الهراوي والكيلاني.. رائدا شعر ونثر الأطفال

عبد المجيد إبراهيم قاسم

 

ظهرت بوادر أدب الأطفال العربي، بظهور بعض المنظومات والحكايات الشعرية المترجمة عن لغات أجنبية، وفي مراحل لاحقة مؤلَّفة بالعربية، لغايات تعليمية وتهذيبية فحسب، وبحسب أغلب الباحثين الذين تناولوا تاريخ أدب الأطفال فإنَّ رفاعة الطهطاوي، كان الرائد في كتابة شعر الأطفال، وهو الفنّ الذي بدأ به هذا الأدب، ثم ظهر بعده كتّاب آخرون، عُرف عنهم التوجُّه التامّ للأطفال، والكتابة لهم بعيداً عن التدريس، فقد شهدت التجربة المصرية في هذا المجال اثنين من الكتّاب، دوَّنا اسميهما في تاريخ أدب الأطفال العربي بأحرف من نور، وهما: محمد الهراوي في الشعر، وكامل الكيلاني في القص.

 


محمد الهراوي.. رائد التجديد في شعر الأطفال

أهمّ المجدِّدين في ميدان الكتابة للأطفال، ورائد مرحلة التأليف المستقلّ والتنوّع الفني في مجال الشعر الموجَّه لهم، وأبرز ناقليه إلى ضفاف جديدة؛ أسلوباً ومحتوى، حتى إنه لقب بأمير شعر الطفولة، فقد ترك نتاجاً شعرياً طيباً؛ امتاز بالتنوّع في الأغراض، واللغة البسيطة السهلة.

عن اللغة عند الهرواي، يقول أحمد زلط(1): (اتسم الأداء الشعري عند الهراوي بالثبات، فلم ينزل إلى درك من الإسفاف اللغوي، أو الاستعمال الشعبي باللغة الدارجة في سائر منظوماته، ولم يصعد الهراوي كذلك إلى علياء اللغة، فلغة الشاعر فصحى مبسطة سلسة سليمة تقف في منطقة وسطى بين لغة أحمد شوقي ولغة عثمان جلال، ونادراً ما لجأ الشاعر إلى شرح بعض المفردات الصعبة بهامش منظوماته وأناشيده وأغانيه، وكثيراً ما لجأ إلى التكرار اللغوي بغرض الإفهام والإبانة وزيادة المحصول اللغوي عند الطفل).

كان الهراوي (1885-1939) يختار من البحور أقصرها، ومن الأوزان أخفَّها، ومن الأساليب أكثرها تنوّعاً، كتب الحكاية الشعرية الطريفة، والشعر التعليمي الذي اتسم بالعذوبة، وأجاد في قصائد الألعاب، وقد كان أول من أدخل الصور الفوتوغرافية المرافقة للقصائد، وكان حريصاً على أناقة الطباعة في كتبه، حروفاً وصوراً وإخراجاً.

وضع الهراوي منظومات شعرية نشرت في طبعات عدّة، هي كتب: سمير الأطفال للبنين، عام 1922، وسمير الأطفال للبنات 1923، كلّ منهما في ثلاثة أجزاء، كما وضع أربعة أجزاء من: أغاني الأطفال 1924، راعى ملاءمة كلّ جزء لمرحلة من مراحل الطفولة، وأصدر عام 1926 السمير الصغير للأطفال الصغار جداً، والطفل الجديد 1933 آخر أعماله(2)، بالإضافة إلى أنه كان واحداً من روّاد كتابة المسرح الشعري والنثري للأطفال.

حرص الهراوي على أن يستمدَّ موضوعات قصائده من عالم الطفل، خاصة عالم الأسرة والمدرسة، وعالم الطبيعة بمكوِّناتها، كما اهتم بالكتابة عن المهن، فكتب عن الفلاح والطبيب والمحامي، وحرص على إبراز مميزات كلّ مهنة، واهتم أيضاً بالمخترعات العصرية، والوسائل المتنوّعة كالطائرة والهاتف والآلة الكاتبة، وموضوعات أخرى، كجمعية الإسعاف، ورجال المطافئ، ودار الآثار، ليخطَّ بذلك توجُّهاً سبّاقاً في موضوعات شعر الأطفال. يقول في إحدى قصائده عن الأم، بعنوان: طفلٌ يحادث أمه(3):
من ذا الذي يحنو عليّ إذا غفوت
وإن صحوت تبسمت شفتاهُ؟
أمـي العزيزة أنت يا أمـاهُ
من ذا الذي يبدي الحنان ومن له
بـي شاغل وأظلُّ في ذكـراهُ؟
أمـي العزيزة أنت يا أمـاهُ
من ذا الذي نفسي أعزُّ مكـانـةً
من نفسه ومناي فـوق منـاهُ؟
أمـي العزيزة أنت يا أمـاهُ
فإذا هرمت، وللأمومة حقّـها
أفتعلمين من الذي يرعـاهُ؟
أمي، أنا أنا يا رعاك اللهُ

وفي: سمير الأطفال للبنين، يقول في قصيدة تلميذ ونجار:
أنا في الصـبح تلميـذ ٌ... وبعد الظـهر نجـارُ
فلـي قلـمٌ وقرطـاس ... وإزمـيل ومنـشـارُ
وعلمي إن يكن شرفاً ... فما في صنعتـي عارُ
فللعلـماء مرتبـة ... وللصـناع مقـدارُ

يقول الباحث بيان الصفدي في تجربة الهراوي(4): (تتفرَّد تجربة الهراوي بتميز خاص؛ إذ وقف معظم ما كتب على شعر الأطفال، فجميع من سبقوه لم يتفرغوا لهذا اللون، ولم يقدّموا هذا الحجم من العطاء، إضافة إلى أن قصيدة الطفل العربية دخلت أول مرة على يديه في الخصوصية الفنية الحديثة لشعر الأطفال.. لقد جاء الهراوي ليخلِّص شعر الأطفال من روح التعالم والحذلقة، ويدفعه إلى روح تعليمية عذبة، تقرِّب الأشياء إلى الطفل في المحتوى والصياغة الفنية.. إن ما أنجزه الهراوي كان نقلة نوعية في شعر الأطفال العربي بتحقيقه بساطة أكثر في الصياغة، ومراعاة المراحل الطفولية، واعتماد الإيقاع القصير وتلوينه، وإدخال عوالم طفولية مبتكرة، كل هذا وغيره جعل منه واحداً من أهمَّ من عرفهم شعر الأطفال العربي).

من قصائده العذبة، نختار: تحية الوالدين في الصباح، من كتاب الطفل الجديد:
(1)
أبي، وأمي الغاليـهْ ... أصبحتـما في عافيهْ
تقبيلتان لكـما ... ظاهـرة وخافيـهْ
إحداهما على فمـي ... وفي فؤادي الثانيهْ

(2)
صباح الخير يا أبت ... صباح الخير يا أمّـي
أقبِّل منكـما كفّـاً ... أعيش بفضلها الجمِّ


الكيلاني.. وريادة نثر الأطفال

يرى الكثير من الباحثين في كامل كيلاني (1897-1959) الأب الشرعي لأدب الأطفال في العالم العربي، والرائد الحقيقي في ميدان النثر القصصي، ذلك لكثرة ما ترجم واقتبس وألَّف من قصص وحكايات ومسرحيات، إضافة إلى مجموعة من القصائد نقل بها أدب الأطفال خطوات واسعة إلى الأمام من النواحي التربوية والفنية.

عمل كيلاني في التدريس والصحافة، ثم عمل في وزارة الأوقاف إلى أن أحيل على التقاعد، أصدر أولى قصصه للأطفال: السندباد البحري، عام 1927، فكانت أول تجربة قصصية حديثة يقوم بها أديب عربي بالتأليف للطفل خارج المقرّرات الدراسية، كتبها بلغة بسيطة ومفهومة، وظلَّ يواصل الكتابة لهم طيلة سنوات حياته، أصدر خلالها عشرات الكتب التي استمدَّ موضوعات أغلبها من التراث العربي والعالمي. قال فيه الشاعر أحمد شوقي:
يا "كامل" الفضل قد أنشأت مكتبةً
يسيرُ في هديها شيب وأطفال
جمـالُ طبعـك حـلّاها وزيَّنـها
فأصبحت بجميل الطبع تختال

من السلاسل التي أصدرها للأطفال: قصص رياض الأطفال، حكايات الأطفال، قصص من ألف ليلة وليلة، قصص فكاهية، مثل: (الأرنب الذكي، عفاريت اللصوص)، قصص هندية، مثل: (الشيخ الهندي، الوزير السجين)، قصص علمية، مثل: (أصدقاء الربيع، زهرة البرسيم)، قصص شكسبير، مثل: (العاصفة، تاجر البندقية)، قصص عربية، مثل: (حيّ بن يقظان، ابن جبير)، أشهر القصص، مثل: (جليفر في بلاد الأقزام، جليفر في بلاد العمالقة)، أساطير العالم مثل (الملك ميداس، في بلاد العجائب)، عجائب القصص، من حياة الرسول، وغيرها.

عُرف الكيلاني بأسلوبه القصصي السهل البسيط والأخّاذ الممتع في الوقت نفسه، كما عُرف بلغته السليمة والرشيقة، فكانت جمله قصيرة، وكان يدأب على شرح ألفاظه الجديدة منها، ويلجأ إلى التكرار اللغوي بغرض الإفهام والإبانة وزيادة المحصول اللغوي عند الطفل، وحرص على ربط محتوى قصصه بالصور الموضِّحة. يقول الباحث طارق البكري من جملة ما استخلصه في خاتمة إحدى أبحاثه(5): (وضع الكيلاني منهجاً محدداً قائماً على رؤية نقدية تربوية أخلاقية علمية شاملة، وقسَّم أعماله بحسب مراحل الطفولة، وإن لم يحدِّد سناً معينة في جميع كتبه باستثناء مجموعة واحدة. تمكَّن الكيلاني من لفت اهتمام الباحثين إلى أهمية أدب الأطفال، وحرص على تقديم أنماط عديدة من القصص، استخدم فيها مستويات لغوية مختلفة، بحسب السنّ التي توجّه إليها كل قصة. وكانت الناحية الترفيهية الترويحية تسير جنباً إلى جنب مع النواحي العلمية، بحيث لم تطغ واحدة على أخرى. لقد قدَّم الكيلاني مثالاً واقعياً لمن يريد الارتقاء بمستوى الطفل لغوياً، وكان حريصاً على استخدام كلمات ومفردات وأساليب متطورة، وهي في الوقت نفسه متأصلة في اللغة).
 


هوامش: 1. أدب الطفولة بين كامل كيلاني ومحمد الهراوي، دراسة تحليلية ناقدة، د. أحمد زلط، ط1، دار المعارف القاهرة، 1994م.┇2. شعر الأطفال في الوطن العربي (دراسة تاريخية نقدية) بيان الصفدي، منشورات الهيئة العامة السورية للكتاب، وزارة الثقافة، دمشق، سورية 2008، ص: 89.┇3. المرجع السابق، ص: 96.┇4. المرجع السابق، ص: 89-104.┇5. بحثه: كامل الكيلاني رائداً لأدب الطفل العربي، القصة السورية، موقع مهتم بالقصة العربية، الرابط الإلكتروني:  mhttp://www.syrianstory.co

 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها