حدود التّوازن بين المشروع والمنجز

حوار مع الروائي المغربي عبد الحميد الغرباوي

حاوره: ممدوح عبد الستار


"عبد الحميد الغرباوي" قاص، وروائي من المغرب، عضو اتحاد كتاب المغرب، ورئيس فرعه بالدار البيضاء. عمل صحافياً لسنوات، ثم التحق بالتعليم الخاص. أول مجموعة قصصية صدرت له سنة 1988، وخلال عام 2020 صدرت له مجموعتان قصصيتان: "عين الكناري"، و"ندى والمطر"، ورواية تحت عنوان: "غضب". وفي سنة (2021) صدرت له مجموعة قصصية تحت عنوان: "نعش وموسيقى، وأنا الآن أضحك". وفي المجمل، يُعد من أغزر الكتاب المغاربة كتابة، وتأليفاً للقصة القصيرة في المغرب، له اهتمام بالتشكيل، والكتابة للناشئة والأطفال، كما يمارس الترجمة الأدبية.


وله مؤلفات في مجال التربية والتعليم. يقول عن تجربته الطويلة: (الكاتب الحقيقي يأتي من سياق كتابي عام، ويفتحه إلى حياة أخرى. الكتابة كما أراها مثل قطعة زجاج كل كاتب يشرخ الجهة التي يراها، وعند تراكم الشرخ ربما نتحصل على نقش جدير بالنظر والتأمل. إن خطورة الكتابة المقرونة بمشروع كونها لا تستجيب إلا لمن يدافع عن فكرة، ويسوغها كتابياً وفق شروط تابعة لمشغل كل كاتب. التقت به المجلة، وكان لها معه هذا الحوار:

✦ ترجمت مؤخراً عن منشورات مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر مجموعة قصصية صينية من اللغة الفرنسية، تحت عنوان: (رسم انطباعي عن حالة سكر). حدّثنا عن ترجماتك، وما صعوبات الترجمة، وكيف تختار الكتاب الذي تود ترجمته؟

أول اتصالي بالترجمة كان من خلال رواية "الكيميائي" للكاتب البرتغالي باولو كويلو. وبعدها توالت بعض المشاريع الترجمية التي أجد فيها ذاتي، سواء تعلق الأمر بترجمة الرواية "الأمير الصغير" للكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت إكزوبيري، أو من خلال ترجمة نصوص قصصية عالمية. وقد نشرت مختارات من القصة العالمية تحت عنوان "رغوة صابون لا غير" عن منشورات مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر. غير أن علاقتي بالترجمة ليست كما هو سائد؛ أي لا أخضع لاختيارات المؤسسات، وإنما أترجم ما أجده أقرب إلى رؤيتي، وذائقتي الفنية والجمالية.

✧ تهوى الفن التشكيلي، ولك لوحات. متى تتحول الفكرة والكلمات إلى لوحة، والعكس؟ ولماذا لم تعرض أعمالك بمعرض لك؟

علاقتي بالتشكيل والرسم قديمة؛ إذ كنت أتردد على المعارض والورشات، غير أن تجربتي في إعداد معجم للناشئة وطد صلتي بالرسم، فكانت التعاريف المعجمية مصحوبة برسومات أنجزتها بمعية ابني. وقبل هذه التجربة كرست جهداً كبيراً للبحث عن أسلوب تشكيلي أروم من خلاله ترجمة هواجسي ورؤيتي للوجود، ولكن بعين تجريدية، وشخصياً أرى في التجسيم والانطباع مرحلة لا يمكن أن تسعف تفاعلنا مع الوقائع والأحداث.

✦ ما زلت ابناً وفياً للقصة القصيرة على الرغم من مرورها الآن بمنعطف حرج، واتجاه الكتاب إلى الرواية -الأكثر رواجاً- كيف ترى مستقبل القصة القصيرة؟ ولماذا تهتم بالقصة القصيرة أكثر من الرواية؟

القصة هي البداية، والرواية هي التنويع السردي الذي أراهن عليه من خلال طرح قضايا بتفصيل خاص. القصة بالنسبة لي هي القنطرة أو المعبر، أو الذي يصلني بالأحداث التي تنثال عليّ، والوقائع التي تقبل عليّ، وأنا أتجول، أو أتسكع مع المتسكعين في المدينة. أزيد من عشرين مجموعة قصصية تمثلت من خلالها الحياة المعاصرة من زاوية التوثيق، والتسجيل، وإعادة النظر.

✧ لماذا تميل إلى التجريب، والتجديد في أغلب أعمالك القصصية والروائية؟

كل كتابة هي تجريب، وكل عمل قصصي أجدد فيه آليات التفكير، وأراهن على رؤية كتابية تمتد بشكل أو بآخر من خلال منجز. فقد اعتنيت كثيراً بتجديد الأسلوب القصصي عبر التقطيع ودفن المعارف؛ لأنه ما من مجموعة صدرت لي إلا وتعكس شواغلي ورؤيتي للحياة في تفاصيلها وتصاديها مع الفنون والعلوم. لا أقبل بالكتابة المهادنة؛ وإنما أراهن على الكتابة التي تستفز في المتلقي حدثاً ما مهما كان بسيطاً أو اعتيادياً. وغالباً ما تكون الكتابة التجريبية أشبه بمقاعد غير مريحة، لا تلزم علي المشي في طريق سيار بقدر ما أرتاح في الطرق المتشعبة؛ لأن فيها اكتشاف الغريب والعجيب والخارق.

✦ لديك أعمال في القصة القصيرة جداً، هل ثمة فرق بينها وبين القصة القصيرة؟

في اعتقادي لا أجد فرقاً كبيراً بين تجربتي القصصية القصيرة والقصيرة جداً. وقد خضت تجربة كتابة القصة القصيرة جداً في مجموعة "أكواريوم"، وبعدها في مجموعة "قال لي ومضى"، وبدت لي كتابة جنس القصة القصيرة جداً مثل رؤية حبة رمل في إناء ماء. فالمسألة أعتقد في تقطير الأحداث أو الأفكار.. إنها عملية شاقة جداً بالنظر إلى طبيعة الأسلوب الذي تتطلبه مثل هذه الكتابة.

✧ من وجهة نظرك، ما الأسباب الحقيقة لعدم اهتمام وتقدير المؤسسات الثقافية المغربية لك؟ ولماذا لم تحظ بالتكريم، أو الجوائز من المملكة المغربية؟

لا أشغل نفسي بذلك، أنا لا أكتب لأحظى بتقدير جهة رسمية. أهم تقدير هو تقدير القراء، وبهذا، أعتبر نفسي من الكتاب المغاربة الراسخة أقدامهم في تربة الكتابة الأدبية والمعروفين من طنجة إلى الكويرة، لدي قراء يعرفون قصصي ويحفظون عناوين مجموعاتي القصصية، وأعمالي الروائية وحتى كتبي التربوية. أكرر: هذا أهم اعتراف من لدن قراء على اختلاف أعمارهم. أما التكريم، فكان لي منه نصيب أوفر، بحيث حظيت بعدة تكريمات وحفلات اعتراف ووفاء في ملتقيات وطنية عديدة، قد لا يسمح المقام بتعدادها أو ذكر تفاصيل وحجم الالتفاف النقدي والخطابي حول كتاباتي.

✦ كيف تُقيّم تعاطي النقد مع أعمالك، وهل نعاني مركزية الثقافة مما يحجب أسماء هامة من الظهور؟

لا يزال النقد القصصي متراجعاً ليس في المغرب؛ وإنما في العالم العربي. غير أن هناك مجهوداً فردياً يُعنى بتقديم القصة القصيرة، وقد حظيت بعض مجموعاتي القصصية وأعمالي الروائية بدراسات نقدية مغربية وعربية، وقد أفرد لي الناقد والشاعر المغربي عمر العسري دراسة مهمة تحت عنوان "أطياف في مرايا القصة"، وهي دراسة توقفت عند ١٨ مجموعة قصصية لي، تطرقت لأهم خصوصيات الكتابة القصصية عندي. وأعتبره كتاباً مهماً موجهاً إلى الباحثين والطلبة في آن. وخلال سنة (2020) صدر كتاب تحت عنوان: "أكواريوم السرد، قراءات في قصص عبد الحميد الغرباوي" جمْع وإعداد الباحثين، الدكتورين عبد الرحمن النوايتي وسعيد ساسيوي. كما وردت دراسات في تجربتي القصصية في كتب تناولت القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً لنقاد وباحثين منهم على سبيل المثال لا الحصر: محمد رمصيص، ومحمد المسعودي، والمصباحي، ومسلك ميمون، وداني محمد.

✧ لكل كاتب مشروع فكري أدبي يعبر عنه، حدثنا عن مشروعك الأدبي وعن بداياتك؟

بالفعل لكل كاتب مشروع، يصاحب رؤيته وتصوره للكتابة. وقد يصعب تحديد البدايات؛ لأن الكاتب الحقيقي يأتي من سياق كتابي عام ويفتحه إلى حياة أخرى. الكتابة كما أراها مثل قطعة زجاج كل كاتب يشرخ الجهة التي يراها، وعند تراكم الشرخ ربما نتحصل على نقش جدير بالنظر والتأمل. إن خطورة الكتابة المقرونة بمشروع كونها لا تستجيب إلا لمن يدافع عن فكرة ويسوغها كتابياً وفق شروط تابعة لمشغل كل كاتب. أنا كاتب لا تهمني النظريات، لأنها تقيد التخييل، ولا تهمني التقنيات لأنها تربك الرؤية، الذي يهمني في مشروعي الذي قارب على ثمانين مؤلفاً (القصة، والرواية، والترجمة، وأدب الرسائل، وقصص الناشئة، والتأليف اللغوي والمعجمي) هو صدق الرسالة ووضوح الفكرة.

أكتفي بإعادة صياغة الواقع ليس كما هو وإنما كيف ينبغي أن يكون، ربما هذا التصور يبدو بسيطاً، ولكنه مسنود بمعرفة بصرية ومتابعة للأدب العربي والعالمي. إن التحقق النصي الذي راهنت عليه يستجيب للتوازن الذي حرصت عليه طيلة الخمسين سنة من الكتابة والتأليف. حدود التوازن بين المشروع والمنجز.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها