قصص من ظـلال الغياب

فـي مجموعة "أقرب بكثير مما تتصور" لبسمة النمري

د. سلطان عبدالله المعاني


"أقرب بكثير مما تتصور" لبسمة النمري، رحلة استكشافية تتخطى حدود الواقع المألوف، تدعو القارئ لخوض غمار تجربة تأملية في أعماق الحياة، الموت، والعواطف الإنسانية، حيث يفتح العنوان بابًا لعالم يمزج الخيال بالواقع، والقرب بالبعد، في دعوة إلى الوعي بأن الحقائق التي نظنها بعيدة أو غير ملموسة أقرب إلى جوهر تجربتنا الإنسانية بكثير مما نتخيل.


ففي هذه المجموعة القصصية يصبح الموت ضيفًا ثقيلًا يتسلل إلى كل قصة، ونسيجًا يربط النصوص بخيوط من الحزن والتأمل، حيث تتناول النمري الموت بشكل يختلف عن المعتاد، فتعرج على التجارب الإنسانية بحساسية تكشف عن عمق التجربة الوجودية وتفردها. فالموت، كما تقدمه النمري، لا يُعامل كنقيض للحياة، بل جزء لا يتجزأ منها، فهو يقرب المسافات بين الحب والفناء ويُظهر الحياة كمسيرة نحو النهاية. ترسم المجموعة الموت محتومة، لكنها تستشرفه برؤية تتجاوز الخوف، لتصل إلى التأمل في الحياة. وحتى الإهداء باستخدام "نسمة" يُشير إلى اللمسات الدقيقة التي تعبر عن الموت، مانحةً القارئ القدرة على استشعار الغياب قبل حدوثه. تلك اللحظات الصغيرة، كالارتطام بحاجز زجاجي، تصبح معادلات للحظات النهائية التي تلخص الوجود.

وتُظهر النمري عبر تقديم الموت عنصراً محايداً واعتيادياً في بعض الأحيان، كيف يمكن له أن يشكل جزءًا من الحياة اليومية، متسللاً في الأحلام والرغبات وحتى الأعمال الروتينية. هذه النظرة تتجلى في القصة "عند عاهرة"، حيث يتم تقديم الموت كفضاء مفتوح على الاحتمالات، مشيرةً إلى أن الفناء قد يكون بداية لفهم جديد للحياة وليس نهايتها فحسب.

وتثير المجموعة تساؤلات فلسفية عن معنى الوجود والغاية من الحياة، داعية القارئ للتفكير في أهمية الأسئلة الذاتية والبحث عن الإجابات التي لا تنتهي. هذه الرحلة في التأمل تعكس فكرة أن الحياة، حتى في ظل الموت، تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات، وأن الوقت، سواء قُتل أو مضى، هو الثابت الوحيد في معادلة الوجود.

يتخذ الموت في هذه المجموعة القصصية موقعًا مركزيًا، متجسدًا في كل تفاصيل الحياة اليومية، ومنثورًا في الحوارات والأفعال وحتى في الصمت الذي يخيم على الشخصيات. الموت لا يأتي كحدث مفاجئ بل كظل مألوف، يقترب بهدوء أو يُجبر على الاقتراب، وفي كلتا الحالتين، يظل محتمًا ومتداخلاً بشكل عميق مع الحياة، فتعكس المجموعة هذا الاقتراب من الموت عمليةً طبيعية، مفتوحة أمام كل الاحتمالات، حيث تصبح اللحظة الأخيرة للحياة بداية لفهم جديد أو تأمل عميق في الوجود.

يبتعد التأمل في الموت، كما تقدمه النمري، عن النظرة التقليدية له بوصفه نهاية مأساوية، ليصبح مجالًا للتفكير والاستكشاف. الحوارات والتساؤلات حول الرغبة في الموت أو الخوف منه تعبر عن تنوع التجارب الإنسانية مع الموت، وتشكل محاولة لاستيعاب هذا الحدث الجلل. تحكي قصصها عن معاناة الموت الحقيقية والانسحاب القسري من الحياة، متأملة في كيفية تأثير هذه اللحظات على فهم الشخصيات لوجودها وعلاقاتها.

تبني النمري أربع عتبات تمثل مسار الاقتراب من الموت، مُعَزِّزَةً الشعور بالاقتراب المتزايد من النهاية، فتتدرج هذه العتبات من البداية إلى النهاية، مرورًا بمحطات تجسد التحولات الداخلية للشخصيات وتعمق فهمها للحياة والموت. هذا التدرج ينتهي بلحظة انتفاضة وصمت، تلخص الرحلة الوجودية للشخصيات وتعكس التحول النهائي في وعيها. تعمق مقولة فيورباخ هذا التأمل في الموت وتقدمه كتجربة تشاركية تربط الحياة بالموت بروابط عاطفية ووجودية. هذه الرؤية تدعو إلى تقاسم الحياة مع الغائبين وتعزز فكرة أن التجربة المشتركة مع الموت يمكن أن تغير فهمنا للحب والوجود. النمري تكشف عن الموت كعنصر لا ينفصل عن الحياة، بل يغنيها بتجارب ومعانٍ تتجاوز حدود الوجود المادي.

تقدم مجموعة "أقرب بكثير مما تتصور" لبسمة النمري رؤية عميقة وتأملية للموت كجزء لا يتجزأ من دورة الحياة، مستكشفة الأبعاد الوجودية والعاطفية لهذا الحدث الجلل، الذي يسافر فيه الأحبة وحيدين إلى الحياة الثانية في دورة الوجود لا العدم. من خلال تأمل الحياة في ظل الموت، تفتح النمري الباب أمام فهم أعمق للوجود وتؤكد على قيمة اللحظات التي نعيشها هنا، ويعيشونها هناك.

وتجلى في هذه الفقرات من مجموعة "أقرب بكثير مما تتصور" لبسمة النمري، السلوك التواؤمي والتماهي مع الآخر كاستجابة عميقة لمواجهة الفقد والموت. تشير اللحظات الأولى، حيث تحاول الشخصية الإمساك بنظرة الحبيبة والاحتفاظ بها، إلى رغبة في التغلب على الغياب والفناء من خلال الذكريات والأفعال الرمزية. هذه الرغبة تتحول إلى فعل مادي عندما تجتث الشخصية شعرها، في محاولة لتقاسم تجربة الألم والفقد مع الحبيبة، وكأنها بذلك تخفف من وطأة الغياب عبر تقاسمه.

يعكس التحول إلى "الآخر" من خلال اجتثاث الشعر رغبة عميقة في الاتحاد والتواصل الذي يتجاوز حدود الجسد. يصبح هذا الفعل، المحفوف بالألم والرمزية، وسيلة لمواجهة الموت والفقد، مؤكدًا على الطبيعة المشتركة للإنسانية في التعامل مع الحزن والخسارة. ويبدو الاستسلام اللاحق والغفوة المشتركة كفعل نهائي من القبول والتسليم، حيث تتشارك الروحان في لحظة سلام مؤقتة، ربما تنبئ بقبول النهاية. الفقرة الأخيرة، التي تصور البنت نائمة في فراش والدها الراحل، تعمق من مفهوم الغياب والاقتراب من الموت كحقيقة محتومة ومشتركة. هذا الانتقال الهادئ "إلى دار الأبدية" يعكس الدورة الطبيعية للحياة والموت، ويشير إلى الانتقال من الحزن إلى القبول، حيث تصبح الحياة والموت جزءًا من النسيج الواحد.

تكشف بسمة النمري من خلال هذه الأفعال والرموز عن الوجدان الإنساني في مواجهة الموت والفقد، مستخدمةً النص كمرآة تعكس الأحاسيس والتجارب المتعلقة بالغياب والحضور، الحب والفناء. تُظهر كيف أن الإنسان، في سعيه لمواجهة الموت، يلجأ إلى الأفعال الرمزية والتواؤمية لتجاوز حدود الوجود الجسدي، محاولًا إيجاد معنى وراحة في اللحظات الأخيرة. هذه الرحلة نحو الفهم والقبول تعكس التعقيد والغنى العاطفي للتجربة الإنسانية، مقدمةً تأملاً في الطبيعة المزدوجة للوجود، ففي تأملات البطلة في الموت والنهايات والعدم، تنطلق من نقطة عميقة تتقاطع عندها أسئلة الوجود ومعنى الحياة. هذا التساؤل التأملي الفلسفي يصبح دافعًا يَجُرُّ البطلة وصاحبها إلى "تجربة الذروة"، مشيرةً إلى الانتقال الطوعي أو المحتوم نحو الموت كرحلة تتجاوز حدود الفهم العقلاني.

إن الرغبة في التحرر من "غربة الواقع وسجنه" قد تعزز الدافع وراء الرحلة نحو الموت، التي تمثل في هذا السياق نهاية الحياة من جهة وإمكانية الهروب إلى "مدى الرحابة الموعود"، حيث لا مكان ولا زمان من جهة أخرى. هذه الرؤية تقدم الموت كبوابة نحو حرية مطلقة من قيود الوجود المادي.

إنّ الاختيار الطوعي والتسليم لقوة الحبيب، والذي يمكن أن يُعتبر "هيمنة الحبيب على المحب"، يكشف عن القدرة العظيمة للعلاقات الإنسانية على تشكيل تجاربنا الأكثر حرجاً. هذا التسليم يرسم الموت كتجربة مشتركة يمكن أن تعمق الروابط بين الأحباء، مقدمة الموت كفعل أخير من فعل الحب، حيث يشارك الأحبة في تجربة العدم والانتقال معًا إلى واقع آخر متخيل أو مأمول.

تدعو بسمة النمري في هذا التحليل القارئَ لاستكشاف أعماق العلاقات الإنسانية والمعاني الوجودية من خلال تجربة الموت. بدلاً من تقديم الموت كنهاية مأساوية، فهي تعرضه كإمكانية للتحرر والتوحد، مستخدمةً السرد القصصي لتجسيد أفكارها بشكل يدعو للتأمل ويحفز على الاستكشاف الذاتي. في هذا السياق، يصبح الموت ليس طرفًا نهائيًا للحياة بل نقطة انطلاق نحو فهم أعمق لمعنى الوجود والارتباطات الإنسانية.

تجسد النمري في هذا النص من المجموعة الشارع الطويل كمسار يقود الشخصية نحو الألم والموت، مشيرة إلى التحول في كيفية إدراك الشخصية للعالم من حولها. الشارع، على الرغم من عنايته، يبدو أسود في عينيها، ما يعكس تغير نظرتها للحياة من خلال عدسة الحزن والفقد. هذه الرؤية السوداوية تسلط الضوء على كيفية تأثير الألم الداخلي على تفسير الواقع الخارجي. وتكشف الإشارة إلى "لعبة الموت" بين كائنين كنموذج للصراع من أجل البقاء عن الطبيعة الأساسية للحياة كمساحة مليئة بالتحديات والمواجهات. في هذا الصراع، يصبح الموت حدثًا اعتياديًا وضروريًا، يُدركُ من قِبل كلٍ من الضحية والجاني كجزء لا يتجزأ من دورة الحياة. هذا التصوير يعكس فكرة النمري عن الموت كعنصر لا مفر منه، يقوم بدوره في الطبيعة والوجود الإنساني.

ويشير إلى ذلك التعذيب الذي تشعر به الشخصية وتصويرها لسوداوية الفعل وبشاعته من خلال الدموع واللهفة، كما يشير إلى الصراع الداخلي والصراع النفسي الذي يواجه الإنسان عند مواجهة الموت والفقدان. هذا النضال يعكس تحدي الشخصية لقبول الطبيعة الحتمية للموت والبحث عن معنى أو راحة في مواجهة العدم، ويذهب بنا هذا إلى الاستفسار الختامي حول البحث عن "خلود محال"، فأنكيدو يشير إلى البحث الإنساني الأزلي عن الخلود والهروب من الموت، وهو موضوع استكشفته الأساطير والفلسفات عبر العصور. تشبيه الشخصية بأنكيدو يدعو القارئ للتأمل في كيفية تأثير الخوف من الموت، والرغبة في الخلود على الفعل الإنساني وقراراته. بهذا، تنسج النمري رواية تستكشف الأبعاد العميقة للحياة والموت، وتظهر كيف أن الإنسان، في مواجهة النهايات والفقدان، يبحث دائمًا عن معان وربما عن طرق لتجاوز حتمية الموت، سواء من خلال الذكريات، أو الأفعال الرمزية، أو حتى من خلال الرغبة في الخلود. في قصة "الحاجز الزجاجي"، يصبح الحاجز رمزًا للفصل بين الحياة والموت، بين الوجود والعدم. ارتطام الحمامة بهذا الحاجز يوقظ صاحبة القصة من سباتها، مثيرًا في نفسها هاجس الموت ومشاعر الحزن والفقدان التي تسيطر على كيانها. الصوت الناتج عن الارتطام يهز أعماقها، كما لو كان يذكرها بقسوة النهايات والفناء الحتمي لكل حي.

تجول البطلة بعينيها باحثة عن الحمامة بلهفة، تعبيرًا عن الأمل اليائس في النجاة والحياة. هذا الأمل يتحول إلى تذوق العلقم عند احتسائها للقهوة، مما يشير إلى تحول تجارب الحياة اليومية إلى مرارة بفعل الحزن والألم. ثم الانهيار والدموع حالة تجسد الاستجابة العاطفية القوية للفقد والعجز عن التغيير أو التأثير على مجريات الحياة. وهنا تسيطر حالة فرارية على البطلة، تهيمن عليها دون وعي، مما يعكس الشعور بالذنب والمسؤولية تجاه الحمامة. الشعور بالذنب يتجلى بشكل أعمق عندما تسعى لمساعدة الحمامة، كأنما تحاول تصحيح خطأ ما أو تخفيف وطأة العمل القاسي. هذه المحاولة تعكس الصراع الداخلي والتساؤل حول الدور الذي نلعبه في دورة الحياة والموت. الانتفاضة الأخيرة للحمامة وهدوء القط بعد فعلته يقدمان صورة معقدة للموت كجزء من الطبيعة الأساسية للوجود. الموت هنا لا يُقدم كنهاية مأساوية فحسب، بل كحقيقة يجب قبولها، ويشير إلى الدورة الطبيعية للحياة، حيث كل كائن يلعب دوره في هذه الدورة. تكشف من خلال هذه القصة، علاقتنا المعقدة مع الموت والحياة، وتجبرنا على التفكير في كيفية تأثير هذه العلاقة على تصوراتنا وتجاربنا. تقدم القصة تأملًا في القبول والاستسلام للحتميات الوجودية، وتحث القارئ على التفكير في الطبيعة المتشابكة للحياة والموت وكيفية تأثيرها على فهمنا للعالم من حولنا.

يُعتبر الموت طاقة هائلة تسبق النزع الأخير، ما يؤدي إلى لملمة تجارب الحياة وأحلامها. هذه الرؤية تنعكس في كيفية تقديم النمري للموت كعنصر محايد واعتيادي، تاركةً بصمته على الحياة اليومية والأحلام على حد سواء، في قصة "الصندوق"، يصبح الموت موضوعًا متداخلًا مع الوجود، ينتظره الكائن الحي كحقيقة لا مفر منها، مما يجسد تجربة الحياة كانتظار للموت. إن استخدام النمري للحظات الحوارية والتعبيرات الهاجعة يثري النص بمخزون فجائعي يعكس الصراع الداخلي والتساؤلات حول الوجود والنهاية. هذه الأساليب تحرض القارئ على التأمل في الحياة والموت والعلاقة بينهما، مستلهمةً من فلسفة اسبينوزا التي تشجع على تأمل الحياة بدلاً من الموت.

تدفع القصص القارئ إلى التفكير في كيفية تأثير الوعي بالموت على تجاربنا الحياتية، وكيف يمكن لهذا الوعي أن يحول اللحظات اليومية إلى تجارب مليئة بالمعنى. ويُظهر النص كيف يمكن للإنسان أن يعيش في ظل الموت، مستخدمًا هذا الوعي لتعميق فهمه للحياة وتقديره لها.

في "نسيج الرغبات" يصبح الموت عملية متواصلة تندمج بها الذات بشكل كامل، معبرة عن التلاشي والتحول الدائم. الأنا في هذه القصة تعيش في حالة من الاضطراب الانفعالي، حيث تصبح الرغبات المتسارعة والمتزايدة رمزًا للحياة في ظلال الموت. النشاط المحموم للأصابع والتململ الدائم لكرة الخيوط يمثلان الصراع الداخلي والرغبة في الخلق والتدمير في آن واحد. الشعور بوهم التغلب على الموت أو الاستسلام للرغبات القديمة يسلط الضوء على النزاع الداخلي بين الرغبة في الحياة والقبول بحتمية الموت. اجتثاث الشعر وتحوله إلى قصة يمثلان تجريد الذات من هويتها السابقة ومحاولة التجديد أو البحث عن تحرر محتمل من القيود الوجودية. هذا الفعل، المتسم بالسرعة والتكرار، يشير إلى التحول الذي يمكن أن يحدث من خلال العمل الإبداعي، حتى وإن كان ينطوي على الفناء. وتتسع حالة الاستحواذ النفسي مع تكرار الفعل "وأنسج"، مشيرة إلى الغرق الكامل في العملية الإبداعية كوسيلة لمواجهة الموت والفقد. الاندفاعة الانفعالية التي تبدو لا إرادية تعبر عن الدفع الأخير نحو الإبداع في وجه العدم، في محاولة لترك علامة ما أو تحقيق إنجاز أخير في "نسيج الرغبات المجنونة". هذا السؤال الختامي حول وجود "فضاء لسطر أخير" يستكشف الرغبة في الاستمرار والتأثير حتى في مواجهة الفناء الحتمي.

بالرغم من تجذر القصص في الواقعية الاجتماعية، إلا أن النمري تتجاوز الوصف السطحي للأحداث لتغوص في استكشاف الوجدان الإنساني، معبرةً عن أخاديد الحزن النبيل والتجارب الوجودية المعقدة. تستخدم أدوات الفن القصصي بمهارة، حيث تنساب الألفاظ والجمل بسلاسة، وتتحلى الحوارات بطبيعية غير متكلفة، مما يسهل على القارئ التعاطف مع الشخصيات والانغماس في عوالمهم.

تمتاز قصص النمري بنسق متماسك ينقل الفكرة بوضوح دون الحاجة إلى إغلاق الأبواب أو تقديم حلول نهائية، ما يعكس فهمها العميق للحياة كمجموعة من الاحتمالات المفتوحة. هذا الأسلوب يدعو القارئ للتفكير والتأمل، مقدمًا له الفرصة لاستكشاف مجموعة واسعة من الأفكار والمشاعر.

في الختام؛ تقدم "أقرب بكثير مما تتصور" لبسمة النمري تجربة قرائية غنية ومتعددة الأبعاد تجمع بين الشعرية والواقعية، وتعمق الفهم الإنساني للوجود. من خلال استكشافها للحياة بكل تعقيداتها وجمالها، تترك النمري بصمة لا تُنسى في قلوب القراء، مؤكدةً على أن الحياة، مثل قصصها، مفتوحة على كل الاحتمالات.

تجسد هذه المجموعة القصصية عملا أدبياً وفنياً ينبض بالحياة من خلال تلاقي الكلمة والصورة. نُشرت هذه المجموعة القصصية عبر المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت، وتقدم في مائة وأربعة وخمسين صفحة متوسطة الحجم، لمحة عن عالم النمري الغني بالتجارب الإنسانية العميقة والعوالم الخيالية. تتضمن المجموعة ثلاث وعشرين قصة قصيرة وسبع حكايا، بالإضافة إلى أربع وعشرين لوحة فنية تعكس رؤية القاصة والفنانة التشكيلية الأردنية في انسجام يُظهر قدرة الفن على تجسيد الأفكار والمشاعر بطرق متعددة الأبعاد.

تأتي هذه المجموعة كعمل متكامل يستكشف الحدود الفاصلة بين الكتابة والرسم، حيث تتقاطع القصص القصيرة مع الحكايات واللوحات الفنية لتقديم تجربة قرائية وبصرية متكاملة. هذا التلاقي بين النص والصورة لا يقتصر على مجرد إضافة جمالية بل يعمق من تجربة القارئ وتفاعله مع النص، مما يسمح للمشاعر والأفكار بأن تُعبر عن نفسها بطرق متنوعة ومبتكرة.

يكتسب العنوان "أقرب بكثير مما تتصور" بُعدًا رمزيًا ينسجم مع مضمون القصص واللوحات، مشيرًا إلى أن الواقع والخيال، الحياة والموت، الحزن والفرح، أقرب إلى تجربتنا الإنسانية مما قد نتخيل. من خلال تناولها لموضوعات متنوعة تراوح بين الوجودية واليومية، تطرح النمري أسئلة عميقة حول الإنسان وعلاقته بالعالم المحيط به وبنفسه.

وبكل يقين؛ فإن هذه المجموعة قدرة بسمة النمري على استخدام اللغة والصورة لخلق عوالم تأخذ القارئ في رحلات تتجاوز الزمان والمكان، مقدمة لمحات عن الجمال والألم والأمل في الوجود الإنساني. من خلال الجمع بين جماليات الكلمة والصورة، تؤكد النمري على أن الفن بكافة أشكاله هو وسيلة للتعبير عن الذات واستكشاف العالم، مما يجعل "أقرب بكثير مما تتصور" تحفة فنية وأدبية تُثري الروح وتُحرك الوجدان.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها