الميديا.. والتأثير على القدرات الإبداعية للطفل

عفت بركات


(السوشيال ميديا Social media) هو المصطلح الذي يطلق على مجموعة المواقع الإلكترونية والتطبيقات على الأجهزة الذكية، التي انتشرت بشكل كبير في العقدين الأخيرين من هذا القرن، والتي يستخدمها الناس بشكل كبير للتواصل فيما بينهم وتبادل الأخبار والمعلومات والترفيه والصور، والتعارف والمحتوى التعليمي والأدبي وغيرها من أنواع المحتوى الذي يمكن نشره من خلال شبكة الانترنت. ومنصاته المختلفة.


وقد ارتفع عدد مستخدمي الهواتف الذكية بشكل كبير حول العالم في السنوات القليلة الماضية ومع حلول 2020 صار مستخدمو الهواتف في أنحاء العالم 6.1 مليار. وتقول أحدث الدراسات أن 60% من المستخدمين ينظرون للهواتف الذكية كأداة اتصال، في حين ينظر 23% بأنها جزء أساسي من حياتهم، و8 يستخدمونه أداة للتواصل الاجتماعي، و8% يستخدمونه كأداة للترفيه.

وللهاتف سلبيات وإيجابيات على مستخدميه فعن سلبياته للأطفال، يقول الخبير التربوي د. يزن عبده: إن الاستخدام المفرط للهواتف الذكية له آثار سلبية على نمو الطفل وبنائه الجسدي والذهني والاجتماعي. ويوضح أن استعمال الأجهزة الذكية بشكل مفرط يعمل على أضعاف قدرة الطفل على التخيل، وذلك لأنها توفر له الخيال، وبالتالي تشكل له صوراً ذهنية بطريقة آلية بغض النظر عن رغبة الطفل فيها، ونوه أيضاً أن للهواتف أثراً في إصابة الطفل بالخمول والكسل وضعف الذاكرة، وهو الأمر الذي يؤدي إلى تخزينها في عقل الطفل واسترجاعها حتى بعد التوقف عن المشاهدة واللعب، مما يسبب تشتته وضعف تركيزه، كما تضعف مهاراته الاجتماعية، وتصاب بالتراجع بما يقارب نسبة 65% من الأصل الذي يجب أن تكون عليه بمرحلة الطفولة من سن خمس إلى عشر سنوات، ومن ذلك أن نسبة العدوانية الاجتماعية تزداد بشكل واضح، كون الطفل يتعرض إلى مشاهدات وبالتالي يحاكيها ويسقطها على حياته. ومن ناحية أخرى هناك أطفال على النقيض من ذلك يصابون بالخجل والانطوائية جراء عدم نمو المهارات الاجتماعية، من الحديث والتواصل الاجتماعي الجسدي كالسلام باليد، ومن التواصل الاجتماعي الإيمائي كالابتسامة وغيرها.

أثر الميديا على الطفل:

لا شك أن للميديا تأثيرات إيجابية على الصغار والكبار على كل الأصعدة، وكل المجالات الحياتية، حيث إنها أتاحت الفرصة للكثيرين على زيادة ساعات العمل وهم في المنزل، هذا بالإضافة إلى استخدامه من استقبال وإرسال الرسائل الإلكترونية، وما يحدثه من تواصل ساهم في اختصار المسافات بين البلدان وتبادل الثقافات والعلوم. وبالنسبة للطفل صار أكثر اطلاعاً واستكشافاً للعالم المحيط به خاصة في مشاهدته للقنوات الفضائية، أو القراءة لكتب عديدة والاطلاع على الأبحاث والمعلومات.

لكنها مع ذلك تركت آثارًا سلبية، منها على سبيل المثال تقديم مفاهيم عقائديّة وفكريّة مخالفة لفطرةِ الطفل، تنمية مشاعر العدوانية والعنف، وحب الجريمة، والاستهانة بحقوق الآخرين في سبيل تحقيق غايته. وإعاقة تطوّر قدرات الطفل التأمليّة، والتي تدفعُه للإبداع والابتكار. واضطراب نظام الطفل اليوميّ، وعدم التزامه بأوقات النوم والطعام، ممّا ينمّي لدى الطفل مبدأ الاستهتار بالوقت، وعدم الاكتراث له.

إصابة الطفل بالكثير من الأمراض الصحيّة والجسميّة، فالجلوس الطويل أمام وسائل الإعلام يؤدّي إلى الكسل، والتأثير على قوّة نظره، وأعصابه، بالإضافة إلى إصابته بالسمنة الناتجة عن كثرة تناول الطعام أثناء فترة جلوسه، وقلّة الحركة في الوقت نفسِه. وكذلك التأثير على التحصيل الدراسيّ للطفل ومستواه الأكاديميّ بشكلٍ سلبيٍّ، ممّا يؤدّي إلى تراجعه وتدنّي تحصيله. هذا مع الإصابة ببعض المشاكل النفسيّة كالفزع والخوف، ممّا يؤدّي إلى تبوّلِه ليلاً خلال نومه؛ بسبب خوفه من الذهاب إلى الحمام، وتفكيره الدائم بالشخصيّة الشريرة التي شاهدها.

انحراف الفن في العقل الباطن للطفل:

إن القصة تلعب دوراً مهماً في تنشئة الأطفال؛ وبما أن كل طفل طبقاً لمقولة جون إيكن يقرأ حوالي ستمائة كتاب خلال طفولته. لو نتخيل ما يمكن أن يحصل عليه الطفل من هذه الكتب وهو في سن التكوين والنضح، حيث كل شيء مصدق، وحيث تنزع نفسه لتقمص أدوار البطولة للاحتذاء بالمثالي منها والتحلي بالقيم؛ إنها الفترة من سن (8 وحتى 16)، بعدها يصير عضوا عاملا في المجتمع. لكن للميديا انحرافات عديدة تؤثر على فكر الطفل علينا أن نتصدى لها؛ لأنها تشوه المعتقدات المقدسة والقيم لدى أطفالنا، لذا علينا إيجاد الميديا البديلة التي تستلهم من التراث والهوية العربية الأصيلة، وعليه؛ لا بُد من تنقيحها لأن ما يراه الطفل لا إراديا يختزن منه الكثير في عقله الباطن.

لذا؛ ذكر جيلفرد أن رعاية العقل لا تكتمل إلا إذا استندت إلى رعاية الجوانب المزاجية، وهو ما تأكد لنا من فحص العديد من الدراسات التي عرضنا لها أو التي أجريناها، وقد أضاف العديد من الباحثين مثل: فرانك بارون، وروجرز، وماسلو، وتورانس، وأمابيل، وجاردنر وغيرهم إضافات لها وزنها في الاهتمام بالجوانب الاجتماعية في السلوك، كل ذلك من أجل تهيئة أنسب لرعاية الجوانب العقلية للموهبة والابتكار، فالمطلوب أن يكتسب الطفل الموهوب إمكانيات تحقق لشخصيته وسلوكه التماسك والقوة والانطلاق، وهذا لا يتحقق بمجرد تنمية الإمكانيات العقلية. ولضمان الكفاءة للفرد من خلال الأبعاد المشار إليها؛ فقد تم بالتبعية ضمان فاعلية الجهد المبذول في تنمية المهارات الإبداعية، وتنمية المهارات الإبداعية لا بد أن تمضي من خلال برامج متعددة الخطى، ويمكن رصد عناصرها فيما يأتي على سبيل المثال:
تنمية الخيال بأبعاده المختلفة، لقد ثبت من خلال دراسات متنوعة أن الخيال هو البداية الأولى أو الخطوة الافتتاحية في تنشيط الفاعلية الابتكارية، حيث إنه فيما يرى بعض الباحثين هو النشاط الحر المتصل بنشاط الجانب الأيمن من المخ، وما من مبدع إلا وكان أحد أهم جوانب اهتماماته في تنشيط كفاءته الإبداعية هو النشاط الخيالي. كذلك اتضح أن الأطفال من ذوي نسب الذكاء المتدنية لديهم طاقة خيالية أكثر تفوقاً عما يملكونه من القدرات العقلية التي تقيسها اختبارات الذكاء.

تنمية القدرات الإبداعية التي أشار إليها جيلفورد وتورانس وغيرهم، ومن أهم تلك القدرات الطاقة والمرونة والأصالة، من خلال تدريبات مبرمجة تمت تجربة فاعليتها.

تنشيط مهارات التفكير النقدي لدى الطفل أيضًا، من قبيل التنبؤ والاستدلال والتصنيف والتحليل، واتخاذ القرار في أي إطار من الأطر إذا تم استخدامها في تنمية وتدريب الكفاءة العقلية، مثل استخدام منظومة بلوم التي كان لها أثر كبير في تنمية ذكاء الطفل، ومن ثم تنشيط قدراته العقلية على رفض كل ما يحيط به من سلبياتٍ.

لذا؛ فالمهمة الكبرى في حماية أطفالنا من الآثار السلبية للميديا لن تتحقق إلا بتنمية خيالاتهم الإبداعية، التي ستنعكس على طريقة تفكيرهم الإيجابية؛ كي يصبحوا فاعلين في مجتمعاتهم.

التعليقات

اضافة التعليق تتم مراجعة التعليقات قبل نشرها والسماح بظهورها