عشرون ثانية .. حياة

حنان العطار

عند عتبات السلم الكهربائي، داخل المحطة الكبيرة المزدحمة، تراجعت، وقررت أن تصعد الدرج الموازي له، صارت تخشى كل ما قد يؤدي بها إلى السقوط، لم تعد تأمن عواقب أي خطوة لا تجيد السير إليها، أو التوازن فيها.. لكنها سمعت صوته يقول لها: أعطني ذراعك، صمتت لحظة، ونظرت إليه بدهشة، وخجل.. هذا الذي جاء إليها، وشغل عالمها مثل جني الفانوس، صدفة يخرج لينعش الأحلام، ويحقق الأمنيات.. تعثرت به في دربها للحياة، ما حسبته إلا وجهاً عابراً مثل كل العابرين؛ لكنه بقى لها ومعها دون تفسير أو تبرير. ترددت أن تمد ذراعها وهي تعلم أنه رغم عشقه لها متحفظ، متعفف، في البوح ليس بمقدام، لم تقدم على ذلك إلا عندما هيأ هو ذراعه؛ لتمسك به...؛ لتمض اللحظات.. هل كانت ثوان معدودة؟ أم أنه زمن كاف لأن تشعر وهي في قبضته بأمان اشتاقت إليه؟ مضى عمرها، وهي ترجوه، وتهرول لكل من يلوح به، طعم حقيقي لإحساس تجرعت مراراً من زيفه، حتى أتقنت تمييز صدقه من باطله، لم تدر إلا بتشبثها به واعتدال ظهرها الذي ظل عارياً من كل سند، وقارب على الانحناء لثقل الرحلة... يصعد بهما السلم من أسفل إلى أعلى وكلما صعد لاح لها الضوء لتتضح الرؤية وتغمرها النسمات، فيتسع صدرها الذي ضاق بكل شئ.. ملتصقة به، متوحدة معه، وهو الذي لم ينثر حولها الوعود، ولم يقسم أنه سيبقى للأبد، ولا أطرب مسامعها بأحاديث العشق، ليس مضطراً لبسط شباكه، ولم يلجأ لمطاردة مشاعرها، هو فقط يتواجد دوماً في محيطها، يحيا بوضع الاستعداد لطمأنتها، يفعل دون ثرثرة، ثوان متتابعة، السلم في صعود، ونبضات قلبها التي اتصلت بنبضه تتراقص رقصة صوفي، يدور ويدور؛ ليطوي سنواتها العجاف، ويمرر لعينيها كل لقطات الخذلان، وصور المسوخ، ومحطات السقوط؛ فتبهت معالمهم، ولا يتبقى إلا نشوة الرقصة، وخفة الروح. ثوان أخرى تمر وكلاهما يحكم القبضة تجاه الآخر في اعتراف أن كل روح وجدت شبيهتها في رحلة ارتقاء السلم، التي استغرقت ما يقارب عشرين ثانية، وعند نقطة الوصول أفلتت ساعدها في بطء وتراخ، بينما هو يسرع السير ويحثها على الإسراع، تشكو له ألم قدميها وعدم قدرتها على مجاراته في العدو والقفز بخطوات واسعة، منهكة هي، يحفزها أكثر ويناديها: فلتحتملي، ولتسرعي، حتى نتمكن من اللحاق بآخر قطار يخرج من المحطة، فمضت تغالب ضعفها وتحاول...
 

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها