تعليم الأطفال.. من الحكايات إلـى كتابة المسرحيات

حـوار مع الأديب عز الدين جلاوجي

حاورته: د. أميمة أحمد

◈​  عز الدين جلاوجي أستاذ محاضر في الأدب العربي، يدرس فني الرواية والمسرح في جامعة سطيف، من جيل الاستقلال مواليد 24 فبراير 1962، مؤسس وعضو "رابطة إبداع الثقافية الوطنية " منذ 1991، وشريك مؤسس ورئيس رابطة أهل القلم منذ 2001، كان عضواً في الأمانة الوطنية لاتحاد الكتاب الجزائريين بين 2003 و2008.

◈  للدكتور الأديب عزالدين جلاوجي حضور كبير في مختلف الأجناس الأدبية، حيث كتب في الرواية والقصة والمسرحية/ المسردية والنقد، مما يجعله صاحب مشروع إبداعي متكامل، ورغم ذلك فإن له إسهاماً في الكتابة للطفل؛ إذ قدم له سبع قصص وواحد وأربعين مسرحية، ودراسات نقدية مختلفة.
 



◈​  من مسردياته "الأقنعة المثقوبة"، وغنائية الحب والدم"، "ملح وفرات"، "هستيريا الدم"، ومن أعماله القصصية: "لمن تهتف الحناجر"، "رحلة البنات إلى النار"، "صهيل الحيرة"، وفي الرواية: "الحب ليلاً في حضرة الأعور الدجال"، و"رأس المحنة 1+1 =0"، " الرماد الذي غسل الماء". وكتب مسرحيات عديدة منها: "النحلة والسلطان"، "رحلة فداء"، "الأقنعة المثقوبة". وله دراسات أدبية منها: النص المسرحي في الأدب الجزائري"، "المسرحية الشعرية المغاربية"، "شطحات في عرس عازف الناي"، "الأمثال الشعبية الجزائرية".



هنا في مجلة الرافد الرقمي نلتقي الأديب الأكاديمي عز الدين جلاوجي، يحدثنا عن تجربته مع أدب الطفل، انطلاقاً من الحوار التالي:
 


 

๏  بداية؛ دكتور جلاوجي كتبت القصة والرواية والنقد من الأجناس الأدبية، لماذا عرّجت إلى الكتابة للطفل؟

أكتب لأخاطب الطفل الكامن في أعماقي، وهو يعاني دوماً من عطش لعوالم الحلم، يظل يتلصص ويلح حتى تأتي الحكاية، ثم إن الكتابة للطفل هي كتابة للمستقبل على حد قول الشاعر سليمان العيسى، فنحن حين نكتب للطفل إنما نكتب لأنفسنا في المستقبل، وبالتالي فإن ما قدمته لعالم الكبار لا يغني أبداً عن الكتابة للطفل، بل الناظر للساحة الإبداعية الطفلية المتصحرة، وأقصد هنا الجزائر، يرى أن المساهمة في الكتابة للطفل أمر لا مفر منه، وأؤكد على ضرورته.

๏  ماذا أردت أن تقول للطفل؟ وأي فئة عمرية للطفل كتبت؟

لعل ما قدمته يليق للطفل بعد العاشرة من عمره إلى منتهى مراحل الطفولة، ولعل بعضها يليق بمرحلة الفتوة الأولى. وأدب الطفل يبتغي حتماً أمرين أساسيين، الأول: فني جمالي يسعى للارتقاء بحس الطفل وذوقه ومخياله، والثاني: تربوي تعليمي يسعى لبناء رجل الغد المتشبع بقيم الإنسان، وهو ما سعيت إليه في كل كتاباتي الطفلية، إضافة إلى العمل على ربط الطفل بمجتمعه وقيمه وموروثه ووطنه، إيماناً مني أن أدب الطفل هو وسيلة مهمة لتحصين الذات.

بشأن الفئة العمرية ما قدمته يناسب الطفل بعد العاشرة من عمره إلى نهاية مراحل الطفولة، وبعضها كان يليق بمرحلة الفتوة الأولى .

๏  من تجربتك كيف وجدت الفرق بين الكتابة للأطفال والسرد للكبار؟

هو برزخ يراعي الطفل، على مستوى اللغة والمعرفة والتخييل، وعلى مستوى الرسالة أيضاً، إذ عالم الطفل وعالم الكبير مختلفان جداً، وعلينا أن نذهب لكل منهما عبر طريقين مختلفين، على لغة الطفل أن تكون ناعمة سلسة محبة، وعلى المعرفة أن تراعي محيطه ومستواه، وعلى التخييل أن يكون حالماً مجنحاً، وعلى الرسالة أن تكون يداً حانيةً تقود الطفل برفق وتبنيه وتأخذ بيده إلى المستقبل الأجمل، وتثير من أعماقه الأسئلة الشاحذة للذكاء دون حشو ولا تلقين.

๏  من خلال قصصك الطفلية نلاحظ الإيغال في التخييل حد الأسطورة، مع ربط ذلك بالتراث، إلى أي حد يكون ذلك مفيداً للطفل؟

أعتقد أن أهم عنصر في أدب الطفل هو التخييل، إذ إن هذه الخاصية قوية جدّاً لدى الأطفال، وكلما تقدم الإنسان في العمر ضعفت ملكة التخييل لديه، واتجه أكثر إلى الواقع الملموس، ولذلك نرى تفاعل الطفل مع القصص والأفلام والصور مهما كانت موغلة في عالم الغرابة، وقد أدرك الإنسان الأول ذلك فارتبطت كل الحكايات الشعبية التي كانت تقدم للطفل بهذه العوالم العجائبية، وجميل ربط الطفل بموروث أجداده حتى ينشأ مرتبطاً بثقافته ومخياله، وبنظرة عجلى على ما كُتب في هذا الباب في الثقافة الغربية نجده يجمع الخاصيتين معاً، الإيغال في الغرابة والارتباط بالموروث، وقد حاولت أن أجسد ذلك مثلاً في قصة طارق ولصوص الآثار، التي جمعت فيها بين الخيال العلمي الذي يسمح باستعمال اختراق الآفاق، وبين حضارتنا في الأندلس من خلال استحضار الجد عباس بن فرناس، ثم مغامرة الجميع لحماية آثار الطاسيلي من عصابات الآثار، الأمر ذاته في قصة "إرم أعجب الأعاجيب"، حين يستعمل الأطفال المغامرون خيالهم العلمي لإنقاذ طفل ظل لأحقاب من الزمن يعيش أسيراً في مدينة إرم ذات العماد، وقد غمرتها جبال من الرمال في الخليج العربي.

๏  هل يمكن أن يؤدي المسرح الطفلي الوظيفية التعليمية؟ وإلى أي مدى تحقق ذلك في كتاباتكم؟

يقيناً التعليم من أهم وظائف أدب الطفل عموماً والمسرح منه على وجه الخصوص، ولكن هناك نصوص تقصد التعليم بالأساس في كل مجالات المعرفة، كتعليم مبادئ الرياضيات والفيزياء والطب، واللغة، ولي في هذا مسرحيتان الأولى بعنوان: "الزعامة الوهمية"، تتصارع فيها الحركات وحروف العلة لكتابة الهمزة بداية ووسط ونهاية الكلمة، والثانية بعنوان: "الصراع القاتل"، تتصارع فيها الأسماء داخل الجملة بين عمدة وفضلة وتابع ومجرور، وقد تم تجسيد ذلك في المؤسسات التربوية، وكان لها تأثيرها الجيد.

๏  نرجو أيضاً أن تحدثنا عن الاقتباس والتراث في تجربتكم المسرحية؟

يقوم جزء كبير من المسرح على الاقتباس، سواء أكان مسرحاً طفلياً أم مسرحاً موجهاً للأطفال، ومجالات الاقتباس واسعة متشعبة، بالنسبة لتجربتي انفتحت على التراث العربي والتراث الشعبي، وانطلقت من أمثال وموردها، مثل: "ياخادع النعام خدعت نفسك"، و"جزاء سنما"، ووو..."، كما اقتبست من نصوص أدباء موظفة في المناهج المدرسية، فمسرحت قصيدة شوقي "العصفورتان والوطن"، وقصة ميخائيل نعيمة "الدجاجة صنيورة".

๏  في ظل زحف الوسائط الإلكترونية المسموعة والمرئية، هل يمكن الحديث عن القراءة في عالم الطفل؟

نعم يمكن ذلك، عن طريق وجوب الانتقال من الكتاب الورقي إلى الكتاب الإلكتروني، وإلى الأدب التفاعلي، الواجب يدعونا أن نساير الحضارة ونماشي التطور، نحن الآن في عصر الآلة وعصر الصورة، ويمكن للطفل أن يحمل مكتبة عملاقة في جهازة، وعلى أدب الطفل أن ينتقل إلى هذه الأجهزة، وهو أيسر وأنفع للطفل الذي يمكن أن يقرأ من جهازه المحمول في كل مكان وكل زمان بجهد وتكلفة أقل.

๏  كيف تنظر إلى عالم الكتابة الطفلية في الجزائر؟ وعالم النشر أيضاً؟

الكتابة للطفل في الجزائر متأخرة جداً عن مثيلتها في المشرق العربي، عندنا أدباء يشتغلون على أدب الطفل مع أجناس وفنون أخرى، وليس أدب الطفل هاجسهم الأول، أذكر مثلاً الشاعر الحسن الواحدي والشاعر حسن دواس، وفي القصة محمد مفلاح، وعبد العزيز بوشفيرات، وحسيبة موساوي ونجاة مزهود، وفي المسرح أحمد بودشيسشة، ولعل الصوت المميز الأكثر حضوراً في الكتابة للطفل شعراً وقصةً هي جميلة زنير، لكن معاناة الكاتب مع عالم النشر يجعله غالباً ما ينصرف عن الكتابة لهذه الشريحة، فنحن في الجزائر نفتقد لدور نشر متخصصة لها تقاليدها وضوابطها ولها الانتشار الواسع عربياً وعالمياً، العكس تماماً نراه في المشرق العربي حيث صار للطفل كتّابُه الكبار، يسخر الواحد منهم جهده وعمره للطفل ويقدم مئات الكتب، أمثال كامل الكيلاني وزكريا تامر، ولينا الكيلاني وجاسم محمد صالح، وغيرهم.

๏  نسمع كثيراً من يقول: "الكاتب للطفل يجب أن يكون طفلاً ليقترب في كتابته من عالم الطفولة" ما مدى صحة ذلك؟ وإلى أي مدى يمكن أن يتحقق؟

يقيناً هذا، الأديب دوماً يراعي طبيعة المتلقي ومستواه، فإذا كان الملتقي طفلاً وجب أن يتقمصه ليكتب له، وإلا سيكون بعيداً عنه، وحتماً لن يتحقق ذلك تحققاً كلياً، فالكاتب حين يفعل ذلك يأتي الطفولة من أعلى مزوداً بترسانة من العلوم والمعارف، كعلم النفس وعلم التربية وعلم اللغة وغيرها، مما يتوجب دوماً البحث العميق في الموضوع الذي نكتب فيه.

 

๏  أخيراً... هل غابت حكايات الجدات قبل النوم؟ وقد سادت ردحاً في تراثنا؟ كيف يمكن أن نعيد ذلك الزمن الجميل في علاقة الأسرة بأطفالها؟

ذاك زمن ولى أو كاد، بفعل التسارع التكنولوجي، وبفعل انشغال الناس بهومهم اليومية، بل وأيضاً بتشتت الأسرة، لذا فإن رجوعه هو ضرب من المحال، إن أطفال اليوم أطفال الصورة وأطفال التكنولوجيا، ولن يقبلوا إلا أن يكونوا كذلك.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها