العالمية تبدأ من الحارة

حوار مع الشاعر والروائي أحمد فضل شبلول

حاوره: الأمير كمال فرج


أحمد فضل شبلول، شاعر، وروائي، صدر له أكثر من 60 كتاباً في الشعر والرواية، وكتب الأطفال وأدب الرحلات والدراسات الأدبية والنقدية، منها: "مسافر إلى الله"، و"ويضيع البحر"، و"عصفوران في البحر يحترقان"، و"تغريد الطائر الآلي"، و"الطائر والشباك المفتوح"، و"إسكندرية المهاجرة"، و"شمس أخرى. بحر آخر"، و"أشجار الشارع أخواتي"، و"حديث الشمس والقمر"، و"طائرة ومدينة"، و"عائلة الأحجار"، و"رئيس التحرير.. أهواء السيرة الذاتية "، و"الماء العاشق"، و"الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد".


✧ حاز على جوائز عديدة منها جائزة الدولة التشجيعية في مجال الأدب، وجائزة الدولة للتفوق في الآداب.

✧ قال عنه الشاعر الراحل فاروق شوشة في كتابه "أصوات شعرية مقتحمة": "لم يكن أحمد فضل شبلول -في يوم من الأيام- مجرد واحد من أصوات الإسكندرية الشعرية المقتحمة‏؛ وإنما كان -بالإضافة إلى ذلك- واحداً من أبرز الدارسين والباحثين -في جيله- لواقعه الأدبي والثقافي‏، قبل أن يتجاوز هذه الدائرة الجغرافية الضيقة‏، لتصبح اهتماماته وشواغله باتساع العالم العربي كله"‏.‏

يرى أحمد فضل شبلول -في حواره مع "الرافد الرقمي"- أن الكتابة الروائية رحلة بحث في المقام الأول، وأن الثقافة العربية المطبوعة تجابه التحديات الجديدة أو المستحدثة، بعد ظهور الوسيط الرقمي، مؤكداً أن العالمية تبدأ من الحارة.. وآراء أخرى في هذا الحوار.



✦ ما حجم الخيال من الواقع في رواياتك؟

كل رواية لها مواصفاتها الخاصة، وكل عمل روائي يجمع بين الخيال والواقع، بين السيرة الذاتية والسيرة الغيرية، والواقع عندما يدخل إلى العمل الروائي فإنه يصبح واقعاً روائياً، بمعنى أننا لا نجده الواقع الطبيعي الذي يعايشه الناس، ولكنه يتحول ليكون واقعاً روائياً عن طريق الفن.

ولا يوجد الواقع الفوتوغرافي بحذافيره في العمل الروائي الجيد؛ لأن الواقع يمر من خلال ذات الكاتب، فيخرج لنا واقعاً مغايراً، ليس هو الواقع الموجود أمامنا. مثلما أن اللقطة الفوتوغرافية لا تعبر إلا عن اللحظة التي التقطت فيها الصورة، التي ربما تتغير بعد لحظات أو ثوان لتكون لقطة أخرى، وقديماً قالوا: أنت لا تنزل النهر الواحد مرتين، لأنه في كل مرة الماء يصبح غير الماء.

وعلى ذلك أستطيع أن أقول إن الخيال لعب دوراً كبيراً في رواياتي، حتى الرواية التي بها جزء من سيرتي الذاتية الحقيقية، وهي رواية "رئيس التحرير.. أهواء السيرة الذاتية" بها الكثير من الخيال، وبها شخصيات متخيلة إلى جانب الشخصيات الحقيقية التي وردت بأسمائها الفعلية، وبها أحداث متخيلة إلى جانب الأحداث التي وقعت فعلاً.

أما رواية "الماء العاشق" على سبيل المثال، فهي كما رآها النقاد رواية فنتازية تجمع بين الغرائبية والعجائبية، فيها الكثير من الواقع، أو تنطلق من الواقع لتحلق في آفاق الفانتازيا. أما رواية "الحجر العاشق" فهي تنتمي إلى الخيال العلمي بقدر كبير.

✦ في عصر الإنترنت، تواجه الثقافة العربية المطبوعة تحديات كثيرة، كيف تجتاز الثقافة هذه التحديات؟

ليست الثقافة العربية المطبوعة وحدها هي التي تجابه التحديات الجديدة أو المستحدثة، ولكن هذا الشأن يؤرق الكثير من الثقافات في العالم. فبعد أن تربت أجيال وأجيال على الثقافة الورقية المطبوعة في الكتب، ظهر وسيط آخر لنقل تلك الثقافات هو الوسيط الرقمي أو الوسيط الإلكتروني.

وأنا أرى أن العالم يعيش الآن لحظات فارقة، مثلما عاشتها البشرية عند اختراع مطبعة جوتنبرج في منتصف القرن الخامس عشر، واللجوء تدريجياً إلى عالم الطباعة الورقية التي هددت الوسائط السابقة عليها، ثم سادت بعد ذلك، وأنا لا أخشى من الوسيط الرقمي الذي سيلجأ إلى تطوير نفسه أكثر وأكثر للدرجة التي تجعل من الورق تاريخاً وذكرياتٍ ومتاحف.

ولننظر إلى تعامل البشرية مع الأجهزة الحديثة أثناء مواجهتنا لفيروس كورونا. وكيف اتجه التفكير سريعاً إلى اعتماد التعليم عن بعد، وتسريع التحول الرقمي ليساهم بفعالية في قضية التباعد الاجتماعي، وغيرها من الشواهد والأدلة التي تؤكد أن التحول من الورقي إلى الرقمي يسير في مساره الطبيعي، ربما دون أن يعي الكثيرون هذا الأمر.

ولعل الوعي بضرورة هذا التحول والاستعداد له، والتأقلم معه هو ما يشكل نوعاً من التحديات في ثقافتنا العربية، وخاصة في ظل الأمية الرقمية، والفجوة الكبيرة التي يعيشها عدد كبير من أفراد مجتمعاتنا العربية. والأدب والفن غير بعيدين عن هذه التحولات، فرأينا على سبيل المثال أفلام الموبايلات، وأفلام آرت فيديو، واللقاءات الأدبية والثقافية عبر تطبيقات زووم وديو وغيرهما.

✦ روايتكم "رئيس التحرير .. أهواء السيرة الذاتية" هل هي مقدمة لسيرتكم الذاتية؟

هي جزء من السيرة الذاتية، مضفرة بالخيال الروائي، وهو الجزء الخاص بولعي بالكتب والمجلات، وحلمي برئاسة تحرير مطبوعة ثقافية كبيرة.

وتبدأ أحداث الرواية بفلاش باك أو بتقنية العودة إلى الوراء، عندما كان يوسف عبدالعزيز طالباً في كلية التجارة ويصدر مجلة حائط، ثم مشاركته في أحداث 18 و19 يناير 1977، وصولاً إلى أحداث 25 يناير 2011 التي لم يشارك فيها؛ وإنما كان يتابعها لحظة بلحظة من خلال العمل في مجلته بالخليج، ثم قرر أن يعود إلى مصر.

وتنتهي الرواية نهاية مفتوحة، فلا نعرف هل عاد بطلها إلى الخليج ليستكمل عمله هناك، أم يقرر البقاء في مصر بعد الثورة.

✦ ما الفكرة التي تنطلق منها رواياتك وكتاباتك؟

أعترف أنه ليس لي قضية كبرى، سواء سياسية أو اجتماعية أعبر عنها من خلال أعمالي؛ وإنما أحاول أن أعبر عن الإنسان في لحظات ضعفه وانكساره، وفي لحظات فرحته ونشوته وانتصاره وحبه للحياة، وأستطيع أن أقول الآن إذن، أن حب الحياة هو القضية التي أراها تتجلى بوضوح في تلك الأعمال، حتى في لحظات الانكسار والضعف والانزواء، نجد أن وراءها حباً للحياة الذي يدفع الإنسان إلى تجاوز تلك اللحظات الكئيبة، وهذا ما اكتشفته في قصائد كثيرة، وفي الروايات التي صدرت لي.

فرئيس التحرير يحب الحياة، ويتطلع إلى المزيد من المناصب ليحقق ذاته، وعمر ياسين في "الماء العاشق" يحاول التغلب على الرائحة الكريهة التي وجد عليها زميلته في العمل حبيبته هدى إسماعيل، والاحتفال بالفنان التشكيلي الرائد محمود سعيد من خلال "اللون العاشق"، و"الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد" هو احتفال بالحياة والجمال من خلال لوحات الفن التشكيلي، ومن خلال "بنات بحري" أو "جميلات بحري"، أو "بنات البلد"، و"الحجر العاشق" أحتفل بالحياة من خلال اكتساب المزيد من الوعي.

أيضاً شعري المكتوب للأطفال فيه هذا الاحتفال الإنساني بالحياة، ونرى ذلك من خلال عناوين المجموعات الشعرية التي كتبتها لهم مثل: "أشجار الشارع أخواتي"، و"حديث الشمس والقمر"، و"آلاء والبحر"، و"دوائر الحياة"، و"أحب الحياة"، و"أنا وهَنَا"، وغيرها.

وأعتقد أنه لو أحببنا الحياة بحق، لما وجدنا هناك إرهاباً وتكفيراً وتطرفاً فكرياً، ولسادت روح المحبة والتسامح والسلام بين بني الإنسان.

 ✦ ترجمت بعض أعمالك إلى لغات مختلفة، فما معوقات وصول الأدب العربي للعالمية؟

من أهم معوقات وصول الأدب العربي للعالمية، عدم وجود جهة محايدة لاختيار الأعمال المعبرة عن الإنسان العربي، والبيئة العربية لترجمتها إلى لغات مختلفة، حتى المشروع الذي عمل عليه الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب بخصوص اختيار 105 روايات عربية، وترجمتها إلى عدد من اللغات توقف قبل أن يبدأ.

ولا توجد جهة للتنسيق بين الكيانات العربية، ومعظم ما يتم ترجمته يأتي بصورة فردية، وعن طريق الصداقة أو المصادفة، وأحياناً يضع الكاتب عينه على ما يكتب في الغرب ويقلده، ظناً منه أن هذا هو الطريق الذهبي لترجمة عمله، مع أن الآخر الذي أريده أن يقرأ لي ينتظر دائماً أن يقرأ مناخات مختلفة وحيوات مختلفة عما هي موجودة عنده أو في أدبه.

عندما انتشرت روايات الرعب في العالم، بدأ بعض كتابنا يكتبون ما يسمى أدب الرعب، وعندما كانت الإباحية منتشرة هناك، لجأ بعض كتابنا إلى إعلاء هذا الجانب في أعمالهم، وأعتقد أن القارئ الأجنبي ينتظر دائماً أن يرى مناطق أخرى وطرق سرد أخرى غير الموجودة لديه.

نجيب محفوظ وصل بالحارة المصرية الضيقة إلى العالمية، ولم يكن يتتبع مسار كتاب الغرب وقتها. فيقول على سبيل المثال: "لقد اتجهتُ إلى كتابة الرواية الواقعية، في الوقت الذي كانت فيه فرجينيا وولف تهاجم هذا الأسلوب وتدعو للأسلوب النفسي، أو تيار الوعي". ما يعني أن نجيب محفوظ لم يسر حسب الموضة الموجودة، ولكنه كان يسير وراء حسه الأدبي والفني ويستجيب له.

✦ ولدت في الإسكندرية، المدينة التي طبعت ملامحها على أدب العديد من الأدباء العالميين، فما دور المكان في كتاباتك؟

المكان –وخاصة الإسكندرية– له تأثير كبير في كتاباتي خاصة الشعر والرواية، وربما تلاحظ ذلك من العناوين. ولاحظ نقاد بارزون ذلك.

وفي مجال الرواية شكّل المكان السكندري بطولة في أعمالي التي قدمتها حتى الآن، وأحببت أن أرتاد أماكن لم يرتادها من قبل الروائيون الذي كتبوا عن الإسكندرية، مثل سيدي بشر، وبئر مسعود، ومنطقة ميامي في "الماء العاشق"، وجناكليس حيث فيلا محمود سعيد في "اللون العاشق"، و"الليلة الأخيرة"، وشارع شامبليون في حي الأزاريطة، وهكذا نجد أماكن سكندرية تتميز بالخصوبة والعطاء لم يلتفت إليها روائيون كثيرون من قبل.

✦ ما طقوسك في كتابة العمل الروائي؟

الكتابة الروائية هي رحلة بحث في المقام الأول، ثم تأتي لحظات الإبداع الكتابي بعدها، وقد وضعت قائمة الكتب التي رجعت إليها في نهاية رواية "الليلة الأخيرة في حياة محمود سعيد"، وقد وصلت إلى عشرين كتاباً مرجعياً، وهذا لا يحدث بطبيعة الحال في عالم الشعر، لا مراجع للشعر إلا القواميس والمعاجم اللغوية، إذا شككنا في لفظ ما، أو كلمة ما أو اشتقاق ما. أما الرواية فالأمر يختلف تماماً.

فأنا أقرأ الأعمال التي تخدمني في رواياتي وأعمالي الإبداعية، على سبيل المثال أمامي أكثر من 35 كتاباً في انتظار القراءة استعداداً لعملي الروائي القادم.

✦ ما جديدك الإبداعي، وما العمل الذي تحلم بكتابته يوماً ما؟

العمل الذي أحلم بكتابته هو عمل ملحمي عن شخصية مصرية مؤثرة جداً في تاريخ الأدب العربي، بدأتُ أستعد له فعلاً عن طريق تجهيز واقتناء كل ما كتب عنه وعن دوره، وتأثيره في مسيرة الأدب العربي الطويلة، وسيكون عملاً ملحمياً كبيراً، أحلم بالانتهاء منه وصدوره، وأعتقد أنه سيترك الكثير من الجدل حول تلك الشخصية التي بدأت أكتشف أبعادها وتأثيراتها بطريقة قد لا يلاحظها آخرون تعاملوا معها.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها