تُصبح التكنولوجيا ضد المسرح إذا عجزنا عن توظيفها لخدمته!

حوار مع الأديب المسرحي هيثم يحيى الخواجة

حاوره: سامر أنور الشمالي

الأديب الدكتور (هيثم يحيى الخواجة) يُمثل تجربةً أدبيةً خاصة في المشهد الأدبي العربي، فقد حقق الكثير من الإنجازات، ونال العديد من الجوائز، وصدرت له مجموعة كبيرة من الكتب، وعلى الرغم من ذلك فقد ظل يعمل على الأجناس الأقل حظاً في الانتشار، ولعلها الأكثر صعوبة، مقارنة مع باقي الأجناس الأدبية، وتحديداً كتابة المسرحيات، إضافة إلى التأليف في نقد المسرح وتاريخه، كما كتب في مجالات أدب الأطفال المسرحية، والقصة والقصيدة، إضافة إلى التأليف في المجال التربوي.
 

نحاور اليوم (الخواجة) بمناسبة نيله جائزة (خليفة التربوية) في الإمارات لعام 2021.


 

✧ كتبت في الأجناس الأدبية الأقل حظاً من الشهرة، وذلك في الزمن الذي ذهب فيه معظم الأدباء إلى الكتابة في مجال الرواية أو نقدها، أو السيناريو التلفزيوني، وذلك طلباً للانتشار. هل الموهبة كانت وراء هذا الخيار، أو القرار الواعي للإسهام في سد النقص المعرفي في المكتبة العربية؟

أشكرك أخي الأديب سامر على سؤالك المهم والدقيق؛ لأن الحقيقة تكمن في عشقي للمسرح منذ طفولتي التي كانت غنية وثرة، فقد شاهدت خيال الظل في مقهى باب التركمان بحمص، والمسرحيات في المدارس، وعلى خشبات المسارح، وقد لعب أخي عبد الخالق، الذي مثل أدواراً مسرحية وطنية مهمة في الخمسينيات من تأليف الكاتب المسرحي رضا صافي -طيب الله ثراه- وأخي د. دريد المسرحي الناقد والقاص المعروف -رحمه الله- دوراً مهماً في اهتمامي بهذا الفن الشامل والحضاري، وبعد أن أنهيت دراستي الجامعية عدت إلى نشاطي المسرحي من خلال الإبداع والنقد فقط، معتمداً على إيماني بأهمية هذا الفن، الذي أدار الكثيرون ظهرهم له لصعوبته من جهة، ولقلة مردوده المادي من جهة أخرى.

أخلص إلى القول: إن الموهبة والقرار الواعي للإسهام في سد النقص المعرفي في المكتبة العربية، ساهما معاً في بلورة موقفي تجاه الأجناس الأدبية الأقل حظاً من الشهرة.

✧ أنت المتخصص في كتابة المسرح ونقده نسألك: أين المسرح في عصر شاشة التلفزيون الموجودة في كل بيت، وشاشة الجوال التي أصبحت في كل يد؟

لا ريب في أن المسرح يعاني في عصر المخترعات الحديثة من التراجع والإهمال، فقد أهمله فرسانه وهجره جمهوره، وبالتالي قل تأثيره. لكنني أرى أن دوره ما زال مهماً في حياتنا المعاصرة، فهو مهم في التعليم، وفي تكريس وتعزيز الوعي، وفي البناء الفكري والحضاري. إننا بحاجة ماسة إلى استراتيجيات جديدة ومبتكرة تتلاءم مع الواقع، لكي تنافس المخترعات، وكذلك بحاجة إلى خطط تشغيلية عميقة ومديدة، وإلى مسرحيين مخلصين ومؤمنين بدور هذا الفن لكي يستعيد المسرح ألقه، ويأخذ دوره في الساحتين العلمية والثقافية.

والجدير ذكره؛ هو أن ما فعله صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي تجاه المسرح سيسجل بحروف من نور في تاريخ هذا الفن، سواء أكان ذلك في مجال التأليف أم الدعم، أم طباعة المؤلفات الإبداعية، وعيون كتب النقد المسرحية، أم المهرجانات والندوات والمحاضرات والمختبرات، وغير ذلك.
 

✧ هل التكنولوجيا ضد المسرح الذي لم يشفع له تاريخه العريق باعتباره (أبو الفنون)، وصار فناً هامشياً مهدداً بالانقراض؟

إن للمسرح تأثيراً كبيراً في تكوين الطفل العقلي والنفسي والروحي، وفي بناء علاقة متينة بين الطفل والمجتمع، وبين الطفل والحياة. وقد تحدثت سابقاً عن جانب من هذه الجوانب، وأؤكد أن المسرح قادر على مواكبة الحضارة الحديثة، وما يحتاج إليه المسرح إضافة إلى الفرسان المخلصين ابتكار وسائل تتناسب مع العصر، ويكفي أن أذكر على سبيل المثال لا الحصر توظيف الشاشة الإلكترونية في الإضاءة الرقمية والسينوغرافيا، إضافة إلى نقل العروض عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة.

ويمكن أن أشير هنا إلى جهود بعض المبدعين لتغطية هذا الجانب، مثل شغل الدكتور عماد الخفاجي على الإضاءة البديلة لخدمة المسرح.

وباختصار تصبح التكنولوجيا ضد المسرح إذا غدونا عاجزين عن توظيفها لخدمة هذا الفن، وإذا لم نبتكر طرقاً وأساليبَ تقنع المشاهد وتشده إلى الخشبة، فالمسرح ليس نسخة مبسطة عن مسرح الكبار، فهو فن قائم بذاته له شروطه وخصائصه وسماته، التي تحكم العلاقة بين الطفل وهذا الفن.

✧ هنا سؤال يطرح نفسه: الطفل المحاط بالأجهزة الإلكترونية في المنزل والمدرسة، ماذا يثير اهتمامه ليقرأ؟ وهل ما زالت ترضيه قصص الثعلب الماكر، والراعي الشجاع، والأميرة الجميلة؟

الذي لا بد من قوله: إن كاتب أدب الأطفال عليه ألا يمتح من طفولته عندما يبدع أدباً للجيل المعاصر؛ لأن طفل اليوم يختلف عن طفل الأمس، بسبب المخترعات الحديثة والبيئة الجديدة، والمفاهيم والمتغيرات المتنوعة والمختلفة.

وبناء على ذلك لا بد لكاتب الأطفال أن يكون معاصراً، وأن يتعمق بمعرفة بيئة الطفل المعاصر وأفكاره وهمومه، وما يريده ويدهشه ويثيره ويتفاعل معه، ويؤثر فيه ويدعم حياته وتطلعاته، ويبني شخصيته.

عندما كنا نقرأ قصة (علي بابا والأربعين حرامي)، وكيف يكلم علي بابا الصخرة ويناديها بكلمة افتح يا سمسم، فتتحرك الصخرة وتفتح الباب، نشعر بدهشة تجعل خيالنا يذهب إلى البعيد البعيد، أما اليوم، وبعد أن صارت الأبواب تفتح تلقائياً صار الأمر طبيعياً جدّاً.

إنَّ كاتب أدب الأطفال المبدع والمتميز لا بد أن ينحاز إلى الخيال العلمي، وإلى الابتكار والجدة والجديد، الذي يساير العصر وطفل العصر. وإن كاتب أدب الأطفال لا بد أن يبتعد عن المباشرة والنصح والإرشاد، وأن يسرب الفكرة بأسلوب محبب بعيد عن الفجاجة والمباشرة.

أما عن عادة القراءة فهي مشكلة معقدة حقاً وتزداد تعقيداً مع مرور الأيام، فالطفل العربي يحتاج إلى القدوة، كما لا بد أن تأخذ المدرسة دورها، وأن يتحمل المجتمع مسؤولياته.

وعلى صعيد الكتابة؛ فإن هذا الأدب ليس حقل تجارب، ولهذا فمن الضروري أن نسمح بالإبداع الجيد وأن نغيب التافه والمشوه والرديء.
 

✧ ديوانك الأخير الموجه للأطفال (أطفال الشمس)، والذي نال هذا العام جائزة (خليفة التربوية) يتضمن قصائد قصيرة، ورشيقة، ولطيفة، ومن المؤكد أن الطفل يحب الشعر؛ لأنه ينشده ويترنم به. ولكن لماذا دور النشر تولي العناية الأولى لطباعة القصص وتتجاهل رغبة الطفل في الغناء؟

الطفل يعشق الإيقاعات والغناء والرقص، وهو بحاجة ماسة إلى الكتب التي تتضمن أناشيده التي يحبها ويتطلع إليها. وفي الشعر خيال ثر وقيم تربوية وأخلاقية ومعرفية وثقافية، وتوجهات وطنية وقومية وإنسانية، كما في شعر الأطفال ثروة لغوية وخيال مجنح، وفي الشعر مشاعر وإحساسات جمالية.

وما يؤسف له هو أن بعض دور النشر لا تهتم إلا بالربح المادي، ولهذا تلهث وراء حجم المبيعات، دون أن تلتفت إلى ما يحتاجه الطفل وما يفيده.

وعموماً؛ فإن للشعر أثرَه في نفس الطفل، وعلينا ألا نتجاهل ذلك، ويمكن أن أشير هنا إلى قلة الأعمال القصصية والشعرية والمسرحية المتميزة، والتي تدهش الطفل، لذا؛ لا بد من تشجيع الكتاب المتميزين ودعمهم، وبالمقابل عدم السماح لدور النشر إصدار ما هو غث ومسموم؛ لأنه يسيء للأطفال ويشوه أدبهم الجاد، كما يسيء إلى فكر الطفل وبناء شخصيته.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها