أقسم أنه لن يتأخر وسوف يجيء في الموعد الذي حدده. هكذا قالت عيناه. هو لم يكذب من قبل. فطالما قال كلمة أعرف أنه سينفذها، عيناه لم تكذبا يوماً، أقرأ فيهما أكثر مما أسمع من كلماته. حينما عرفت برحيله حدقت في عينيْه، تبسمت النظرة وهدهدت مخاوفي من فراقه، حدثني عن العودة وعن لحظات اللقاء المرتقبة والأمل الذي لن يغيب.
في الصباح جهزت الإفطار للأولاد، أعددت السندوتشات، وضعتها في الحقائب المدرسية وأيقظتهم كما أوقظهم كل يوم. كنت سعيدة وأنا أراهم يبتسمون ويتضاحكون وحتى عند مغادرتهم ومغادرة نبض الفرحة معهم لم أغضب، أو أشعر بالملل أو الخوف من الفراق؛ لأنني أعرف أنهم سيعودون وتعود معهم الحياة والبهجة إلى البيت.
...
بعد الظهيرة عدت إليه أحادثه وأسأله أن ينفذ وعده ويعود، عيناه كانتا باسمتين فيهما ألق الصدق، أزلت التراب والغبار الخفيف عن زجاج الإطار ومضيت لأعمال البيت، حينما انتهيت وقفت أجفف عرقي أمام المرآة، كانت بضع شعيرات بيضاء قد تسللت إلى رأسي، لم أشعر بفزع كما تفعل الأخريات.
...
قبل المغرب بلحظات أتى أولادي من جامعاتهم حاملين حقائب جلدية بها أوراق محاضراتهم المهمة، كان الطعام جاهزاً، قبلوا وجنتي الرطبتين بحب.
همست أحلام ابنتي:
- ماما امسحي عينيك.
كنت قد انتبهت لانتفاخات خفيفة تأخذ مكانها أسفل عيني، لم أضق بها أو أداريها بالمساحيق كما تفعل الأخريات. اكتفيت بإلقاء الماء على وجهي ليظل ندياً ولا يصيبه الجفاف؛ إذ ربما يجيء فيرى الفارق بين الأمس واليوم.. مؤكد سيغفر للأيام مافعلته لي في غيابه، لكنني لا أعتقد أنه يغفر لي إهمالي لنفسي، الماء سيرطب وجهي وهذا يكفي.
تبسمت لها: أنا لا أبكي، إنه ماء غسلت به وجهي.
احتضنتني ولم تفكر في الرد.
بعد الغروب.. اقتنعت أنه من الأصوب أن أجهز نفسي للذهاب إليه. وقفت في زفاف ابنتي أحلام أرتدي نظارتي الطبية ذات الزجاج المضغوط، وأغطي شبب رأسي بمنديل وردي يعبر عن فرحتي بزفافها. أردت أن أتحدث إليه، أهنئه، أهمس إنني أتوق للذهاب إليه. كانت عيناه تحملان ذات الألق.
قلت له: قريباً نلتقي
انتبهت لصوت أحلام خلفي قادمة تبحث عني:
- ماما، واقفة لوحدك ليه؟