حضورُ النص الشكسبيري في الخطاب السينمائي

دراما شكسبير.. إلهام واقتباس أم استلهام ونقل؟

علي العقباني


منذ أيام السينما الصامتة؛ عرفت السينما العالمية الاقتباس من المسرحي الشهير وليام شكسبير، وأعماله الكثيرة التي لاقت إقبالاً مسرحياً لافتاً للنظر في معظم دول العالم.. وقد "ظهر أول عمل لشكسبير في السينما عام 1899 في حقبة السينما الصامتة؛ عندما تم إنتاج مشهد من 4 دقائق لمسرحية الملك جون"، وعلى الدوام كانت الأعمال الشكسبيرية ملهمة السينمائيين، ومادة رئيسة للاقتباس تارةً، وللنقل الحرفي في أحيان كثيرة، فمئات الأفلام المستلهمة من أعمال الكاتب الإنجليزي، وبمختلف لغات العالم تشكل تياراً خاصاً في السينما العالمية، هذا الاقتباس والاستلهام كان يمر في فترة من الركود، لكنه ما يلبث أن يعود إلى الواجهة السينمائية وبقوة، كما هو الحال عندما أقدم الممثل الشهير ميل غيبسون في بداية التسعينيات على بطولة وإخراج رائعة شكسبير"هاملت"، وبطريقته الخاصة.
 

وما إن لاقت هذه النسخة الجديدة نجاحاً تجارياً حتى أسرعت السينما إلى شكسبير من جديد، لتعيد اقتباس العديد من أعماله (نعلم أن هاملت وحدها قُدمت للشاشة مرات عديدة منها إخراج: فرانكو زيفيريللي، وكذلك إخراج لورانس أوليفييه)، فشاهد العالم مجموعة أفلام هامة منها: "هنري الخامس"، و"حلم ليلة صيف"، و"روميو وجولييت"، و"الليلة الثانية عشرة"، و"ماكبث"، و"ريتشارد الثالث"، و"عطيل"، و"كل هذا اللغط حول لا شيء". وهنري الخامس إخراج: لورانس أوليفييه، و"عرش الدم" إخراج: آكيرا كوروساوا، و"يوليوس قيصر" إخراج: جوزيف مانكيفيتش، و"كما تحبها" إخراج: كينث براناه، إلى جانب العديد من الأفلام التي استلهمت عوالم شكسبيرية، وكانت مواضيعها تدور حول اهتمامات شكسبيرية منها: "ليلة شتوية داكنة"، و"البحث عن ريتشارد"، و"الشارع 42"، وبحسب إحدى الدراسات قدمت السينما عبر تاريخها أكثر من 600 فيلم عن أعمال شكسبير، قام ببطولتها أشهر الممثلين والممثلات، وأكثرهم موهبة.

ولا ضير في أن أحد الأفلام العربية التي لاقت نجاحاً حين عرضها نهاية تسعينيات القرن الماضي، كان اقتباساً حراً عن مسرحية شكسبير المعروفة "ترويض النمرة"، وهي تدور حول حرب الجنسين "الذكر والأنثى"، وقدم الفيلم الذي يحمل عنوان "استاكوزا" بقالب كوميدي لاقى نجاحاً تجارياً كبيراً، ولعب الدورين الرئيسن فيه الراحل أحمد زكي والممثلة رغدة، وكذلك فيلم "آه من حواء" للمخرج فطين عبد الوهاب.

هل تكفي القيمة التاريخية لأعمال شكسبير ومكانته العالمية في هذا الانتشار الكبير لأعماله المنقولة إلى السينما، أو التي يُعاد عرضها مسرحياً بين الحين والآخر، في هذا البلد أو ذاك وبمختلف لغات العالم، يبدو لي أن هناك عدة عوامل أساسية ساعدت دائماً في بقاء أعمال شكسبير الدرامية صالحة وراهنة، وقادرة على التعبير عن هواجس وعوالم تصلح لكل زمان ومكان.

أسهم شكسبير في إضافة أكثر من 1700 كلمة جديدة إلى اللغة الإنجليزية، والعديد من العبارات التي أصبحت مضرباً للأمثال، ليس هذا فحسب فعلى مدى السنوات الـ400 الماضية، كان تأثير وليام شكسبير طاغياً على الشعر والدراما والرواية، وأخيراً السينما.

مما لا شك فيه أن أعمال شكسبير الدرامية تملك في طياتها عالماً غنياً من المواقف الإنسانية، والفلسفية والوجودية والحياتية والنفسية، ذات الجذور الاجتماعية، والتي تتجاوز أمكنة وأزمنة حدوثها، ومن ثم فإن أعمال شكسبير ذات قيمة تاريخية كبيرة، تتيح للفنان الكاتب والمعد والمخرج، ومصمم الديكور والملابس، والممثلين كذلك عالماً رحباً من الابتكار في الأشكال والأساليب والقدرات التمثيلية، أضف إلى أنها في قيمتها التاريخية هذه تعتبر مدخلاً هاماً باتجاه التاريخ وحكايات البلاط، وتاريخ الصراعات هناك.. وكذلك قصص الحب والدراما الإنسانية الخالدة.

ومعروف لدى كثير من النقاد الأدبيين والسينمائيين بأن المنطق التأويلي يخضع لمتطلبات كثيرة، لعل من أهمها التصدي للنصوص المستحقة عناء التأويل، والمعرفة الموسوعية للمؤول، ومرجعيات النص، ومن ثم قيام المؤول بتأسيس الإحالات الموجودة في النص الأصلي إلى النص الجديد (الفيلم)؛ أي النص المؤول، هذا النص المعد للسينما نظرياً وتطبيقياً، فالسينما هنا هي خطاب على مستوى الحكاية، وكذلك على مستوى التعبير البصري... فالتأويل هنا وفي هذا المستوى: هو الفهم والتفسير لنص من النصوص بشكل كلي عبر مرجعية موسوعية للنص المؤَّول وما يحيطه، والناتج هو نص جديد مستند إلى النص الأصلي معنياً بالإجابات وتأسيسها في النص الجديد منطلقاً من فاعلية النص، وفاعلية القراءة.

لا شك في أن أعمال شكسبير ما زالت باقية في وجدان الكثير من القراء والمشاهدين، وهي تشكل على الدوام مادة غنية، عصرية وراهنة للمناقشة والمتابعة والاستمتاع، كذلك هي الحال في فيلم "ريتشارد الثالث"، وهو اقتباس عصري لرائعة شكسبير التي تحمل الاسم ذاته، حيث يتم نقل أحداث الفيلم من القرن الخامس عشر إلى هذا القرن 1930، إذ ينقل الفيلم الأحداث التاريخية التي جرت في بريطانيا آنذاك، إلى إنكلترا وعاصمتها لندن، وبدايات القرن العشرين، والبلاد تخرج لتوها من حرب أهلية دموية على العرش البريطاني.

يمكن النظر إلى أفلام هامة في تاريخ السينما العالمية كانت مسرحيات شكسبير ملهمة لها، هي: "هاملت" إخراج لورنس أوليفيه (1948)، و"هنري الخامس" للمخرج كينيث براناه (1989)، و"عطيل" من إخراج أوليفر باركر (1995)، و"الملك لير" للمخرج بيتر بروك (1970)، و"ماكبث" من إخراج رومان بولانسكي (1995)، و"روميو وجولييت" للمخرج فرنكو زفيرللي (1968)، و"ضجيج بلاطحن" من إخراج كينيث براناه، ومن أهم الاقتباسات أو المعالجات السينمائية المصرية لمسرحيات شكسبير نجدها في أفلام "استاكوزا" إخراج إيناس الدغيدي، و"آه من حواء" للمخرج فطين عبد الوهاب، بجانب اقتباسات روسية ويونانية وغيرها.
 

"ريتشارد الثالث" أدب ودراما سينمائية عظيمة ودموية، وهي كذلك ميلودراما ممتعة وشيقة بتفسير عصري ذكي وساحر، تؤكد على إمكانية صنع عمل سينمائي متكامل من أحد أعمال شكسبير المسرحية.

البعض من السينمائيين يُبقي الزمان والمكان في اقتباسهم عن شكسبير على حالها دون تغيير، والبعض الآخر يلجأ إلى نقل الأحداث إلى عصرنا الحاضر، ويختار أمكنة وأجواء وطقوساً ملائمة لفيلمه، وفي كلتا الحالتين يبدو شكسبير حاضراً ومعاصراً لمشاكل إنسانية ما زالت تشكل استلهاماً حقيقياً لنزاعات النفس البشرية، وصراعات السلطة، وقصص الحب الأبدية، ومشاكل البلاط، وبهذه الاستلهامات الكبيرة يتاح لجمهور كبير من المشاهدين الذين لم يقرأوا أعمال شكسبير، ولم يشاهدوها على المسرح، تصاغ لهم مشهداً سينمائياً زاخراً بالحياة والدراما الشكسبيرية.

ويمكن الإشارة هنا إلى أن بعض القراءات التأويلية للنص الشكسبيري شوَّهت هيبة النص وروعته، والبعض الآخر استثمر لغة شكسبير الإبداعية، إضافة إلى التعامل مع لغة سينمائية متقدمة أضفت على النص جدة، جعلته نصاً إبداعياً جديداً.
 

ولد الكاتب والشاعر وليام شكسبير في أبريل 1564 في سترافورد أبون آفون، (وهي بلدة صغيرة تبعد 100 كيلو متر شمال غرب لندن)، وتوفي في سن 52 سنة، وما نعرفه عن حياته الشخصية اقتبس فقط من وثائق كنسية أو شهادات زواج أو المعاملات العقارية، درس قواعد اللغة اللاتينية واستخدامات اللغة، ويشاع أنه محدود أكاديميا، في سن 18 تزوج من آن هاثواي وانتقل إلى لندن.
 

 أكثر خمسة أفلام الأعلى إيراداً تعتمد على شكسبير 
 

Shakespeare in Love "شكسبير في الحب" (1998) ◂ 289.3 مليون دولار

على الرغم من أنه ليس تكيّفًا مباشرًا مع مسرحية ويليام شكسبير، تروي قصة الكوميديا ​​الرومانسية في قصة حب شكسبير، في قصة خيالية عن كيف استوحى الكاتب المسرحي ويليام شكسبير من مساعيه الرومانسية لكتابة روميو وجولييت. بالإضافة إلى روميو وجولييت، يمتلئ الفيلم بالإشارات إلى العديد من الأعمال الشهيرة الأخرى لشكسبير. حقق شكسبير في لوف نجاحًا كبيرًا في شباك التذاكر، وحصل على سبع جوائز أوسكار في حفل توزيع جوائز الأوسكار رقم 71، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم.
 


 

Romeo Must Die "روميو يجب أن يموت" (2000) ◂ 91 مليون دولار

أضاف فيلم الحركة لعام 2000 روميو موست، بطولة جيت لي ونجم البوب ​​الراحل عاليه، عنصراً عُنصرِياً للعائلات المتناحرة في روميو وجولييت من خلال تصوير عائلة مونتاج كأعضاء في عصابة أمريكية صينية، وعائلة كابوليت كأعضاء في عصابة أمريكية من أصل أفريقي. يستخدم الفيلم الفعلي القليل جداً من مؤامرة شكسبير، ومن الواضح أنه أكثر عنفاً بكثير من روميو وجولييت. ومع ذلك؛ فإن العنوان يعطي تأثير شكسبير حتى لو لم يستلم الشاعر على الشاشة القصة.
 

Warm Bodies "الأجساد الدافئة" (2013) ◂ 116.9 مليون دولار

على الرغم من أن معظم المشاهدين لم يلاحظوا ذلك في البداية، إلا أن فيلم The Warm Bodieswas الكوميدي لعام 2013، على أساس روميو وجولييت. يدور الفيلم حول زومبي شاب من الذكور (نيكولاس هولت)، الذي يقع في حب إحدى الفتيات الباقين على قيد الحياة (تيريزا بالمر)، رغم أن والد الفتاة يرفض علاقتهما المتطورة. يُطلق على الزومبي الرئيس اسم "R" (روميو)، ويطلق على أفضل صديق له اسم M" " (Mercutio)، ويطلق على R اهتمام الحب باسم Julie لجعل جميع الاتصالات بمأساة شكسبير أكثر وضوحًا.
 

Romeo + Juliet "روميو + جولييت" (1996) ◂ 147.5 مليون دولار

يعتبر تأقلم بيتر لورمان في عام 1996 مع روميو وجولييت أنجح تأليف "مستقيم" لشكسبير في شباك التذاكر في جميع الأوقات. بينما يغادر الفيلم من النص الأصلي عن طريق وضع القصة في ذلك الوقت، فإن الفيلم الأكثر نجاحًا هو استخدام نص شكسبير الفعلي. بطولة ليوناردو دي كابريو وكلير دانيز كشخصين بارزين، أصبح الفيلم كلاسيكياً في تسعينيات القرن الماضي. بعد مرور 20 عامًا على إطلاقها، ما تزال تحظى بشعبية بين الجماهير، وبالنسبة للعديد من مدرسي المدارس المتوسطة، ما يزال هذا الإصدار هو الإصدار الذي يتم عرضه في الفصول الدراسية.
 

The Lion King "الأسد الملك" (1994) ◂ 987.5 مليون دولار

في حين أن نهاية The Lion King هي أسعد بكثير من هاملت، فمن السهل رؤية أوجه التشابه بين أكبر مأساة لشكسبير وDisney Disney الكلاسيكي الكلاسيكي. كلاهما يروي قصة شقيق غيور لملك ينظم قتل أخيه، للاستيلاء على العرش من الحاكم الشرعي، الأمير الشاب، وتردد الأمير الشاب في اتخاذ إجراء. لقد لا حظ الفريق المبدع مرات عديدة في ميزاته عن The Lion King أن هاملت كان له تأثير كبير على السيناريو؛ لأن The Lion King هو واحد من أكثر الأفلام نجاحًا على الإطلاق، وهو أكبر فيلم شباك التذاكر تأثرًا بلعب مسرحية لشكسبير.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها