أدبُ الأطفال وهاجس الكتابة

حـوار مع كاتب أدب الأطفال العراقي فاضل الكعبي

حاوره: عبدالله المتقي

فاضل الكعبي كاتب عراقي وهبَ حياته منذ مطلع السبعينيات لخدمة الطفولة وآدابها بمختلف وأشكالها المتعددة، شعراً وقصةً ومسرحاً وتنظيراً، ما يقارب أكثر من خمسة وأربعين سنة. عن البدايات وأهمية أدب الأطفال، وتقمُّص شخصية الطفل والتفكير بطريقته، وعن الرسوم التي تتضمنها كتب الأطفال، وواقع النشر والتنظير، كان لنا معه هذا الحوار:

 

 من أين جئت إلى أدب الأطفال؟ وما الهاجس الذي يحرك قلمك؟

جئت إلى أدب الأطفال من الأطفال أنفسهم، انطلاقاً من طفولتي المشبعة بالقراءات المناسبة والمشوقة لكل ما يستجيب لشغفي ويغنيه بهذه القراءات المتنوعة من كتب خاصة وعامة لا تحديد لها في بادئ الأمر، وقد تنوعت بين الشعر والقصص والروايات العربية والعالمية، وكنتُ أقرأ ما تقع عليه عيناي ويجذبني عنوانه وموضوعه كأشعار المعلقات، والمتنبي، والسياب، وشوقي، وروايات الزير سالم، وألف ليلة وليلة، وفيكتور هيجو، وتولستوي، وإحسان عبد القدوس، وأجاثا كرستي، وأرسين لوبين، وكُتب السلسلة الخضراء لدار المعارف بمصر، وغيرها الكثير، ولمختلف مجلات الأطفال المعروفة عربياً وعالمياً تلك التي شغلت اهتمامنا ومكتباتنا في وقتنا ذاك منها: سوبرمان، بونانزا، طرزان، تان تان، بساط الريح، سمير، وغيرها من مؤثرات أخرى وضعتني في طريق الكتابة لأنطلق في هذا الطريق باتجاهين، اتجاه كتابة الشعر للكبار ليكون هاجسي الكبير، واتجاه الكتابة للطفل ليكون هاجسي الثاني الذي جعلته في السنوات الأخيرة الأكثر انشغالاً ليكون هو الهاجس الأقوى والأهم والأول الذي يحرك قلمي باتجاه الطفل دائماً.

◉ كيف يمكن تقمُّص شخصية الطفل والتفكير بطريقته، ومن ثم الوصول إليه؟

يتم ذلك عندما نفهم الطفل فهماً كاملاً وعميقاً بالمستوى الذي يجعلنا نشعر بما يشعر به من مشاعر، ونحس بما لديه من أحاسيس وبالمستوى الأكيد من حدود ومن طاقات فئته العمرية المحددة، كما لو أننا نرتقي إلى مستواه وندركه بصورة تامة، في طريق الوصول إليه وفهمه، والخطوة الأولى في هذا أن ندرك لغته ونستوعبها بحسب تدرجاتها ومفرداتها، ومستوياتها اللفظية وغير اللفظية في قاموسه اللغوي العام بعمومية الطفولة، والخاص بخصوصية كل مرحلة فيها، وكذلك لا بد من الوصول إلى وجدان الطفل وأعماق نفسه وكيانه ونفسيته بكامل حدودها وعلمها ومعرفة ما يجب معرفته من علوم من الضرورة الانطلاق منها في فهم الطفل واستيعاب عالمه الظاهر والباطن، والانطلاق للغوص فيه وإدراك قدراته وحدود تطلعاته وخيالاته ومستوى طاقاته وانفعالاته ورغباته، ومعرفة ما يحب وما لا يحب، بكل ذلك يمكن تقمص شخصية الطفل والتفكير بطريقته، والوصول إلى الطفل والتأثير فيه كما يجب في الكتابة مؤثراتها الأكيدة.

◉ رهنت حياتك للكتابة للطفل إبداعاً وفكراً ونقداً، حتى وجدت قوة فكرك فيها، هل يعني هذا أنك لست بهذه القوة خارج الكتابة هذه؟

نعم؛ كنت وما زلت وسأبقى مولعاً، مؤمناً، مهموماً إلى حد الخيال والنظر والتفكير والتطلع بفضاءات هذه الكتابة التي تلبّستني، مثلما تلبّستها بكافة اتجاهات ومعالم شخصيتي وأعماقها منذ سنوات، تسير لتصل إلى ما يقارب خمسة وأربعين سنة، وبذلك لا أجد نفسي وكياني وتفكيري خارج هذه الكتابة، التي رهنت نفسي لها وما زلت أفكر لها وبها لأعطي ما يجب وما تستحق وما تريد من العطاء المتجدد الذي أجد فيه الإضافة الثرية لمعالم الكتابة للأطفال، هذه الكتابة التي وضعتني الآن بعد سنوات التجربة الطويلة بمستوى متقدم من المسؤولية الأخلاقية والفنية والإبداعية التي يرجع إليَّ فيها العديد من المنطلقين في طريق هذه الكتابة والدارسين لعوالمها من الباحثين وطلبة الدراسات العليا، وحتمية المسؤولية هذه وواجبها المرجعي أن أجزل العطاء بدقة التفصيل وسعة الخبرة والمشورة لصالح هذه الكتابة، وما تريده من متطلبات تجعلني فيها وفي عوالمها دائم الانطلاق في حيوية.

◉ ترى برأيكم هل تجدي قصص السندباد البري والبحري، وافتح يا سمسم، وغيرها في عصر الفضاء والأقمار الصناعية؟

ومن قال كل هذه القصص وثراء ما فيها من خيال ورؤى لا تجدي في عصر الأقمار الصناعية! هذه القصص وأمثالها، في تصوري، هي التي ساعدت على إيجاد ما يوجد الآن من أشكال ومحتويات ومنتجات مذهلة في عصر الفضاء، فهذه الأقمار الصناعية هي نتاج خيال ساحر، كذلك هو حال القصص التي ذكرتها والتي أبدعتها وأوجدتها مخيلة خيال ساحر، فالخيال هو أساس النمو والتطور في مكنون الأشياء وحتى الخرافية منها، تلك التي لا تتصل بصلة واضحة للعلم، ولكن ما فيها من خيال يجعل منها منطلقاً للدهشة والمتعة في التلقي، بكل ما فيها من سحر وخيال، ولا يمكن نسيانها أو تجاوزها مهما تطورت وسائلنا وأدواتنا، فهي تبقى موروثاً ومنطلقاً متجدداً يمكن استحضار رموزه ومثاباته في ما هو حاضر في أدوات التكنولوجيا ومنتجاتها العصرية الآن.

◉ لماذا تبدو لنا الرسوم التي تتضمنها كتب الأطفال دون مستوى الرسوم التي نراها في الكتب الأجنبية؟

لكل مجتمع ثقافته الخاصة وأساليبه وأنماطه وفنونه التي يتميز بها وتميزه عن غيره، وهذا أيضاً ينعكس على رسوم الأطفال وكتبهم، ومع ذلك فهناك في رسوم الأطفال عندنا فيها الكثير من التميز والأساليب الحديثة التي تتماشى مع رؤية الحداثة ولغة العصر التي تجذب الطفل العربي وتستجيب لرؤيته ومتطلبات ذائقته في التلقي الجمالي والفني والأدبي والموضوعي لكتبه، ولما تتجسد في هذه الكتب من رسوم لا بُد أن تستجيب له وتتوافق وتنسجم فيها الرؤية مع المقروء في صفحات هذه الكتب، وهذا هو الجانب المهم والبارز في ما تتطلبه الرسوم المهمة في خطابها الصوري إلى جانب الخطاب اللغوي في كتب الأطفال العربية.

◉ كيف ترى واقع النشر العربي في أدب الطفل؟ ونظرتك إلى هذا الواقع من خلال تجاربك الشخصية؟

إذا استثنينا بعض دور النشر العربية المهمة في مجال أدب الأطفال؛ فإنَّ الكم الآخر من دور النشر العربية يحدها الإرباك وعدم الفهم الحقيقي لمتطلبات الطفل العربي، ويحكم هذه الدور عشوائية النشر وعدم الخبرة الحقة في انتقاء وتقديم ما يناسب الطفل العربي، كما أن بعض دور الدور لا تتعامل بمصداقية وجدية مع الكاتب الحقيقي لأدب الأطفال، وكثيراً ما تتنصل عن التزاماتها رغم وجود العقود المبرمة بينها وبين الكاتب، وقد عانيتُ من ذلك كثيراً ولي مواقف وتجارب عديدة في هذا الجانب لا أريد ذكر شواهدها، وقد سلطت الضوء النقدي عليها في العديد من دراساتي التي نشرت، وحقيقة الأمر هناك فوضى ومزاجية وفقدان للمعارية الفنية والأدبية الحقيقية في جوانب عديدة من واقع النشر العربي في أدب الطفل.

◉ ما رأيك في المسابقات الخاصة بأدب الطفل؟ وهل هي تساهم بالنهوض بأدب الطفل العربي؟

هي مهمة جداً ومطلوبة للارتقاء بمستويات وأساليب الكتابة في أدب الطفل، وتحفّز الكاتب الحقيقي على الإبداع والتميز كما يجب، لتنهض ببعض ذلك بوتائر ومستويات الرقي لأدب الطفل العربي، ولكن، وآه من لكن هذه! حقيقة الأمر في ما نراه في بعض هذه المسابقات من خلال المتابعة الطويلة لها، واستقراء بعض ما نجده في بعض حيثياتها، وفي نماذج ما تحقق لها الفوز في مقاييسها جعلتنا نشكك بمصداقية وأهداف بعض هذه المسابقات، وقد ذكرت في هذا العديد من الملاحظات خصوصاً في كتابي الموسوم (أدب الأطفال بين الظاهر والمسكوت عنه).

◉ أنت كاتب متعدد الاتجاهات في الكتابة، حيث تكتب الشعر والقصة والمسرحية والحكاية الشعرية، وقصص وروايات اليافعين، إلى جانب كونك مفكراً وباحثاً تكتب التنظير والنقد والدراسات والبحوث الفكرية والنقدية المتخصصة، فأين تبني خيمتك وتستريح؟

كل هذه التي ذكرتها هي منتوج خيمتي في عالم الكتابة، ومدار فكري وانشغال تفكيري، وجميعها تدخل في مسار اهتمامي وهمّي في مجمل اتجاهات الكتابة، فلا ضير من التعدد مادام يصب في مشغل واحد، وفي هدف واحد، وفي مسار واحد، وهذا هو مشغلي وشغلي الدائم الذي أهمُّ به وأتنسمه وأشم عطره في خيمتي هذه، ولا يمكن لي الاستراحة خارج هذه الخيمة بعدما ودعت خيمتي الأخرى وأغلقتها في النشر لا في الكتابة، وتلك هي خيمة الشعر، وأعني به الشعر الذي كنت أكتبه للكبار الذي كتبته منذ منتصف السبعينيات، ولي فيه صدرت ست مجموعات شعرية معروفة، لكنني تركت نشر الشعر لأن الباب فتح بعد الألفينيات لأدعياء الشعر، ومن ليس له موهبة فيه ليصف نفسه شاعراً وهو ليس كذلك، الشعر له معاييره ومقاييسه ومتطلباته وأدواته، والكثير من هؤلاء لا يجيدون ذلك إلا ما ندر، وهذا النادر نخرجه من بين ركام الكم الهائل من الكتابات التي لا معنى لها في الشعر والأدب، خصوصاً التي فتح لها الفيسبوك كل الأبواب، وكذلك الصحف والمجلات غير المتخصصة.

◉ كيف تقيم وضعية أدب الطفل في العراق اليوم؟

أدب الطفل في العراق اليوم ليس بالمستوى وبالقدر الذي نريده، فهناك العديد من الملاحظات والهموم والتحديات التي لا مجال لذكرها، وذكرت بعضها في كتابي الذي يدرس هذا الواقع (لماذا أدب الأطفال) الصادر في العام الماضي، فهناك تجاهل وتغييب للأدب والأديب الحقيقي، ويتم تسليط الضوء على أشباه كتّاب ليس لهم من المنجز ما يؤهلهم الاتصاف بصفة كتاب أدب الطفل، والحديث في هذا حقيقة ذو شجون، قد يطول إذا ما أردنا إيراد الشواهد والأمثلة.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها