كاي فو لي Kai-Fu Lee

المد الصاعد: مستقبل بدون وظائف يلوح في الأفق

ترجمة: ياسين إدوحموش

تتخطى شهرته على مواقع التواصل الاجتماعي شهرة مادونا أو أوبرا وينفري لكنك ربما لم تسمع به قط؛ إنه كاي فو لي، عملاق الصناعة الذي أصبح وجه التكنولوجيا العالمية الصينية، واسمه مرادفاً لاقتصاد ناشئ تواق للسيطرة على العالم بأسره.

لقد أمضى سنوات تدريبه في المساعدة على تمهيد سبيل الابتكار لشركات مثل مايكروسوفت وآبل. غير أن كل شيء تغير بالنسبة له عندما قاد محاولة فاشلة لجلب Google إلى السوق الصينية، إذ غادر كاي فو لي Google عام 2009 لإنشاء صندوق رأس المال الاستثماري الخاص به Sinnovation من أجل دعم اقتصاد التكنولوجيا المحلية.

ولما كان شخصية قوية ومؤثرة للغاية في بلده الأصلي، فقد جمع ما يقارب خمسين مليوناً متابعاً يعلقون على كل كلمة على موقع المدونات الصغيرة ويبو Weibo.

إنّ الصّين التي يدافع عنها اليوم تتلألأ بالابتكار، غير أن الغرب ما زال ينظر إلى هذا العملاق بشعور من الخوف، فهو في بلد غامض ما يزال في طور صياغة رسالته العالمية.

لكن ليس الصين التي يقول إنه يجب أن نكون قلقين بشأنها، إذ يريد كاي-فو لي استخدام نفوذه في إعداد العالم للنهاية الوشيكة التي ستجلبها أتمتة الذكاء الاصطناعي.

وفقاً لتقديرات كاي-فو، فإن الأتمتة ستخفض ما يصل إلى 40-50٪ من الوظائف في جميع أنحاء العالم، ولكن بما يكفي من الإبداع والحنكة، قد نتمكن من سد هذا التسرب قبل أن يخرج عن السيطرة بالكامل. ووفقاً لمعاييره، فإن هذا ليس اختباراً تجريبياً ويجب أن تَحذر الحكومات في بقاع العالم وأن تستعد بسياسات جادة جاهزة قبل أن تستتب الاضطرابات المدنية.


جلسنا مع كاي فو لي Kai-Fu Lee لمناقشة اللغز الذي تعده الصين ولماذا ستكافح Google للنجاح في أكبر دولة تكنولوجية على وجه الأرض، ولماذا تحتاج الحكومات إلى اتخاذ الأتمتة على محمل الجد.

 

تتمثل حجتك في كتابك "القوى العظمى للذكاء الاصطناعي" في أن الاقتصاد الصيني القائم على المشاريع التكنولوجية سوف يتفوق على "وادي السيليكون" لأنه أفضل في النسخ والسرقة؟

لا، على الإطلاق. أعتقد أنك أسأت فهم ذلك، فهذا غير صحيح بتاتاً.

هل يمكنك أن توضح لنا الفكرة إذن؟

حسناً، أعتقد أن نجاح الصين ربما يتعلق بالنسخ، لكنه تطور إلى شيء كبير مثل وادي السليكون. لا أعتقد أنني في وضع يسمح لي أن أقول أيهما أكبر، إذ لديك نظامان مختلفان تماماً.
إن الأمر كأن تقول لشخص ما: الهواء والماء أيهما أكثر أهمية بالنسبة لك؟ أو أيهما أكثر قيمة، الماس أم الذهب؟
أعتقد أنّ كلاًّ من نظامي وادي السليكون والنظام الصيني له قيمة جوهرية فهما سيخلقان ثروة هائلة، وكلاهما سيحقق نجاحاً منقطع النظير حتى بعد قرن من الآن، لكنني لا أرغب في تحديد من سيتفوق على الآخر. إنه ليس سباق تسلح، فهما يشتغلان في عوالم متوازية.
يتمحور النموذج الصيني حول بناء جدار مرتفع جداً حتى لا يستطيع أحد أن يكرر أو يبدأ حرب أسعار، كما يتعلق بتفاصيل دقيقة، والتميز التشغيلي ووجود سوق ضخمة والحصول على تعليقات فورية من السوق، مع تكرار ذلك مرات عديدة بحيث يصبح مبتكراً . أعتقد أن هذه هي الروح، وأن النسخ كانت الطريقة التي بدأ بها.

أريد محاولة استيعاب عقلية النظام المقاولاتي الصيني لأنه جديد نسبيّاً بالنسبة للغرب. إنك تقول بأنه يكرر ويهتم بالتفاصيل ويعد نظاماً مختلفاً عن وادي السليكون. في الغرب لا أشعر أن هذا شيء نعجب به، إذ إننا نقدر الفكرة والابتكار أكثر. يبدو أن ثمة فرق شاسع؟

نعم، أنت على حق. أعتقد أنه نظام تعتبر القيمة النهائية فيه أهم شيء، أما الطريقة التي تصل إليها فليست بذات الأهمية. سواء أكنت صاحب الفكرة فهذا غير مهم. فأنت إما أنك ستستغل فكرتك أو فكرة شخص آخر.
على الأرجح أنك لا تملك فكرة حتى عند بدء النشاط التجاري، وعندما تكرر وتحصل على تعليقات من المستخدم تبدأ في اكتساب معلومات ثاقبة وتنتهي ببناء المنتج الذي يغير العالم.
لو سافرت إلى عالمنا الموازي وأريناك خمسة من أفضل التطبيقات في الصين، فقد ترغب في أن يكون لديك واحدة. يمكنك أن تقول إنهم مبدعون، لكنها لم تتمخض من شخص خطرت له فكرة وقال: "سأبني واحدة من تلك".
بعد خمس أو ست سنوات من التكرار، تصبح قوية بشكل لا يصدق، ولا تقل قوة من التطبيقات في الولايات المتحدة. يصعب عليّ وصف ذلك بدون عرض التطبيق لك، ولكن فكّر في أهم ثلاث تطبيقات صدمتك عندما رأيتها مثل يوتوب أو خرائط (Google) أو Snapchat أو محرك بحث (Google).

هل تعتقد أن هذه العقلية الصعبة للغاية وهذا النجاح مهما كلّف الأمر وهذا الانضباط في العمل المتسم بالصرامة، الذي تكتب عنه في الكتاب سيسمح بدفع عجلة القوى التقنية الصينية بسرعة معينة وظهور أنظمة تقنية أخرى مثل وادي السيليكون؟

أعتقد أنه بسبب كونهم لا يبيعون منتجاتهم لنفس السوق، فهم لا يتنافسون حقاً. لكنني قلت مؤخراً في تظاهرة "تك كرانش"، إنه إذا كان هناك مستخدمو انترنت على سطح المريخ وحط رجال الأعمال الصينيون والأمريكيون هناك، فسأراهن على الصينيين.
إنها ليست مشكلة لغوية فقط، بل تتعلق أيضاً بأنماط البحث والمدفوعات، كما يتعلق بانجذابك نحو العلامة التجارية وإيمانك بالشركة وكل هذه الأشياء الأخرى مجتمعة. لذا، ليس من المتوقع أن يصطدم هذان العالمان في أي وقت قريب. لهذا أستخدم المريخ كمثال. لذلك أنا لا أحاول تجنب كلمة "المنافسة" أو "الحرب".

لا يتفق بعض الناس مع وجهة نظرك وقد يشعر البعض أن ثمة سباق تسلح في طور الحدوث، يكفي النظر إلى الجيش ووحدات الدفاع في أمريكا التي رفعت من حجم التمويل، وهاهم الصينيون يخرجون ضاربين صدورهم قائلين بأنهم يريدون أن يكونوا قادة الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول عام 2030.
ثمة كذلك قدر من الشكوك والتخوف عند ذكر الصين، وقد يكون سبب ذلك أننا لا نعرف الكثير عن الصين لأن لديهم ستاراً سميكاً يحجبهم عنا.

حسناً، أعتقد أن كل بلد لديه طموحاته الخاصة. لقد انتخب دونالد ترامب بالقول إنه يريد "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، وقال أوباما "نعم نستطيع". إن الصين تقول إننا نريد أن نكون من الأوائل في مجال الذكاء الاصطناعي، فهو الطموح الذي تصبو إليه. أعتقد أن الأمل الأسمى المعقود على الحكومة الصينية يتمثل في أن الشعب الصيني سيكون في أحسن الأحوال مع التقدم في مجال الذكاء الاصطناعي، مثلما يجب أن يكون الحلم الأمريكي هو تحسين أحوال الأمريكيين عن طريق الذكاء الاصطناعي. نحن لا نتحدث هنا عن الاستيلاء على الموارد والنفط أو الأرض، فكل بلد يسعى إلى تطوير قدراته. علاوة على ذلك، ليس الأمر كما لو أنهما يحاولان البيع إلى أمريكا الجنوبية والتصارع حول المنتج الذي تستخدمه البرازيل. إنهما بالفعل مجالان متوازيان، والبلدان يبليان بلاء جيداً مستخدمين منهجيات مختلفة.

عندما تُذكر الصين، فإن بعض الناس قد يربطون البلاد بالسلطوية وحقيقة أن حقوق الإنسان لا يتم تشجيعها، هل تعتقد أن هذا من شأنه أن يخنق الحركة الحقيقية للابتكار والأصالة؟

أنا لست خبيراً في الحكومة وبالطبع يحق للأشخاص إبداء وجهات نظرهم. أعتقد أن الشيء المهم هو أن المنتجات المبتكرة تأتي من الصين، فلا يمكنك تجاهل هذه الحقيقة. إذا عرضت عليك WeChat فستقول "إنه نجاح باهر، هذا منتج مبتكر". ألا تبرر الغاية الوسيلة؟ إن الأمر ليس كما لو كانت هناك فكرة مسروقة، فقد تم ابتكارها جميعاً هنا، إذا استغرق الأمر الكثير من رأس المال والروح القتالية. إنها طريقة مختلفة للتوصل إلى النتيجة فحسب.

لقد كتبت عن قيام الحكومة الصينية بضخ الأموال في الاقتصاد التكنولوجي، وهي مبادرة أطلق عليها لفظ "توجيه الأموال"، حيث ارتفعت من 7 إلى 27 مليار دولار في غضون ثمان سنوات. لقد كتبت أيضاً أن فرنسا والمملكة المتحدة لديهما اقتصاد تقني قوي، ولكنهما لا يملكان بيئة محلية لرأس المال الاستثماري لتحسينه. ما الذي تحاول الحكومة الصينية إبعاده عن اقتصاد التكنولوجيا عبر ضخ هذا القدر من المال؟ وما الذي يعوق التقدم في بلدان مثل المملكة المتحدة؟

أولاً، أريد أن أقول إن النظام الرأسمالي الاستثماري الصيني تطور أولاً إلى حد كبير تقريباً من دون مساهمة حكومية، حيث تطور أصلاً برأس مال أجنبي من أمريكا وأوروبا، الذين أدركوا أن الصين كانت في وضع نمو. كل شيء تطور في القطاع الخاص، ابتداءً من الإنترنت والذكاء الاصطناعي وهلمّ جراً.
ولكن من المنظور العام، لم تكن 27 مليار دولار على مدار 15 سنة بالمبلغ الكبير. إنها مفيدة، بحيث عملت على زيادة اشتعال الأمور، لكنه ليس العامل المساعد. إضافة إلى ذلك، فقد جاء في وقت متأخر، ففي الوقت الذي جاء فيه الصندوق التوجيهي كان النظام الرأسمالي المغامر قائماً بالفعل.
بعد أن قلت ذلك، أقر بأن الحكومة ساهمت في تطوير بيئة تنظيم المشاريع. فالصينيون يسمحون بإطلاق تقنية جديدة بأقل قدر من التنظيم مما يسمح لها بالازدهار، ويعد الدفع بواسطة الهواتف النقالة مثالاً على ذلك.

هل تعتقد أن الشركات الصينية تطمح في أن يكون لها حضور في السوق الأمريكية والأوروبية؟ فنحن لا نستخدم أي تكنولوجيا من الصين. أم إنهما عالَمان موازيان كما تقول؟

أنا أتفق معك في ذلك. أعتقد أن قبولكم لـ(أمازون) و(غوغل) و(فيسبوك) قد عزز مكانتها في السوق وصعب للغاية على الشركات الصينية الدخول والمنافسة. ولذلك هذا هو السبب في وجود أكوان متوازية يعزز بعضها بعضاً: الولايات المتحدة والصين؛ فهما دولتان تملكان علامات تجارية قوية منفصلة مع ولاء وحواجز أمام الدخول. غير أنني أعتقد مع الدول الناشئة، أن الصين قد يكون لديها بعض المزايا، فالشركات الصينية تحقق تقدماً في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط من خلال الشراكات والاستثمارات، ومن خلال توسيع الفضاء الصيني. لذلك أعتقد أن الاتصالات الصينية الدولية سيكون لها بعض الامتداد.

أتساءل إذا كان بإمكانك التعليق على إعادة دخول شركة (غوغل) إلى السوق الصينية بعد غيابها لفترة طويلة، فقد تصدرت مؤخراً خدمة "دراجن فلاي" العناوين؛ لأن التقنية تسمح بربط عمليات البحث بأرقام هواتف المستخدمين، مما يجعل من الصعب تجنب مراقبة الحكومة. هل لديك أية أفكار حول هذا؟

لقد غادرت غوغل قبل تسع سنوات. كنت أعتقد أن هذا سيعزز رسالتي السابقة بأن رغبة عملاق من عالم مواز في الذهاب إلى عالم آخر صعب للغاية، إذ من الصعب أن تأتي (غوغل) إلى الصين. وللأسباب نفسها، لا يمكنك تخيل نجاح الشركات الصينية في المملكة المتحدة. سيكون لدى (غوغل) صراع شاق. لقد كنت رئيساً لشركة (غوغل) قبل ثلاثة عشر عاماً، ولم تكن العوالم الموازية تتخذ الشكل الذي هي عليه الآن، فما كان ممكناً آنذاك بات الآن صعباً للغاية.

تعد الأتمتة المرتبطة بـالذكاء الاصطناعي المشكلة التي تناقشها كثيراً، حيث تحدثت في مقال رأي في صحيفة نيويورك تايمز عن قضاء الذكاء الاصطناعي على أنواع عديدة من الوظائف؛ صرافو البنوك، مندوبو خدمة العملاء، التسويق عن بعد. إلى أي مدى من الجدية ينبغي على الحكومات اتخاذ هذا؟

حسناً، هذا ليس وشيكاص. من المحتمل أن يتسارع الاستيعاب في غضون عامين مع تطور التقنيات. إننا نشهد على سبيل المثال شركات تقول إنها ستخفض في السنوات الثلاث المقبلة عدد الموظفين التنفيذيين بمقدار النصف. إذن هذه هي الإشارات التي نراها قادمة. لكن بالنسبة للعديد من الشركات، لا تزال هناك مسائل تقنية وتكيفية يلزم حلها. أعتقد أن الأمر سيستغرق خمسة عشر عاماً حتى يتم تسريح جزء كبير من الوظائف.
في ضوء ما ذكرت، تتحرك الحكومات ببطء، إذ يستغرق الانتقال من حبر على ورق إلى مناقشة ومن نقاش إلى عمل محتمل بعض الوقت. لذلك أعتقد أن الوقت قد فات لكي تفهم الحكومة القضية. يجب أن يكون الحل تدريجياً لأننا سنشهد أدلة متزايدة على أن هذا سيأتي، وأنه سيكون الأوان قد فات لفهم القضية بمجرد أن نرى 1٪ من السكان يتأثرون. نحن بحاجة لأن نكون في الطليعة.

لقد كتبت في الكتاب قائلاً: "أخشى أن يجد العمال أنفسهم في حالة من التراجع المستمر كالحيوانات التي تفر من مياه الفيضان، هاربة بقلق من صخرة إلى أخرى". إنها صورة مخيفة للغاية؟

نعم، بعد إجراء البحث، هكذا سيكون الأمر.

إنك تقول إنّ الصين ليست منشغلة أو قلقة بشأن مسألة الأتمتة؟

أعتقد أن معظم المفكرين الذين يجرون هذه المناقشة اليوم هم أمريكيون أو أوروبيون. ثمة عدد قليل جداً في الصين ممن يفكرون في هذه المسألة، والسبب، كما ذكرت في الكتاب، هو أن الحكومة الصينية تعتني عموماً بمسائل كهذه، وقامت بعمل جيد حتى الآن. لذا لا يشعر رجال الأعمال أو الأساتذة بالضرورة أن هذه مشكلة تقلق بالهم.
في الحقيقة، أعتقد أن هذا قد يكون أحد الأسباب الصغرى، حيث أعتقد أن السبب الأكبر يتمثل في أن الحكومة الصينية اهتمت بالانتقال من الزراعة إلى التصنيع بشكل فعّال من خلال اتباع مقاربة القمة نحو القاعدة بشكل مختلف عن النهج الغربي، وأنا لا أقول إنها جيدة أو سيئة. ولكن، بحكم أن الحكومة نجحت في الأمر في السابق، يعتقد الناس أن الحكومة ستعتني بها عندما يأتي التغيير مرة أخرى.
أعتقد أنّ الشعب الصيني يركز أكثر على جني المال. ولكن هذا ليس لأنه لا وجود لتراث ثقافي قوي للتفكير في معنى الحياة أو الوجودية. عد إلى الفلسفة الشرقية، فليس هناك تنوع أقل في الفكر في الصين. أعتقد أن ما حدث في السنوات الأخيرة هو أنه عندما قال دنغ شياو بينغ "دع بعض الناس يصبحون أغنياء أولاً"، أشعل ذلك نوعاً ما حمى البحث عن الذهب.
 نحن الآن في العقد الرابع من البحث عن الذهب ولا يزال هناك العديد من الأشخاص الذين كانت عائلاتهم غنية أو فقيرة لعشرة أو عشرين جيلاً، وتعلق الكثير من التوقعات بأن يكون الطفل الجديد هو الذي سيدخل العائلة إلى الطبقة المتوسطة أو يجلب لها بعض الثروة. لذا فإن هذا التوقع يدفع الشعب الصيني إلى العمل بجدية أكبر والعمل بأسلوب تنظيم المشاريع الذي ناقشناه، كما أنه يجعل الناس يضعون الثروة المادية في أعلى مستويات الأولوية. أعتقد أنها ثقافة سنتجاوزها خلال خمسين عاماً أو ما يقاربها، بعد أن ترتسم معالم الطبقة المتوسطة.

ليس هناك شك في أن الصين منظر ساحر للغرب، فنحن ننظر إليها بمزيج متساوٍ من الفضول والذهول والخوف. لكنني أريد أن أفهم ما هي أكبر التحديات التي تواجهها الصين؟ إذ لديها طبقة وسطى متفجرة، وسكان يبلغ تعدادهم نحو 1.4 مليار نسمة والطلب على الطبقة المتوسطة ينمو بينما يتحدث البعض عن تراجع اقتصادي محتمل؟

لا أستطيع التعليق إلا على التكنولوجيا. فكما ذكرت، وأنا أتفق، فإن الابتكار يعد شيئاً يجب علينا جميعاً الاعتزاز به. لقد تحسن نظام التعليم الحالي، ولكن لا تزال هناك فجوة كبيرة بين مؤسساتنا وتلك الأفضل في المملكة المتحدة والولايات المتحدة. لدى الولايات المتحدة على وجه الخصوص، هذه القدرة على جذب شباب عظماء للدراسة هناك ثم القيام بأبحاث عظيمة والبقاء هناك، أما الصين فلا تملك هذه الميزة. تستطيع الولايات المتحدة اجتذاب الناس من جميع أنحاء العالم، أما الصين فلديها الصينيون. وبصفتها دولة كبيرة كما هي، فهي مجرد جزء بسيط من العالم، وحتى تكتسي طابع العالمية وتكون جذابة في نظر الشعب الصيني بما يكفي ليمكثوا فيها، تحتاج الصين لجذب الناس من أماكن أخرى.

ماذا سيحدث عندما تصبح التكنولوجيا أكثر انتشاراً في مجتمعنا بحيث تهيمن على جميع الوظائف العمالية؟

إذا فكرنا في هذا الأمر بشكل استباقي، فقد نلخصه في شيئين اثنين هما الإبداع والتعاطف. إن الإبداع يخاطب السياسة حول التعليم الموهوب المتفوق، حيث يسمح للناس بالتخصص في سن مبكر واتباع شغفهم، حتى يتمكنوا من تحقيق أقصى قدر من التأثير في مجال إبداعهم.
ولكن هذه نسبة صغيرة من الناس ولا تحل مشكلة الوظائف. لذلك يصبح التعاطف الحل الوحيد، وأنا هنا أستعمل الكلمة بمعناها الأوسع، إذ أعني أن تكون قادراً على التعلق بشخص ما. هذه ستكون وظائف مثل المربيات والمعلمين والممرضات والأخصائيين الاجتماعيين والأطباء النفسيين، أي الوظائف التي تتطلب قدراً كبيراً من التفاعل البشري.
أعتقد أن الحكومات يجب أن تفعل ما بوسعها لزيادة فرص العمل في قطاع الخدمات هذا، فتلك هي الوظائف التي سيكون من الصعب للغاية، إن لم يكن من المستحيل، على الآلات القيام بها. حتى إذا استطاعت الآلات أن تُحاكي إلى حد ما، دعنا نقول ممرضة آلية، فالناس في الحقيقة لا يريدونها. أعتقد أنه مع أي من هذه الوظائف، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساهم في أن يصبح محركاً تحليلياً حتى يكون بمقدور الناس القيام بما يقومون به على نحو أفضل، وهو الاهتمام بالناس. ولهذا ربما تعد تلك الفئة الوحيدة الكبيرة بما يكفي لامتصاص هجرة الوظائف. أعتقد بأنه على مدى 15 إلى 25 سنة القادمة سوف يشمل الأمر وظائف مثل المشاريع الاجتماعية والتأثير الاستثماري والتطوع. كما أنها أجبرت دول أصغر على التفكير إذا لم تعد الصين والهند الخدمة العمالية في العالم، فما هي خيارات الخدمة المتبقية.
لقد صدّرت الفلبين وإندونيسيا الكثير من المربيات، ولا أعتقد أنهن يردن ذلك. لكن على شخص ما أن يفكر في صيغة جديدة للشعوب وللبلدان من أجل الوظائف التي لا يستطيع الذكاء الاصطناعي القيام بها. هذا هو التفكير التشاؤمي، لكني أعتقد أن التفكير الأكثر تفاؤلاً هو أننا إذا ذهبنا بعد ثمانين سنة إلى المستقبل ونظرنا إلى الوراء فسنجد بأن تكفل الآلات بوظائفنا الروتينية هو في الواقع نعمة حتى نتمكن من القيام بما نجيد فعله وما نحبه والتفكير في معنى الحياة. لكن علينا أولاً أن نتخطى السنوات الخمس والعشرين القادمة عندما يكون هناك مرحلة انتقال في الأفق يحتمل أن تكتنفها تحديات.
 


المصدر: https://www.52-insights.com/interview-technology-automation-kai-fu-lee-the-rising-tide-a-jobless-future-is-coming

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها