من أولّ المحاضرين في جامعات أوروبا

آنتون أمو.. أيقونة الفلسفة الأفريقية فـي عصر التنوير

ترجمة: دينا نصر البرديني

كاتب المقال: Séverine Kodjo-Grandvaux



ربما يُعرف القليل عن أنتون ويلهيلم أمو/Anton Wilhelm Amo، ولكن غرائبية سيرته الذاتية، وتفرد مسيرته المهنية كأول أستاذ جامعي إفريقي يقوم بالتدريس في ألمانيا إبان عصر التنوير، إلى جانب انغماسه حد التّوله في العلوم الفلسفية لعصره، أهّلته إلى أن يغدو أيقونة أسطورية للفلسفة الإفريقية بلا منازع. في قراءة لمقال علمي للكاتب دانييل دوفوا/ Daniel Dauvois. تسلط مجلة Le Monde الفرنسية الضوء مرة أخرى على شخصية إفريقية مميزة لطالما طالتها يد النسيان.
 

يقول عنه ماتياس كوفمان/ Matthias Kaufmann -الأستاذ بجامعة مارتن لوثر كينج الألمانية- في مقدمة كتاب "أنتون أمو: فلسفة المفهوم ضمناّ/ Anton Wilhelm Amo. A Philosophy of the Implicit" للكاتب دانييل دوفوا Daniel Dauvois: "رغم سقوطه (الوشيك) في طي النسيان لأكثر من قرنين من الزمان، إلا أنه أضحى، بشكل ما خلال العقدين المنصرمين، أيقونة".

لطالما تم استخدام نجاح "أنتون أمو" كوسيلة لمحاربة الادعاءات المجحفة بأن الأفارقة -بحكم الطبيعة- محرومون من العقل والمنطق. إذ شكل وجوده دحضاً للآراء التي أكدها الفيلسوف الألماني هيجل / Hegel في كتابه: "دروس في فلسفة التاريخ/ Lessons on the History of Philosophy"، بوقوع القارة الأفريقية خارج نطاق العقل وخارج نطاق التاريخ، أن الأفريقي الأسود "يمثل الإنسان الطبيعي بكل همجيته ونزقه"، وأن العبودية ما هي إلا "تجسيد للحظة التطور واكتساب قدر من التعليم والفضيلة، وكذلك الثقافة المصاحبة لهما".

لم تكن أفكار هيجل بالساذجة أو الاستثنائية، فقد كان لكل من: ابن خلدون، إيمانويل كانت1/ Immanuel Kant، فولتير/Voltaire، وديفيد هيوم2 / David Hume أفكار مشابهة. ولكن تكمن أهمية الآراء التي عبر عنها هيجل في أنها لعبت دوراً في تغذية أجندة سياسية وآيدولوجية استعمارية. كان اكتشاف وجود فيلسوف إفريقي، لمع في جامعات كجامعات Halle, Wittenberg, Jena –وهي نفس الجامعات التي قام هيجل بالتدريس فيها بعد ستين عاماً– كفيلاً بمواجهة تلك الادعاءات العنصرية. وقد أُثير ذلك الكشف بشكل قوي خلال المناظرات التي كانت تُعقد لمناقشة حقيقة وجود فلسفة أفريقية، بين العامين 1960 و1970.

إجلال وتقدير من قِبل الأقران

تُزودنا الملاحظات التي كرسها الأب جريجوار3/Gregoire للحديث عن "أنتون أمو" في كتابه "في أدب الزنوج / De la literature des nègres" (1808) ببعض المعلومات القيمة عن مسار رحلته في الحياة. وُلد "أنتون أمو" في إقليم أكسيم- أو ما يُعرف بغانا الآن- عام 1703، ثم ما لبث أن تم تقديمه كهدية للدوق أنتون أولريخ/ Anton Ulrich دوقBrunswichWolfenbüttel عام 1707- (ما زالت ظروف وأسباب رحيله عن موطنه الأصلي مجهولة بالنسبة لنا حتى الآن)، أما شقيقه فقد تم ترحيله للعمل كعبد في مزارع أمريكا الجنوبية. وفقاً للأب جريجوار/Gregoire، قام الدوق "بالتنازل" عن "أمو" لنجله الذي قام بدوره بإعطائه الخيار بالدراسة، ومن ثم إرساله للدراسة في ألمانيا في جامعتي Halle وWittenberg، حيث برع "أمو" في إتقان ست لغات (اللاتينية- الإغريقية- العبرية- الفرنسية- الألمانية والهولندية). ناقش "أمو" رسالته الأولى في القانون عام 1729، ورسالة الدكتوراه عام 1734، وفيها ناقش واحدة من أهم الأسئلة الفلسفية في عصره، وهي تلك الدائرة حول "وحدة أو ازدواج الروح والجسد". أصبح "أنتون أمو" فيلسوفاً مميزاً يحظى بالإجلال والتقدير من قِبل أقرانه. ويذكر الأب جريجوار/Gregoire أنه كان "معروفاً بدماثة خلقه وتعدد مواهبه، الأمر الذي دفع رئيس جامعة Wittenberg إلى الاعتقاد بضرورة منحه تكريماً علنياً، ومنحه لقب "مستشاراً" للدولة من قِبل البلاط الألماني". عاد "أمو" مرة أخرى إلى غانا -لأسباب غير معلومة- ما بين العامين 1740-1750، وتوفى عام 1753.

فكر ابتكاري

تُرجمت أعماله ما بين العامين 1965 و1976، وقام بوضع المقدمة لتلك الترجمات والتر أولبرايت/Walter Ulbright، رئيس مجلس الدولة التابع لجمهورية ألمانيا الديمقراطية في ذلك الوقت، والرئيس الغاني كوامي نيكروما/ Kwame Nkrumah. من أشهر أعماله كتاب De humanæ lied apatheia (1734)، وفيه يشرح "أنتون أمو" وجهة نظر مغايرة لقسم كبير من الميتافيزيقا الأوروبية، التي كانت ترى أن الروح هي مصدر الشعور وليس الجسد، ولكن -وفقاً لدانييل دوفوا/ Daniel Dauvois- يؤكد "أمو" أن "الإنسان يشعر عن طريق الجسد، وليس الروح لأنها غير قادرة على التأثر، حتى وإن كان محركها الأساسي هو الأفكار، وذلك نظراً لصلتها الوثيقة بالجسد". كما يؤكد ماتياس كوفمان/ Matthias Kaufman أن: "الابتكار النظري الذي يمثله كتاب De humanæ lied apatheia لـ"أنتون أمو"، يكمن في حقيقة تحديده للروح عبر النشاط الفكري، واعتبار الشعور والعاطفة أنشطة جسدية".



رابط الموضوع الأصلي:
https://www.lemonde.fr/afrique/article/2021/01/31/anton-wilhelm-amo-philosophe-noir-des-lumieres
الهوامش:
1. إيمانويل كانت: فيلسوف ألماني وأحد أهم مفكري عصر التنوير (1804-1724)
2. ديفيد هيوم: فيلسوف ومؤرخ أسكتلندي في عصر التنوير (1776-1711)
3. هنري جون بابتيست جريجوار: قس كاثوليكي فرنسي، وكان قائداً ثورياً إبان الثورة الفرنسية، وأحد أشد المؤيدين لإلغاء الرق (1831-1750).

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها