من محصلات الذكاء الاصطناعي.. روبوتات بمشاعر إنسانية

د. سعيد عبيدي

تحتل الروبوتات اليوم في الدول المتقدمة مكانة متميزة، فقد دخلت بالفعل في الكثير من المجالات والنشاطات الحيوية، وهو ما يدفع بهذه الدول إلى رصد استثمارات هائلة لها، وتسخير كل الإمكانيات اللازمة للبحث والتطوير فيها، وبفعل هذا التطور الكبير أثيرت نقاشات ودراسات، وبحوث حول المخاوف والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية المحتملة، من التوسع في انتشار الروبوتات واستخدامها في المجتم وخاصة الروبوتات المنزلية، والروبوتات الشبيهة بالبشر. وقد يتساءل المرء: لماذا نريد تصميم آلة "تبدو" مثل البشر، وتستطيع التفكير ولديها انفعالات مثلهم أيضاً، بينما لدينا بالفعل في عالمنا الكثير من البشر الحقيقيين، وعددهم في ازدياد متسارع، والكثير منهم لا يجدون وظائف أو أماكن جيدة للعيش؟


من المهم أولاً التأكيد على أن الروبوتات الشبيهة بالبشر لا يمكن أن تحل محلهم بشكل كامل؛ "فالآلات الحاسبة مثلاً لم تحل محل علماء الرياضيات، ولكنها أحدثت تغييراً جذرياً في الطريقة التي يتم بها تدريس الرياضيات، فالآلات الحاسبة لم تسرق منا جزءاً مما يعنيه أن تكون إنساناً، ولكنها عملت على تحرير عقولنا لجهود أخرى تستحق الاهتمام أكثر، وبالمثل، فإن الروبوتات الشبيهة بالبشر ستغير ملامح القوى العاملة والاقتصاد والمجتمع، ولكنها لن تتعدى على سيادتنا، بل ستمكننا من استكشاف جوانب مهمة في طبيعتنا البشرية ومواصلة ذلك، فلماذا إذن لا نبقي الروبوتات مثل الآلات الحاسبة بوصفها مجرد مبتكرات مفيدة؟ وإذا كنا نريد للروبوتات أن تكون موثوقاً بها ومفيدة حقاً؛ فإنه يجب أن تكون قادرة على التكيف والتطور، ولعل أحد الأسئلة الأكثر عمقاً هو: كيف يمكننا تطوير الروبوتات الشبيهة بالبشر، وتحفيزها لتصبح مفيدة بالفعل"؟1.

يؤكد الباحثون في هذا المجال أنه إذا كنا نريد روبوتات شبيهة بالبشر مفيدة، فسيكون مهماً أن نمنحها بعض "النظم التحفيزية أو الدافعية مثل البشر، والتي نطلق عليها مصطلح الانفعالات أو العواطف، والتي هي مجرد محاكاة للعواطف والانفعالات البشرية، ويتم ذلك من خلال استخدام خوارزميات تسيطر على درجات حرية حركات الوجه، ونبرة الصوت، ولغة جسم الروبوت، والمظاهر المادية من العاطفة والانفعال. وعلى الأرجح سوف ينشأ نوعان متميزان من الروبوتات الشبيهة بالبشر: نوع يستجيب لعواطفنا وانفعالاتنا، ونوع آخر يرغب ببساطة في القيام بالعمل يومياً من دون إثارة مشاعرنا، ولكن يعتقد بعض علماء الأخلاقيات بأنه قد يكون من الصعب المحافظة على هذا التمييز، ومن ناحية أخرى هناك الكثير من المخاوف الأخلاقية بشأن عاطفة الروبوت أو ذكائه، فبالرغم من أن الروبوتات هي مجرد آلات إلا أن تفاعلات البشر معها سوف تكون حقيقية، ومما يزيد من قلق الباحثين أيضاً في هذا المجال هو أننا سنتفاعل ونتواصل أكثر مع الروبوتات والآلات وأقل فيما بيننا؛ فمع دخول الإنترنت والهواتف المحمولة الذكية في حياتنا بصورة متزايدة، على سبيل المثال، تأثرت العلاقات الإنسانية الطبيعية والتواصل مع الآخرين وجهاً لوجه سلبياً، فأصبح الكثير من الأفراد يفضلون إقامة العلاقات عبر البريد الإلكتروني وغرف الدردشة، والرسائل الفورية عن العلاقات الشخصية وجهاً لوجه، بالإضافة إلى أن شبكة الإنترنت أصبحت تقدم فرصاً للاحتيال والتزوير، والسرقة وتعطيل التجارة، ونشر المعلومات الخاطئة"2.

لقد كان طبيعياً إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي في آلات الحقبة "ما بعد الصناعية، إذ تحولت الآلات إلى روبوتات، وفي المستقبل سوف يتجلى تحول آخر أكثر إدهاشا ًجراء تطور طبيعتها الآلية إلى طبيعة جديدة نصف بشرية- نصف آلية، أو بعبارة أدق طبيعة جديدة شبه بشرية بواسطة المزج بين ما هو بيولوجي وما هو آلي ضمن مكوناتها، سوف تكون عملية تمييز الفروق الشاسعة بين الكائنات الحية والروبوتات شبة الحية، بمثابة مهمة صعبة تصل إلى حد التعقيد... فتطور الذكاء الاصطناعي في القرن الحادي والعشرين يضعنا أمام منعرج تاريخي جديد تماماً، إذ يزيد من احتمالية إزاحة الإنسان تدريجياً، ليس فقط عن كافة مجالات التوظيف والأعمال الاقتصادية، وإنما أيضاً عن مناحي الحياة الاجتماعية وغير الاجتماعية الأخرى"3.

والثابت حتى اللحظة أن الروبوتات في طريقها إلى امتلاك بنية عاطفية وسيكولوجية تحاكي تلك التي تمتلكها الجماعة الإنسانية، فثمة طفرة هائلة في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وثمة مشروعات متنوعة تسابق الزمن في بلدان عدة حول العالم... فإذا كان بنو الإنسان يكابدون بين "نفس لوامة" و"نفس أمارة"؛ فلربما أفلح الروبوت في تعمير الأرض بـ"نفس روبوتية مطمئنة"، لا تضمر الكراهية والحقد، ولا ترتكب الكذب والخداع، ولا تنزع إلى التسلط والقتل، أو بعبارة مختصرة "نفس فوق بشرية"4.

وصناعة روبوت بمشاعر إنسانية تأتَّى في السنوات الأخيرة لباحثين من "جامعة واسيدا اليابانية (Waseda University)، وشركة تمسوك (TMSUK) لصناعة الإنسان الآلي، حيث طوروا نسخة جديدة من الروبوت أطلقوا عليها اسم "كوبيان" (KOBIAN) يمكنها التعبير عن بعض المشاعر، وقد تمت برمجة "كوبيان" بشكل يجعله يعبر عن سبعة أنواع من المشاعر؛ إذ يعبر عن السعادة والفرح برفع ذراعيه في الهواء وفتح عينيه وفمه، أما عندما يشعر بالحزن فإنه يضع يده على عينيه كما لو كان يخفي دموعه.

وقد تمت الاستعانة بمحركات صغيرة مفردة لتحريك شفاه وحواجب ورموش الإنسان الآلي. ولكن "كوبيان" لا يمكنه حتى الآن سوى التعبير عن المشاعر التي يبرمجه عليها مشغله من قبل، مما حذا بهؤلاء الباحثين إلى محاولة تطوير هذا الأمر أيضاً، عبر العمل على منح "كوبيان" القدرة على إظهار مشاعره اعتماداً على نفسه دون برمجة مسبقة، حتى يتمكن في يوم ما من إدخال الفرحة على قلوب كبار السن المقيمين في دور رعاية المسنين. هذا وتعمل العديد من الشركات والمؤسسات البحثية في اليابان على تطوير نسخ متعددة من الإنسان الآلي، وذلك على خلفية الشيخوخة الملحوظة في المجتمع الياباني، مما يجعل السكان في حاجة لمن يساعدهم في أعمال الحياة اليومية"5.

وبعد الروبوت "كوبيان" أنتجت الشركة اليابانية (Softbank Robotics) روبوت أكثر تطوراً أطلقت عليه اسم "Pepper"، وميزته الأولى هي قدرته على إدراك العواطف والتعرف على المشاعر الإنسانية، فهو يستطيع تذكر الوجوه والكشف عن المشاعر، إذ يعمل على طرح الكثير من الأسئلة ليفهم عواطف الإنسان بطريقة معمقة. وتصفه الشركة المصنعة بأنه "الروبوت اللطيف والمحبوب"، وترى أنه أكثر من مجرد روبوت، فهو رفيق بشري حقيقي تم إنشاؤه للتواصل مع البشر بطريقة طبيعية من خلال حركات جسمه وصوته، ووفقاً للشركة دائماً، فقد تم تصميم العاطفة في قلب الروبوت لتحديد المشاعر البشرية الرئيسة، سواء الفرح أو الحزن أو الغضب أو المفاجأة أو غيرها، وبناء على ذلك يختار السلوك الأنسب لهذا الوضع، فهو سيتحدث إليك على حسب مزاجك اللحظي، كما أنه يعبر عن نفسه من خلال لون عينيه أو لوحته الملحقة به أو لهجة صوته. وفي المجمل إذا كنت سعيداً سيشاركك "Pepper" في سعادتك، أما إذا كنت حزيناً سيساعدك في الخروج من حالتك إلى الأفضل، كما أنه يتفاعل مع الإنسان لمعرفة المزيد عن ذوقه وعاداته، وذلك استناداً إلى صوته والتعبيرات على وجهه وحركات جسمه والكلمات التي يستخدمها... في المجمل يريد معرفة من أنت6.

لقد تحقق التقدم المتسارع في تكنولوجيا الروبوت كما أكدت الباحثة صفات أمين سلامة "بفضل تطور قدرات أجهزة الكمبيوتر الحديثة، والاكتشافات المهمة في تكنولوجيا التخاطب الصوتي الآلي، التي تتيح لأجهزة الكمبيوتر التعرف على معاني الكلام الموجه إليها، بالإضافة إلى نجاح علماء الذكاء الاصطناعي في إنتاج مكونات إلكترونية غاية في الدقة... كما أن العديد من المراكز العلمية والبحثية المتقدمة حول العالم تشهد حالياً تنافساً شديداً حول القدرة على تصميم روبوتات ذكية، مزودة بعناصر الوعي والإدراك؛ فعلماء وخبراء الذكاء الصناعي يتوقعون أن تنتشر في المستقبل القريب وعلى نطاق واسع الروبوتات الذكية، التي يطلق عليها اسم "الروبوتات المؤنسنة" (Humanoid Robots)؛ أي الروبوتات القريبة الشبه بالإنسان، المتحركة المتكلمة، التي كوّنت درجة معينة من الذكاء وتستطيع تفهّم مشاعر وعواطف البشر"7.

لقد سعت في السنوات الأخيرة الكثير من الجامعات والمراكز البحثية والشركات، إلى تصميم وصناعة وتطوير ربوتات "تتصف بالمرونة، والقدرة على الإحساس، وقراءة المشاعر، وذلك عن طريق صنع جلد لها؛ وفي هذا الإطار فقد تمكن علماء روبوتات من جامعة بيزا (university of Pisa) الإيطالية من تطوير نظام مدهش، يسمح للروبوتات بتوليد تعبيرات وجه واقعية، يمتد نطاقها من الغضب والاشمئزاز إلى السعادة والدهشة، لترسم تعبيرات وجه أكثر واقعية ونابضة بالحياة، وذلك باستخدام جلد مصنوع من مادة البوليمر (Polymer)، وهذا الإنجاز التكنولوجي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى تقبل أكبر للروبوتات المؤنسنة أو الشبيهة بالبشر (Humanoid Robots)"8.

لم تعد الروبوتات إذن مجالاً من مجال الخيال العلمي، بل أصبحت بفعل الذكاء الاصطناعي صناعة وسوقاً عالمية واعدة، تستثمر فيها مليارات الدولارات، وخاصة في الدول المتقدمة، كما أصبحت هذه الصناعة معياراً لقياس تطور وقوة الدول، ولا شك أن الريادة الاقتصادية مستقبلاً ستكون لمصلحة الدول الأكثر معرفة واستخداماً لتكنولوجيا الروبوتات، ولكن بالرغم من الآفاق الواعدة لهذه الصناعة إلا أن هناك تحدياتٍ وتساؤلاتٍ ومخاوفَ كثيرة مرتبطة بتطور هذه التكنولوجيا، وخاصة في الجانب الأخلاقي والاجتماعي، فالروبوتات المستقبلية كما تؤكد أغلب الدراسات في هذا المجال ستتمتع بقدر كاف من الذكاء، سيتيح لها إمكانية اتخاذ قرارات مستقلة بنفسها، وبذلك لن تقوم بما ستبرمج على فعله فحسب، بل ستتعداه إلى أكثر من ذلك، ولهذا فإن هناك تشديداً على أهمية برمجة الروبوتات كي تكون قادرة على العيش من خلال شيفرة أخلاقية صارمة، وإلا فإن العالم سيتعرض إلى أعمال فظيعة ومجهولة الهوية، نتيجة لما قد يحدث من تصرفات بواسطة الأيادي الفولاذية للروبوتات.


الهوامش 
1. صفات سلامة وخليل أبوقرة، تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الإمارات العربية المتحدة، الطبعة الأولى، 2014، العدد 196، ص: 78-79. ┊2. أنور محمود عبد المجيد عبد الواحد، الروبوت بين الخيال والعلم، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، الطبعة الأولى، 1990، ص: 65.┊3. عبد الحميد شاعر، خليفة عبد اللطيف، دراسات في حب الاستطلاع والإبداع والخيال، دار غريب للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2000، ص: 13.┊4. رامي عبود، ديجيتولوجيا: الإنترنت، اقتصاد المعرفة، الثورة الصناعية الرابعة، المستقبل، العربي للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2017، ص: 79.┊5. انظر: عبد الله العوام، الروبوت كوبيان عنده مشاعر إنسانية، جريدة النهار، العدد 618، السبت 23 مايو 2009 / 28 جمادى الأولى 1430، ص: 35.┊6. انظر: محمود عدوي، الروبوت "Pepper": المشاعر في هيئة إنسان آلي، موقع حياة التقنية، بتاريخ: 24 أبريل 2018 ┊7. صفات أمين سلامة، تكنولوجيا الروبوت: رؤية مستقبلية بعيون عربية، المكتبة الأكاديمية بالقاهرة ضمن سلسلة كراسات مستقبلية، 2001، ص: 101.┊8. صفات سلامة وخليل أبوقرة، تحديات عصر الروبوتات وأخلاقياته، ص: 29.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها