مَسْلُوب!

عبد الكريم بن محمد النملة

عجزٌ وقلّة حيلة.. أدق وصف تُجريه على ذهنها كلما تاقتْ إليه، تفاقمت مشاعرها نحوه حتى بلغت حداً أفقدها اتّزانها العقلي والنفسي، برِمت بكلّ من حولها حتى لحظ أهلها عوار نفسها وتأفّف لحظاتها، أدرك الجميع أنها غارقة في حالة نفسية عصبية دون أن يعلموا كُنه هذه الحالة وتفسيرها، فهذا ما استطاعت رغم تشتت ذهنها أن تتكتّم عليه، أرهقها بانشغاله في أسئلة هي من أهون ما يلفتها، كحديثه الدائم عن السياسة واحتمالات العلاقات، واكتشافه دوماً لحبكات المؤامرات السياسية التي لا يحفل بها المحللون في برامج القنوات الفضائية، كلّ ذلك مما لا تُطيق الحديث عنه، جهدت في تغيير عناوين أحاديثه، وكلّما طاف حول موضوع سياسي أو اقتصادي بارز، أسخنت كلماتها، بعثت فيها أشجان نفسها ودفئها الخاص، وأمالت رأسها إلى صدره كي تسيل نهر كلماته نحو عاطفتها وشجنها.

ليته فقط لم يتلفت لشجن قلبها وعذابات نفسها التائقة إليه، لكنه وبعد أن أرخى لها عنان نفسه زمناً ليس قصيرا، بعد أن أنبتَ في قلبها شوقا إليه، بعد كلّ ذلك لمحت من باطن كلماته العابرة أن عودته إلى زوجته حتمية مهما تمتع بأحاديث أخريات، وأوجعتها كلمة (أخريات) لم تخُن توقها ولن تستطيع، أدركتْ أن أمامها كائنٌ مستحيل وأن المسافة بعيدة، نسجت حبالها الطويلة والقصيرة، أرخت عنان صوتها ليتوغل ببطء بين مسارب ضلوعه، وجدّدتْ أملها العتيق، توق نفسها كان الوقود الذي لم يخذلها، كيف! وهذا التوق هو ما هوّن عليها تجرّع الأيام بعد تجربتها الأولى الخائبة مع زوجها السابق، صممت أن تعيش حياتها معه؛ لأنه وحده الذي يمكن أن يدفن تلك التجربة الخائبة.

حامتْ حول قلبه، تقترب حيناً وتبتعد حيناً، أرادت أن يستلّ قلبه من صدر زوجته، وحينها سيودعه بين ضلوعها التي تنتظره وتدفئه.

لم تجذبه نحوها وسامته فحسب، بل تاقت إليه وانجذبت نحوه بقوّة عجزت عن تفسير أسبابها.

ماهرة وخبيثة تلك الطرق التي سلكتها نحو قلبه، عاندتْ نفسها وهدمت أمنياتها الشاعرية التي رأته لا يحفل بها رغم ولوعها بكل ما هو شاعري، قنصت من أمسياته مساء عذباً كان فيه منشرح الفؤاد نشيط الحديث، لم تقذفه برسائل الورود والقلوب المتصدّعة، كانت عاتبة صارمة مُتهمة إيّاه بسرقة مشاعرها والعبث بها حتى صارت لا تُطيق الحياة بدونه، ثم وصلت إلى خطة تنجيها وتنجيه من هول الفراق وعنائه، فطلبتْ منه أن يأخذ كلّ ذكرياته من قلبها، حتى لا تبقى في قلبها ذكرى واحدة له، وبذا تستطيع العيش دون أن تجذبها نحوه سوانح الذكريات، فإن فعل ذلك فليذهب إلى زوجته الأولى بأمان ونقاء، وستبتعد عنه هي كما أراد، فكّر بالأمر ثمّ سأل نفسه إذا سلبتُ ذكرياتي من قلبها فأين أودعها وقلبي ليس معي؟

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها