إعادة التمثل والتوحد الرمزي في رواية "رابطة كارهي سليم العشي"

مقاربة نقدية من منظور نفسي

د. رشا الفوال

على افتراض أن الفن الروائي من أهم الفنون التصاقًا بالإنسان، يروي "فرويد" أن "الروائيين حين يجعلون الأبطال الذين أبدعتهم مخيلتهم يحلمون، يتقيدون بالتجربة اليومية التي تدل على أن تفكير الناس وانفعالاتهم يستمران في الأحلام، ولا يكون لهم من هدف غير أن يصوروا من خلال أحلام أبطالهم حالاتهم النفسية"1، كأن النشاط النفسي للشخصيات التي يرسمها الكاتب الروائي غالباً في خدمة الحبكة الدرامية.
 


 

في القراءة الحالية لرواية: رابطة كارهي سليم العشي الصادرة عام 2021م، للكاتب: سامح الجباس، عن: دار العين للنشر، نسعى إلى فهم جوهر الحياة النفسية لشخوص الرواية، على أن نأخذ من التجربة النفسية مصداقيتها من خلال:
أولًا: محاولة الفهم القصدي لأهداف المؤلف الذي يعترف بوجود علاقة بين لغة الجانب التأويلي ولغة الجانب الفهمي.
ثانيًا: فهم حركية الأحداث التي تعبأ بمشاركة المؤلف/المتلقي عملية الانتقال من التأويل إلى المعرفة، وسيتم ذلك من خلال المباحث التالية:

المبحث الأول: التمثل العاطفي وزمن الخطاب

(التمثل العاطفي) في الرواية الحالية، يعني تصور الفرد نفسه مكان (الآخر) ومحاكاة مشاعره، كاستجابة انفعالية ناتجة عن فهم وإدراك الحالة الانفعالية له وللموقف الانفعالي؛ ولأن (التمثل العاطفي) يعني الدخول إلى العالم الإدراكي للآخر، لذا نرى (المؤلف) القائم بدور (الراوي المشارك) يروي الحكاية بضمير (المتكلم) موضحًا حدود مشكلته الحياتية الحالية فيقول: "محبطًا كنت، لم أتوقع أي أخبار جيدة، كنت أبحث عن عمل، توقفت عن الكتابة لأن حالتي النفسية كانت سيئة"، ثم اللقاء غير المتوقع بــ"فاطمة" مندوبة مركز ثقافي مقره نيويورك وقع اختياره على المؤلف، لمنحة مدفوعة بخصوص كتابة رواية عن موضوع يتم تحديده من قبلهم، والتي تلعب دورًا بارزًا في حياته العاطفية، كأن رحلته البحثية التي وضعها بين قوسين بمثابة حجر الزاوية الذي لا تستقيم الأمور بدونه، مُعرجًا على استبداد (القلق) به، فيبحث ويوجه الأسئلة باستمرار عن إذا كان "داهش" تمثل العالم من خلال كتاباته، وإذا كانت كتاباته تنقلنا من عالم القضاء والقدر إلى عالم الوعي الكامل، وحرية المعنى، (تمثل العالم) عاطفيًا هنا بمثابة عقلنة له، لذا كان على المؤلف تفسير المرئي باللامرئي، ومن خلال تساؤلات الكاتب تبدأ تساؤلات المتلقي عن قيمة النشاط الإبداعي الإنساني للدكتور "داهش"؛ ولأن (خطاب) الكاتب موجه إلى المتلقي بقصد إخباره بحكاية تستحق أن تُخلد، لقيمتها المعرفية التي تؤرخ لشخصية الدكتور "داهش" في سياقها المجتمعي، يمكننا هنا النظر إلى فعل الكتابة بوصفه "قيمة وجودية يكاد يمثل معادلًا موضوعيًا للحياة التي شُوهت ملامحها"2.

فــ(زمن الخطاب) بدأ بالبعد الواقعي لمؤلف "يحب الكتابة، يحتاج لأي دخل مادي" معرجًا على (التخييل) تارة، وعلى المعلومات المنقولة على لسان الشخوص تارة أخرى، والتي حاول من خلالها التركيز على الأزمنة المتنافرة، فبدأ الترتيب الزمني معتمدًا على آلية (الاستباق) لتوجيه نظر المتلقي لما سيأتي، وحثه على تأويل حياة دكتور "داهش" التي سيستحضرها معتمدًا على آلية (الاسترجاع).

 1. إعادة التمثل بين الظاهرة النفسية والظاهرة الجسمية
حتمية (إعادة التمثل) لا تعتمد على الموضوع الذي تعيد إنتاجه بل تعتمد على (الدال)؛ لذا علينا التمييز بين (إعادة التمثل) كعملية للشعور، و(الموضوع) الذي يظهر بفضل تلك العملية، و(المضمون) الذي يوجد في إعادة إنتاج الموضوع الذي يتضمن وجود ثنائية (الأنا/الآخر)، واستبعاد هذا (الآخر) الوهمي في نفس الوقت؛ ولأن (الذات) -ذات المؤلف- تحاول التعرف على الموضوع الحقيقي في المجال الإدراكي، فالأحلام الخاصة باقترابه من "فاطمة" لا تسبب إزعاجًا لمثل تلك النوعية من العلاقات، فعلاقته العاطفية بــ"فاطمة" تجد إشباعاتها في إعادة التمثلات، حيث (مبدأ الواقع) لا وجود له هنا.

تتطرق أحداث الرواية إلى عدة مسالك منها المسلك الروحي للإنسان، وتفسيرات وتحليل موضوع الحياة والموت، وثنائية (الروح/ الجسد) التي اختلفت بلا شك من دين إلى آخر، ومن فلسفة إلى أخرى، من خلال ذلك يمكننا القول إن شخصية المؤلف "سامح" ليست مستنسخة من شخصية "سليم العشي"، كل ما في الأمر أن المؤلف (توحد رمزيًا) بشخصية دكتور "داهش".

2. التقمص الوجداني وفنية القناع
(التقمص الوجداني) يعرف على أنه إعادة بناء بارعة لتجربة شخص آخر بدون أي تقويم محدد لهذه التجربة3، في الرواية الحالية حدثنا "يوسف الحاج" عن عدة ظاهرات روحية في حالة اليقظة قائلًا: "المقصود بحالة اليقظة هو حالة الاحتلال الروحي الفوري من غير عقد جلسة روحية"، تجلت أيضًا (أبعاد التقمص الوجداني) في (المكون الانفعالي) الذي ظهر في اهتمام المؤلف الوجداني بــ"فاطمة"، واهتمام "زينا"، و"ماجدا" بالدكتور "داهش".

وتناص عقيدة (التقمص) بفكرة (الأبدال) كمرتبة من مراتب الصوفية، فيها أن البدلاء سبعة رجال، وفي الرواية ذكر لنا المؤلف أن للدكتور "داهش" سيالات ست، لذا تعد نهاية أحداث الرواية امتدادًا معكوسًا للعبة (الأقنعة) التي انطلق منها المؤلف، فالدكتور "داهش" الذي سعى إلى حياة لها معنى أكثر نظامًا، الثائر على فكرة الفناء ضمن وجوده الإنساني المحدود، نراه يتجه إلى احتواء العالم وامتلاكه من خلال إعلان "العقيدة الداهشية"، ربما يفسر ذلك حرص الدكتور "داهش" على انتقاء التابعين، دلالة ذلك تتوقف على العلاقات الانفعالية الوثيقة (التبادل الاجتماعي) يتضح أيضًا (السلوك الإيثاري) الذي يتم تقليدة بين التابعين، كأن "داهش" يعلن من خلال كتاباته عن معنى الوجود وقيمته، هنا تبرز الحاجة النفسية لإعادة التمثل، وكأن الحضور المكثف للدكتور "داهش" دالًا على غياب (ذات) المؤلف، الذي بالرغم من سلطة (ضمير المتكلم)، يحاور نفسه في مونولوجات مستمرة فرضها ظرف الكتابة، هذه المونولوجات سمحت للمتلقي بممارسة فعل التأمل من ناحية، وسمحت للمؤلف بممارسة (التداعي الحر) من ناحية أخرى، مع ملاحظة أن الزمن في (عقيدة التقمص) هو زمن الروح.

المبحث الثاني: التوحد الرمزي وخطاب التخييل

إذا افترضنا أن (الذات) -ذات المؤلف- تستقي لذتها من (إعادة التمثل) دعمًا لتوحداتها الرمزية، فها هو يجتهد في جمع المعلومات التي استثمرها في بناء (تخييلاته) التي لا تعني انقطاعه عن الواقع، دلالة ذلك أن رصده لفكرة (التقمص) جاء في سياق السرد وما ترويه الشخوص؛ كأن الموت ليس أكثر من رحلة قصيرة، لا غرابة إذن في أن يجد المتلقي إجابة على تساؤل المؤلف: "كيف أصبح ذلك الطفل، الذي ولد في فلسطين، وتربى يتيم الأب في ملجأ بعد انتقال أسرته إلى لبنان، ذلك الإنسان السماوي؟"، في البراهين التي أوردها "أفلاطون" على خلود النفس والتي من أهمها (التذكر)، فقد ندخل أماكن نشعر أننا دخلناها في وقت سابق، وفي هذا دليل على أن النفس كانت تحيا حياة عقلية سابقة، علينا هنا التمييز بين (المستوى الدلالي للزمن)، الذي ينقله لنا الكاتب على لسان المؤلف أو (الراوي المشارك)، و(المستوى التداولي) الخاص بالمعاني التي أضيفت إلى (الملفوظ السردي)، والذي قد يتداخل مع (خطاب التخييل) بوصفه (خطابًا مجازيًا) قائمًا على (الاستدلال).

وإبراز الخافي من الحكاية اعتمد الكاتب عليه سعيًا إلى فهم العلاقة التفسيرية لشخصية "داهش" بأتباعه، مع الاستناد إلى البراهين، فشخوص الرواية مرجعيتها واقعية تاريخية يعاضدها تخيل المؤلف للأحداث، واشتباكه مع التواريخ الحقيقية، وتوصيف معاناة أتباع الداهشية، مما يعزز فكرة المأساة، فالتاريخ في الرواية "لا يستحضر بوصفة حقيقة موثقة؛ إنما بوصفه وسيلة لتكريس حكاية"4، برع الكاتب في ربط سياقها الزمني بكل المعارف الموسوعية التي حصل عليها من خلال الاطلاع، ومن خلال ذاكرة الشخوص أيضًا، دون إغفال لأدوارهم في السياق المعرفي الكلي لخطاب التخييل.

المبحث الثالث: الاستهواء النفسي وإيقاع السرد

على افتراض أن (الاستهواء) عمل مركب، يتخذ من صياغة الخطاب أداة مساعدة على كسب هوى المتلقي، حتى يصير مشاركًا له في إنجاز مؤلفه، فاستراتيجية (الاستهواء) "تهدف إلى إغراء الطرف المشارك (المتلقي) في التبادل التواصلي، بحيث ينتهي الأمر به إلى الدخول في عالم التفكير الذي يرتكز عليه عمل التواصل"5، واستراتيجية (الاستهواء) في الرواية لها أركان منها: الاحتياج: الذي أبرز أسلوب المؤلف القائم على البحث.

بينما اتضحت ثنائية (الروح/ الجسد) من خلال ركني: الكفاية: من تجليات هذا الركن ميل المؤلف إلى اختتام فصول الرواية بتعليقه، الذي يعد شارحًا ومفسرًا لتحولات الشخصيات، وخروجه من دائرة الاحتياج إلى دائرة تلبية حاجة الآخر، والتكليف: على اعتبار الكفاية مشروطة بإنجاز كتابة الرواية من ناحية، واكتساب سلطة السعي لمطالبة المتلقي بالإجابة عن تساؤلات المؤلف من ناحية أخرى، ربما يدفعنا ذلك إلى الحديث عن (إيقاع السرد) في الرواية التي بدأت بتلخيص الفكرة الأساسية، دون إشارة إلى شخصية البطل الرئيس، يلي ذلك إبطاء السرد، الذي اعتمد فيه المؤلف على آلية (الوصف).

تجلت أيضًا المشهدية التي تساوى فيها (زمن الخطاب) مع (زمن القصة الحقيقية)، والتي برز فيها (الحوار) بين الشخوص، الذي جاء للافراج عن (المكبوت) دون تدخلات من المؤلف، مثال لذلك: الحوار الذي دار بين الرجل المهيب والدكتور "داهش"، أيضًا الحوار الذي دار بين "ماجدا" وخالتها "لور"، قرينة رئيس الجمهورية اللبناني "بشارة الخوري" -الذي باشر حملة منظمة ضد داهش يؤيده فيها فئة من رجال الدين المسيحي- بعد أن حكت "ماجدا" عن بعض المعجزات الروحية للدكتور "داهش"، تم أيضًا التواتر على عدة مستويات منها: السرد المفرد الذي اتضح في حكي الراوي المشارك ما تم معه، ملخصًا إياه في بداية الرواية، وفي تعقيبه على كل فصل باستثناء الفصل السابع المعنون بــــ"المؤمن الأول، يوسف الحاج"، ربما لأنه اختتم بوصية الدكتور "داهش" الذي توحد به المؤلف، فمن المنطقي ألا يُعقب عليه، والسرد التكراري الذي اتضح في حكي قصة "داهش" عدة مرات على لسان الشخوص في علاقاتهم معه، والسرد الترددي الذي اتضح في ذكر معلومات عن "داهش"، وعن مؤلفاته وأجزاء منها أكثر من مرة، وهذا النوع من السرد يوجه المتلقي لدلالات الحكاية، التي يتحول فيها المؤلف من الفراغ الروحي والسعي من أجل المادة، إلى الاستغراق في الوصول إلى جوهر الإنسان.

الخاتمة

في رواية: رابطة كارهي سليم العشي، يذهب الكاتب: سامح الجباس، من الهوامش إلى المركز، ومن فكرة تلاشي المعنى إلى استشراف المعنى، ومن القول بموت المؤلف إلى الاعتراف بسيادته، مع ملاحظة أن تساؤلات المؤلف نابعة من كون الفهم ليس مكملًا لمناهج علوم الطبيعة بل معارضًا لها، كأنه يريد أن يقول إن الحياة لم تعد تمنح المعنى تلقائيًا، فالبنى الأساسية للوجود مغرقة في الألغاز، رواية "رابطة كارهي سليم العشي" ذات مرجعية تاريخية تتصل بتأكيد وجود الدكتور "داهش"، والراوي كنائب عن الكاتب في سرد الأحداث.

اهتمام المؤلف (الراوي المشارك) بـــ(الفهم التأويلي) قائم على الجانب اللغوي وإقامة الحوارات، من أجل إظهار خافي الحكاية وفتح المغلق، فيما نسميه بــ(العملية الكشفية) التي تسعى إلى إعادة تقدير لغة الحكي وفلسفتها، فعالم دكتور "داهش" لا يمكن إدراكه إلا في ظل المساحة (الدلالية)، المتلقي للرواية يشبه المسافر داخل عالمين، فلا يملك إلا انتزاع المعنى، وإزاحة الحجاب من أجل تأويل الحوار وإدراك المعنى؛ لأن أولوية الكلام على الكتابة ترتب عليه أولوية (المدلول) على (الدال).

نحن أمام رواية ذات مضمون فلسفي، قائمة على رصد (عقيدة التقمص) وتجدد الروح، بقدرتها على تجاوز حواجز الزمان والمكان والحضارة والدين، اتسم المؤلف هنا بــ(اليقظة العقلية) القائمة على مراقبة الأفكار والانفتاح عليها ومعايشتها بدلًا من كبتها6، كما أن إدراكه لخبراته الخاصة كجزء من الخبرة الإنسانية الكلية، يمكننا أن نطلق عليه (الإنسانية المشتركة). هناك إحالة دائرية على الموت، بمعنى أن بداية (الرواية/ السيرة) يماثل النهاية، لنلاحظ الكيفية التي تماهى بها (الأنا) في (الأنت) ليعيد إنتاجه.

فيما يخص الجانب اللغوي نجد أن هناك تداخلًا بين مستويين لغويين، المستوى النثري القائم على سرد تفاصيل عملية الكتابة وجمع المعلومات، والمستوى الشعري الذي تجلى في ذكر العديد من كتابات دكتور "داهش" الأدبية.

الوصف ارتبط بطبيعة العلاقات الإنسانية بين شخوص الرواية، وكذلك بالمكان وبالصيغ الجمالية التي خدمت رسالة الكاتب الخاصة بتأثير السياسي في الثقافي.

تعدد الأصوات اعتمد وجهات نظر مختلفة للشخصيات الرئيسة والمحكي عنها، لذا برع الكاتب في تشكيل الأحداث وفق ترتيبها النفسي الذي يفضح ظاهرة (التلفيق الاجتماعي)؛ ولأن (القمع) هو الإشكالية الدرامية الأولى في الرواية، نرى أن تراكم الإخفاقات على المستوى العربي هو الإطار المرجعي الذي حمله الكاتب لنا من خلال أحداث روايته، مع ملاحظة أن (القمع) ارتسم في الأحداث على هيئة تساؤلات، أصلها ثابت وفروعها موزعة كالنبوءات، التي دفعت المؤلف إلى التحرر من سطوة الزمان والمكان عبر المستويات المتعددة للمعنى الواحد، والتخييل، ليصبح (القمع دلاليًا) بين المكتوب والمكبوت، من خلال التشابك بين (الذاكرة) و(تعدد الأصوات)، اتبع الكاتب آلية (التناص الكاذب)، الذي يقيس فيه المؤلف الشاهد الحاضر على الغائب، بالإحالة إلى المرجعية التاريخية الواقعية لممارسة (الإسقاط) المباشر، فالرجل الذي يدعو إلى سمو الروح والأخلاق والإخلاص يُهدد بالسجن ويتم نفيه.

(الدال الخيالي) و(المدلول المرجعي) ساهما في انقسام شخصية المؤلف إلى (ذات) مونولوجية خاصة به كراوٍ مشارك، و(ذات) خارجية تتمثل شخصية الغائب؛ لأن الإشكاليات الدرامية المطروحة من خلال الرواية عن ماهية الروح، مهدت لإشكاليات أخرى قد يطرحها المتلقي على سبيل المثال: هل ما نتناوله الآن رواية؟ أم سيرة؟ وهل يمكن البحث عن ماهية الروح بمعزل عن التفكير في وحدة الوجود؟ وهل تأمل ثنائية (الروح/ الجسد) يؤسس لجوهرية الروح وعرضية الجسد؟ ربما نجد الإجابة من خلال تمكن الكاتب من رصد ثنائية (الروح/ الجسد)، ودورها في (صراع) الإنسان مع العالم الخارجي أولًا، ومع (ذاته) في حياته الباطنة ثانياً، من خلال الطابع التوثيقي التأريخي لقصة "داهش"، وهو هنا يعد بمثابة فعل تجريبي لتكوين (مبدأ الواقع) في الرواية؛ ولأن (الغياب) يناقض (الوجود)، بالتالي فإن استدعاء الماضي يمكننا اعتباره من دوافع الكتابة، فالمؤلف والمتلقي كلاهما تمثل الغياب ككتابة وكتاريخ لحياة الشخصية الرئيسة في الرواية، لخلق صورة فنية تُحيل على الحكاية، في النهاية نجد أنفسنا مجبرين على ممارسة (الصمت الصوفي) أمام تساؤلات المؤلف فالمعرفة متعلقة بالزمن، وما دام الزمن بدون حدود، فليس هناك معرفة أبدية، لأن المعرفة المنسوبة للبعد الزمني تظل نسبية مجرد (ظن).

 


المراجع والهوامش:
1. سيجموند فرويد (1987)، "الهذيان والأحلام في الفن"، ترجمة: جورج طرابيشي، دار الطليعة، بيروت.
2. سمير الخليل (2016)، "تقويل النص: تفكيك لشفرات النصوص الشعرية والسردية والنقدية"، ط 1، دار غيداء للنشر والتوزيع، عمان.
3. Nussbaum, M. (2001). Upheavals of thought: the intelligence of emotions, Cambridge University Press, P.302
4. رامي نزيه أبو شهاب (2020)، "النكبة في رواية زمن الخيول البيضاء لإبراهيم نصر الله: المتخيل والوعي التاريخي، المجلة العربية للعلوم الإنسانية، جامعة الكويت، مج 38، ع 151.
5. باتريك شرودو، ودومينيك منغنو (2008)، "معجم تحليل الخطاب"، تعريب: عبد القادر المهيري، وحمادي صمود، مراجعة: صلاح الدين الشريف، دار سيناترا، المركز الوطني للترجمة، تونس.
6. Neff, K.,& Dahm, K.(2015). Self-Compassion; what it is. What it does. And how it relates to mind fullness. in M. Robinson, B. Meier, & B. Ostafin(Eds). Mind Fulness and Self-Regulation, New York; Springer
 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها