المسرح العماني: ملامح النشأة وخصوصية التجربة

رفقة أومزدي

للمسرح في سلطنة عمان العديد من الملامح الفنية التي شكلت هويته وطبعت مساره منذ النواة الأولى مع المدرسة السعيدية في مسقط سنة 1940، وأول عرض مسرحي شامل مع النادي الأهلي سنة 1960 وصولًا إلى ما راكمه من تجارب وتحديات اليوم، ويمكن إجمال هذه الملامح في:


 تقديم المسرحيات ذات الطابع الاجتماعي

فقد تطرق المسرح العمانِي في مسيرته إِلى العديد من قضايا المجتمع الملحة، وعبرت نصوصه وعروضه عن طموحات وتطلّعات الشعب العُمانيّ وهمومه، إذ سعى المسرح المدرسي لتناول مجموعة من الملامح الاجتماعية في النصوص المسرحية، فكان مسرحاً تربوياً اجتماعياً، يركز على السلوكيات الاجتماعية التي قد تنتشر داخل المدرسة أو خارجها. زد عليه، أنّه إلى جانب اعتماده على مسرحة المناهج الدراسية، ظهرت أيضاً مجموعة من النصوص المسرحية التي تتناول مضامين اجتماعية مثل علاقة الآباء بالأبناء، والتي تُعتبر أساسية في بناء المجتمع العماني، كما تناولت بعض النصوص الأسرة العمانية والعلاقة بين الزوجين، بالإضافة إلى استعراض البيت العماني بملامحه التقليدية والحياة البسيطة للعمانيين والمهن التقليدية المرتبطة بهم.

ومع بداية انطلاق المسرح العماني في الأربعينيات من القرن العشرين عبر مسرح الأندية، كانت القضايا الاجتماعية تشكل جزءًا من الموضوعات المطروحة في هذه العروض، بل يُعتبر مسرح الأندية الأكثر ارتباطًا بتلك القضايا الاجتماعية، مثل: الزواج، وارتفاع المهور، وأهمية الوطن، والحفاظ على سلامة المجتمع من الطامعين، وغيرها من القضايا، وقد ارتبطت الملامح الاجتماعية في النصوص المسرحية العمانية بالتغيرات الاجتماعية والثقافية والتنموية التي شهدها المجتمع العماني.

ومن أبرز المسرحيات ذات الطابع الاجتماعي مسرحية "الفأر" التي كتبها عام 1987 الكاتب والمخرج المسرحي العماني محمد الشنفري الذي يُعدّ من رواد الحركة المسرحية العمانية، فضلا عن دراسته الأكاديمية للمسرح، فهو من أوائل العمانيين الذين درسوا المسرح في أوروبا، ما أتاح له رؤية واضحة حول المسرح وأساليب الكتابة الحديثة بما يتناسب مع طبيعة الجمهور وثقافته، ومسرحية (البراقع) للدكتور عبد الكريم جواد، التي كُتبت عام 1995، وأُخرجت عام 1997، وقدمتها فرقة مجان المسرحية الأهلية. وفي هذه المسرحية، تناول الدكتور عبد الكريم قضية الهيمنة الاجتماعية للرجل على المرأة التي تختبئ خلف البراقع، ما يسبب لها العزلة والشعور المستمر بسلطة الرجل عليها، سواء كان والدًا أم زوجًا أو عمًا أو خالًا. في النهاية، تبقى هذه السلطة متفوقة مهما كانت مكانة الأنثى في تلك العائلة، كما تدور أحداث مسرحية البراقع حول موضوع الظلم والتفوق، من خلال أحد عشر لوحة قُدّمت بشكل غنائي راقص، بالاعتماد على تقنيات الحركة والتشكيل التعبيري والجسدي للممثلين. بالإضافة إلى ذلك، دُمجت الموسيقى والإيقاعات الشعبية مع بعض السيمفونيات العمانية، حيث استخدمت الحركة والموسيقى التعبيرية بوصفهما وسيلتا تواصل، بدءًا من المونولوجات والحوار الثنائي، ما أدى إلى الابتعاد عن استخدام اللغة الحوارية التقليدية.

 استلهام التجارب المسرحية العربية

إذْ بدأ المسرح العماني عروضه بالنصوص العربية المختارة بعناية، إذ انطوى اختيارها على أسباب متعددة، منها قربها من قضايا المجتمع العماني وتراثه وتاريخه، ما جعلها تحظى بقبول وإعجاب الفرد العماني، الذي شعر بتوافقها مع واقعه ومشاكله، خاصة المسرحيات المصرية مثل مسرحية (الزير سالم)، التي تتألف من ثلاثة فصول، وقدّمتها فرقة المسرح القومي في مصر لأول مرة عام 1968 في الموسم المسرحي، كما قدّمها المسرح الجامعي في جامعة السلطان قابوس بوصفها مشروع تخرج في عام 1997، وهي من تأليف الكاتب المسرحي المصري ألفريد فرج.

 التركيز على الموروث الشعبي

إذ اهتم المسرح العماني باستلهام الموروث الشعبي المتمثل في الأمثال الشعبية والحكايا والحكم، الموسيقى والأغاني الشعبية ومختلف الأشكال الاحتفالية دون التركيز على مفهوم الفرجة، وقد ظهر ذلك عند جيل الرواد في مسرح النادي الأهلي.

 التركيز على التاريخ

إذ اهتم المسرحيون في عُمان بقضايا التاريخ العماني والاحتلال الأجنبي لسواحل عُمان وشواطئها، وكما تناولوا أيضًا التاريخ العربي، إذ تفاعل النادي الأهلي في سبعينيات القرن الماضي مع الحركة المسرحية العربية، فتناول المؤسسون بالنادي مسرحيات ذات مضامين تاريخية، وأخلاقية، واجتماعية، وسياسية عربية تتصل بهموم الإنسان العربي وبمصيره التاريخي، فالمسرحي الراحل توفيق الحكيم على سبيل الاستشهاد قُدّمت له بوجه عام اثنتا عشرة مسرحية، بينما قُدّم للمسرحي الراحل الفريد فرج أربع مسرحيات.

 بروز المسرح الشعري

حيث يُعتبر المسرح الشعري مساحة للإبداع بالنسبة للفنانين العمانيين، حيث يستلهمون منه عناصر الدراما والحوار، ويعملون على إنتاج أعمال تتميز بجمالياتها الفريدة ورؤاها الفكرية والثقافية المرتبطة بالبيئة العمانية، ومن بين هذه الأعمال تبرز مسرحية "كأسك يا سقراط" التي كتبها الشاعر والكاتب المسرحي عبدالرزاق الربيعي؛ إذ تتألف هذه المسرحية الشعرية من خمسة مشاهد، وتستند أحداثها إلى حياة الفيلسوف سقراط وصراعاته مع قوى الجهل في عصره، وتتناول المسرحية محاولات السلطة لإغراء سقراط بالمناصب ليبتعد عن أفكاره، لكنه يظل متمسكاً بمبادئه، ما يؤدي إلى نهايته المأساوية بعد فشل محاولات إخضاعه، حيث يتجرع سقراط كأس السم بعد أن وجهت إليه محكمة أثينا اتهامات زائفة، من بينها إفساد عقول الشباب. ومع ذلك، يتقدم محامٍ من عصرنا بطلب لإعادة محاكمته وإنصافه، لكنه يواجه نفس المصير، ما يعكس أن معاناة المثقف تتكرر عبر العصور، كما تبرز مسرحية "جذيمة والملك" التي ألفها الشاعر الشيخ عبد الله بن علي الخليلي، الذي يُعتبر رائد الشعر المسرحي في عمان، حيث استلهم الخليلي أحداث هذه المسرحية من فترة ما قبل ظهور الإسلام، إذ تروي قصة "جذيمة الأبرش بن مالك"، ثالث ملوك تنوخ وأول ملك في الحيرة، وعلاقته بالزباء ملكة تدمر، كما تسلط المسرحية الضوء على كيفية وقوع جذيمة في شباك الزباء بعد أن أغرته بالزواج، ثم انتقامها لوالدها بقتله.

 

الصورة: مسرحية ‭ "‬الروع" - من‭ ‬تاليف‭ ‬وإخراج‭ ‬طاهر‭ ‬الحراصي

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها