. لقد كانت الفرصة سانحة لنا لفعل كل شيء تقريباً، على الرغم من تزامن رحلتنا مع انتشار جائحة كوفيد-19. أما الأماكن التي تعذر علينا الوصول إليها فهي مخيم بولوني بفرنسا، ومدينة مدريد بإسبانيا، والمدينة التي تم فيها التوقيع على معاهدة كامبو فورميو بين فرنسا والنمسا عام 1797.

أ.م:  تمتد هذه الرحلة لمسافة 140,000 كيلومتر [يضحك]. وقد اضطررنا إلى تتبع المصادر للعثور على محاورِين في الميدان، ومدنا بالمساعدة والإرشاد: ففي بعض الأحيان تكون الأماكن واسعة جدّاً، بحيث يكون من الصعب إيجاد المكان المناسب أو المنزل المراد الذهاب إليه. ولذلك قمنا بصياغة هذا الكتاب على طريقة نابليون: إنها ملحمة تتطلب التصميم والعزيمة، والكثير من التنظيم اللوجستي.

 ما الأشياء التي عرفتماها عن نابليون من خلال هذه الرحلة؟

أ.ج:  كان من دواعي سرورنا زيارة كل هذه الأماكن بعيون المصورين، لا بعيون المؤرخين. وما أصابنا بالحيرة هو عبقرية التنظيم التي كان يتّسم بها نابليون. فمن الصعب أن نتخيل بأنه قطع كل هذه الأميال في بداية القرن التاسع عشر، متحلياً بحس تنظيمي استثنائي، وقدرة هائلة على إدارة الجانب اللوجستي. إنه رجل نظام ولكنه يجسّد في الوقت نفسه النموذج الأمثل للبطل الرومانسي.

أ.م:  إنه يجمع بين جوانب عديدة، فهو شخصية شاملة تامة. رجل براغماتي ومثالي.

 خارج فرنسا، كيف يُنظر إلى الفكر النابوليوني؟ وبماذا يشعر الناس عندما تذْكرون اسمه؟

أ.م:  ما وقفنا عليه في روسيا، كان الأكثر إثارة للإعجاب. فلدى الروس شغف كبير بنابليون. إنه أمر لا يُصدق. فالروس متعلقون جدّاً بالتاريخ، ويمتلكون ثقافة تاريخية عظيمة. وبما أنهم مهووسون بتولستوي حتى الثمالة؛ فإنهم معجبون بنابليون، لأنه هو الوحيد الذي نجح في غزو موسكو. ولذلك فهم مفتونون بعبقريته.

أ.ج:  إنهم لا يحملون أية ضغينة. ربما يكون هذا الأمر بالأساس عائداً لانتصارهم [يضحك]. تَحدثْنَا إلى الروس وتكوّن لدينا انطباع بأنهم عاشوا كل هذه الفترة كملحمة كبيرة كتبوها مع الفرنسيين.
 

ليس كتابكما كتاباً ماضوياً، ولكنه كتاب معاصر. على سبيل المثال، هناك ساحة معركة واغرام (1809) التي تحولت إلى مزارع الذرة والزراعات الريحية.

أ.م:  أردنا أن ندمج الفترة المعاصرة لنرى ما الذي آلت إليه هذه الأماكن المليئة بالذكريات والمشبعة بالحداثة في آن واحد.

أ.ج:  مهمتنا هي إظهار الطبقات المتعاقبة من التاريخ. في بورودينو بروسيا، نرى في الصورة نفسها النصب التذكاري لمعركة 1812، وآخَرَ للحرب العالمية الثانية، حيث وقعت معركة حاسمة بين الدبابات في عام 1944. وأود أن أشير إلى أن كتابنا هو بمثابة عملية مسح لهذه الأمكنة في عام 2021، تتزامن والذكرى المئوية الثانية لوفاة نابليون بونابرت. كما يمثل أيضاً فرصة لتفكيك بعض الصور التي أنجزت بهدف الدعاية: فعلى سبيل المثال، معركة الأهرامات التي رسمها الرسام الفرنسي "لوجون" لم تَجْرِ أحداثها أمام الأهرامات. والشيء نفسه ينطبق على معركة جبل طابور، حيث سُحق فيها الفرسان العثمانيون، وحيث لا يمكن رؤية الجبل من ساحة المعركة. وبالمناسبة، هنا يكمن سحر اللحظة: فعندما زرنا تلك الأمكنة، كنا ننتظر حدوث شيء ما لكي نلتقط صورة. كنا مستعدين للعدول عن الفكرة إذا ما باغتنا أحد الفرسان بغمزة من عينيه!

 ما أكثر الأمكنة إدهاشاً بالنسبة لكُما؟

أ.م:  أعتقد أنه الإقليم الروسي كالينينجراد. فهناك تَشِيعُ أجواء سوفييتية، ولكن في زمن نابليون، كانت كونيغسبرغ (كالينينغراد حالياً) جزءًا من بروسيا الشرقية: إذ إن كل الهندسة المعمارية وحتى الطرق تعود إلى هذه الفترة. بإمكان المرء أن يشعر بهذه الأجواء الخاصة المشحونة للغاية.

أ.ج:  بالنسبة لي، أكثر هذه الأمكنة إدهاشاً هو سانت هيلينا. نحن نسميها "الجزيرة الموجودة خارج الزمن". وفيها توجد كلّ طبقات التاريخ حتّى عام 1950. ولم يتغير فيها أي شيء منذ ذلك الحين. ليس بإمكان المرء الدفع اعتماداً على بطاقة الائتمان، وإذا كنت ترغب في تناول وجبة العشاء فعليك أن تحجز عشاءك مسبقاً، وأن تختار قائمة الطعام في اليوم السابق. إنه مجتمع صغير جداً يعرف فيه الجميع بعضهم بعضاً، ويخبر بعضهم بعضاً بكل شيء. كما أننا انتقلنا من قضاء وقت على كوكب المريخ إلى الجنة الاستوائية خلال بضعة كيلومترات.

أ.م:  تمثل هذه الجزيرة أيضاً أكثر الأمكنة التي يشعر فيها المرء بروح نابوليون. فقد عاش هناك ما يقرب من ست سنوات! نعم بكل تأكيد سانت هيلينا، إذ هنالك شعرت بروحه أكثر من أي مكان آخر.

أ.ج:  بالتساوي مع فونتينبلو بفرنسا- ونحن بالمناسبة نقيم هناك. وهناك نرى أن نابليون هو في الواقع مُتَمِّمُ تاريخ فرنسا، وهو الرجل القادر على أن يضم كل ما أُنجِز قبله.



المصدر
Florent Barraco «
Entretien avec Annabelle Matter et Alexis Gerard «
Le Point  Hors-série, Napoléon, La grande aventure, décembre 2020-janvier 2021, pp. 60-61 «

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها